عراق المستقبل: خروج الأمريكان من الباب ودخول الجوار من الشبّاك

 

شبكة النبأ: هل تخرج الولايات المتحدة الأمريكية من الباب العراقي، لتدخل الدكتاتورية من الشباك؟!. وهل تنتهي أزمة الاحتلال ووضع البرامج السياسية الداخلية في عراق ما بعد الحرب، لندخل في أزمة التدخل الإقليمي ودول الجوار؟!! ذلك ما يراه أغلب المهتمين والمراقبين للعملية السياسية العراقية.

بهذه الأسئلة وسواها نتابع فيما يلي بعض الأجوبة الصادرة من مركز القرار الأمريكي، وتصريحات رجال السياسية العراقيين.

(شبكة النبأ) في سياق هذا التقرير تسلط الضوء على الشأن العراقي، والتصورات المحتملة لما ستكون عليه الأرضية العراقية السياسية لما بعد خروج الولايات المتحدة:

مطلب الانسحاب الأمريكي والخوف من التدخل الخارجي

عند الشارع الرئيسي لمنطقة البياع وحين كانت تمر إحدى دوريات الجيش الأمريكي المكونة من دبابتين وثلاث مدرعات وعدد من سيارات الهمر، نظر إليها جعفر حسن 48 سنة، وهز رأسه وقال: هذا هو الجيش الحقيقي، وليس جيشنا الذي كل آلياته تتكون من سيارات الهمر، والجي أم سي.

ضحك حسن الذي يمتلك متجرا لبيع الأدوات الاحتياطية للسيارات وقال بصوت مرتفع للواقفين بقربه: الجيش الأمريكي فور خروجه سينهار كل شيء، وسيأكل بعضنا بعضا، فهم الوحيدون القادرون على ضبط تصرفات الجميع، والكل يهابهم ويحترمهم.

ويأخذ الاعتقاد الذي يؤمن به بعض العراقيين بأن الجيش الأمريكي هو الضابط لتصرفات الأحزاب والحركات السياسية، وكذلك توجهات الحكومة العسكرية تجاه جميع من يخالفها، منحى آخر عند بعض المحللين السياسيين العراقيين، الذين يعتقدون أن انسحاب الجيش الأمريكي من العراق قد يلغي جميع مكتسبات الديمقراطية التي حصلت عليها البلاد بعد تغيير النظام السابق، ويفتح الباب للتدخلات الخارجية، في حين يرى بعض السياسيين أن بقاء القوات الأمريكية لم ولن يمنع ذلك التدخل، وهو في الوقت نفسه يحول دون تحقيق مطلب السيادة الوطنية. بحسب تقرير لـ نيوزماتيك.

ويرى الصحفي والمحلل السياسي العراقي عماد العبادي: أن مطلب رئيس الوزراء العراقي بسحب القوات الأمريكية بحلول عام 2011 هو موقف وطني، يجب أن يتخذه أي مسؤول عراقي، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى "معادلة صعبة" حسب وصفه، وهي انه بخروج آخر جندي أمريكي من العراق، فإن عصرا للدكتاتورية سيعود لكن بصيغ أخرى.

ويقول العبادي إنه رغم رغبة الكثير من العراقيين بإنهاء الوجود الأمريكي، إلا أن المالكي ينطلق من موقفه هذا بالإضافة إلى ما سبق، باستناده على رأي المرجعية الدينية في النجف الرافض للوجود الأجنبي، وهي التي دعمت قائمة الائتلاف الموحد المنتمي إليها المالكي في الانتخابات النيابية الأخيرة.

ويشير العبادي إلى أن موقف المالكي من الاتفاقية الأمنية زاد من شعبيته بين عموم الشعب العراقي، لكن ذلك بين أن النخب العراقية تتملكها تخوفات كبيرة من استبداد الأحزاب الإسلامية الماسكة بالسلطة الآن بشكل مخيف، ونسف ما تم تحقيقه من ديمقراطية ناشئة وصحافة حرة منذ دخول أمريكا إلى العراق.

