
شبكة النبأ: مع قرب الانتخابات
يسلط الاعلام الامريكي الضوء على مجريات هذه الانتخابات ومقرراتها
التاريخية التي سارت وفق منهجيتها عبر مسار دام لعقود طويلة،
وحافظت على وجهها وشكلها وملامح بقائها، مع وضع مقارنة تسلسلية
للأحداث التي بنيت وفقها هذه الانتخابات منذ انطلاقها قبيل قرنين
ونصف وحتى اليوم.
وتعريف كامل وواضح عن نظام الهيئة الانتخابية في الولايات
المتحدة، وعملية التصويت الشعبي الذي يتم وفق أسس معينة في أيام
الاقتراع الشعبي.
(شبكة النبأ) في سياق التقرير التالي تسلط الضوء على مجرى
الانتخابات الامريكية من وجهة نظر التحليل والمتابعة التاريخية
التي تضع الاسس مع ربط العلاقات القديمة وعدد الرؤساء المنتخبين
وملابسات الدورات الانتخابية السابقة:
نظام الهيئة الانتخابية في أمريكا
واختيار الرئيس
نظام الهيئة الانتخابية يجعل من انتخاب رئيس الولايات المتحدة
أمرا أشد تعقيداً من مجرّد تعداد كافة الأصوات الشعبية. فعلى
الحزبين السياسيين الرئيسيين وضع استراتيجيات مبتكرة لكسب أصوات
بضع "ولايات متأرجحة" يمكنها تحديد نتيجة الانتخابات.
ديفيد مارك محرر رئيسي في مجلة بوليتيكو المطبوعة والمنشورة على
موقع الإنترنت politico.com، التي تغطي أخبار السياسة الأميركية
القومية. بحسب موقع تقرير واشنطن.
حيث يُدلي الأميركيون بأصواتهم لانتخاب رئيس للولايات المتحدة
كل أربع سنوات، ولكن، ومهما بدا ذلك الأمر غريباً، ليست هناك
انتخابات قومية. وبدلاً من ذلك يصوت الأميركيون لهذا المنصب القومي
في 51 عملية انتخابية فردية تجري في الولايات الخمسين وفي مقاطعة
كولومبيا (واشنطن العاصمة). وعند جمعها معاً، يشكل هذا المجموع
الهيئة الانتخابية ويقرر نتيجة الحملات الانتخابية الرئاسية.
إن تشكيل الغالبية في الهيئة الانتخابية يعتبر مهمة مُعقدة.
تُنفق الحملات الرئاسية ساعات لا تحصى في ابتداع استراتيجيات تؤمّن
الحصول على الرقم السحري، ألا وهو 270 صوتاً من أصوات أعضاء الهيئة
الانتخابية، أي الغالبية من مجموعة 538 صوتاً. ومن المحتم أن يعني
تأمين غالبية أصوات الهيئة الانتخابية إنفاق الوقت الثمين والموارد
في إحدى الولايات على حساب ولايات أخرى. وخلال الأسابيع النهائية
التي تسبق يوم الانتخاب، يترتب على المُشرفين على الحملات
الانتخابية اتخاذ قرارات صعبة في كل يوم حول الولايات التي ينبغي
استهدافها بجدية وتلك التي يمكن التخلي عنها. إن الخطأ في اختيار
الولايات لتنفيذ الحملات قد يعني الفرق بين فوز المرشح بالبيت
الأبيض وبين تركه خارجاً في الجليد السياسي يوم تولي منصب الرئاسة
في 20 كانون الثاني/يناير.
ومهما يكن من أمر، فإن الحقائق السياسية تعني أيضاً أن غالبية
الولايات، والتي قد يبلغ عددها 30 أو ما يقرب من ذلك، قد تكون على
الأرجح ديمقراطية أو جمهورية ولا مجال للتنازع الانتخابي الجدي
حولها. وهكذا، فإن إنفاق الوقت والمال في هذه الولايات المضمونة
النتائج قد يُشكِّل هدراً جدياً لوقت أي من الحملتين الانتخابيتين.
