الإستثمار في العراق: قُرى انكليزية وازدهار بصري

إعداد: ميثم العتابي

شبكة النبأ: بعد المستوى الذي قدمته القوات الأمنية العراقية، والتحسن الأمني الملحوظ، بدت بعض المناطق التي كانت في السابق معاقل الاقتتال او التهديد المستمر لطبقات المجتمع المختلفة؛ أكثر انتعاشا لمظاهر الحياة، وأكثر جاذبية لرؤوس الأموال والاستثمار.

فمن اقليم كردستان الى الجنوب في البصرة، يرى الخبراء ان العملية السياسية العراقية الان تسير وفق خط ضبابي وأكثر خطورة مما يبدو، ففي حال لم يلاحظ القائمين على السياسة العراقية، فإن سياسة تقصد الإقصاء باتت مسألة مكشوفة ومعروفة، ومن غير المستحسن إقصاء أي جهة مهما كانت، ولربما مساوئ هذه الجهة هي من سيقوم بإقصائها أولا وأكثر من أي شيء، لذا فإن العمل بالسياسة الشفافة هو الخيار الأنسب الذي لا يضمن عودة المظاهر المسلحة الى الشارع العراقي مرة ثانية.

(شبكة النبأ) في سياق هذا التقرير تسلط الضوء على الشأن العراقي الداخلي، من حيث الاستثمار والإعمار الحاصل في كردستان العراق ومناطق الوسط والجنوب، مع عرض للحالة السياسية في البصرة ورأي بعض الخبراء في مجال السياسة الدولية:

قرى كردستان العراق على الطريقة الإنجليزية

تنافس هذه القرية الإنجليزية طراز المنازل المكونة من دورين، حيث هنالك حدائق في المقدمة، وسيارات رينج روفر في الممرات الخاصة بها. وهي ليست ضمن الضواحي القريبة من لندن، أو في أي منتجع بحري حديث، بل إنها في أربيل، عاصمة الإقليم الكردي في شمال العراق.

يقول راسل جونز أحد المستثمرين العقاريين البريطانيين، وهو أحد الشركاء في تطوير القرية الإنجليزية وهي مجمعات سكنية في ضواحي أربيل: تتوافر هنا كميات كبيرة من الأموال السائلة الموجودة تحت فراش الناس. لا يريد بعض الناس العيش هنا، وإنما يريدون فقط مكاناً آمنا لاستثمار أموالهم فيه.

إن إقليم كردستان شبه المستقل الذي يعيش فيه 4.2 مليون نسمة، يعتبر واحداً من أكثر أقاليم هذا البلد أمناً واستقراراً.

وتدافع عراقيون من أقاليم أخرى إلى الإقامة هنا، بينما يشتري عدد متزايد من الأكراد المغتربين منازل في وطنهم، حين تعمل خطوط جوية أوروبية عديدة على تشجيعهم على ذلك، من خلال استخدامها للمطار الجديد في أربيل.

كما اشترت بعض الأسر عدداً من المنازل، حين اشترت إحدى الأسر 13 منزلاً على سبيل الاستثمار. وكانت تكلفة كل منزل يضم 5 غرف نوم، قبل عامين 125 ألف دولار (86 ألف يورو، أو 49.145 ألف جنيه استرليني). أما التكلفة الحالية، فتبلغ 200 ألف دولار، في حين تصل في مواقع مميزة إلى 230 ألف دولار.

يتمتع الذين يسكنون بالفعل في شققهم بمزايا هذه المجمعات السكانية، من حيث استمرار توافر التيار الكهربائي، ونظام المجاري الذي يمكن الاعتماد عليه.

من جانبه يقول دلير عبد الله الذي يعمل في مهنة المحاسبة، والذي انتقلت أسرته إلى القرية الإنجليزية قبل شهرين مقابل مبلغ 142 ألف دولار، دفعتها ثمناً لمنزل في هذا المكان في وقت مبكر: إنه حديث للغاية، كما أن التيار الكهربائي متوافر على مدى 24 ساعة، ولا يمكنك الحصول على ذلك في مدينة أربيل. وكان يتحدث إلينا من غرفة المعيشة في بيته، ذات الديكورات الوردية.

تضيف زوجته جولار: انتقلنا من المدينة إلى هذه القرية. وهي مدرسة للغة التركية، حيث تتحدث ضاحكة من أن أسرتها تتحرك ضد تيار التوجه إلى المدن. واشترى أربعة من أقاربهما كذلك شققاً في هذه القرية السكنية.

