دماغ الإنسان ذلك الإبداع الرباني (2/2)

نذير حبلان الصفار

وهب الله تعالى كل كائن حي بعض الصفات الخاصة به، فمثلاً الصقر له حدة في الرؤية من علو شاهق، وكذلك الكلب له قدرة عالية على الشم وتمييز الروائح، وكذلك الخفاش الذي له قدرة عالية على السمع، فكل كائن له قدرة معينة تميزه عن بقية المخلوقات، ولو أتينا إلى هذه المخلوقات وأخذنا نظرة تركيبية إلى دماغها فإننا نجد أن كل كائن له تركيب معين يختلف في الشكل عن البقية، فمثلاً نجد الصقر له بروزين في الدماغ؛ البروز الأول عبارة عن المخيخ الخاص بالتوازن والبروز الآخر هو الفص البصري الخاص بالنظر وحدته. قد تكون هذه البروزات بسيطة في بعض الكائنات إلا أنها كبيرة في أخرى، فمثلاً سمك القرش نجد أن فصه الشمي كبير جداً لدرجة أنه يأخذ أغلب مساحة الدماغ ولذلك تجد أن حاسة الشم لديه كبيرة جداً ويستطيع أن يميز رائحة الدم عن بعد ميل (ألف وستمئة متر تقريباً).

فلو رجعنا إلى الإنسان فإننا نجد أن المنطقة الغالبة على مساحة دماغ الإنسان هي الخاصة بالاستيعاب والتذكر والتحليل وغيرها من المعارف العامة، أما بقية الحواس فهي ذات فصوص غير بارزة، فالله تعالى كرَّم البشر بالعقل ويُقصد بذلك استخدام العقل، فبالرغم من أن الدماغ عند الإنسان يستوعب معلومات كثيرة جداً (ويقدرها بعض العلماء بعدد ذرات الكون) إلا أنه لا يستغل إلا (1) من (10) من هذه المساحة.

الدماغ حساس جداً!

الدماغ مثلما يتأثر بنوع الغذاء فهو أيضاً لا يتحمل درجات الحرارة العالية أو المنخفضة، ونلاحظ ذلك بشكل واضح عند الأشخاص الذين ترتفع درجة حرارتهم إلى ما فوق الأربعين حيث تظهر عندهم حالة من الهلوسة والسبب في ذلك أن الخلايا العصبية التي تحتوي على المعلومات بدأت تتأثر بالحرارة، وبالتحديد نقول إن البروتين المكون للمعلومة بدأ يتأثر بالحرارة مما يجعل الشخص فاقداً للسيطرة على الكلام الذي يقوله أو ينطقه. وكذلك نجد ذلك واضحاً عند الأشخاص الذين يشربون  الكحول -والعياذ بالله- حيث إن الكحول لها تأثير سلبي على الماء وعند وصول المادة الكحولية إلى الخلايا العصبية في الدماغ فإن كمية الماء تقل في الخلية وبالتالي لا تستطيع القيام بالعمل المطلوب سواءً كانت الخلية العصبية موجودة في المخيخ (فقدان التوازن) أو موجودة في المخ (فقدان التركيز).. قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة:219].

الدماغ والكهرباء

يتولد عند الدماغ مقدار معين من فرق الجهد الكهربائي سلبي قدره (70) مللي فولت، وذلك من أجل نقل السيالة العصبية التي تنتقل عبر الأعصاب بسرعة (201.25) كيلومتراً في الساعة، ونلاحظ وجود الكهرباء في الجسم بتأثير الكهرباء الخارجية عليه، فإن الجسم عند لمسه لسلك به تيار كهربائي تنقبض عضلاته بقوة (بفعل قوة التيار) مما يؤدي إلى تمزقها في حالة الاستمرار في لمس السلك، وهو ما استخدمه بعض الأطباء في العلاج من خلال غرز إبر في أماكن معينة في الجسم وتمرير تيار كهربائي بسيط خلالها من أجل تنشيط عضلة أو طرف معين.

نظام اللامركزية عند الدماغ

لا يصدر الدماغ كل الأوامر منه مباشرة وإنما قد تنوب عنه بعض الأجزاء -وقد ذكرت ذلك في المقال السابق-، فعندما تلمس شيئاً حاراً فإن السيالة العصبية تنتقل منه إلى منطقة في الحبل الشوكي تسمى (العقد العصبية) ومنها يتم إرسال أمر إلى المنطقة المتضررة من أجل رفع اليد عن منطقة الخطر، فبهذه العملية؛ الدماغ لم يتدخل وإنما بعد إتمام تلك العملية فإن العقدة العصبية ترسل الأمر إلى الدماغ من أجل تقدير الضرر الحاصل وتحديد الألم، وكل ذلك يحدث في وقت لا يتعدى أجزاء من الثانية. وحتى بالنسبة إلى البصر فلو أن شخصاً مد يده إلى وجهك بسرعة كبيرة فإنك تلقائياً سوف تغطي أو تغمض عينيك حتى ولو لم يكن يريد ضربك! فالجسم لديه حماية طبيعية ألهمها الله تعالى من أجل أن يبقى الجسم سليماً حتى في حالة النوم، فالنائم على الرغم من أنه يغمض عينيه ويدخل في عالم الأحلام إلا أنه تبقى لديه بعض الحواس في حالة عمل مستمر كالسمع مثلاً، ولو أحضرت دبوساً ووخزت نائماً في رجله أو يده فإنه سوف يسحبها تلقائياً وعند جلوسه من النوم قد لا يتذكر ما فعل خلال نومه!

حماية الدماغ

وهب الله الإنسان عقلاً، ووهبه أيضاً الحماية الكافية لهذا العقل، فجعله يسبح في سائل خاص جداً من أجل تخفيف تأثير الإصطدامات التي يتعرض لها الرأس بشكل يومي تقريباً، وكذلك جعل له عدة أغشية تقوم بحمايته، ويحيط بهذه الأغشية قشرة عظمية سميكة تتكون من ثماني قطع تسمى الجمجمة والتي تحمي المخ من الإصابة المباشرة، والسبب في هذه الحماية الكبيرة على الدماغ هو أنه صاحب التأثير الأساس على جميع أعضاء الجسم تقريباً ولو توقف عن العمل لتوقفت جميع أعضاء الجسم  ولم يكتشف العلم الحديث إلى هذه اللحظة طريقة لاستبدال الدماغ.

وكما أن للدماغ هذه الحماية الكبيرة فهو أيضاً لا يعطي أوامره من أجل تدمير نفسه!! نعم، فلا يوجد إنسان قادر على خنق نفسه بيديه العاريتين، لأنه مهما خنق نفسه فالدماغ يرسل أوامره إلى اليدين بأن تتوقفا فوراً، ولذلك يلجأ ضعاف النفوس ممن قنطوا من رحمة الله استخدام أدوات تساعدهم على ذلك.

nadeerus@gmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 24/أيلول/2008 - 23/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م