وأظهر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تناقصاً مستمراً في
الأهداف الواضحة مقارنة مع الانتخابات الرئاسية السابقة. واللافت
للنظر انه لم تحصل سوى تبدلات طفيفة بين عام 2000 وعام 2004 في
خريطة الانتخابات الرئاسية. وفي الواقع لم تبدل سوى ثلاث ولايات
مواقفها السياسية: ولايتا آيوا ونيو مكسيكو تحولتا من دعم المرشح
الديمقراطي آل غور في عام 2000 إلى دعم الرئيس الجمهوري جورج بوش
عام 2004، وولاية نيو هامبشاير التي دعمت بوش عام 2000 تحولت بعد
أربع سنوات إلى دعم المرشح الديمقراطي جون كيري. يُشكِّل هذا الوضع
أحد أكثر الخرائط الرئاسية التي تراوح مكانها في الذاكرة الحديثة.
غير أنه في العام 2004، تحدد قرار 13 ولاية بنسبة سبع نقاط
مئوية أو أقل، وهذه الولايات هي: كولورادو، فلوريدا، آيوا، مشيغان،
مينسوتا، نيفادا، نيوهامشاير، نيوجرسي، نيو مكسيكو، أوهايو،
أوريغون، بنسلفانيا، وويسكنسن. وهكذا، فإن واضعي استراتيجيات
الحملات الانتخابية للمرشح الجمهوري جون ماكين، والمرشح الديمقراطي
باراك أوباما أصبحوا يبحثون في عام 2008 عن طرق لتوسيع ميدان اللعب
وجعل عدد أكبر من أصوات الهيئة الانتخابية في الولايات تدخل إلى
ميدان التنافس.
فعلى سبيل المثال، تدعو خطة أوباما إلى توسيع الخريطة
الانتخابية من خلال تحدي ماكين في ولايات تدين بالولاء في العادة
إلى الحزب الجمهوري ومن ضمنها نورث كارولينا وميزوري ومونتانا.
بينما تهدف استراتيجية ماكين إلى التنافس لكسب ولايات صوتت مؤخراً
للحزب الديمقراطي مثل بنسلفانيا، حيث هزمت السناتور هيلاري كلينتون
أوباما في الانتخابات التمهيدية لتسمية الحزب الديمقراطي للمرشح
الرئاسي، وكذلك الأمر بالنسبة لولاية مشيغان حيث لم يتنافس أوباما
في الانتخابات التمهيدية. يتكهّن مسؤولون من الحملتين بكثير من
الثقة بأنهم سوف يكسبون إلى جانبهم ولايات كانت قد أيدت الحزب
الآخر في الانتخابات الأخيرة.
وتبدأ مسيرة أوباما في طريقه إلى كسب العدد اللازم من أصوات
الهيئة الانتخابية الـ 270 بالمحافظة أولاً على نتيجة كل ولاية كسب
أصواتها جون كيري عام 2004، وبتركيز اهتمامه على عدد محدود من
الولايات التي يعتقد مستشارو أوباما أنها أصبحت ناضجة للتحول إليه.
كان كيري قد كسب 252 صوتاً من أصوات الهيئة الانتخابية. وبغية كسب
18 صوتاً آخر مطلوباً من هذه الأصوات، سوف يستهدف أوباما في حملته
ولايات آيوا، فيرجينيا، نورث كارولينا، نيو مكسيكو، نيفادا،
وكولورادو، من بين ولايات أخرى. كما تشمل قائمته ولاية أوهايو حيث
خسر في الانتخابات التمهيدية لصالح كلينتون، بينما تحولت هذه
الولاية في انتخابات منتصف الولاية عام 2006 دراماتيكياً إلى
الديمقراطيين. ويأمل ماكين، من جهته، أن يساعده الناخبون في
الاحتفاظ بولاية اوهايو التي كانت حرجة لنجاح الجمهوريين خلال
الانتخابات الرئاسية الماضيتين، وأن يحول ولايات مشيغان ،
وبنسلفانيا، وويسكونسن، إلى صف الحزب الجمهوري.
