مستقبل الزراعة في العراق بين الواقع والطموح

احمد جويد/مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

بات من المعروف اليوم، أن هناك أزمة غذاء، تواجه أغلب دول العالم، وإن مثل تلك الأزمة لا يمكن أن تضاهيها أزمة أخرى، لأنها تهدد مباشرة بحدوث المجاعة والموت الجماعي.

وبات من المؤكد أيضا، أن الدول تسعى إلى تأمين حاجتها من المواد الغذائية، بشتى الطرق والوسائل المتاحة لديها؛ حتى وصل الحال بالبعض، وبخاصة دول البترول إلى استغلال أراضي صالحة للزراعة في دول أخرى عن طريق استثمارها وتوفير المواد للازمة للزراعة وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي، ودون الاعتماد على استيراد هذه المواد الزراعية الأساسية.

ومن بين الدول التي اعتمدت هذا الأسلوب دول مجلس التعاون الخليجي التي قامت باستغلال الأراضي الصالحة للزراعة في دول جنوب شرق آسيا وأراضي بعض الدول الأوربية وأفريقيا، وبالخصوص السودان التي تمتلك مساحات شاسعة يمكن أن تستصلح وتستغل في الجانب الزراعي، علما إن هذه الدولة بالذات يعاني قسم كبير من شعبها أزمات غذائية. 

الأمر الذي يجعلنا نسلط الضوء على واقع الزراعة في العراق؛ ومعرفة أسباب تراجع الإنتاج الزراعي، والظروف المحيطة بالفلاح الذي تخلف كثيراً عن أقرانه المزارعين في دول الجوار.

 فقد أصبح من المؤكد اليوم، أن هناك أسباب طبيعية، وأسباب سياسية، وأخرى اجتماعية، متعلقة بالفلاح(المزارع) نفسه تقف عائقاً خلف التقهقر الكبير في الجانب الزراعي في العراق.

فالأسباب الطبيعية تتعلق بحالة المناخ والظروف الجوية والاحتباس الحراري التي ساهمت في قلة تساقط الأمطار وتعرض مساحات واسعة من الأراضي الزراعية للتصحر والتعرية، الأمر الذي انعكس سلباً على العديد من المحاصيل التي تعتمد اعتمادا مباشراً ورئيسياً على موسم الأمطار، وهذا السبب خارج عن إرادة الإنسان ولا يخص العراق وحده.

أما الأسباب السياسية، فهي متعددة وكثيرة؛ تبدأ من سياسة الدول التي تنبع منها مياه الأنهر العراقية، مروراً بالدول التي تصل من خلالها تلك المياه إلى العراق، وانتهاءً بالمشاكل الداخلية في محاولة استئثار منطقة ما  بكميات أكبر من المياه على حساب المناطق الأخرى، إضافة الى الإهمال الواضح والمتعمد للواقع الزراعي من أجل جعل العراق سوقاً للمحاصيل الزراعية المستوردة من دول الجوار والعمل على جعل العراق مستهلك فقط، ويعتمد اعتماداً كلياً على واردات النفط في الحصول على جميع احتياجاته ومنها المحاصيل الزراعية.

أما ما يتعلق بالفلاح العراقي نفسه، فقد أصبحت ترسبات التخطيط الاقتصادي الفاشل في قطاع الزراعة، تؤثر عليه بشكل كبير، ففقدان الدعم والتشجيع من قبل الحكومة، وعدم الاهتمام بما يُنتَج محلياً من محاصيل أساسية، جعل الفلاح والمزارع العراقي يشعر بحالة من الإحباط إضافة إلى ركونه للكسل الذي جعل منه مستهلكاً أيضاً لتلك المحاصيل الأمر الذي اضطره إلى ترك مهنته الأصلية والبحث عن بديل آخر أكثر راحة، حتى ولو كان أقل كسباً من الزراعة، السبب الذي ساهم بصورة كبيرة في وجود جيش كبير من العاطلين عن العمل والذي يشكل عبئاً كبيراً على خطط الدولة التنموية.

لذلك علينا أن نتطلع إلى الاعتماد على الزراعة بصورة أساسية وأن نضع في أذهاننا أن الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للثروة هو خيار آني وليس إستراتيجي، كما إن سلاح الغذاء قد يستخدم ضدنا في أي وقت من الأوقات، وهو أقوى من سلاح النفط الذي قد يتصوره البعض السلاح الوحيد المؤثر في الاقتصاد العالمي، وقد تُسلَب منا أغلب واردات النفط مقابل ما يسد رمقنا من الغذاء ناهيك عن الاحتياجات الأخرى، ومن خلال ذلك يجب العمل على:

1- وضع خطط إستراتيجية شاملة للنهوض بالواقع الزراعي في العراق، تقع على عاتق وزارة التخطيط والزراعة والموارد المائية وبالتعاون مع الحكومات المحلية.

2- حل جميع المشاكل المتعلقة بمصادر المياه العراقية مع دول الجوار سواء عن طريق الاتفاقيات الثنائية أو عن طريق المواثيق الدولية والأمم المتحدة.

3- الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة بشكل واسع في المجال الزراعي لتوفير الجهد والأيدي العاملة إضافة جودة المحصول الزراعي المُنتَج بواسطتها.

4- الإسراع بحل جميع المشاكل المتعلقة بنزع الملكية بالنسبة للأراضي الزراعية المتنازع عليها بواسطة القضاء العراقي وهيئة نزع الملكية.

5- إعطاء الأولوية في التسويق للمحاصيل الزراعية العراقية في الأسواق المحلية.

6- إعطاء قروض استثمارية للمزارعين العراقيين حسب نوع المحصول ومساحة الأراضي التي سوف يتم استصلاحها وزراعتها.

7- الاهتمام بالمحاصيل الزراعية الإستراتيجية كالحنطة والرز والذرة وقصب السكر وغيرها من المحاصيل المهمة الأخرى وإعطاء الأولوية لها والاهتمام بأشجار النخيل وزيادة أعدادها بسبب غزارة عطائها ومساهمتها على توفير بيئة نظيفة وجميلة في نفس الوقت.

وفي حال الاهتمام بهذا القطاع وبشكل مخطط ومدروس نستطيع أن نوفر لشعبنا الأمان الغذائي المنشود، ونكون قد وفرنا فرص عمل كبيرة تسهم في القضاء على أزمة البطالة المتفشية في العراق وخصوصاً في المناطق الريفية، بالإضافة إلى توفير رافد قوي من روافد الاقتصاد العراقي الذي يجعل من العراق مصدراً للمحاصيل الزراعية وليس مستورداً وذلك في غضون سنوات قليلة.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 18/أيلول/2008 - 17/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م