الرأسمالية ولحظات الاحتضار

محمد يوسف العرادي

كل شيء في الحياة خاضع لقانون البدايات والنهايات ، كالإنسان تماماً له بداية تنطلق من أول نفس يطلقه بخروجه من بطن أمه، منطلقاً لهذه الحياة وله نهاية تبدأ من آخر نفس له في هذه الحياة ،ولينطلق بعد ذلك في حياة برزخية لها حيثياتها.

الحضارات أيضا يجري عليها قانون البدايات والنهايات ، فهي تمر بمراحل متمثلة بالولادة ومرحلة القوة ومن ثم الضعف، فالسقوط ولا نقصد السقوط المطلق وإنما السقوط النسبي، والتاريخ خير شاهد على ذلك، فالأنظمة الشمولية الديكتاتورية قد سقطت بعد ان كانت قوية، ولقد سقط أيضا من كان يعّول عليها، فتلك الأيام نداولها بين الناس والتغيير من سنن الله في الكون، وان ما يحدث ألان في العالم من أزمة اقتصادية تعصف بالعالم ومن يدور في فلكه، هي من آثار تطبيق النظام الرأسمالي الذي افقد المجتمع الغربي العدالة الاجتماعية وسبب المشاكل بأنواعها، من فقر وبطالة وأمراض واضطرابات نفسية الخ.. ما سّبب عقم للاقتصاد العالمي.

 فالنظام الرأسمالي قائم على مبدأ زيادة الرأسمال النقدي في ظل إفقار شديد للموارد الكونية، لانه نظام انشأ لخدمة المصالح الذاتية والفئوية، وليس لخدمة الإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى وجعله محور أساسي في هذه الحياة، وسّخر كل شيء لأجله لا من أجل الربح والمادية، ولا أدري لماذا لم يطبق النظام الإسلامي كبديل للنظام الرأسمالي الذي راح ضحيته الملايين من البشر، الذين دهسوا تحت اقدام الشركات الاقتصادية العملاقة وزيادة الربح على حساب الإنسان.

الولايات المتحدة الأمريكية والتي تنادي بالديمقراطية، يوجد بها ملايين الفقراء، وهذا ما لم نجده في حكومة أمير المؤمنين عليه السلام الذي طبق النظام الإسلامي بكل تفاصيله، ولماذا لم يؤخذ بتجربة بيت المال وتجربة المضاربة بدل الربا !؟

لو رجع الغرب لفطرته السليمة لتبع منهج الإسلام وطبقه، على الأقل في نظامه المتعلق بالجانب الاقتصادي، ليتجنب بذلك تحطيم قيم الإنسان وحضارته، وهذا ما تدركه الفطرة ويحكم به العقل.

ما حدث في الولايات المتحدة من أزمة مالية عاصفة، امتدت بأذرعها لكل العالم بحكم قانون المنظومة الدولية، ما هو سبب من أسباب التمسك بنظام اقتصادي فاشل، وما خطة الإنقاذ المالي المتمثلة بالسبعمائة مليار دولار، والتي وافق عليها البرلمان الأمريكي إلا خطة ترقيعية تجميلية لا تبحث عن جذور المشكلة لتحلها، ولذلك آثار سيلمسها النظام الاقتصادي الأمريكي الرأسمالي ولو بعد حين، ومن عاش رأى عجب من الدهر فالطريق للسقوط وارد في أي لحظة.

ما يعانيه المجتمع الرأسمالي من ويلات لا يمكن ان تحجبها الترقيعات الفوقية، والإحصائيات الرسمية خير شاهداً على ذلك ،فنيويورك تعرف بأنها مدينة أثريا العالم وفقرائه، وقد قامت الحكومة بإنشاء وكالة أسمتها بتحالف نيويورك ضد الجوع وهي تقوم بتقديم وجبات طعام لسد حاجات الجوع، في احد التقارير المتعلقة بذلك والصادرة عن بنك الطعام المدعوم حكومياً يفيد بأن مليوناً و300 ألف مواطن لا يجدون طعاماً كافياً في كل يوم.

 وهناك تقرير آخر صادر عن وزارة الزراعة الأمريكية أفاد بأن 30 مليوناً من الامريكين لم يكن لديهم ما يكفي من طعام في 2006، هذا على مستوى الغذاء الذي هو شيء ضروري لايمكن الاستغناء عنه، اما على صعيد الوظائف والسكن، فقد جاء تقرير رسمي صادر من وزارة العمل الأمريكية بأن الاقتصاد الأمريكي فقد في 2008 نحو 605 الآف وظيفة وهناك مليون و420 ألف أسرة وفرد فقدوا منازلهم نتيجة أزمة القروض السكنية وأفلست عشرات المصارف أو توقفت عن الدفع.

في الحقيقية لا يمكن الطعن في هذه النسب، فهي صادرة من قمرة القيادة الأمريكية، وهي تعتبر اعترافات لم يظهر منها إلا النذر اليسير، وهناك من الويلات والإحصائيات والتي لا اعتقد ان الإدارة الأمريكية قد تكون قادرة على كشفها.

بالنظرة السريعة للعالم تبين حسب الإحصاءات انه شهد منذ عام 1971 ما يقرب من 24 أزمة اقتصادية بمعدل أزمة كل سنة ونصف، والأزمة الحالية شبيهة لحد ما بأزمة الكساد العالمي التي واجهة العالم عام 1929.

هناك أمر يجب ان يدركه الغرب وهو حاجته لئن يتغير ويعود للفطرة السليمة لكي يتقدم، فما عادت المكابرة تجدي نفعاً، فهي لا تهدف إلا لتحطيم الانجازات التي حققها الغرب، واعتقد ان الغرب حقق انجازات نسبية وشبه ناقصة، ولكنه سيفقدها بتمسكه بمبادئ الرأسمالية والتي بدأت مرحلتها الأخيرة فهي تحتضر لكي تسقط وتموت.

alaradimohd@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 20/تشرين الأول/2008 - 20/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م