ويقول عزام كسرة مدير المشروع، إنه بينما تقدم القرية التي تضم رجال أعمال أجانب، وعاملين في مؤسسات الغوث، وأكراداً متمكنين مادياً، أسلوب حياة على الطريقة الإنجليزية، إلا أن بعض الطرز تبدو غير منسجمة.

ويضيف: هنالك منازل على الطراز الإنجليزي بامتدادات سقفية، ومطابخ مفتوحة. ولكنها ليست إنجليزية تماماً، حيث تضم حمامات على الطرازين الشرقي والغربي، كما أنها لا تضم مواقد مركزية، حيث إن الطقس هنا شبيه بربيع إنجلترا.

هذه القرية التي تبلغ تكاليف منازلها شبه الكاملة الـ 410، نحو 76 مليون دولار، تضم مدرسة، وسوقاً ذات خمسة طوابق تحت الإنشاء، ما هي إلا واحدة من عدد متزايد من المشاريع الإنشائية الضخمة في أربيل.

وهنالك بالقرب من هذه القرية، قرية إيطالية في طور الإنشاء، تغلب على بيوتها الألوان الوردية والزرقاء والصفراء التي تشاهد بصورة مكثفة في الريـفيرا الإيطالية، كما أن هنالك مخططات لإنشاء قرى ألمانية وأمريكية.

يمكن أن تصل تكلفة قرية فاخرة أخرى قريبة من القرية الإنجليزية إلى 300 مليون دولار. وسوف تضم نحو 1200 منزل، ومسجد، ومدارس، ومركزاً للتسوق، وملاعب غولف، وكازينو.

ويصارع الأكراد العاديون الذين يكسبون ما معدله 1500 دولار في السنة، من أجل مجاراة مثل هذا الانتعاش السكني.

كما ارتفعت تكلفة إيجار المساكن في أربيل عشر مرات منذ 2003، حين تم غزو العراق، حيث تبلغ أجرة منزل جيد في إحدى مناطق المدينة 75 ألف دولار. ويبدي كثير من الأكراد شكوكهم في أولئك الذين يستطيعون تحمل شراء بيت بقيمة 700 ألف دولار.

عاصمة العراق التجارية واحتياطه النفطي..البصرة هل تنعم بالراحة يوما؟

عندما يسأل جندي عراقي شابا من الميليشيات التي كانت قبل شهور قليلة تسيطر على البصرة، يخبط حذاءه العسكري بالأرض كما لو أنه يسحق خنفساء، ومن الواضح أنه يشعر بالثقة بزيه المموه وقبعته الحمراء، ثم يحف بيده كما لو أنها فأس يهوي بها بضربة قاطعة على ساقيه.

النقطة التي يحاول إبرازها بالحركة أنه يعتقد أن المليشيات التي كانت تعبث هنا قد تم سحقها. لكن هل يمكن أن يعودوا؟ ويرد الجندي بإصرار: أبداً، وهو يذكر اسمه، أسد. بحسب مراسل بي بي سي أندرو أنجلاند.

هذا التقييم عرضة للخلاف، لكن ثاني مدينة في العراق ومركزه الاقتصادي الرئيس تظهر مؤشرات تحوّل ملحوظ في أعقاب عملية بقيادة عراقية لتطهير المدينة من المسلحين وإنهاء أكثر من سنتين من حكم العصابات والفئات المتنافسة.

البصرة مزدهرة ، والتي تحتوي على 70 في المائة من احتياطيات العراق النفطية الثابتة والتي تشكل ميناءه العميق الوحيد، والتي تشكل نتيجة لذلك 90 في المائة من العائدات الحكومية؛ ستكون مهمة جداً لمستقبل العراق.

قدرة القوات العراقية على الحفاظ على الأمن سوف تختبر إلى أي مدى تطورت، مثلما تختبر رغبة وقدرة الحكومة التي يقودها الشيعة، في بغداد على استغلال المكاسب الأمنية لتوفير الخدمات العامة التي كانت معدومة، وتشجيع التقدم الاقتصادي.

في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بينما كانت القوات البريطانية تسلم محافظة البصرة للسلطات العراقية، تحدث البصريون عن مدينة كان المعيار فيها: الخوف والترهيب والموت، وكانت أعمال الخطف شائعة، وقتلت عشرات النساء لأنهن كن يرتدين أو يتعرضن بطريقة كانت المجموعات المسلحة تعتبرها لا أخلاقية وكان عدد قليل من الناس يجرؤون على الخروج من بيوتهم بعد حلول الظلام، كما هرب كثير من المثقفين والأطباء ورجال الأعمال والمعلمين من البلاد خوفاً من أن يصبحوا أهدافا.