ولكن أحياناً لا تتجلى للعيان استراتيجيات الحملات لاستهداف
أصوات الهيئات الانتخابية للولايات. فالحملات هذه كثيراً ما تمارس
خدعاً متقنة لكي تبدو كما لو أنها تُنفق مبالغ طائلة لكسب ولاية
ما، في حين لا يكون لديها في الواقع هذه النية. الفكرة من وراء ذلك
هي إجبار الحملات المنافسة على إنفاق وقت ثمين وأموال كبيرة في
ولايات قد تكون في العادة آمنة لهم، أي أنهم يلعبون من موقع دفاعي
في ملاعب تخصهم.
هناك مثال كلاسيكي لهذه الاستراتيجيات المسماة "تزييف الاتجاه"
قد برز خلال الأيام الأخيرة المشحونة من الحملات الرئاسية عام
2000 عندما كان نائب الرئيس الديمقراطي آل غور مرشحاً لخلافة رئيسه
الرئيس بيل كلينتون، في حين كان المرشح الجمهوري، حاكم ولاية تكساس،
هو جورج دبليو بوش. في تشرين الأول/أكتوبر 2000، وقبل بضعة أسابيع
من يوم الانتخابات، اتخذت إدارة حملة بوش قراراً مشكوكا بصوابه
يقضي بنشر إعلانات مُكلفة على التلفزيون وعبر الإذاعات في ولاية
كاليفورنيا التي تعتبر أم الممرات لكسب الانتخابات الرئاسية بسبب
ال 54 صوتاً (أصبح عددهم الآن 55 صوتاً) الذين يمثلونها في الهيئة
الانتخابية. أنفق فريق بوش ما يزيد عن مليون دولار في نشر إعلانات
في وسائل الإعلام المكلفة الموجودة في ولاية كاليفورنيا، مثل لوس
انجلس وسان فرانسيسكو وسان دييغو، وأنفق المرشح الجمهوري لنيابة
الرئيس، ديك تشيني، يوماً ثميناً في التجول عبر تلك الولايات خلال
الأيام الأخيرة للحملة.
لكن حملة غور لم تبتلع الطعم. ولثقته بالدعم الديمقراطي القوي
في كاليفورنيا، فقد ركز الفريق الديمقراطي إنفاق موارده المحدودة
في أماكن أخرى. وقد تبيّن ان تلك الاستراتيجية كانت ذكية نظراً لأن
غور فاز في كاليفورنيا بسهولة: حصل على نسبة 53 بالمئة من الأصوات
مقابل 42 بالمئة حصل عليها بوش.
وأمّا في أوهايو، فقد انسحبت حملة غور في وقت باك? فحرمت نفسها
فرصة محتملة بكسب أصوات الولاية ال 21 في الهيئة الانتخابية. وفي
حين توقعت حملة غور إحراز نصر جمهوري كبير في اوهايو، تبيّن أن بوش
فاز فيها بفارق 3.5 نقطة مئوية فقط . وكان من الممكن، عبر توجيه
اهتمام أكبر لأوهايو، أن تختلف النتيجة فعلياً على مستوى الولاية
وأن يضمن ذلك نصراً في الولايات يحقق وصول غور للرئاسة.
وبصورة مماثلة، ذكر المرشحون في انتخابات عام 2008 عدة ولايات
يمكن أن تكون هدفاً للمنافسة، لكن في الواقع من المحتمل أن لا تكون
كذلك. قال مساعدو أوباما ان بعض الولايات التي ينوون القيام بحملات
فيها، مثل جورجيا، ميزوري، مونتانا، ونورث كارولينا، قد لا تتحول
في نهاية المطاف من الحزب الجمهوري إلى الحزب الديمقراطي. إلاّ أن
نتيجة بذل جهودهم هناك قد يفرض على ماكين إنفاق الأموال أو القيام
بحملات انتخابية في ولايات تعتبر ميداناً آمناً له بدلاً من
استخدام تلك الموارد في ولايات تمثل ساحة معارك متأرجحة كولاية
اوهايو.
