معززات الأمن في النظام الديمقراطي

محمد جواد سنبه

من حقي كمواطن عراقي أن اطرح سؤالاً متفرعاً على السادة المسؤولين في مجلس النواب(رئيساً ونواباً واعضاءاً ولجاناً)، وإلى السادة المسؤولين في وزارة الداخلية (وزيرا ووكلاء الوزير ومستشاري الوزير، و السيد اللواء (جهاد الجابري)، مدير عام مديرية مكافحة المتفجرات في وزارة الداخلية)، السؤال هو: إلى مَتى ستبقى التفجيرات تمزق اشلاءنا؟.

إلى متى يبقى الموت يحصد أرواحنا؟.

ألا توجد وسيلة تكافحون بها هجمات الموت الحاقد على الشعب العراقي؟.

في يوم الخميس 2 ت1 2008، حصل تفجيران مروعان الأوّل في منطقة الزعفرانيّة، والثاني في بغداد الجديدة، وكلّ من التفجيرين قصد جموع المصلين الذين حضروا لاداء صلاة العيد، وكانت الحصيلة استشهاد واحد وعشرين شهيداً وجرح اربعين، وربما كانت الاصابات أكثر، لولا انْ أمسك بالانتحاري المفخخ أحد النجباء من الحراس، الذي آثر الشهادة دفاعاً عن اخوانه، فاحتضن الانتحاري ليخفف من وطأة الموت على الابرياء، فجاد بنفسه فداءاً لهم (والجود بالنفس اقصى غاية الجود).

 وجدير بالذكر أنّ شهر رمضان الماضي، شهد تصعيداً في نشاط التفجيرات الارهابيّة. وبودي أنْ أُذّكر هؤلاء السادة المسؤولين، واستعرض لهم ما تعهد به (السيد اللواء جهاد الجابري، مدير عام مديرية مكافحة المتفجرات في وزارة الداخلية)، عندما اشتدت وطأة التفجيرات و بدأت اعمال العنف تأخذ وتيرة التصعيد والتصاعد،(بين عامي 2005 و2006)، في حينها أجرت احدى الفضائيات، مقابلة استضافت فيها السيد (اللواء(حالياً) محمد العسكري) الناطق الاعلامي في وزارة الدفاع، والسيد (اللواء(حالياً) جهاد الجابري) مدير عام مديرية مكافحة المتفجرات في وزارة الداخلية. وفي خضم سياق الحديث بين أطراف اللقاء، تساءل السيد محمد العسكري(على اعتبار أنّ قضيّة السيطرة على التفجيرات من المهام الرئيسية لمديرية مكافحة المتفجرات في وزارة الداخلية)، وكان فحوى التساؤل:(لماذا لا يتمّ الاسراع باستيراد الاجهزة الكاشفة عن المتفجرات، من الاسواق العربية والعالمية بصورة مباشرة وسريعة، حيث تُعرض مثل هذه الاجهزة في الكثير من معارض الشركات المتخصصة في هذا المجال، حتى أنّ في الاردن توجد مكاتب لهذه الشركات مثلاً ؟). ما أنْ انتهى السيد العسكري من قوله، حتى انتفض السيد (جهاد الجابري) بمضمون الاجابة: (إنّ المسالة ليست بهذه البساطة، وإنما توجد مواصفات فنيّة دقيقة يجب توفرها في اجهزة الكشف عن المتفجرات، وإنه(السيد جهاد) قد حدد مواصفات دقيقة ومعينة ينبغي توفرها في هذه المنتجات، وهذه المواصفات مستقاة من خبرته الطويلة في العمل بمجال المتفجرات، وان الاتصال قائم مع شركات تتمتع بسمعة رفيعة وتفوّق تقني عالي لغرض التعاقد معها، وان هذه الاجهزة غالية الثمن...الخ)، حتى وصل بالكلام: بتوفر هذه الأجهزة سيتم الكشف عن جميع انواع المتفجرات والسيطرة عليها بالكامل، و لهذه الأجهزة من الدقّة، بحيث تكشف حتى طلقات الاسلحة الخفيفة، واضاف في حديثه (... و بشاربي اذا حصل اي تفجير بعدها....)).

