الاتفاقية الامنية بين مطرقة واشنطن وسندان طهران

 العراقيون وامكانية صمود الموازنة بين حلفاء اليوم واصدقاء الأمس

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: لعدة سنوات وازنَتْ الأحزاب السياسية الشيعية التي تدير العراق بين مصالح حلفائها الجدد في واشنطن ومصالح أصدقائها القدامى في طهران. ولكن هل ان هذه الموازنة المعقدة الى حد كبير والتي اوشكت سابقا على الانهيار عدة مرات، قادرة على الصمود تحت الضغط الحالي المتعاظم، الذي تمارسه كل من واشنطن وطهران في محاولة تحصيل كل منهم لما يريده نكاية بالآخر وحفظاً للمصالح الآنية والمستقبلية؟

من المقرر ان يتفق الفرقاء العراقيين على المسودة النهائية التي جرى الاتفاق مع الولايات المتحدة عليها بشأن معاهدة أمنية تسمح لقواتها بالبقاء لثلاثة اعوام، مما يعني أنه قد يكون عليهم الاختيار. والتصويت بالموافقة او الرفض يعني أنهم سيغضبون اما هذا الجانب او ذاك.

فإيران تعارض الاتفاق الذي تعتقد أنه سيمنح عدوتها الولايات المتحدة نقطة انطلاق في المنطقة. ويقول ساسة عراقيون ان طهران تمارس ضغوطا لاقناع النواب الشيعة بالائتلاف القوى الذي يقف وراء رئيس الوزراء نوري المالكي بعدم اقرار الاتفاق.

وقال مسؤول حكومي كبير غير شيعي يؤيد الاتفاق ان "الحكومة الايرانية سخرت وحركت كل أوراقها في العراق لمنع الاتفاقية وتضغط بقوة على الشيعة لمنعها وهم امام اختيار صعب هل يتحركون بما تمليه عليهم مصالح العراق ام بمراعاة الالويات الايرانية في صراعها مع الولايات المتحدة... هذا اختبار صعب."

ويحل الاتفاق الثنائي محل قرار مجلس الامن الدولي الذي طبق بعد الغزو الامريكي للعراق عام 2003 وسيمنح الحكومة العراقية المنتخبة سلطة على وجود قوات الولايات المتحدة للمرة الاولى.

وذهب الجنرال راي اوديرنو قائد القوات الامريكية في العراق الى أبعد من هذا. فقد اتهم ايران بمحاولة رشوة النواب العراقيين لمعارضة الاتفاق غير أنه قال فيما بعد انه ليس هناك دليل على قبول نواب أي رشا.

ويقود تحالف المالكي حزبان شيعيان رئيسيان هما حزب الدعوة وهو حزب المالكي والمجلس الاعلى الاسلامي العراقي وكلاهما كون علاقات وثيقة مع ايران الشيعية في المنفى حين كان العراق تحت حكم صدام حسين.

لكن بعد أن أطاحت القوات التي قادتها الولايات المتحدة بصدام عام 2003 قبل حزبا الدعوة والمجلس الاعلى الاسلامي العراقي بالمساعدة الامريكية في السيطرة على الحكم في العراق ثم كونا تحالفا شيعيا فاز بالانتخابات بسهولة عام 2005. ومنذ ذلك الحين حرصا على تجنب اثارة غضب واشنطن او طهران.

وانسحبت جماعة شيعية قوية أخرى من أنصار الزعيم الشيعي الشاب المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر او ما يعرف بالتيار الصدري من التحالف الشيعي وحكومة المالكي العام الماضي احتجاجا على رفض المالكي وضع جدول زمني لانسحاب القوات الامريكية من العراق. وأعلنت الجماعة رفضها للاتفاق.

ولم يعلن اكثر زعماء الشيعة نفوذا المرجع الشيعي الاعلى آية الله العظمى علي السيستاني رأيه في الاتفاق.

وقام المالكي بزيارة السيستاني في مدينة النجف الاشرف قبل ايام من الاتفاق على المسودة النهائية للمعاهدة وهي علامة على مدى أهمية دعم المرجع الشيعي له.

وقال مسؤول شيعي كبير ان السيستاني غير راض عن الاتفاقية لكنه ربما لن يعرقلها. وأضاف المسؤول "السيستاني لا يراها انها تحقق مطالب العراق.. لا يمكن ان تمر هذه الاتفاقية بدون موافقة السيستاني ولكنه لن يقول نعم انا اوافق عليها.. وبالتالي ستمر اذا لم يعترض عليها السيستاني (علنا)."

ويعتري الساسة من الائتلاف الشيعي الغضب من التلميحات بأنهم يتأثرون بمصالح واشنطن او طهران.

وقال عباس البياتي العضو الكبير بالتحالف ان "المسالة ليست بهذه الثنائية الجامدة.. يعني اذا صوتت لهذه الاتفاقية ستكون مع الامريكان وان ترفضها تكون ايرانيا." ويعترف البعض بممارسة ايران ضغوطا لكنهم يقولون ان دولا أخرى تمارس ضغطا هي الاخرى.

وقال نائب شيعي اخر "لابد ان نقر انه يوجد خوف من الدول المجاورة من اتفاقيات من هذا النوع وهذا حق لهذه الدول ان تخاف ولكن ما بين هذا الحق وان نخضع للضغوط بهذا الشأن هذا ليس بحق ولن نسمح لأي جهة ان تعمل ضغوطا علينا سواء كانت أمريكية أو غيرها."

وأضاف "هناك ضغوط خارجية وداخلية والجميع يمارس ضغوطات حتى الدول العربية.. لا يمكن ان نقول اننا نمارس السياسية في بلد خال من الضغوط."