إن أكثر ما يثير إحباط واضعي استراتيجيات الحملات الرئاسية هي
القاعدة المُتبعة في كل ولاية تقريباً التي تنص على أن الفائز في
الانتخابات التي تجري على مستوى الولاية يحصل على كافة أصوات هذه
الولاية في الهيئة الانتخابية، بغض النظر عن مدى ضيق الهامش بين
المتنافسين. في عام 2000، فاز جورج بوش في انتخابات فلوريدا
الشهيرة، وبالتالي فاز بالرئاسة بأغلبية 537 صوتاً من اصل اكثر من
6 ملايين صوت في تلك الولاية المشمسة. لكن، حتى ذلك الهامش الضيق
جداً لم يصبح واقعاً رسمياً إلاّ بعد مرور 36 يوماً من المشاحنات
القانونية وصدور قرار من المحكمة العليا يوقف عملية إعادة تعداد
الأصوات في جميع أنحاء الولاية. وهو ما كان كافياً لفوز لائحة
الجمهوريين بكافة أصوات الولايات في الهيئة الانتخابية، وبالرئاسة.
في عام 1988، فاز المرشح الجمهوري جورج بوش ب 426 صوتاً من
أصوات الهيئة الانتخابية مقابل 112 صوتاً فاز بهم المرشح
الديمقراطي مايكل دوكاكيس حاكم ولاية مساتشوسيتس مما جعل ذلك يبدو
على انه نصر كاسح. لكن هوامش انتصار بوش في العديد من الولايات
كانت هزيلة نسبياً، ومكّنته من تحقيق نصر واسع لكن دون عمق
(كاليفورنيا 51 مقابل 48 بالمئة، كوناتيكت 52 مقابل 47 بالمئة،
ايلينوي 51 مقابل 48 بالمئة، ماريلاند 51 مقابل 48 بالمئة، ميزوري
52 مقابل 48 بالمئة، نيو مكسيكو 52 مقابل 47 بالمئة، بنسلفانيا 51
مقابل 48 بالمئة، فيرمونت 51 مقابل 48 بالمئة). ولم تكن الفروقات
بالأصوات كبيرة في الولايات الأخرى الغنية بأصوات الهيئة
الانتخابية. وهكذا، لربما كان الديمقراطيون قد استطاعوا الفوز في
الانتخابات لو أنهم نفذوا حملة تصدت بدرجة اكبر للهجوم ضدهم وكانوا
أكثر إقداما في توضيح برنامجهم حول القضايا السياسية.
وفي عام 2000، خسر غور في نيوهامشاير بنسبة 48.1 بالمئة مقابل
46.8 بالمئة. كان ذلك هامشاً حرجاً لأن أصوات الهيئة الانتخابية
الأربعة لنيوهامشاير كانت ستمنح آل غور غالبية 271 صوتاً، مما
سيجعل نتائج فلوريدا المتنازع عليها غير ذات أهمية. كما أنه كان
بإمكان انتصار آل غور في ولايته الأم تنيسي عام 2000 إنهاء العملية
الانتخابية لصالحه. وبدلاً من ذلك، ذهبت أصوات تنيسي إل 11 في
الهيئة الانتخابية إلى بوش بسبب فارق قدره 4 نقاط مئوية مما جعل
غور أول مرشح رئاسي يخسر في ولايته الأم منذ خسارة الديمقراطي جورج
ماك غفرن عام 1972 الذي جعلته يخسر الرئاسة.
عندما يقترع الناخبون في الانتخابات التمهيدية للحزبين
الديمقراطي والجمهوري لصالح مرشح حزبهم، يأخذون في عين الاعتبار
ليس المرشح الذين يفضلونه استناداً إلى مسائل وصفات شخصية وحسب بل
وأيضاً أي واحد من المرشحين يملك الحظ الأوفر بالفوز في الانتخابات
العامة في تشرين الثاني/نوفمبر.
