سيادة العراق وحصانة الجندي الأمريكي

احمد جويد/ مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

نصت المادة أولاً من الدستور العراقي الدائم على أن (جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة،.....)، وهذا ما طالبت به جميع المكونات والأحزاب العراقية؛ وصوت عليه أغلب أبناء الشعب العراقي، إلا إن تلك السيادة بمفهومها الحقيقي لا يمكن أن تخرج من حيز النصوص الدستورية إلى حيز التطبيق الفعلي، إلا إذا تم صيانتها من عدم التعرض لها والمساس بها بأي شكل من الأشكال.

فالكلام واللغط الكثير الدائر اليوم في الساحة السياسية العراقية حول الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية بعيدة الأمد، قد يشتمل في طياته على جوانب خطيرة تعرض سيادة العراق إلى الانتهاك في حال عدم دراسة بنودها ومفرداتها بشكل جيد من قبل خبراء ومختصين.

وما نسمع به اليوم من خلال وسائل الإعلام، وما يصرح به المسؤولون من اشتمال تلك المعاهدة على بند يقضي بوجود حصانة للجندي الأمريكي على الأراضي العراقية تجعله بعيداً عن طائلة القانون والقضاء العراقي في حال ارتكابه أخطاء أو مخالفات؛ لا، بل، وحتى ارتكابه لجرائم ضد أبناء الشعب العراقي، هو أمر غاية في الخطورة على سيادة العراق واستقلاله، الأمر الذي يستدعي البحث في معنى السيادة والحصانة، ومتى تكون حصانة الأجنبي خطراً على السيادة الوطنية؟.

بداية لابد من الإشارة إلى أن قيام الدولة المعاصرة بأركانها الثلاثة: الشعب، والإقليم، والسلطة السياسية، يترتب عليه تميزها بأمرين أساسيين:

الأول: تمتعها بالشخصية القانونية الاعتبارية.

الثاني: كون السلطة السياسية فيها ذات سيادة، ولأهمية السيادة في الدول فقد جعلها البعض الركن الثاني من أركان الدولة.

وسيادة الدولة هي الصلاحيات التي تعد حقوقا، للدولة ممارستها في النطاق الإقليمي لها، كحماية الحدود، الحفاظ على الأمن، وغير ذلك، أما في العرف القانوني تعني بسط يد الدولة على كافة أراضيها. وهي وحدها التي تتخذ القرارات وتطبق القوانين فيها من خلال أجهزتها المختصة المتمثلة بسلطاتها الثلاث، ولا يحق لأية جهة أخرى التدخل في شؤونها الداخلية إلا بموافقة صريحة منها وبحسب ما تقتضيه مصلحة البلاد العليا، وبخلاف ذلك تكون الدولة ناقصة السيادة وهي أما خاضعة للاحتلال أو الوصاية الدولية.

 وفي حال وجود الحصانة للأجنبي، والتي تعني عدم خضوعه لقوانين الدولة الوطنية، فإن مخالفته لتلك القوانين تجعله في منأى من طائلة القضاء المحلي، الأمر الذي لا يبقي للدولة مانحة الحصانة القدرة على اتخاذ أي إجراء بحق الأجنبي المتمتع بالحصانة سوى القيام بطرده من أراضيها ومهما تكن الصفة التي يحملها.

وبذلك تكون الدولة ذات السيادة الكاملة على أراضيها قد استخدمت حقها المشروع للحفاظ على سيادتها وعدم المساس بها من قبل أية جهة أخرى، وإذا ما تذكرنا بعض التصريحات التي أدلى بها احد وزراء الداخلية في الحكومات العراقية التي أعقبت دخول القوات الأجنبية إلى العراق عام 2003م، بقوله (إن من يعتدي على الجندي الأمريكي هو كمن يعتدي على الجندي العراقي) نجد في هذا الكلام وجود حماية من قبل القانون العراقي للجندي الأمريكي بمستوى الجندي العراقي في حال تعرضه للاعتداء وخضوع المعتدي لطائلة القوانين العراقية، وهو ما يجعنا نبحث في معنى الحصانة التي تريدها الولايات المتحدة لجنودها في العراق بوجود هذه الحماية التي توفرها القوانين العراقية للجنود الأمريكان المتواجدين على أراضيها، وهل هي بمستوى الحصانة التي يتم إعطائها للدبلوماسيين وممثلين الدول الأخرى سواء كانوا على مستوى السفراء أو الوفود أم بشكل مختلف تريد فرضه على العراق.

