الموصل: أفراح العيد وسط القلق الشديد وإنعدام الثقة بالآخَرين

شبكة النبأ: على الرغم من الاوضاع الامنية غير المستقرة والخشية من اعمال العنف، إلا ان شوارع مدينة الموصل شمالي العراق، شهدت نشاطا منذ الصباح الباكر حين كبرت المساجد معلنة اول ايام عيد الفطر، اذ توجه المصلّون الى الجوامع لاداء الصلاة، وتوجهت العوائل الى اقربائها، فيما توجه الكثير من الموصليين الى المقابر لزيارة احبتهم الذين فارقوهم. ولكن خلف مشاعر الفرح بالعيد تختبئ الوان الخوف والقلق واجواء انعدام الثقة مابين مكونات مدينة الموصل من العرب والاكراد وباقي الأقليات مما يضع ظلالاً قاتمة على الجهود المبذولة من اجل خلق اجواء ثقة تجعل من اهل المدينة جبهة واحدة للتصدي لإرهاب القاعدة. 

وبفرح يظلله الخوف على الأبناء، اطلق عصام العنان لطفليه الصغيرين ليلهوان في احدى المناطق الترفيهية التي انشأتها بلدية الموصل حديثا، وعلى الرغم من قرب المكان من البيت، الا ان قلقه على سلامتهما كما يقول، يبقي ذهنه "مشغولا بافكار قاتمة".

ويقول عصام حامد (40 عاما) "ان ما يجري في الموصل يجعلنا قلقين من التواجد في الشارع او الأماكن العامة لفترة طويلة" مبررا قلقة بـ" الخوف من حصول انفجار او التعرض لعملية اغتيال" وان هذه الاسباب دفعت الكثير من الموصليين الى تفضيل "الانتقال بين منازل الأقارب كنوع من الترفيه في العيد".

وعادة ما يكون صباح اليوم الاول من العيد مخصصا للزيارات العائلية وتبادل التهاني، وهذا ما يفضله الصغار ايضا لجمع العيديات (مبالغ نقدية تعطى لهم بمناسبة العيد)، وبعد تناول الغداء في احد المنازل الذي يكون عادة منزل اكبر الاشخاص في العائلة وهو الجد او العم الكبير، يكون التوجه الى اماكن الترفيه.

وعلى الرغم من قلقه يقول حامد انه "من الصعب السيطرة على الاطفال وابقائهم في المنازل، ففرحتهم بالعيد تدفعهم للتوجه خارج المنزل للعب مع اقرانهم، او لزيارة المناطق الترفيهية".

وتوجد في مدينة الموصل مدينة العاب واحدة تم إنشاؤها في سبعينيات القرن الماضي، وتعاني أجهزتها من التقادم، فيما تنتشر بين الأحياء السكنية خصوصا الشعبية او الفقيرة، تجمعات للألعاب التقليدية (الأراجيح، الزحلقانة، العادلوة) وهي الأخرى غير صالحة للعب الاطفال، الا ان الاهالي مضطرون لارسال اطفالهم لها لعدم توفر البديل الافضل. بحسب تقرير لـ اصوات العراق.

فيما فضلت بعض العوائل التوجه الى متنزهات صغيرة انشأتها بلدية الموصل هذا العام بين الأحياء وبعدد محدود، لقربها من المنزل ولنظافتها ولوجود العاب جديدة فيها.

ويقول مناف طالب (24 عاما) انه "استبشر خيرا مع بداية شهر رمضان حيث عادت الحياة الى الموصل ليلا بعد ان تم تقليص فترة حظر التجوال". وان المناطق الترفيهية "شهدت زخما كبيرا لم تشهده في السنين السابقة الا ايام الاحتفالات".

وكانت قيادة عمليات نينوى قد قلصت حظر التجوال مع بداية رمضان، الى ساعتين فقط من الساعة الثانية بعد منتصف الليل وحتى الرابعة فجرا، بعد ان كانت من الساعة العاشرة مساء وحتى السادسة صباحا.

ويستدرك طالب "غير ان هذا الزخم بدأ يتقلص تدريجيا مع النصف الثاني من شهر رمضان في ظل ازدياد عمليات الاغتيال وخصوصا في الليل".

