العراق وزمن الكوليرا: دوائر حكومية عاجِزة تترامى التُهم فيما بينها

تحقيق: بتول شلال

 

شبكة النبأ: بحث العراقي عن بصيص من الحياة ممزوج بدمعة الماضي وأمل المستقبل، تغافل عن الحاضر، نظر إلى مستقبله، ولا يعلم إن هنالك يد سوداء تنسج له كفنه الأبيض، محاولة إن تغير له أيامه من سيئ الى أسوأ، وقد علمنا الجراحات التي مر بها العراق، بحيث يصوب له سهم بعد آخر، وآخِرها وباء الكوليرا الذي أصاب مناطق وسط وجنوب العراق، حيث بدأ في محافظة بابل ومنها إلى كربلاء وباقي المحافظات.

وبعد ان اشتد السجال فيما بين الحكومات المحلية ودوائرها المعنية من جهة ومع  الوزارات في الحكومة المركزية من جهة اخرى، من خلال تبادل الاتهامات بين بعضها البعض ارتأت (شبكة النبأ المعلوماتية) اجراء هذا التحقيق للوقوف على أسباب امتداد وباء الكوليرا في محافظات الفرات الأوسط ودخوله إلى كربلاء ومناقشة سبل وقف تفشي هذا الوباء، فكان اول المستَطلَعين دائرة صحة كربلاء حيث استقبلنا الأستاذ سليم كاظم رفيش مدير الإعلام فيها وتحدث قائلا: إن هنالك 68 إصابة احد الان على صعيد العراق بصورة عامة لكنه أكد انه غير مخول ان يصرح عن تفاصيل اخرى عن المرض إلا ان تصرح عنه وزارة الصحة في بغداد.

 وأكد رفيش أنهم جهة رقابية على الأطعمة المكشوفة والمشروبات والامور التي تخص التوعية الصحية بما يقدم للمواطن اساليب الوقاية والحماية غير انهم، اي دائرة الصحة، غير مسؤولين عن حالة الماء والمجاري وما يتخللها من مخالفات تخص المعايير الصحية الاصولية!!

وعند إستفهامنا عن واجبات ودور دائرة الماء في توفير المياه الصالحة للشرب، قال لنا الأستاذ هاشم الموسوي، مساعد الإعلام في دائرة الماء، ان الدولة تزودهم بكل ما يحتاجون إليه من مادتي( الكلور والشب) المعقِمة وغيرها من المستلزمات.

وأضاف الموسوي، قامت الدائرة على عاتقها ببعض الاستعدادات للوقاية من مرض الكوليرا ومن أهم هذه الاستعدادات تكثيف الجولات الميدانية للمفارز المختبرية في صحة المحافظة وزيادة العينات والفحوصات حيث أصبحت تجرى مرتين في اليوم. لكنه أكد أنهم، دائرة الماء، غير مسئولين عن كسر الأنابيب التي تقوم في تسريب المياه الثقيلة الى الأنهار والبرك، ويقوم الأطفال بدورهم باللعب فيها ومن ثم الاصابة بالكوليرا وغيرها من الامراض.

وتابع الموسوي، كما ان قيام المواطن بسحب الماء الصافي بقوة ألآلات الخاصة وهي (الماطورات الكهربائية) سيزيد من تداخل نضح مجاري المياه الثقيلة مع انابيب المياه الصالحة المتقادمة، وبذلك ستتلوث المياه التي تصل المواطن.

وعبر هذا الإدلاء رمى ممثل دائرة الماء الكرة في ملعب دائرة المجاري!!! التي قال مدير إعلامها مبعداً الشبهة عن دائرته، ان الدائرة غير مسئولة عن المستنقعات التي احدَثَتها بعض اعمال الإعمار وخاصة عندما تتعرض العديد من شبكات المجاري لكسر انابيبها ومن ثم تسرب المياه الثقيلة الى الخارج او اختلاطها بمياه الانهار او المياه المتسربة من انابيب الإسالة.

 وأكد ان الذي يقوم في كسر الأنابيب وثقبها هو المواطن نفسه، وذلك لعدم شعور الفرد بروح المسؤولية، ففي حالة كسر الأنابيب لايسعى المواطن الى  التبليغ عنها، وبالتالي يتحمل هو المسؤولية!!!.