الفدرالية هل تكون الحل الأمثل دون عودة الدكتاتورية

يقول عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي والنائب عن قائمة الائتلاف العراقي الموحد عباس البياتي إن: اعتماد نظام الأقاليم والفدرالية في العراق سيمنع أي دكتاتورية قادمة، فالفدرالية هي ضمانة أكيدة ومهمة لمنع إقامة الدكتاتوريات، أو حصول انقلاب عسكري ضد أي حكومة منتخبة.

ويذهب البعض إلى القول، إن قدرات العراق العسكرية الناشئة والتي ما زالت في طور التدريب والتجهيز، لم تصل إلى المستوى الذي يمكن القول عندها إن الجيش العراقي ملك زمام أمره، فما تزال القوات العراقية تفتقد إلى غطاء جوي وطني حقيقي كما أنها تعتمد بشكل كبير على القوة متعددة الجنسيات لتوفير الإسناد الجوي لها  في المعارك الأخيرة التي خاضتها ضد المليشيات والجماعات المسلحة. بحسب نيوزماتيك.

ويقول قائد القوات المتعددة الجنسيات في العراق الجنرال ديفيد بترايوس، في لقاء خص به عدد محدود من المؤسسات الإعلامية العاملة في العراق، في الرابع من أيلول، إن: عملية تدريب وتجهيز الجيش العراقي تتطلب بعض الوقت لكنها مستمرة بشكل فعال، لرفد الأجهزة الأمنية العراقية بأحدث التقنيات وبتدريب عالي المستوى، دون أن يحدد موعدا زمنيا لجاهزية القوات العراقية لتحمل الملف الأمني وحماية حدود البلاد.

التدخل الإقليمي سيكون متاحا بعد خروج الأمريكان

يقول الكاتب والمحلل السياسي العراقي سيف الخياط إن: افتقاد العراق لقوة عسكرية حقيقية يمكن الاعتماد عليها لصد أي عدوان خارجي يفند أي مطلب من قبل حكومة المالكي أو سياسي آخر، بضرورة خروج الأمريكان من العراق.

ويضيف الخياط أن: التركيز على هذا المطلب لا يخدم المصلحة الوطنية العراقية، في بلاد تحيط بها دول ذات أنظمة شمولية دينية وحزبية، ولها أطماع توسعية في الأراضي العراقية، قد تجد لها متسعا كبيرا لتنفيذ أحلامها بزوال الرادع الأمريكي.

ويؤكد الخياط أن: وجود قواعد أمريكية في العراق لا يتعارض مع مبدأ السيادة، فهناك دول مستقلة ومتقدمة اقتصاديا وسياسيا يوجد فيها قواعد عسكرية، كاليابان وألمانيا وتركيا التي تجاور شمال العراق، والتي لم يلاحظ أي تغيير في قرارها السياسي بتأثير وجود الأمريكان فيها، ووجود القواعد العسكرية يمثل صيغة أخرى من صيغ التعاون العسكري والثقة المبادلة بين هذه الأطراف. بحسب نيوزماتيك.

وخروج القوات الأمريكية من العراق يعتبره البعض من ضروريات إعادة اللحمة للمجتمع العراقي الذي عانى من الحرب الطائفية، وتفشي الفساد الإداري في ومؤسسات دولته، خلال فترة الوجود الأمريكي.

من جانبه يؤكد النائب عن القائمة العراقية أسامة النجيفي أن: الوجود الأمريكي في العراق لم يحم أبنائه من التدخل الأجنبي وخاصة الإيراني منه، والذي استطاع أن يتغلغل بشكل كبير في الساحة العراقية، ولم تقم القوات الأمريكية بأي فعل لوقف هذا التدخل.

ويشير النجيفي إلى ضرورة عدم الاستعجال في موضوع الانسحاب، بل ترتيب العملية بشكل تدريجي مع بناء القوات العراقية، التي هي الضامن الوحيد لحماية العراق واليات الديمقراطية، التي يجب أن تثبت لإدامة الحريات في العراق ومنع أي حزب من الاستبداد في السلطة.

التفاؤل المبالغ فيه ينتظر خروج الأمريكان

يعتبر بعض السياسيين الحديث عن عقد اتفاقية أمنية تقر بسحب القوات الأمريكية من العراق حديثا متفائلا جدا، لا يراعي الظروف الموضوعية الموجودة في الواقع العراقي.