فيما توجهت ام احمد التي فقدت زوجها الموظف الحكومي قبل شهرين في حادثة اغتيال الى المقبرة، لتضع مع اطفالها اكليلا من الزهور على قبره، وشرحت ومظاهر الاسى بادية عليها، ظروف اغتيال زوجها التي وصفتها بـ" غير المعروفة" مشيرة الى ان مصيره "يشبه مصير المئات من الشهداء في المدينة الذين فقدوا حياتهم دون ان تتسلم  عوائلهم اشارة من السلطات الامنية بان هناك تحقيقا فتح في الحادث".

وتضيف بحزن "اخذت أطفالي لزيارة قبر والدهم، اذ انهم في هذا العيد لم يتمكنوا من تبادل التهاني معه مثلما يحصل كل عام،  فجاؤا ليشاهدوا التراب بدل وجه أبيهم".

ولم تبتعد احاديث العوائل الموصلية التي تزاورت فيما بينها لتبادل التهاني، عن اعمال العنف المستمر في المدينة، فكل يصف ما شاهد او سمع من حوادث.

وعلى الرغم من الاوضاع الامنية غير المستقرة والخشية من اعمال العنف، الا ان شوارع المدينة شهدت نشاطا منذ الصباح الباكر حين كبرت المساجد معلنة اول ايام عيد الفطر، اذ توجه المصلون الى الجوامع لاداء الصلاة، وتوجهت العوائل الى اقربائها، فيما توجه الكثير من الموصليين الى المقابر لزيارة احبتهم الذين فارقوهم، فشهدت المدينة زخما مروريا.  

وعلى اثر ذلك اتخذت مديرية مرور نينوى مجموعة من الاجراءات لضمان انسيابية السير خلال العيد، وقال الملازم أول مرور إحسان احمد من شعبة الاعلام والتوعية المرورية ان المديرية "اتخذت مجموعة من الإجراءات لتفادي الزخم المروري ولضمان انسابية السير وعدم حصول الحوادث المرورية".

 واضاف محمد ان المديرية اتخذت مجموعة من الاجراءت حيث سيتم "نشر مفارز ثابتة وجوالة لاسيما المناطق التي تشهد زخماً مرورياً قرب المساجد والمقابر، وفي المناطق الترفيهية مثل منطقة الغابات السياحية وقرب مدينة الألعاب وقرب مداخل الجسور، وفي منطقة المجموعة الثقافية".

وابدى ياسين اياد (25 عاما)، استيائه من" كثرة الشوارع المغلقة والزخم المروري الذي اثر على حركة المواطنين في التوجه الى بيوت اقاربهم او المناطق الترفيهية"، مشيرا الى ان المواطن "يحتاج الى جولة كبيرة قبل الوصول الى مبتغاه فضلا عن الزخم الحاصل نتيجة وجود طرق قليلة مسموح السير فيها".

واضاف "نتمنى من الله ان يمر العيد بسلام دون حصول أي حادث قد يقلب مشاعر الفرح الى الحزن، خصوصا ان الموصليين منذ اربع سنوات لم ينعموا بعيد خال من الحوادث المؤلمة".

وتنفذ القوات الأمنية العراقية منذ بداية شهر ايار مايو الماضي عملية عسكرية سميت خطة (ام الربيعين) لمطاردة المسلحين من اعضاء تنظيم القاعدة، الا ان هذه العملية لا تزال غير واضحة النتائج، اذ اقر رئيس الوزراء نوري المالكي في حديثه اما مدراء الفضائيات العراقية قبل عشرة ايام ان عملية ام الربيعين لم تنجح في الموصل بعد.

الخوف وانعدام الثقة يخيمان على الموصل

كان فلاح محمد يتطلع بعيدا وهو يتحدث عن تهديد المتشددين له ولأسرته بالقتل ما لم يترك وظيفته الحكومية.

وقال محمد وهو حارس سابق في مدينة الموصل في شمال العراق "بعد خطاب التهديد الثالث لم أجد أن الامر يستحق المخاطرة فتركت عملي." وأضاف "المقاتلون اشاعوا الخوف الشديد في هذا المكان."

ويقتل مسؤولون ورجال أمن على يد مسلحين كل يوم تقريبا في الموصل التي يقطنها 1.8 مليون نسمة والتي مازالت تجاهد للسيطرة على عنف المسلحين في حين تتمتع بقية أجزاء العراق بأفضل وضع أمني منذ سنوات.