الجنود البريطانيون الذين كانوا مسؤولين عن الجنوب منذ غزو العراق عام 2003 بقيادة أمريكا، كانوا قد انسحبوا بشكل أثار الخلاف من وسط البصرة في شهر أيلول (سبتمبر) بعد وابل مستمر من الهجمات المميتة وحين كانوا يغامرون بالخروج خارج حدود قاعدتهم المحصنة جداً في المطار، كانوا يتجنبون الطرق التي يمكن لتواجدهم فيها أن يستعدي المجموعات المسلحة، وفي الوقت ذاته لم يجرؤ الدبلوماسيون البريطانيون على دخول مدينة البصرة منذ أواخر عام 2001، بسبب المخاطر الأمنية.

لكن السكان اليوم يتحدثون عن قدرتهم على الاستمتاع بالنزهات العائلية على ضفاف شط العرب، وبتناول وجبات العشاء في وقت متأخر من الليل في المطاعم، وتستطيع النساء أن

مسؤولو التنمية البريطانيون يبدأون بحذر، القيام بجولات في المدينة وهم يسعون إلى مساعدة السلطات العراقية على معالجة البطالة المنتشرة والخدمات الأساسية المتداعية، وعبر نافذة خلفية لا يخترقها الرصاص لمركبة ماستيف مصفحة، يشير مسؤول تنمية حريص على إبراز التغييرات، إلى أشجار زرعت حديثاً وإلى أكوام من حجارة رصف الأرصفة الجديدة التي تنتظر تركيبها.

يقول نيجل هايوود، القنصل العام البريطاني في البصرة: لا يمكنك أن تسقط من حسابك حدوث انبعاث لنشاط المجموعات المسلحة، لكنني أعتقد أن ذلك غير محتمل، وسياستنا تتمثل في أن نواصل ترسيخ المكاسب الأمنية بمخاطبة فعلية للقضايا التي كانت تثير سخط الناس واستياءهم: وهي المياه والمجاري والكهرباء والقمامة من ناحية، ومعالجة البطالة من ناحية أخرى، ونحن مصممون على المضي قدما بهذه الأمور لنملأ الفراغ الذي إذا لم نملأه، سيملأه الإرهابيون أو الإرهابيون المحتملون.

في مطلع هذا الشهر، انضم هايوود للبصريين على ضفاف شط العرب، للعشاء مع شيوخ عشائر، وهي رحلة ليلية نادرة في المدينة، لكن، عند العودة إلى المطار كان الموظفون البريطانيون يرتمون على الأرض في ذلك المساء عندما أطلقت الصواريخ على القاعدة، وكان أول هجوم من نوعه طوال ثلاثة أسابيع، ومع أن الصواريخ لم تنفجر فإنها أظهرت أن التهديد ما زال موجوداً.

يمكن تعقب أثر التحسينات التي حدثت إلى عملية عسكرية سميت "مهمة الفرسان" التي أطلقها نوري المالكي، رئيس الوزراء، في نهاية شهر آذار (مارس) والمهمة التي رمت أساساً إلى تنظيف مقاتلي جيش المهدي، الموالي اسمياً لمقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي المثير للقلاقل، والتي قوبلت في البداية بتشكك، وكان هنالك تقارير عن مئات الجنود الحكوميين الذين رفضوا القتال وعن آخرين انضموا إلى المليشيات، ولم تكن المرة الأولى التي تثور فيها التساؤلات على مصداقية المالكي الذي اتخذ له مكتباً في مقر البصرة لقيادة العملية.

من جانبهم فوجئ المسؤولون البريطانيون، حيث إن اللواء موحان الفريجي، الذي كان في ذلك الوقت قائد الجيش العراقي في البصرة يخطط لحشد قواته وشن العملية في شهر تموز (يوليو)، وكانت خطوة أيدها الأمريكيون والبريطانيون، حسبما يقول مسؤول بريطاني، لكن بناء على أوامر المالكي، اتصل الفريجي بنظرائه البريطانيين وأخبرهم أن العملية سيتم شنها خلال 48 ساعة، حسبما يقول الضابط.

بعد نكسات أولية، تم تعزيز الجنود العراقيين البالغ عددهم نحو 30 ألفاً بمساندة جوية أمريكية وبنحو 800 جندي أمريكي، ولعبت أمريكا دوراً حيوياً في المنطقة ذات الأغلبية الشيعية التي كانت في الماضي مسؤولية بريطانيا، وقبل "مهمة الفرسان" كان في البصرة أقل من 20 جندياً أمريكياً.