 ونحن العراقيون قد تعودنا على (القسم بالشوارب، وكَضبة الشارب، وهزة الشارب)، و كنّا سابقاً نتصور أنّ القسم بالشارب، يضاهي القسم بالمقدسات الروحية، لغاية اتضاح الصورة بأنّ الشوارب هي مجرد شعيرات (قلت أو كثرت)، لا قيمة للقسم بها ولا رمزية له على الاطلاق، وإنّما القيمة الحقيقية والرمزيّة بالقسم، تكمنان بصدق القول وبتنفيذ الوعد، وبعد ذلك لا اعتبار من وجود الشارب أو عدمه.

ولازال السيد (جهاد الجابري) يصرح (كما جاء في موقع (العراق الآن) بتاريخ 4/8/2008) بأنّ: (.... الأجهزة الموجودة لدينا حاليا استطاعت التعرف على عدد من العناصر المسلحة من خلال قيامهم بتداول المواد المتفجرة، وما تتركه تلك المواد من آثار تبقى عالقة على أجسادهم، وقد تم اعتقالهم على إثرها"..... وأكد أن "خلايا الانتحاريين ضعفت كثيرا بالوقت الحاضر، بسبب وجود أجهزة بالغة الدقة والحساسية ولديها إمكانية الاستشعار عن بعد، لذا فإن أي عنصر انتحاري يحمل حزاما ناسفا سيجري اكتشافه بسرعة")(انتهى).

وجاء تصريح آخر للسيد الجابري على صفحة موقع (ميدل ايست اون لاين) في 30/9/2008 :(وقال اللواء جهاد الجابري مدير مكتب مكافحة المتفجرات في وزارة الداخلية العراقية "ان الهجوم الثاني في حي الكرادة ناجم عن تفجير انتحاري يرتدي حزاما ناسفا وليس بعبوة ناسفة، حيث اثبتت التقارير التي وردتنا من مكان الحادث بعد اجراء التحقيقات الاولية هذه النتيجة". واشار الجابري إلى ان العراقيين تعودوا على تزايد وتيرة العنف، قبل ايام الاعياد لان "الارهاب يسعى إلى اغتيال فرحة العراقيين من خلال تفجير السيارات والهجمات الاخرى لكننا نتعهد بملاحقة الفاعلين).

أقول : إنّ القضية بسيطة عند السيد اللواء فهي أن العراقيين (تعودوا....) وانتهى الموضوع.

واغرب المسموعات من الاخبار عن المتفجرات في العراق، الخبر الذي نشره موقع (أوان) تحت عنوان: (خبراء عراقيون: العبوات اللاصقة تكتيك 
جديد يتّبعه المسلحون). ونصّ الخبر كما يلي : الأربعاء, 9 يوليو 2008 بغداد /عمر الشاهر/ : (في إجراء تسبب في نشر الهلع في الأوساط الحكومية العراقية، طالبت الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، موظفي جميع الدوائر الرسمية بـ «اعتماد الحيطة والحذر من خلال فحص مركباتهم العامة أو الخاصة، بشكل مستمر، قبل صعود السيارة، حتى لو تم تركها لفترة قصيرة، كإجراء أمني وقائي»). وجاء التعميم «تحسبا من قيام العناصر الإرهابية المجرمة، بوضع العبوات (الناسفة) الفنية اللاصقة، بأحد أجزاء المركبة». وأبلغت الأمانة، في تعميمها الذي حصلت «أوان» على نسخة منه أمس، مكاتب نواب رئيس الوزراء، ووزارات الدولة ومجلس الأمن الوطني، وغيرها من الدوائر الحكومية، بالتأكيد على جميع الموظفين والمنتسبين، للالتزام بأقصى درجات الحيطة والحذر، في هذا الجانب. التعميم الحكومي صدر في ظل تصاعد وتيرة الهجمات بالعبوات الناسفة اللاصقة، التي تستهدف الموظفين الحكوميين العراقيين، على اختلاف درجات مسؤولياتهم ومستوياتها(انتهى)..

أمام هذه المعطيات الزاخرة بمؤشرات الفشل بالسيطرة على التفجيرات، والتي يتجلى منها الفشل بصورة أكبر، من خلال تعميم الامانة العامة لمجلس الوزراء، ومطالبتها موظفي جميع الدوائر الرسمية، باتخاذ الحيطة والحذر من العبوات اللاصقة، كما نشر موقع (أوان) الخبر اعلاه.