لكن ما دامت واشنطن ستحتفظ بقوات قوامها 146 الف فرد في العراق فان عواقب التصويت ضد وجودها ستكون وخيمة.

وقال المسؤول غير الشيعي " هناك احتمال من انه في حال رفضت هذه الاتفاقية فان الامريكان سيسحبون دعمهم لهذا النظام السياسي وبالتالي لا يوجد امامهم (الشيعة في الحكم) الا الارتماء في احضان ايران اكثر.. وهذا سيقلب عليهم الداخل المتعدد."

قائد أمريكي: العراقيون لن يقبلوا الرشاوى التي تقف ضد مصلحة بلدهم

من جهة ثانية قال مسؤول الاتصالات في الجيش الامريكي، أن العراقيين لن يقبلوا الرشاوى التي تقف ضد مصلحة بلدهم، مبينا أن هناك معلومات استخباراتية تؤكد محاولة عناصر ايرانية التأثير على قرارات بعض أعضاء مجلس النواب العراقي عبر عرض الرشاوى عليهم. بحسب تقرير لـ اصوات العراق.

وذكر الادميرال باتريك دريسكول في مؤتمر صحفي عقده ببغداد أن “العراقيين لن يقبلوا الرشاوى التي تقف ضد مصلحة بلدهم كونهم ممثلي الشعب”، إلا أن “ادارة الجيش الامريكي لديها معلومات استخباراتية تؤكد محاولة ايران التأثير على قرارات بعض أعضاء مجلس النواب عبر عرض الرشاوي عليهم لرفض الاتفاقية الامنية”.

وكان قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال رايموند أوديرنو، أعرب عن اعتقاد بلاده بأن هنالك مخطط  إيراني لرشوة عدد من النواب عراقيين، ضمانا لمعارضتهم الاتفاقية الأمنية، الأمر الذي رفضه نواب عراقيون مستبعدين قيام إيران بذلك.

وبين دريسكول ان “المباحثات مستمرة بين الجانبين العراقي والامريكي حول الاتفاقية الأمنية وهي بالتأكيد ستصب في مصلحة شعبي البلدين”.

ويتفاوض الجانبان العراقي والامريكي حاليا حول ابرام اتفاقية امنية طويلة الامد بينهما تحدد الطبيعة القانونية لوجود الجيش الامريكي على الاراضي العراقية بعد نهاية العام الجاري حيث سينتهي التفويض الدولي الممنوح للجيش الامريكي في العراق.

برلمانيون يستبعدون وجود رشاوى ايرانية لإعاقة تمرير الاتفاقية

من جانبه انتقد رئيس الكتلة الصدرية بمجلس النواب عقيل عبد الحسين تصريحات المسؤولين الأمريكيين واصفا إياها “بالعارية عن الصحة”، وقال عبد الحسين لـ أصوات العراق إن هنالك “رفضا شعبيا وسياسيا للاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها مع واشنطن”.

وأضاف عبد الحسين (الذي تحوز كتلته 30 مقعدا من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 275 مقعدا) أن النواب الذين يرفضون هذه الاتفاقية إنما يفعلون ذلك “حرصا على المصلحة الوطنية”، مبينا أن “أغلب القوى السياسية والدينية والشعبية تتخوف من تداعيات الاتفاقية الأمنية وتأثيراتها على المصلحة الوطنية”.

وكان قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال رايموند أوديرنو، أعرب عن اعتقاد بلاده بأن عملاء إيرانيين يقدمون رشا لنواب عراقيين، ضمانا لمعارضتهم الاتفاقية الأمنية.

أما النائب القيادي بالتحالف الكردستاني محمود عثمان فقد استبعد تسلم النواب رشا من إيران ثمنا لرفضهم للاتفاقية الأمنية”، منوها إلى أن هناك “محاولات إيرانية لتشجيع عدم توقيع هذه الاتفاقية”.

وقال عثمان إن إيران ومن خلال اتصالاتها “تحاول التأثير على السياسيين العراقيين لتقويض الجهود الرامية لعقد الاتفاقية مع واشنطن”، إلا أنه “استبعد أن  يقوم السياسيين بتلقي رشا لمعرضة الاتفاقية”.

وأضاف عثمان (الذي تحوز كتلته 53 مقعدا برلمانيا) أن أعضاء مجلس النواب “ليسوا بهذا المستوى ليأخذوا رشاوى من دول أجنبية للتأثير على قضايا بلدهم”, مشيرا إلى أن الإدارة الأمريكية “تحاول ترويج هذه الإشاعات للإسراع بتوقيع الاتفاقية الأمنية”، على حد قوله.

وأعرب عثمان عن اعتقاده أن “ترويج مثل هذه التصريحات تأتي بنتائج عكسية على الولايات المتحدة”.

إلا أن النائب عن جبهة التوافق العراقية طه الهيبي أفاد “بوجود تأثير إيراني على بعض السياسيين”، نافيا في الوقت ذاته “علمه برشاوى تدفع لبعض النواب لمعارضة الاتفاقية”.

وأوضح اللهيبي أن “لبعض النواب ولاء لإيران”، عادا ذلك بالأمر المعروف”، حسب تعبيره، وأردف أما أن “تدفع إيران رشاوى فلا علم لي بمدى صحة ذلك”.

وتابع اللهيبي (الذي تحوز كتلته 38 مقعدا برلمانيا) أن السياسيين العراقيين يتعرضون إلى نوعين من الضغوط أولها أمريكية لتوقيع الاتفاقية، وثانيها إيرانية لمعارضتها،  كاشفا عن قدرة إيران التأثير على بعض السياسيين العراقيين بدون أن تدفع رشاوى بهذا الشأن، على حد قوله.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/تشرين الأول/2008 - 23/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م