هذا هو السبب الكبير الذي يفسر فوز جون كيري في الانتخابات
التمهيدية للحزب الديمقراطي عام 2004 على الحاكم السابق لولاية
فيرمونت هوارد دين. ففي وقت مبكر من الدورة الانتخابية، أدى انتقاد
دين العنيف للحرب العراقية ولسياسات إدارة بوش بصورة عامة، إلى
رفعه إلى صدارة مجموعة المرشحين للرئاسة للحزب الديمقراطي. طرقت
بلاغته النارية على وترٍ حساس لدى الناخبين في الانتخابات
التمهيدية للحزب الديمقراطي الذين كانوا محبطين لأن العديد من قادة
حزبهم في الكونغرس لم يكونوا راغبين في تحدي بوش بقوة.
لكن أداء دين غير المتكافئ في مسار الحملة وعدم خبرته في
السياسات القومية دفع الناخبين في الانتخابات التمهيدية للحزب
الديمقراطي إلى اختيار كيري في نهاية المطاف، وهو السناتور الذي
امضى حوالي 20 سنة في مجلس الشيوخ. كان كيري ذا وزن معروف وكان
خطيبا مفوها، وان لم يكن مُلهماً، وتصور الناخبون أنه سيكون خصماً
أعتى ضد بوش. قال أحد الظرفاء، عقب الانتخابات التمهيدية، إن
العديد من الديمقراطيين غازلوا دين ولكنهم تزوجوا كيري.
أصبحت خريطة الهيئة الانتخابية مسألة رئيسية في معركة تسمية
المرشح الرئاسي للحزب الديمقراطي عام 2008. ففي سباق استمر حوالي
ستة أشهر، ولم تتقرر نتيجته إلاّ بعد أن تمت كافة عمليات الاقتراع
في الانتخابات التمهيدية والاجتماعات الانتخابية الحزبية في
الولايات، كانت هيلاري كلينتون تجادل بأنها هي يجب أن تكون مرشحة
حزبها لكونها تملك فرصة افضل من منافسها المرشح باراك اوباما
للانتصار على مرشح الحزب الجمهوري جون ماكين في الانتخابات العامة.
أشارت كلينتون إلى انتصاراتها في الانتخابات التمهيدية التي جرت
في الولايات المتأرجحة كأوهايو، وبنسلفانيا، ووست فيرجينا. ولم
يبدو أن هذا الرأي كان له أثر كبير لدى الديمقراطيين الذين اختاروا
اوباما كمرشح حزبهم لمواجهة ماكين.
سوف يعرف الديمقراطيون في 4 تشرين الثاني/نوفمبر ما إذا كانت
الأصوات العامة للناخبين سوف تبرر خيار الحزب في تسمية أوباما. وفي
نهاية المطاف، فإن الائتلاف الفائز بأصوات الهيئة الانتخابية
يُشكِّل هدفاً متحولاً باستمرار خلال الحملات الانتخابية. ربما كان
الأمر الأكثر إثارة للإحباط، هو أنه الوجه الوحيد تقريباً في نظام
الحكم الأميركي الفائز بأكبر عدد من الأصوات الشعبية في الانتخابات
العامة لا يكون تلقائياً هو المنتصر في الانتخابات. ومع النشاط
المحموم لأوباما وماكين في حملاتهما الانتخابية خلال الأسابيع
الأخيرة قبل الانتخابات لكسب 270 صوتاً انتخابياً على الأقل، فإن
الفريق الذي يبدو أنه يحظى بتوليفة كاسبة يمكن أن يخسر في الإجراء
الوحيد المؤثر في النهاية، وهو تعداد أصوات الناخبين في كل ولاية
بعد أخرى يوم الانتخابات.
كيف تعمل الهيئة الانتخابية
تُناط السلطة التنفيذية برئيس الولايات المتحدة الأميركية.