وتراجعت الهجمات في الموصل ومحافظة نينوى منذ ان كثف العراق هجومه على تنظيم القاعدة ومقاتلين اخرين في مايو أيار الماضي. فازدحمت الاسواق وزادت حركة المرور. لكن السكان يقولون ان الخوف مازال جاثما على الموصل وهي بوتقة قديمة انصهرت فيها الجماعات العرقية والطائفية.

وقالت نسرين مصطفى وهي ربة منزل "الناس هنا خائفون جدا... كنا نسمع الانفجارات قبل العملية ومازلنا نسمعها حتى الان. فما الذي تغير.."

ويقول مسؤولون من الجيش الامريكي ان الهجمات تراجعت من نحو 130 هجوما اسبوعيا قبل مايو الى نحو 30 هجوما اسبوعيا في نينوى في يوليو تموز قبل ان تزيد مرة أخرى الى ما بين 60 و70 هجوما اسبوعيا.

وقال الميجر ادم بويد ضابط المخابرات العسكرية الامريكي بالموصل "انها هجمات مثل اطلاق النار من سيارة عابرة على رجال شرطة عراقيين."وأضاف "هناك حملة ترويع (ضد)... قوات الامن العراقية... لاثارة الشعور بعدم الامان بين السكان."بحسب رويترز.

وقبل اسبوعين حاول المسلحون قتل اللواء رياض جلال توفيق قائد العمليات العسكرية في نينوى بقنبلة على الطريق. وقتل اثنان من أساتذة جامعة الموصل في الاشهر الثلاثة الماضية.

وتجوب دورية عسكرية أمريكية شوارع الموصل عابرة شارعا رئيسيا مدمرا لا يقف فيه مبنى سليما. فكتل الخرسانة المحطمة من الاسقف تتدلى فوق الجدران المدمرة. والانقاض متناثرة في الشوارع. والمركبات تعبر جسرا على نهر دجلة وسط رائحة الصرف الصحي التي تزكم الانوف.

وقال اللفتنانت كولونيل روبرت موليناري ضابط عمليات الجيش الامريكي في الموصل "الحوار في الانبار بين شيوخ مستعدين لتنحية خلافاتهم جانبا.. كان من اسباب نجاحهم هناك."وأضاف "لا نرى ذلك هنا في نينوى. الحكومة المحلية غير مستعدة لمثل هذا النوع من الحوار."

والافتقار للثقة بين العرب المكون الرئيسي لقوات الشرطة وبين الاكراد الذين يشغلون أغلب المناصب العسكرية يعطل عمل المخابرات.

وفي مكتب حار رطب به مروحة واحدة حيا ادم كانون الكابتن بالجيش الامريكي اثنين من ضباط الجيش العراقي بلغتهما الكردية ثم سلمهما قائمة بالمشتبه ان يكونوا من المسلحين.

لكن الرائد جاهر باه الدين قال ان هناك مشكلة وهي ان نسبة ضئيلة فقط في المناطق السنية العربية هي الراغبة في فتح حوار.

وأبلغ رويترز "انهم لا يساعدوننا... انهم يفضلون عدم التعاون مع الاكراد. نحاول ان نبلغهم اننا هنا لنخلي المنطقة من المسلحين. وحتى عندما يرغبون في المساعدة فان خوفهم يمنعهم من الحديث."

وقال كانون ان ضباط الجيش الاكراد لا يثقون بالعرب ولا يتبادلون المعلومات مع الشرطة. ويحتفظ العديد من الاكراد بذكريات سيئة عن القمع الذي مارسه الرئيس السابق صدام حسين ضدهم في الثمانينات من القرن الماضي.

وفي نهاية الامر يقول الضباط ان النجاح سيعتمد على انعاش الاقتصاد في هذه المدينة المدمرة التي تمتد أمام الجدران المحطمة لمدينة نينوى الاشورية القديمة. فالعاطلون يسهل اجتذابهم الى الجماعات المسلحة والسكان كاد صبرهم ينفد من بطء ايقاع اعادة البناء.

وقال سعد محمد رشيد الجندي السابق في جيش صدام والذي يدير متجرا الان " هناك الكثير الذي يتعين اصلاحه وهم لا يفعلون ذلك... تنقصنا المياه والكهرباء. لم نعد نكره الامريكيين بل ينصب غضبنا على الحكومة."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/تشرين الأول/2008 - 6/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م