كما وفرت القوات البريطانية دعماً إمدادياً ومراقبة جوية، وأدى وقف إطلاق نار بين الحكومة وجيش المهدي، والذي تم التوسط فيه بمساعدة إيران التي كانت أمريكا وبريطانيا تتهمانها مراراً بأنها تسلح وتمول الحركات الإسلامية الشيعية في العراق، أدى وقف إطلاق النار هذا إلى وضع حد لأسوأ قتال، وتحرك الجيش العراقي إلى مناطق كانت في السابق معاقل للميليشيات، لكن مدى الضرر الذي لحق بجيش المهدي ما زال غير واضح.

يقول جوست هلترمان، وهو يعمل لدى مجموعة الأزمات الدولية: إنهم تلاشوا فعلاً، وضعوا أسلحتهم ولم يعودوا جيشاً.. وهؤلاء مقاتلون غير متفرغين كانوا يملكون سلاحاً في البيت، مثل أي عراقي آخر، لذلك كان من السهل أن تضع سلاحك جانباً، ولست مضطراً لخلع زيك العسكري لأنك لا تملك زياً موحداً في معظم الأحيان، وتعود إلى عملك الإضافي أو إلى أي عمل آخر. ولكن ذلك يعني أيضاً أن بالإمكان استدعاؤهم مرة أخرى ليقاتلوا.

لكن الضابط البريطاني يرى الأمور من منظور مختلف، قائلاً إن كثيراً من كبار قادة المجموعات المسلحة هربوا، إما إلى أطراف أخرى من العراق وإما عبر الحدود الهشة إلى إيران، وإما تم احتجازهم.

مجموعة من العقود الضخمة توقعها شركات محلية  

قالت وزيرة الاعمار والاسكان والقطاعات الخدمية العراقية بيان دزئي إنه تم توقيع مجموعة من العقود الكبيرة مع شركات كويتية متخصصة لتنفيذ عمليات اعمار في معظم محافظات العراق.

واضافت دزئي في تصريح صحافي ان العقود الموقعة تشمل مجمعات سكنية ومشاريع وبنية تحتية اضافة الى توريد مواد بناء انشائية جديدة.

واشارت الى الاعتمادات الهائلة المقررة لعمليات الاعمار في العراق التي بلغ مقدارها في ميزانية العام الجاري نحو 523 مليار دينار عراقي للطرق والجسور والمباني و300 مليار دينار عراقي للمشاريع التي تصل مدتها الى عام و80 مليار دينار عراقي ميزانية تكميلية حتى نهاية العام الجاري.

وقالت الوزيرة العراقية إن ميزانية الاعمار في العراق للعام المقبل اكبر ما كانت عليها في العام الجاري وهي في طور المناقشة بالوقت الحالي مبينة ان الميزانية تفوق مثيلاتها في عامي 2007 و2008م وذلك في ظل الظروف الامنية التي تتجه نحو الافضل وفي ظل اقبال العديد من المقاولين للدخول الى العراق والمشاركة الفعلية في عمليات الاعمار التي يشهدها القطر.

وقدرت دزئي المشروعات التي تم انشاؤها خلال عام 2007م بنحو 723 مشروعا شملت مجالات الطرق والكباري والجسور والمدارس والمستشفيات والمجمعات السكنية.

واوضحت ان هناك خطة وبرنامجا متكاملا حتى عام 2010م للاعمار في العراق وبناء مشاريع استراتيجية مهمة خاصة في مجال الطرق والجسور والمباني الحكومية والمدارس والمستشفيات والمجمعات السكنية حيث وصل في 2005م و2008م عدد المجمعات السكنية الى 28 مجمعا يحتوي كل مجمع على 504 وحدات مع بناء كل مستلزمات الحياة من متاجر ومدارس ومستوصفات.

وقالت انه حتى الآن هناك 10 شركات متخصصة في مجال الطرق والجسور والمباني والمجمعات السكنية والاتصالات والمصافي وهي شركات تابعة لوزارة الاعمار تدخل في المناقصات العامة بعروضها مثل غيرها من الشركات المماثلة.

واكدت ان هناك عددا من الشركات الكويتية دخلت للإعمار في محافظات الوسط (مدينتي النجف وكربلاء) كما ان هناك شركة كويتية قد رسا عليها مشروع انشاء مطار النجف.

واوضحت ان الحكومة العراقية اقرت قانونا جديدا للاستثمار وصادقت عليه الجمعية الوطنية حيث ان هناك مساعي لتطبيقه في كل المجالات (النفط والسياحة والنقل).

واشارت الى ان هناك ترحيبا هائلا من الشركات الكويتية للدخول الى السوق العراقي وممارسة اعمال التعمير فيها بشكل واسع مشيرة الى ان العراق يرحب بالشركات الكويتية ورؤوس الاموال التي ترغب في المشاركة بأعمال الاعمار في العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 22/تشرين الأول/2008 - 22/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م