ويتولى هذا المنصب لمدة أربع سنوات، ويتم انتخابه سوية مع نائب
الرئيس، الذي يتولى منصبه لنفس المدة، وفق ما يلي:
تُعيِّن كل ولاية، وفق الطريقة التي يقررها مجلسها التشريعي،
عدداً من أعضاء الهيئة الانتخابية يساوي العدد الإجمالي لممثليها
في مجلسي الشيوخ والنواب الذين يحق للولاية أن تُمثّل بهم في
الكونغرس. لكن لا يجوز أن يعين في الهيئة الانتخابية أحد أعضاء
مجلس الشيوخ أو مجلس النواب، أو شخص يشغل منصباً مسؤولاً أو يجني
فائدة في ظل الولايات المتحدة.
الهيئة الانتخابية ليست مكاناً محدداً. إنها عملية بدأت كجزء من
التصميم الأصلي لدستور الولايات المتحدة. أنشأ الآباء المؤسسون
الهيئة الانتخابية كتسوية وسطية بين انتخاب الرئيس على يد الكونغرس
وانتخابه بالتصويت المباشر. يصوت الشعب الأميركي لأعضاء الهيئة
الانتخابية الذين يصوتون بدورهم للرئيس. دائرة الأرشيف القومي هي
الوكالة الحكومية الفدرالية التي تشرف على العملية.
كما يخصص لكل ولاية عدد من أعضاء الهيئة الانتخابية يساوي عدد
ممثليها في مجلس الشيوخ (دائماً اثنان) زائد عدد نوابها في مجلس
النواب الذي يستند إلى إحصاء سكاني يجري كل عشر سنوات. في الوقت
الحاضر، يمثل ولاية كاليفورنيا ذات الكثافة السكانية العالية 55
عضواً في الهيئة الانتخابية بينما يمثل ولاية ذات كثافة سكانية
قليلة، مثل نورث داكوتا، ثلاثة أو أربعة أعضاء.
وتتألف الآن الهيئة الانتخابية من 538 عضواً (عضو واحد لكل من
الـ 435 عضواً في مجلس النواب و100 عضو في مجلس الشيوخ، زائد 3
أعضاء لمقاطعة كولومبيا (واشنطن العاصمة التي لا يمثلها أعضاء في
الكونغرس على اعتبار أنها ليست ولاية). يجب تأمين أغلبية 270 صوتاً
من أصوات الهيئة الانتخابية لانتخاب الرئيس ونائب الرئيس.
كما يحتوي الدستور الأميركي على عدد قليل جداً من الأحكام
المتعلقة بمؤهلات أعضاء الهيئة الانتخابية. تنص المادة الثانية على
عدم جواز تعيين عضو في الهيئة الانتخابية يكون عضوا في الكونغرس أو
شخصاً يشغل منصباً حكومياً أو يجني فائدة في ظل الولايات المتحدة.
إذ تختلف إجراءات اختيار أعضاء الهيئة الانتخابية بين ولاية
وأخرى. بصورة عامة، يسمي قادة الحزبين السياسيين الرئيسيين في
الولاية أعضاء الهيئة الانتخابية خلال مؤتمراتهم الحزبية القومية
في الولاية، أو استناداً إلى تصويت تجريه اللجنة المركزية للحزب في
الولاية. وكثيراً ما يتم اختيار أعضاء الهيئة الانتخابية تقديراً
لخدماتهم وتكرّسهم للحزب الذي ينتمون إليه. قد يكون هؤلاء مسؤولين
منتخبين في الولاية، أو قادة حزبيين، أو أشخاصا لديهم انتماء إلى
مرشح الرئاسة.
ويختار الناخبون في كل ولاية أعضاء الهيئة الانتخابية الذين
يتعهدون بتأييد مرشح رئاسي يوم اجراء الانتخابات العامة، أي يوم
الثلاثاء الذي يلي أول يوم اثنين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر (سيكون
يوم 4 تشرين الثاني في عام 2008). يجوز ان تظهر أسماء أعضاء الهيئة
الانتخابية أو أن تغيب في لائحة الاقتراع تحت اسمي المرشحين
المتنافسين لمنصب الرئاسة، وذلك استناداً إلى الإجراء المتبع في كل
ولاية.
