قف.. ممنوع الدخول انها مؤامرة

علي ال غراش

لماذا الدخول إلى عالم الحرية والتعددية (الدينية والمذهبية والعرقية والفكرية والسياسية) ـ الحق الشرعي والوطني والإنساني ـ حق ممنوع في بلداننا العربية والإسلامية، ومصادر من قبل فئة محددة تدعي انها الممثل الشرعي، ولماذا تصر هذه الفئة على زج الشعوب المسكينة في الفتنة، هل ذلك بداية مؤامرة جديدة ضد شعوبنا المقهورة؟

السنة والشيعة يشكلون أفراد الأمة الإسلامية في العالم، خالقهم واحد، نبيهم واحد، كتابهم واحد، قبلتهم واحدة، شريعتهم واحدة، أصولهم العرقية واحدة، همومهم واحدة، معاناتهم واحدة، تطلعاتهم واحدة. وهذا لا يعيني لا يوجد بينهم اختلافات بل هي موجدة، كما هي موجودة بين المذاهب الأخرى في الديانات الأخرى، وكما هي موجودة في وسط كل مذهب إسلامي حيث تحول المذهب إلى مدارس فرعية، وكل طرف ـ الشيعة والسنة ـ يعتمد على رأيه مستندا على أدلة يؤمن بها، ولا يمكن لأي طرف من إلغاء الطرف الأخر مهما سيطر على زمام الأمور، واستخدم أساليب الترغيب والترهيب. 

والتعددية المذهبية في العالم الإسلامي ليست جديدة بل ظهرت واضحة للعيان بعد وفاة الرسول الأعظم محمد (ص)، وهذا مصداق للآية الكريمة قوله تعالى:( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) الآية 144 سورة آل عمران، ومسألة التعبد بالمذهب السني أو الشيعي حقيقة واقعية معترف بها من قبل الجانبيين، وقضية الاختلاف بين أهل الدين الواحد، والمذهب الواحد، وبين أهل الوطن الواحد، وأهل الدار الواحد حقيقة أزلية.

إذن لماذا إثارة الفتنة الطائفية البغيضة من خلال تحذير بعض الدعاة من خطر انتشار الفكر الشيعي في أوساط الأمة؟

المسلمون (الشيعة والسنة) موجودون أينما وجد الإسلام، وهم بالتالي يتواجدون في الدول العربية بنسب مختلفة، وقوة الحضور مختلفة، وذلك حسب سقف الحرية الدينية في كل بلد، ففي بعض البلدان هناك اعتراف رسمي بالمذهبين وهناك مؤسسات ومجالس ومحاكم خاصة بكل طائفة، وهناك بلدان عربية وهي الفئة الأكبر تمنع الاعتراف بالمذهب الأخر وتحديدا التشيع، وهناك تهميش وإقصاء، لدرجة ان كثير من أبناء الوطن لا يعلمون بان هناك شيعة في بلدانهم أو أتباع  للمذاهب السنية الأخرى غير مذهب الحكومة!.

لماذا فئة إسلامية واحدة ذات توجهات معينة، تجعل نفسها هي الممثلة الوحيدة لرسالة الإسلام، وتحتكر لنفسها حق الدعوة (والتبشير) والتحدث باسم المسلمين، مستغلة سيطرتها على السلطة والقوة المالية والإعلامية؟!

الأمر العجيب أن تثار الطائفية المذهبية الإسلامية البغيضة، من قبل الأكثرية الحاكمة المسيطرة على كل شيء في الدول العربية والإسلامية، ضد الطائفة  المحكومة والمغيبة التي تعاني من الاضطهاد والمحاربة والمنع لمدة مئات السنين، والأكثر غرابة أن تثار من قبل رجال الدين الذين يدعون للوحدة والتقارب بين أفراد الأمة، وتدعم من قبل بعض الكتّاب والوسائل الإعلامية، والأشد غرابة أن تثار هذه الموجة في شهر الله، شهر العبادة والطهارة الروحية والجسدية والوحدة بين المسلمين والتعاون مع جميع البشر، شهر رمضان المبارك!!!

