نحن والآخر

وترى قفاك بجمع مرآتين!!

حسن آل حمادة

"نحن والآخر"، مفردتان في غاية الأهمية، وهما بحاجة لمزيد من النقاش والإثارات الثقافية الجادة، التي نظل في شوقٍ لمعالجتها على أوسع نطاق ممكن؛ ليغدو موضوع الحوار والانفتاح على الآخر، من الممارسات الاعتيادية، أثناء التعامل مع الناس، في حياة الإنسان المسلم.. بل في حياة أي إنسان رشيد، بعيداً عن الاعتبارات الأخرى!! لذا ينبغي أن ننظر لموضوع الحوار على أساس أنه ممارسة إستراتيجية دائمة، لا عملاً تكتيكياً مرحلياً!

 وبداهة، أن المملكة العربية السعودية تشهد حراكاً جديداً على مستوى التواصل بين الطائفتين السنية والشيعية. ونظراً لعقود من القطيعة التي عاشتها الطائفتين على المستوى العام؛ فلا يزال صوت الاعتدال لا يلقى الصدى المطلوب، ولعلّ المتابع للمشهد يلحظ أن بعض دعاة الاعتدال والوسطية يتحركون وفق حالة الرضا الشعبية؛ فإن صفق الجمهور، قالوا إننا مع خطاب الوسطية وقبول الآخر، وإن غضبت الساحة، تملّص بعضهم مما كتب أو قال متناسياً قول الحق سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}[الأحزاب:39].

ويبدو أن رجال الإصلاح الواعون في الأمة يتحركون من إيمان عميق بضرورة التواصل والتلاقي والإخاء، باعتبار أن المؤمنين إخوة، وإن اختلفوا في التفاصيل التي تزيد المشهد الديني جمالاً، وإن لم يبصره من لديه قصر في النظر. ولا يخفى على القارئ أن مركز الحوار الوطني في المملكة العربية السعودية أثناء دورته الخامسة تبنى موضوع: (نحن والآخر)، فمن الجميل أن نعرف من (نحن)، لنعرف من هو (الآخر)، فمن نظنه الآخر، قد نكتشف أنه يدخل في قائمة الـ(نحن) إن تحاورنا معه بالتي هي أحسن! ويكفي أن نجلس مع الآخر ونتحاور معه، ليتعرّف كل منا على التصورات الصحيحة تجاه بعضاً البعض، فالله -عزّ وجل- خلقنا شعوباً وقبائل لنتعارف، لا لنتقاطع، ولا لكي يحمل كل منا الضغينة والحقد تجاه أخوته في الإنسانية. وأتصور أننا لن نعرف أنفسنا جيداً إن لم نتحاور مع الآخر -أياً يكن هذا الآخر- وكما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "وترى قفاك بجمع مرآتين"!!

 "ومجتمع المملكة العربية السعودية، -كما يرى محمد محفوظ- كبقية المجتمعات الإنسانية، يحتضن العديد من المدارس والمذاهب الفقهية الإسلامية، كما يزخر بالكثير من التوجهات الفكرية والمعرفية والسياسية. ونحن أمام هذه التعددية الفقهية والفكرية والسياسية، بحاجة إلى نظام علاقة إيجابي بين هذه المكونات والتعبيرات قوامها احترام التنوع في ظل الوحدة الاجتماعية والوطنية. وذلك من أجل وأد التوترات ومحاولات التمزيق ومخططات الفتن والتشظي، وذلك حتى تتحول هذه التعددية المذهبية والفكرية إلى رافد أساسي في تقوية المجتمع وإثرائه على الصعد الفكرية والثقافية والسياسية"[العرب ودولة الإنسان، ص186].

المجتمع السعودي والحوار

لا يخفى أن المجتمع السعودي كغيره من المجتمعات، فنجد فيه المواطن الواعي الذي يفقه أننا كمسلمين يجب أن نتعامل مع الناس كافة على أساس أنهم أخوة، وهو الذي عبر عنه الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر بقوله: "الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق". ومن يتأمل الآيات القرآنية يلحظ -كما يقول الإمام محمد الشيرازي- أنها سمت الكفار أخوة الأنبياء (عليهم السلام)، والأنبياء أخوة الكفار كما سمى الله سبحانه النبي هوداً (عليه السلام) أخا قومه عاد: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ}[الأحقاف: 21]، و{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً}[الأعراف: 65]... وهذا الإخاء الوارد في هذا الصنف معناه لزوم العمل بمصاديق الأخوة العامة، فالإنسان أخ لبني نوعه مهما كان الفرق بينهما في الدين واللغة والعرق واللون والوطن.[الفقه: السلم والسلام، ص364-365].

 وبجانب المواطن الواعي في المجتمع السعودي نجد -أيضاً- من يظن أنه الوحيد الذي يمتلك مفاتيح الحقيقة المطلقة، وأنه الوحيد الذي يمثل الصواب في التصورات والمواقف الدينية بشكل خاص، لذا نجد هذا الصنف يمارس عملية الإقصاء في أبعد حدودها، وينظر للآخر نظرة دونية، لا يقبلها الشرع الحنيف، ولا العاطفة السليمة، ولا العقل الرشيد!!

ماذا نحتاج للحوار مع الآخر؟

ونحن نهم في حوارنا مع الآخر نظل بحاجة لأن نعي قول الحق -سبحانه وتعالى-، حيث يخاطبنا على لسان نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ}[سبأ: 24]، فبالرغم أننا نعتقد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم أنه على الحق والهدى، وأن الآخر على الباطل، إلا أنه ينطلق في حواره بعيداً عن المسلمات المسبقة، وهو على أهبة الاستعداد لمقارعة الحجة بالحجة، لا بتسفيه آراء الآخر قبل الاستماع لما يقول. وهكذا يجب أن نكون كمسلمين وكمتحاورين.

إننا بحاجة لتعميم ثقافة الحوار.. ونحن بحاجة للجهر بأن للآخر الحق في إبداء وجهات نظره، وإلا فأمامنا الطوفان! ونحن بحاجة (للقدوة العملية) في هذا الشأن، ولن يكتب للحوار الوطني -أو غيره- النجاح، إن سُطِرَّت البنود والأفكار المطروحة فيه؛ كمواعظ وقصص مدونة على الأوراق، ولم تجد لها في الواقع العملي مجالاً للتطبيق.

* كاتب وباحث وإعلامي-السعودية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/تشرين الأول/2008 - 23/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م