يجتمع أعضاء الهيئة الانتخابية في كل ولاية في أول يوم اثنين
يلي يوم الأربعاء الثاني في كانون الأول/ديسمبر (يوم 15 كانون
الأول/ديسمبر عام 2008) لاختيار رئيس ونائب رئيس الولايات المتحدة.
حيث لا تنص أي مادة في الدستور أو في القانون الفدرالي على وجوب
ان يصوت أعضاء الهيئة الانتخابية وفقاً لنتائج التصويت الشعبي في
ولايتهم. ولكن تنص قوانين بعض الولايات على فرض غرامات على الأعضاء
الذين يسمون "بالخونة" أو أن تسقط أهليتهم بسبب إدلائهم بصوت باطل
واستبدالهم بعضو بديل في الهيئة الانتخابية. لم تصدر المحكمة
العليا الأميركية حكماً محدداً ما إذا كان يجوز، بموجب الدستور،
فرض تطبيق التعهدات والعقوبات بسبب عدم الالتزام بالتصويت طِبقاً
لما تمّ التعهد به. لم تتم أبداً محاكمة أي عضو في الهيئة
الانتخابية لعدم التزامه بالتصويت حسب ما تعهد به.
من النادر في عصرنا الحاضر لأعضاء الهيئة الانتخابية ان
يتجاهلوا التصويت الشعبي عند الإدلاء بصوتهم الانتخابي لصالح مرشح
غير مرشح حزبهم. يشغل أعضاء الهيئة الناخبة بوجه عام مركزاً قيادياً
في حزبهم أو يتم اختيارهم تقديراً لسنوات الخدمة وإخلاصهم للحزب.
عبر التاريخ الأميركي، صوتت نسبة تزيد عن 99 بالمئة من أعضاء
الهيئة الانتخابية وفقاً لتعهداتها.
ويحدد مجموع أصوات الهيئة الانتخابية من سيكون الرئيس ونائب
الرئيس وليس الغالبية العددية الإحصائية التي قد يحصل عليها المرشح
من مجموع الأصوات الشعبية التي نالها على مستوى الدولة. حصل في
التاريخ الأميركي أربع مرات، أي في السنوات 1824، 1876، 1888
و2000، ان فشل فيها مرشح جمع أكبر عدد من الأصوات الشعبية على
مستوى البلاد في الفوز بغالبية أصوات أعضاء الهيئة الانتخابية.
ففي عام 2008، سوف تمنح 48 ولاية من أصل 50، ومقاطعة كولومبيا
أصوات الهيئة الانتخابية على أساس الفائز يحصل على كل شيء. فعلى
سبيل المثال، سوف تصبّ كافة أصوات أعضاء الهيئة الانتخابية البالغ
عددها 55 لولاية كاليفورنيا في خانة المرشح الفائز في التصويت
الشعبي الذي يجري في الولاية، حتى ولو بلغ هامش الفوز 50.1 بالمئة
مقابل 49.9 بالمئة. ولايتان فقط لا تتبعان قاعدة الفائز يحصل على
كل شيء، هما نبراسكا ومين. من المحتمل في هاتين الولايتين انقسام
أصوات أعضاء الهيئة الانتخابية بين المرشحين من خلال التوزيع
النسبي للأصوات.
ويجتمع الكونغرس في جلسة مشتركة في شهر كانون الثاني/يناير من
السنة التي تلي الانتخابات الرئاسية لعد أصوات أعضاء الهيئة
الانتخابية وتحديد الفائز.
وفي حال لم يحصل أي مرشح رئاسي على غالبية أصوات أعضاء الهيئة
الانتخابية، ينص التعديل الثاني عشر للدستور على وجوب ان يقرر مجلس
النواب نتيجة الانتخابات الرئاسية. يقوم مجلس النواب باختيار
الرئيس بغالبية الأصوات من بين المرشحين الثلاثة الذين حصلوا على
اكبر عدد من أصوات الهيئة الانتخابية. تُحسب الأصوات وفقاً لكل
ولاية، بحيث يكون لكل مندوب ولاية صوت واحد. في حال لم يفز أي نائب
رئيس بغالبية أصوات الهيئة الانتخابية يقوم مجلس الشيوخ باختيار
نائب الرئيس بغالبية الأصوات حيث يختار كل سناتور من بين اثنين من
المرشحين الذين حصلا على اكبر عدد من أصوات الهيئة الانتخابية.