 ومن الجدير بالذكر ان الاجهزة الكاشفة عن وجود المتفجرات اثبتت عملياً انها تتحسس من عدة روائح (عطور رجالية ونسائية، صابون، شامبو، معطر جو السيارة، رائحة البزين)، الأمر الذي يجعل أفراد الشرطة المعنيون بتفتيش السيارات، يقومون يتفتيش كامل السيارة ولكن دون ان يعثروا على شيء، الامر الذي جعلهم يفقدون الثقة بهذه الاجهزة ويلجأون إلى سؤال السائق (هل تحمل سلاح ؟ ماذا تحمل في سيارتك؟)، اليست هذه أسئلة غير منطقية تجعل الارهابيين يستخفّون بقدرات أجهزتنا الأمنيّة؟.

لذا ينبغي العمل بشكل جاد ومكثّف على عدة محاور هي :

1. محور الاعلام :

  أ. يجب على أجهزة الاعلام العراقيّة، أنْ تولي اهتمامها بهذا الموضوع، ليس على أساس اسهامها في نقل الاخبار الميدانية أولاً بأوّل، وإنّما القيام بجولات تحقيقيّة مكثفّة، لرصد وتوثيق تدني فاعلية أجهزة الكشف عن المتفجرات، والإتصال بالمسؤولين المعنيين لسماع وجهات نظرهم، إضافة لذلك الإتصال بالكوادر الاكاديمية العلميّة في الجامعات العراقيّة، لغرض الإستنارة بالآراء التي تكشف عن نقاط الضعف في هذه الاجهزة وتدني كفاءتها.

ب. كشف الحقائق أمام الرأي العام أوّلاً بأوّل، لغرض تسليط الأضواء على خلل مهم يتعلق بحماية أرواح الناس، وان عملية السكوت كلما طالت، فان نزيف الدم العراقي سيبقى مستمراً أيضاً.

2. محور الرأي الحر، وتقود هذا الخط النخب الوطنيّة المثقفة الواعية، التي تستطيع لفت انظار الرأي العام، وتوجيهه إلى نقاط الخلل والضعف، من خلال خطاباتها الهادفة، باستخدام الطرق السلميّة تحت غطاء القانون (كتنظيم الندوات والتظاهرات السلمية والاحتجاجات...الخ)، وبذلك تشكّل خطابات هذه النخب، مراكز ضغط على السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة لتصيح مسارات الخطأ والاهمال والفساد.

3. محور الوزارات المعنيّة بالشأن الأمني (وزارة الدفاع و وزارة الداخلية و و زارة الأمن الوطني). فبالامكان تشكيل لجنة مختصة من قبل هذه الوزارات للبحث والتقصي عن اسباب الفشل، وتقديم المقترحات السريعة للتغلب على هذه المعضلة، وإطلاع اجهزة الاعلام بكل شفافيّة وموضوعيّة عن هذه الجهود المنتظرة، لغرض عرضه نتائجها على الشعب العراقي.

4. محور مجلس النواب، يجب على اللجنة الأمنية في مجلس النواب، استدعاء المسؤولين عن هذا الموضوع، لغرض التدارس معهم عن اسباب عجز ضبط التفجيرات من قبل أجهزة الكشف، وأسباب الخروقات الأمنيّة المتكررة الحدوث، وعدم التهاون مع المقصرين بأي شكل من الأشكال، وتعريف الشعب العراقي بالنتائج.

أعتقد من خلال هذه الآليّة ستتضح الكثير من الخفايا والملابسات، وبالتالي يمكن وضع الخطط الكفيلة، لمعالجة جميع الإخفاقات في هذا الشأن، الأمر الذي سيعزز ثقة المواطن باجهزة الأمن وبالتالي بأجهزة الدّولة جميعها. ومن ناحية ثانيّة ستفرض الحكومة هيبتها، ليس في نفوس المواطنين، وإنّما في نفوس الإرهابيين أيضاً، الأمر الذي يشكّل دافعاً نفسياً مثبطاً لعزيمتهم، وتماديهم بتنفيذ جرائمهم البشعة.

 آمل من السادة المسؤولين الإصغاء لوجهة نظري خدمة للصالح العام. وأنا أختم هذا المقال وإذا بسيارة مفخخة تنفجر في حي الدورة وتقتل عشرة اشخاص وتخلف عدداً من الجرحى كما جاء في اخبار يوم 10/10/2008 والله تعإلى من وراء القصد.    

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/تشرين الأول/2008 - 14/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م