 وهنا سألنا الأستاذ حيدر ما هو دور الرقابة في حالة حدوث مثل هكذا تجاوزات على شبكات الأنابيب؟ فقال مبررا ضعفا واضحا في الأداء، ان الرقابة لا تستطيع التغطية الكاملة للمنطقة وخاصة الاماكن البعيدة.

وعند سؤاله عن دور الجهات الصحية في حماية المواطن أوضح د. عصام السلطاني، اختصاص طب المجتمع ومسئول في قسم تعزيز الصحة، أنهم فرضوا رقابة من العام الماضي على المطاعم والبائعين المتجولين والأطعمة المكشوفة، وتقوم الرقابة بدورها في محاسبة المطاعم التي توزع السَلَطة المعمولة بأيدي عمال المطاعم وتعريضهم إلى المحاسبة القانونية، وأوصى د. عصام الزائرين والوافدين الى محافظة كربلاء، حتى وإن كانوا سائرين على إقدامهم بحمل المياه المخصصة لهم!!! أما بالنسبة الى المواطنين فعليهم عدم أكل الخضروات وخاصة التي تكون بمستوى الأرض مثل الطماطة وغيرها!!!

وعندما طرحنا عليه سؤال عمّن هو المسؤول عن الأطفال الذين يسبحون في المياه التي هي أكثر عرضة للإصابة بمرض الكوليرا، أجاب ان عليهم كدائرة وضع الرقابة ولكن المسوؤل الأول والأخير هو الأهالي. وتابع ناصحا المواطنين بشراء المياه المعدنية وحبوب التعقيم.

أما فيما يخص واقع مرضى الكوليرا المأساوي فقد شرح احد المرافقين حالة مريضه قائلا، ان المريض كان قوي البنية ولا يشكو من شيء سوى الإسهال المفاجئ الذي أصابه، ولم يرد ان يخبر أحد من عائلته لإعتقاده أنها وعكة صحية سرعان ما تأتي وتذهب، ولكن عندما استمر الإسهال أخذته الى المستشفى وتأكد انه مصاب بمرض الكوليرا ولذا فإنه يعاني كثيرا الان بسبب تأخره في أخذ العلاج.

المواطن حسين خالد وهو عاطل عن العمل أعرب عن أسفه لعدم إستطاعة الجهات الحكومية المعنية في ان تحمي المواطن وهو داخل البلد، معتقدا في انها المسوؤل الأول عن انتشار المرض، بسبب التقصير والإهمالهم للجوانب الصحية، وبين خالد، أنه لا يستطيع شراء الماء المعقم ولا حبوب التعقيم لأن مكسب اليوم لا يكفي سوى لسد القوت، ولكن على رغم من الضغوطات التي يعانيها إلا انه غير متغافل عن دوره كمواطن وذلك بالاستماع الى الإعلام والأخذ بنظر الاعتبار التوصيات التي تقوم بها الدوائر.

وقبل ان نختم جولتنا الميدانية فيما بين الدوائر المعنية بصحة المواطن الكربلائي، والتي لم نحصل منها على شيئ سوى تبادل التُهم فيما بينها، طلبنا من المدير العام لدائرة البيئة في المحافظة توجيه كلمة للمواطنين، للحد من مخاوفهم بشأن تفشي الوباء، لأن الجميع يعلم ان العامل النفسي والتوعوي له الدور الرئيسي في إنجاح الخطّة الصحية ولكن المدير المعني استقبلنا، مع كل أسف، بأسلوب لايتناسب معه كشخص واعي ومسؤول حيث قال مستهجناً (من هو الذي دزكم علينه) متناسياً من موضع المسؤولية ان الصحافة ما هي إلا حلقة وصل بين المواطن والمسؤول لنقل إرهاصات الناس وإرجاع الصدى المنطلق من المسؤولين بشأنها. فلم يبق إلا ان نقول، كان الله بعون العراقيين البسطاء الذين لايستطيعون شراء الماء المعقّم وحبوب التعقيم فضلا عن بقاء الالاف منهم دون ماء صالح للشرب معتمدين على البِرك والانهار التي اصبحت بين ليلة وضحاها عدو جديد لهم يقبع في ثناياها وحش الكوليرا...

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/أيلول/2008 - 21/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م