كما قام مجلس النواب باختيار الرئيس مرتين: الأولى عام 1800
والثانية عام 1824، واختار مجلس الشيوخ نائب الرئيس مرة واحدة عام
1836.
وتشير المصادر المرجعية إلى انه خلال السنوات المئتين الماضية
جرى تقديم ما يزيد عن 700 اقتراح إلى الكونغرس لاصلاح أو لإلغاء
الهيئة الانتخابية. وكذلك فإن عدد الاقتراحات التي قدمت لإدخال
تعديلات دستورية تتعلق بتغيير الهيئة الانتخابية يزيد عن عدد
الاقتراحات التي قدمت حول أي موضوع آخر.
إذ من الممكن ان تتأثر الآراء حول إمكانية بقاء نظام الهيئة
الانتخابية بالمواقف حول قيام أحزاب ثالثة، أي أحزاب غير الحزبين
الديمقراطي والجمهوري. لم تحقق الأحزاب الثالثة نتائج جيدة ضمن
نظام الهيئة الانتخابية. في عام 1948 وعام 1969، فاز مرشحون ينتمون
إلى أحزاب ثالثة يتمتعون بجاذبية إقليمية بمجموعات من أصوات الهيئة
الانتخابية في الجنوب، ومن المرجح أن يكون ذلك قد أثّر في نتيجة
الانتخابات ولكنه لم يقترب من طرح تحدٍ جدي للفائز من الحزب
الرئيسي. كان آخر مرشح لحزب ثالث هو الرئيس الجمهوري الأسبق تيودور
روزفلت الذي أظهر أداءً قوياً في العام 1912. فقد فاز بالمرتبة
الثانية لكن بمسافة بعيدة (عن المرتبة الأولى) في الأصوات الشعبية
وانتخابات الهيئة الانتخابية (حصل على 88 صوت من أصل 266 من أصوات
الهيئة الانتخابية وهو العدد المطلوب للفوز). وعلى الرغم من أن روس
بيرو فاز عام 1992 بنسبة 19 بالمئة من الأصوات في الانتخابات
الشعبية على مستوى البلاد لكنه لم يفز بأي من أصوات الهيئة
الانتخابية نظراً لانه لم يكن قوياً بدرجة كافية في أية ولاية.
التباين بين تصويت الهيئة الانتخابية
والتصويت الشعبي
لم يحصل سوى أربع مرات في تاريخ الولايات المتحدة أن نتج عن
نظام الهيئة الانتخابية انتخاب مرشح للرئاسة نال عددا من الأصوات
الشعبية على مستوى البلاد أقل مما ناله المرشح الآخر (مع أنه فاز
بتأييد عدد أكبر من أصوات الهيئة الانتخابية ولهذا انتخب رئيسا).
فمنذ أول انتخابات رئاسية جرت في الولايات المتحدة عام 1788،
قدّم نظام الهيئة الانتخابية نتيجة "اختيار الشعب" في 51 من أصل 55
منافسة انتخابية، ولكن في أربع حالات منها أعطت الهيئة الانتخابية
نتائج مثيرة للخلاف.
وأدت ثلاثة من هذه الانتخابات، في الأعوام 1876، و1888 و2000،
إلى انتخاب رئيس ونائب رئيس فازا بغالبية أصوات أعضاء الهيئة
الانتخابية ولكنهما فازا بعدد من الأصوات الشعبية أقل مما حصل عليه
خصماهما الرئيسيان. أما في عام 1824، فلم تتحقق الغالبية في أصوات
الهيئة الانتخابية لأي من المرشحين فكان أن انتخب مجلس النواب
الرئيس. |