إذن لابد من معرفة حصانة الدولة بشكل عام والتي تتجلى بنوعين أساسيين هما:

1- الحصانة القضائية الجزائية والمدنية والإدارية:

يقول شارل روسو عن حصانة الدولة القضائية، تقييد صلاحية المحاكم المحلية الداخلية الذي يحمله القانون الدولي، والذي يضع نوعاً ما الدول الأجنبية خارج هذه الصلاحية والعلاقة بين الحصانة القضائية وعدم الصلاحية والسلطة القضائية والدفع بعدم قبول الدعوى.

أي بمعنى آخر، الحصانة القضائية مرتبطة بإمكانية مثول الأجانب أمام المحاكم الوطنية وتعني أنه يحق للدولة الأجنبية المستفيدة من الحصانة ألا تمثل أمام المحاكم الوطنية وأن ترفض ولايتها وسلطتها.

2- حصانة التنفيذ:

وتعني عدم إمكانية اتخاذ أية إجراءات أو تدابير تنفيذية من قبل الدولة الوطنية لتنفيذ أي حكم يكون قد صدر من محاكمها إزاء الدولة الأجنبية التي تنازلت مسبقاً عن حصانتها القضائية بإرادتها وتعتبر حصانة التنفيذ مستقلة وقائمة بذاتها ومنفصلة عن الحصانة القضائية، ويقول روسو: إن حصانة التنفيذ تكمن في استبعاد طرق التنفيذ (من حجز وتوقيف وحراسة ومراقبة) إزاء الدولة الأجنبية.

والحصانة لا تمنح للأفراد فقط، بل قد تمنح للأبنية أو السفن أو الطائرات بحيث تعتبر الأماكن المذكورة جزء من الدولة الأجنبية في داخل الدولة مانحة الحصانة، الأمر الذي يصل ببعض الدول الى القيام بمنحها جنسيتها للأجنبي المولود داخل بناية سفارتها أو على متن أحدى طائراتها أو سفنها، علماً إن الولايات المتحدة ترغب بإنشاء قواعد عسكرية لها في العراق تتمتع بالحصانة الكاملة بالإضافة إلى طائراتها وسفنها.

وبذلك يكمن الإجراء الوحيد الذي من خلاله تستطيع الدولة الحفاظ على سيادتها تجاه من يحمل تلك الصفة هو إيقاف من يتمتع بالحصانة عن ممارسة عمله وطرده خارج البلاد إذا كانت تصرفاته تمثل خطراً على أمن البلاد وسيادته.

فإذا كانت ما تبتغيه الولايات المتحدة من حصانة لجنودها في العراق كما تتمتع به البعثات الدبلوماسية، فباستطاعة الحكومة العراقية طرد أي جندي أمريكي يقوم بانتهاك القوانين المحلية كغيره من أفراد البعثات الدبلوماسية، وبالتالي يضمن وجود سيادة الدولة مع ضمان ملاحقته قضائياً وفقاً للقوانين والمعاهدات الدولية.

 أما إذا كانت الحصانة المنشودة من قبل الطرف الأمريكي هي من نوع آخر بعيد عن روح القوانين والمعاهدات الدولية، ومن باب فرض الهيمنة العسكرية، فهي تعد مساس وانتقاص من سيادة العراق التي نص عليها الدستور الدائم للبلاد، الأمر الذي لا يرضاه الشعب العراقي في أي حال من الأحوال.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 15/تشرين الأول/2008 - 15/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م