المفكّر عبد الوهاب المسيري وحكاية نصف قرن من المعرفة

 

شبكة النبأ: مفكر بموسوعية الراحل عبد الوهاب المسيري لا يضيف اليه كثيرا كتاب احتفالي أعد على عجل وضم دراسات ومقالات متعجلة تفاوتت طولا وقصرا وعمقا ألقي بعضها في حفل تأبينه بعد أيام من رحيله في يوليو تموز الماضي.

ففي رأي كثيرين أن المسيري من أبرز العقليات العربية في النصف الثاني من القرن الماضي وتشهد على ذلك اثاره الفكرية وأهمها موسوعة (اليهود واليهودية والصهيونية.. نموذج تفسيري جديد 1999) وتقع في ثمانية مجلدات وكتبت في نحو 25 عاما و/اشكالية التحيز.. رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد، في سبعة أجزاء والفردوس الأرضي.. دراسات وانطباعات عن الحضارة الامريكية الحديثة. و(الفلسفة المادية وتفكيك الانسان) و(الحداثة وما بعد الحداثة) و(دراسات معرفية في الحداثة الغربية) و(الانتفاضة الفلسطينية والازمة الصهيونية) اضافة الى دراسات في اللغة والنقد الادبي منها (اللغة والمجاز) و(دراسات في الشعر) و(في الادب والفكر).

كما ترجم قصيدة (الملاح القديم) للشاعر الانجليزي صمويل تيلور كوليردج مصحوبة بدراسة في أبعادها الجمالية والمعرفية في طبعة فاخرة مصحوبة بتسع لوحات تصويرية.

وحظي المسيري في حياته باهتمام مفكرين وكتاب وباحثين ينتمون الى مختلف التيارات الفكرية والايديولوجية اذ نظمت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ندوة موسعة استمرت أياما لمناقشة موسوعة (اليهود واليهودية والصهيونية). بحسب رويترز.

وفي عام 2004 صدر عنه كتاب (في عالم عبد الوهاب المسيري.. حوار نقدي حضاري) ويقع في 1130 صفحة ويضم دراسات لاكثر من 80 مؤرخا ومفكرا عربيا وأجنبيا بمقدمة للكاتب المصري محمد حسنين هيكل قال فيها ان العقل والفعل العربيين كانا: في حاجة الى هذا المرجع (موسوعة اليهود واليهودية..) لقيمته المعرفية أولا ولقيمته السياسية ثانيا والسبب أن هذا المرجع كشاف قوي موجه باتساع كبير وتركيز شديد الى ساحة دار عليها صراع من أخطر وأعنف ما عرفته الامة العربية طوال تاريخها وهو صراع انقضى من عمره حتى الآن قرن بكامله.

وجاء كتاب (عبد الوهاب المسيري فارس التغيير) في 112 صفحة متوسطة القطع وأصدره عدد من تلاميذ المسيري وأصدقاؤه كرد تحية لرجل يعد "موسوعة على قدمين" على حد وصف الكاتب المصري ياسر علوي في دراسة نوه فيها بأن المسيري قدم مشروعا فكريا امتزج فيه الهم العلمي بالنضال من أجل التغيير.

وكان المسيري يتولى منصب المنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) التي تأسست نهاية عام 2004 وتضم رموزا من ألوان الطيف السياسي والفكري والثقافي والنقابي. وتتلخص جهود الحركة في شعار "لا للتجديد ( للرئيس حسني مبارك) لا للتوريث (لابنه جمال).

وقال علوي ان المسيري "كان نموذجا استثنائيا لمثقف مناضل يحيا مشروعه ويعيش قيمه باتساق واستقامة يكادان يستعصيان على التصديق. مثل هذا الرجل لا يرثى فرثاؤه اهدار لاهم ما في تجربته" كما حذر من التلقي السلبي لدراسات المسيري داعيا للتفاعل معها وتطويرها وعدم الاكتفاء بالثناء على مؤلفها حتى لا يتحول الجهد العلمي الى أيقونة نتبرك بها.

وأضاف أن المسيري كان دائم الانتباه الى هذا "الخطر" ففي معظم دراساته عن الظاهرة الصهيونية لم يكف عن التأكيد على أنه لم يحصل على معلومات سرية ولا أرقام جديدة وأن كل جهده واضافاته يتمثل في تقديم نموذج تفسيري جديد للظاهرة "أي أن انجازه... انجاز منهجي.. الانتصار للتاريخ هو الهم الحاكم في جميع أعماله فتحليله للظاهرة الصهيونية يقوم على نقد ونقض استثنائها لنفسها من التاريخ الانساني واصرارها على أن الجماعات اليهودية تمثل شعبا عضويا يعيش خارج التاريخ.. فالمجتمعات والايديولوجيات الاستيطانية معادية للتاريخ.. تحليل الظاهرة الصهيونية هي وضعها في سياقها التاريخي السليم باعتبارها ظاهرة استعمارية غربية.

والمسيري في رأي الكاتب صقر أبو فخر: أحد أهم المفكرين العرب الذين كان لهم شأن كبير جدا في تفكيك الركام المروع الذي أطبق على أدمغة الدارسين العرب حينما تتصل دراساتهم بفهم المسألة اليهودية والصهيونية. بعيدا عن مفهوم التعميم والاختزال الذي كان كثيرون ينظرون من خلاله الى اليهود كشعب متسق له سمات واحدة ولم يتأثر بغيره على مدى التاريخ كما تدعي الصهيونية.

ويقول الروائي المصري بهاء طاهر ان المسيري لم يكن فقط نموذجا للمثقف الشامل الذي يجمع بين العلم والعمل. انه أكبر منذ ذلك بكثير.. لا نظير له بين المثقفين كما كان (المفكر المصري الراحل) جمال حمدان بلا نظير في الجيل الاسبق". والى هذا المعنى يصل أيضا الكاتب المصري أحمد بهاء الدين شعبان قائلا ان المسيري "قاتل بضراوة ضد الزيف والاستبداد والفساد والخنوع واصفا اياه بالمثقف النموذج.

وقال جورج اسحق المنسق السابق للحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) ان المسيري سعى الى نقل مدرسته البحثية الى قلب حركة كفاية. بل توظيفها لدعم أنشطة الحركة وقدرتها على التصدي لحكم الفساد والاستبداد.

أما هدي حجازي الاستاذة بجامعة عين شمس وأرملة المسيري التي شاركته رحلته العملية والفكرية وقدما معا ترجمات مشتركة لبعض الكتب فقالت في كلمة قصيرة ان المسيري كان نموذجا انسانيا متفردا ولم يكن ملكا لاسرته الصغيرة داعية تلاميذه لاكمال رسالته.

وكان محمد هشام أستاذ الادب الانجليزي بجامعة حلوان قال في وقت سابق لرويترز ان المسيري "ترك وصية أدبية منذ 12 عاما" فيها تكليفات محددة لتلاميذه لانجاز مجموعة من الكتب قيد الاعداد ومنها أعمال عن الحضارة الغربية اضافة الى موسوعة (الصهيونية واسرائيل) التي كان مقررا أن ينتهي منها قريبا وتتناول اسرائيل من الداخل بعد أن عالجت موسوعته الاولى الافكار النظرية التي خرجت منها الظاهرة الصهيونية.

وقبل شهر من وفاة المسيري أعلن الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب أول يونيو حزيران الماضي منحه (جائزة القدس) وكان مقررا أن يتسلمها في الاجتماع القادم للاتحاد بدمشق في نوفمبر تشرين الثاني القادم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 29/أيلول/2008 - 28/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م