ويقول عضو مجلس النواب عن التحالف الكردستاني محمود عثمان إن: تصريحات وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري مع وزيرة خارجية الولايات المتحدة، بأنه تم التوصل إلى اتفاق مع الجانب الأمريكي تشير إلى، وجود اختلافات كبيرة بين الجانب العراقي نفسه، حول موضوع الاتفاقية، حيث أكدت بعض الأطراف الحكومية وجود نقاط خلافية كبيرة ما زالت عالقة بين العراقيين والأمريكيين. بحسب نيوزماتيك.

 ويشير عثمان إلى أن الموضع يتطلب مفاوضات أكبر، وليس من السهل حله في الوقت الحالي، بسبب الغموض الذي يكتنف مفاوضات الاتفاقية الأمنية الطويلة الأمد مع الولايات المتحدة.

وكان وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، أعلن في مؤتمر صحفي مشترك الشهر الماضي مع وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس، أن وزارة الخارجية العراقية ستقدم مسودة الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن إلى المجلس التنفيذي الذي يتكون من رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، لمناقشتها قبل عرضها على البرلمان العراقي، فيما نفت رايس في المؤتمر وجود أية فقرات سرية للاتفاقية.

العملية الديمقراطية وتداعيات القضايا السياسية

من جانبه، يقول المحلل السياسي والكاتب إبراهيم الصميدعي إن: التصور القائم على أن الديمقراطيين سينسحبون تماما من العراق تصور في غير محله، لأن انسحابهم من العراق يعني عم التزامهم بتعهداتهم بحماية إسرائيل، ويضيف الصميدعي أن تلك التعهدات توالت مرارا في حملة المرشح الديمقراطي باراك اوباما، وهذا يعني إما عودة الأمريكان، مع الديمقراطيين، فاتحين إلى المنطقة بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران، أو أن يقبل الديمقراطيون بتقارير القادة على الأرض كما فعل البيت الأبيض بعد عام 2006.

ويضيف الصميدعي أن: ما يعزز فرضية بقاء القوات الأمريكية في العراق هو أن البديل لبترايوس، الجنرال اودرينو، هو صاحب نظرية الواقع على الأرض، وهو يمثل القائد الميداني حاليا، ويشاع أنه أكثر حسما وشدة في تعامله مع جميع الأطراف العراقية، وبالتالي فإن ثمة قوة أمريكية ستبقى في العراق تكون قادرة على ضبط متغيرات الداخل العراقي، وأيضا حماية مصالح الأمريكان الإستراتيجية في المنطقة.

ويعتبر الصميدعي أن الحديث عن ديمقراطية في العراق "هو ضرب من الخيال"، ويوضح أن الحركات الإسلامية، في إشارة منه إلى الأحزاب التي تتولى السلطة في العراق حاليا، تستخدم الديمقراطية مرة واحدة كي تصل إلى السلطة ثم تنقلب على الديمقراطية، إضافة إلى أن هناك الشوفينية الجديدة عند الكرد، لذلك فان الحديث عن ديمقراطية مع هذا التخندق الطائفي والقومي بدون عامل خارجي حاسم وغير مهادن، يبدو مستحيلا، لأن الأطراف العراقية القائمة الآن لن تقبل بتبديل معادلة انتخابات 2005، وهي الآن أكثر قوة وثروة.

ويشير المحلل السياسي والكاتب إبراهيم الصميدعي إلى أن الشارع العراقي يتقبل الديمقراطية بينما الأطراف السياسية القائمة ترفضها، لأنها تعني خسارة المكتسبات التي تحققت لديها بعد انتخابها في عام 2005، وهو ما يفسر تأجيل إقرار قانون انتخابات مجالس المحافظات.

يذكر أن الاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها بين العراق والولايات المتحدة كانت قد أثارت شكوكا حول محتواها وأهميتها بالنسبة للعراق، فيما طالب العديد من النواب والسياسيين العراقيين بكشفها وعرضها على الشعب العراقي قبل الموافقة عليها، فيما يتخوف الكثير من المثقفين والنخب العراقية من ضياع المكتسبات التي حصل عليها العراق، بانسحاب التأثير الأمريكي من المشهد العراقي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 20/أيلول/2008 - 19/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م