أرض السواد.. يستورد معظم غذائه ومنتجاته تتراجع أمام البضائع الأجنبية

عباس سرحان

شبكة النبأ: ظلت مدينة كربلاء، نحو 100 كم جنوب غرب بغداد، تعرف بأنها مدينة المنتجات الغذائية، ففيها مصنع كبير افتتح في أواخر ستينيات القرن الماضي لإنتاج المربيات والدبس (عسل التمر) فضلا عن مصنع آخر افتتح في الثمانينيات وينتج مشتقات الألبان.

وعلى الرغم من تأثيرات الحصار الاقتصادي على العراق 1990-2003 ، الذي حجب عن مصانع المنتجات الغذائية في كربلاء فرص التطور بسبب صعوبة الحصول على المكائن والمعدات الحديثة، وصعوبة تطوير الخبرات، إلا أن تلك الظروف كرست اعتماد المستهلك العراقي على منتجات مصانع كربلاء، لجودتها، ورخص ثمنها، وعدم قدرة المنتجات المستوردة على منافستها، ما أدى إلى تسيّدها الأسواق المحلية طوال فترة التسعينيات ومطلع الألفية الثالثة.

ويبدو التحدي أمام المنتجات الغذائية المعلبة العراقية أكبر من ذي قبل إذ يقول مدير "معمل الخليج" للألبان محمد رضا كمال إن "البضائع المستوردة التي تغلف بشكل مغر باتت تغزو الأسواق العراقية بشكل عام، وأسواق كربلاء بشكل خاص".

ويضيف كمال في حديث لـ"نيوزماتيك" إن "أسعار المواد الغذائية المعلبة التي تملأ السوق الآن، أقل بكثير من أسعار المنتجات التي تصنع في كربلاء".

 ويعزو كمال انخفاض أسعار المواد الغذائية المستوردة إلى كونها "تُنتج في بيئة اقتصادية لا تعاني من المشاكل التي يعاني منها المنتِج العراقي، من قبيل انقطاع التيار الكهربائي واعتماد المعامل على مولدات الديزل التي تستهلك وقودا غالي الثمن"، واصفا المنتجات الإيرانية التي تسيطر على سوق المواد الغذائية المعلبة، لاسيما مشتقات الألبان، بأنها" تكتسح المنتجات المحلية وتكسر أسعارها".

شكوك بالمواد الغذائية المعلبة

وتتوفر البضائع الإيرانية الغذائية وغيرها في الأسواق العراقية بكثرة، وباتت الأكثر رواجا بين المستهلكين، حيث وصفها أتمار البصري، 29 سنة، بأنها "بضائع جيدة ومصنعة في ظروف إنتاج يمكن للمستهلك الوثوق بها"، غير أن غانم عبد الزهرة، 39 سنة، قال في حديث لـ"نيوزماتيك" إن "المنتجات الغذائية المعلبة بشكل عام لا يمكن الوثوق بها، فهي تدخل السوق العراقية دون رقابة"، مضيفا أن" مفارز الأمن الغذائي كانت تراقب ما يباع في الأسواق بعكس الحال اليوم".

ويلفت عبد الزهرة الى أن "الأسواق العراقية بشكل عام مفتوحة أمام جميع المنتجات الغذائية وغير الغذائية، وإذا كان ضرر المواد غير الغذائية يتوقف على جيوب المستهلكين، فإن ضرر المواد الغذائية الفاسدة أو الملوثة يمكن أن يؤدي إلى مخاطر كبيرة تطال الأنسان".

ويشير جمعة الكعبي، 46 سنة، الى وجود بضائع غذائية صينية ملوثة في الأسواق العراقية ، ويقول إن "الأيام الماضية كشفت تلوث بضائع غذائية صينية بمادة الميلامين، وقد توفي إثر هذا التلوث عدد من الأشخاص، مادفع بالعديد من الدول إلى اتخاذ احتياطات وقائية عديدة ، ولجأ بعضها إلى إتلاف مادة الحليب الصيني التي كشفت التحليلات المختبرية أنها ملوثة، ولا تخلو السوق العراقية التي أصبحت الأولى في مجال استيراد البضائع والمنتجات الصينية، من الحليب الصيني، بينما الرقابة الصحية على الغذاء الذي يدخل إلى الأسواق العراقية تكاد تكون معدومة".

  ويحمّل الكعبي بعض التجار العراقيين مسؤولية "إغراق السوق العراقية ببضائع فاسدة، غذائية وغير غذائية" قائلا إن "السوق العراقية اليوم هي في عهدة التاجر، ومعظم التجار يبحثون عن الربح بدرجة أساسية".

متطلبات صناعة وطنية

ويرى مواطنون أن على العراق أن يؤسس لصناعة وطنية، خصوصا في مجال الغذاء. فيقول حيدر حسوني، 36 سنة، في حديث لـ"نيوزماتيك" إن "إنتاج الغذاء محليا يجنب المستهلك العراقي مخاطر عديدة، ويوفر للعراق أموالا بالعملة الصعبة، خصوصا وأن العراق بات يعتمد بشكل أساسي على الاستيراد في توفير حاجاته الغذائية، فهو يستورد الخيار والطرشي والثوم والبطيخ، في وقت كانت تزرع وتنتج في العراق".

ويدعو مدير معمل "در النجف" لمشتقات الألبان عبد الحسين جودت الى "دعم أصحاب معامل المنتجات الغذائية والتعليب العراقيين، عبر فرض جمارك على الاستيراد، فهذا الإجراء سيؤدي الى رفع أسعار المواد الغذائية المستوردة، كي يتمكن المنتج المحلي من منافستها"، لافتا الى أن "البضائع المستوردة هي أقل سعرا اليوم من المنتج العراقي، فسعر قنينة الماء الكويتي مثلا أقل من سعر تكلفة القنينة الفارغة في العراق".

إن ما يأمل به جودت وغيره من المنتجين والمستهلكين العراقيين من قيام صناعة غذاء عراقية فاعلة يصطدم بعقبات كبيرة، والأمر لا يتوقف على فرض رسوم على الاستيراد أو تقديم منح مالية لأصحاب المعامل، بل أكبر وأوسع من هذا بكثير، لأن "الصناعة تحتاج إلى مادة أولية، ومادة الصناعات الغذائية يوفرها قطاع زراعي ناشط"، كما يقول مدير "مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية"، وأستاذ الاقتصاد، أحمد باهض تقي، مضيفا في حديث لـ"نيوزماتيك" أن" القطاع الزراعي في وضعه الحالي يعاني من مشاكل كبيرة ومعقدة، وهو غير قادر على توفير المادة الأساسية للصناعات الغذائية، فالأمر إذن يحتاج إلى خطة كبرى لتطوير قطاعي الزراعة والصناعة، قبل الحديث عن ضرورة الوقوف بوجه الاستيراد من الخارج".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/تشرين الأول/2008 - 8/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م