الظاهر ان هولاء الذين يثيرون الفتنة المذهبية، يعيشون في وحل الغرور والغطرسة، وصدقوا كذبة طالما رددوها ومرروها على أفراد الأمة المساكين ـ الذين يصدقون كل ما يقولونه هولاء ـ، بأنهم هم الفئة المختارة الوحيدة والمتحدثة باسم الرسالة والأعرف بمصلحة المسلمين، والنيل من سمعة الفئات الأخرى، وذلك نتيجة سيطرتهم على السلطة.

وقد أصيب بعض الدعاة والإعلاميين المتعصبين بصدمة هزت أركانهم، وشتت عقولهم؛ وضاقت صدورهم من وجود الفئات الإسلامية (السنية والشيعية) المهشمة المغيبة تمارس حقها بالإعلان عن وجودها، وحقها بالدعوة عن أفكارها، كما يفعل الآخرون، ولديها القدرة على الإقناع وكسب المؤيدين إليها.

في هذه المرحلة الخطيرة، والموجة المسماة بالتبشير المستعرة والغزو المذهبي، والباحثة عن إشعال الفتنة بين أبناء الأمة، والتي بدأت فصولها بالعمل على التخريب والتدمير للمواقع الالكترونية إذ انطلقت باختراق مواقع شيعية منها موقع المرجع السيد السيستاني، أعقب ذلك اختراق لمواقع سنية وإعلامية. لابد من التعقل والإيمان بان الدعوة السلمية لأي فكر حق مشروع لأي جهة وفئة دينية ومذهبية وسياسية وثقافية، ولكل فرد حق تبني  الفكر الذي يراه صحيحا، وذلك من باب الرأي والرأي الأخر، وعلى كل طرف احترام رأي الطرف الأخر.

بل ان الدين الإسلامي المحمدي الأصيل يحترم حرية التعبد لأهل الديانات الأخرى كالمسيحية واليهودية وغيرهم، فهم أخوة في الإنسانية، وحقوقهم محترمة، ولهم كامل الحقوق الوطنية، وهم شركاء في الوطن.. قال تعالى:"لا إكراه في الدين"، وقال عز وجل في سورة ((الكافرون)):"لكم دينكم ولي دين".

كما ان هناك مغالطة كبيرة حول استخدام مصطلح التبشير لوصف حالة الدعوة لفكر مذهب إسلامي أصيل، إذ إن التبشير مرتبط في الذهن ومتعارف عليه بأنه خاص بحملات نشر الديانة المسيحية!.

وما إطلاق ذلك كلمة التبشير على الحراك الشيعي إلا دليل على وجود نيات خطيرة لدى هولاء ضد الفكر الإسلامي الشيعي!

وهولاء الذين يثيرون الفتنة بين أفراد الأمة، هم أعداء الحرية، ويحاربون ثقافة التعددية (الدينية والمذهبية والعرقية والفكرية والسياسية) ـ الحق الشرعي والوطني والإنساني ـ خوفا من انتشارها في بلداننا العربية والإسلامية، لأنها تفتح عقول أبناء الأمة، وتجعلهم يكتشفون الحقائق كما هي بأنفسهم بدون توجيه وتشويه، وترفع الجهل، وتجعلهم أحرارا يملكون القدرة على الاختيار بدون فرض ووصايا، مما يشكل خطرا على مناصب المستغلين ودعاة الفتنة، وعلى مصالحهم وأهوائهم الشخصية الضيقة، ولهذا فهم يسعون بالزج بالشعوب العربية والإسلامية في نار الفتنة. وعلى الشعوب أن تحذر بعدم الدخول إلى هذا المدخل المظلم (الفتنة) لأنها مؤامرة خطيرة.

هل من حق أي جهة أو فئة لا تؤمن بالتعددية أن تعلن الحرب على أي فكر أو دعوة بالأساليب التكفيرية والتشدد والشحن الطائفي وإشعال نار الفتنة لأنها تختلف معها في العقيدة والفكر، وهل من حق غير المسلمين محاربة المؤسسات التي تدعو للإسلام بنفس الأساليب؟؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/تشرين الأول/2008 - 13/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م