
شبكة النبأ: تمتاز كل امة من
الأمم بثقافتها وسلوكياتها الخاصة، أوجدتها ذهنية المجتمع المكتسبة
من خلال الظروف المصاحبة لشؤون أبنائه اليومية، أو عبر مجموعة من
القيم والمبادئ جبل عليها مجتمعها مسبقا.
ولتلك الثقافة والسلوكيات انعكاسات تعود على شعوبها ومجتمعاتها
بالخير تارة أو الشر تارة أخرى وفق معيار ايجابية هذه الثقافة أو
سلبيتها، تلاحظ من خلال ممارسات أفرادها فيما بينهم أو أثناء
تعاملهم كمجتمع مع المجتمعات والشعوب الأخرى.
ومن حزمة الثقافات الايجابية تلك تسهم الثقة وحسن الظن بالآخرين
في ترسيخ ذهنية وسلوكيات تنأى بمجتمعاتها عن الكثير من العواقب
السيئة، كما تعمل على ترسيخ السعادة والألفة بين أفراد المجتمع.
الدنمارك من اسعد شعوب العالم
فعلى سبيل المثال أثبتت دراسات مسحية أن الدنمركيين هم الشعب
الاكثر سعادة على مستوى العالم، والعامل الرئيسي هو صفة شحيحة
عالميا الا وهي الثقة.
كما تظهر لنا قاعدة بيانات السعادة العالمية بجامعة ايراسموس
إلى دراسة مسحية عن القيم العالمية من جامعة ميشيجان في اواخر
يونيو حزيران احتل سكان الدولة الاسكندنافية البالغ عددهم 5.5
مليون نسمة المركز الاول في معظم الدراسات المسحية المتصلة
بالسعادة والتي اجريت في الاعوام العشرين الأخيرة.
وفيما يبحث خبراء اقتصاديون عن سبل أفضل لقياس الرفاهية الذاتية
وليس الثروة البحتة فانهم يقولون ان الدنمركيين الذين هم ايضا بين
اكثر شعوب العالم رخاء لديهم تراث من المساواة والثقة لا يتكرر
كثيرا في أنحاء العالم.
مزايا هذه الثقة برزت في سوق الأسهم
لم يفلت من اثار الازمة العالمية سوق الأسهم الدنمركي حيث هبط
بنحو 37 في المئة حتى الآن هذا العام لكنه على مدار خمسة أعوام كان
الافضل أداء بين الاسواق المتقدمة بقياسه بمؤشرات ام اس سي اي
بمكاسب بلغت نحو 13 في المئة مما وضعه في مركز متقدم عن النرويج
الغنية بالنفط.
وقالت يوستينا فيشر الخبيرة الاقتصادية بمنظمة التعاون
الاقتصادي والتنمية وهي المانية درست الرفاهية الذاتية وعلاقتها
التبادلية بالاقتصاد والاجتماع لسنوات كثيرة ان السعادة في الدنمرك
ترجع إلى أن الناس يستهلكون حصة متساوية نسبيا من الثروة التي
ينتجونها ويثقون في بعضهم بعضا.
وأضافت قائلة لرويترز "الدنمرك احدى الدول التي تتمتع بمستوى
عال من الثقة بين الناس." وفي دول أخرى يشعر الناس بدرجة اكبر من
التشكك بشأن المؤسسات سواء كانت حكومية او تجارية إلى جانب التشكك
في بعضهم بعضا.
وكانت الدنمارك واحدة من أوائل الدول خلال الاضطراب الحالي الذي
تشهده أسواق المال التي تعد بضمان غير محدود للودائع والديون ذات
الاولوية في السداد بالبنوك.
وقالت فيشر "الثقة في الاقران وايضا الثقة المؤسسية والثقة في
الاقران على وجه الخصوص عامل محدد مهم وحاسم للرفاهية الذاتية
للمرء."
75 مليون دولار لتحسين صورة الدنمارك في
العالم!!
والمشكلة بالنسبة لحكومة الدنمرك هي أن عدد الناس في الخارج
الذين يعلمون مدى سعادة الدنمركيين او لماذا هم سعداء غير كاف.
وبالتالي تنفق الحكومة 75 مليون دولار لتحسين صورتها.
وقال الدبلوماسي الدنمركي كلافس هولم ان هذا المشروع كان يجري
الاعداد له قبل أن تنشر صحيفة دنمركية في عام 2005 رسوما
كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد مما أثار احتجاجات حادة بين المسلمين
ضد الدنمرك ولا يستهدف العالم الإسلامي.
وأضاف أن معظم الناس يرسمون صورة للدنمرك من واقع قصص هانز
كريستيان اندرسن "عروس البحر" و"حدائق تيفولي". وتابع أن ما لا
يرونه حقا هو "القيم الدنمركية المتفردة" للبلاد.
وقال وكيل الوزارة للدبلوماسية العامة "الدنمركيون هم (الشعب
السعيد). لماذا.." مستشهدا بمدى الارتياح الذي يشعر به الدنمركيون
بسبب بعض المباهج البسيطة مثل السباحة في مرسى المراكب في احد ايام
الصيف وهو ما يمكن أن يعتبر أمرا ينطوي على مجازفة كبيرة في مكان
اخر.
وتابع قائلا "امرأة تقود دراجتها ومعها طفلاها في صندوق
بالمقدمة والسماء تمطر كيف تستطيع أن تفعل هذا.. الدنمركيون
متخصصون في ممارسة ركوب الدراجات ومكافحة الاحتباس الحراري على
المستوى المحلي. هذه هي بعض القيم التي تثير اهتمام الناس الآخرين."
جزيرة تحقق الاكتفاء الذاتي
ولعل جزيرة سامسو الدنمركية التي حقق سكانها بعد عشر سنوات هدفا
بالاكتفاء الذاتي من الطاقة المتجددة مثال على مبادرة مجتمعية تتسم
بالاعتماد على النفس وتستطيع الدنمارك أن تقدمها.
ولم يتضح كيف أصبح الدنمركيون يثقون في بعضهم بعضا بهذه الدرجة
لكن كريستيان بيورنسكوف الاستاذ بجامعة ارهوس الذي يصف نفسه بأنه
باحث في مجال السعادة يقول انهم ربما توارثوها عبر الاجيال.
وقال لرويترز "نعتقد أن أصول هذه الثقة يمكن اقتفاء أثرها حيث
ترجع إلى فترة بعيدة ربما ترجع إلى بعض أعراف الفايكينج.
"وأضاف أن من بين المؤشرات على هذا دراسات مسحية تظهر أن نسل
هؤلاء الاسكندنافيين الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة في القرن
التاسع عشر بوجه عام هو الاكثر جدارة بالثقة من الأمريكيين اليوم.
ثقة تساعد على النمو الاقتصادي
وأشارت فيشر إلى أن خبراء اقتصاديين وجدوا علاقة متبادلة
ايجابية بين الثقة والنمو الاقتصادي. وأضافت "اذا وثقت في أحد ما
في صفقة بالسوق تنخفض نفقات الصفقة. لا تحتاج حتى الى عقد لانك تثق
في كلماته او كلماتها. لهذا لا تكون لديك تكاليف للعقد ولا
للتطبيق."
وقال بيورنسكوف ان الثقة الدنمركية ترتبط بوضوح باقتصاد أفضل
وموقف تنافسي افضل. وأضاف "يعني هذا أن النظام القضائي يعمل بشكل
أفضل في الدنمرك والتعليم يعمل افضل من دول أخرى كثيرة. وتسهم
الثقة في السعادة لكنها تسهم ايضا في تحقيق نتائج اقتصادية
ملموسة." |