إلى من يلجأ المظلوم وصاحب الحق، والرأي الأخر؟ والى أين يذهب
من يريد أن يشتكي ويطالب أو ينتقد حالة سلبية أو مسؤولا أو شخصية؟
وماذا يفعل من لديه هم الإصلاح والتغيير...، عندما لا يجد قناة في
بلاده تتجاوب معه، وبالذات الوسائل الإعلامية الرسمية؟
طبيعي انه سيتوجه إلى الوسائل الإعلامية الأخرى، ومنها الفضائية
والالكترونية ـ الانترنت ـ، وبالخصوص إلى عالم الانترنت الوسيلة
الأسهل والأقرب، وبالتحديد إلى المواقع المشهورة التي لها شعبية
ومتابعة من قبل المسؤولين والطبقة المهمة وعامة الناس في الداخل
والخارج، المواقع التي فرضت نفسها على الساحة الإعلامية، إذ أصبح ـ
الإعلام الالكتروني ـ متنفسا بفضل ما يتمتع به من سقف عالي للحرية
بعيدا عن الخطوط الحمراء ومقص الرقيب، وما له من دور مهم في تحريك
عجلة الحراك السياسي والفكري والديني من خلال تصديه وتناوله لقضايا
هامة وحساسة في الوطن والمجتمع (سياسية واجتماعية واقتصادية
ودينية)، قضايا لا يمكن للإعلام الرسمي، ولا أفراد المجتمع طرحها
وتناولها، مواقع ساهمت في إيصال صوت من لا صوت له، وان تكون مرآة
لواقعنا، إذ أوصلت أخبار أبناء هذه المنطقة إلى العالم، بعد عزلة
وعزل واقصاء مقصود، وان تفرض نفسها بأنها وسيلة إعلامية لا غنى
عنها لمن يبحث عن المعلومة والخبر... فشكرا لجميع القائمين على تلك
المواقع.
آمال وطموحات إعلامية
ولكن طموحنا من تلك الوسائل الفضائية والالكترونية وبالذات
المواقع اكبر من ذلك، بان تكون بمثابة وكالة إعلامية مهمة من حيث
المهنية والعالمية وقوة الانتشار، وان تتطور بما يناسب المرحلة
التي تعيشها منطقتنا، وما يناسب سنوات تجربة العمل الإعلامي، وان
تتجه نحو المهنية الإعلامية بشكل أفضل، وان تترفع عن الرؤية الضيقة
والمحسوبية والتيارية، (والتيارية حالة طبيعية لا يمكن إلغاءها ومن
حق أي جماعة أن تتبنى الفكر والطريقة المناسبة لها وان تنشأ
المنابر والمؤسسات الخاصة بها..، ولكن لا ينبغي أن تغلب حالة
التيارية الضيقة في العمل الإعلامي على المصلحة العامة بنشر ما
يعجبها ورفض ما لا يعجبها)، والاستعانة والاستفادة من الخبرات
الإعلامية المميزة وبناء جيل إعلامي مهني، وعدم التحفظ بنشر الآراء
الجريئة والمثيرة (الحقيقية التي تثير العقول وتعم الفائدة)، وان
تتسع صدور القائمين على تلك الوسائل بنشر النقد والانتقاد البناء
مهما كان مختلف عن توجهاتهم، (وعلى القراء الكرام تقبل الرأي الأخر
ومناقشة ذلك بدون تشنج)، ونأمل أن تتحول هذه المواقع من عمل فردي
صغير (كبير الانجاز) إلى عمل مؤسساتي كبير له تطلعات مستقبلية،
فالإعلام صناعة مهمة ومؤثرة، والإعلام الناجح هو من يتعامل مع
الأحداث والإخبار بشفافية وواقعية ومهنية، والبحث عن المادة المهمة
والمؤثرة والمفيدة مهما كان مصدرها، وان يكون صوتا من لا صوت له من
المظلومين.
داء الإعلام الرسمي وإعلامنا
مشكلتنا مع الإعلام الرسمي انه لا يملك حرية ممارسة العمل
الإعلامي حسب الأصول المهنية، ليكون سلطة رابعة سلطة مستقلة، تقف
بجانب المواطن من جميع المناطق والفئات الفكرية والمذهبية، ومنبرا
وكاميرا ناقلة لحقيقة الواقع في البلد، وفضح الفساد، ووسيلة ضغط
على الحكومة... بل انه للأسف جهة لتلميع الحكومات وتبرير أخطائها.
وعندما يتخلى ويمتنع إعلامنا ـ الالكتروني والفضائي القليل
العدد والمحدود والمتواضع الإمكانات المادية والخبرة ـ عن نشر بعض
الآراء والمعانات والشكاوي، (التي لا تمثل خطرا يؤدي إلى مخالفة
القوانين الخاصة بالإعلام الخارجي بحيث يتم إغلاقه)، بحجة أن تلك
المواد لا تتناسب مع سياسته ـ مع احترامنا لخصوصية وسياسة كل موقع
ـ فهذا يعني ان إعلامنا أصيب بداء الإعلام الرسمي الذي يعترض على
نشر بعض المواد لأنها تخالف سياسته وخصوصيته، وعلينا إذن أن لا
ننتقد ونسيء للإعلام الرسمي الذي يخضع للسياسيات الحكومية عندما
يمتنع عن نشر الكثير من الإخبار.
إننا نشعر بالقلق والخوف أن تصاب بعض المحطات الفضائية والمواقع
الالكترونية من إعلامنا ـ (..) ـ بنفس الداء المدمر والقاتل (داء
المحسوبية والتيارية والنظرة الضيقة والحساسية المفرطة)،.. الذي لا
يبشر بولادة إعلام مهني حر.
رسالة شكوى وعتاب
وصلت إلى عنواني البريدي خلال هذا الشهر الكريم رسالة من احد
المواطنين طالبا مني أن أتطرق إليها، وهي شكوى تحتوي على شقين:
الأول، شكوى ضد الوزارات الحكومية الخدماتية والمجلس البلدي. والشق
الأخير، شكوى من سوء تعامل بعض المواقع الالكترونية.
وللأمانة أحاول أن انشر مختصر لها، تشجيعا لمن يحمل هم المجتمع
والمطالبة بحقوق أبناء وطنه؛ الشكوى الأساسية تحمل عنوان " عاجل
للمجلس البلدي" ينتقد فيها الوزارات الخدماتية في المنطقة، حيث إن
منطقته تعاني من نواقص خدماتية كثيرة، كان لها اثر سلبي على
السكان، متسائلا: ثلاثون سنة والحي يفتقد أهم الخدمات، ثلاثون سنة
والوزارات تعلل انه لا توجد أراضي للخدمات، أين الأراضي الحكومية
المخصصة للخدمات الموجودة في المخطط، هل اختفت أم سرقت؟، لماذا لا
تفتح الجهات الخاصة تحقيقا مع البلدية، ولماذا لا تقوم الوزارات
بشراء أراضي لتقديم الخدمات لأهل الحي وجميعهم مواطنين؟ كما انه
وجه انتقادا لاذعا لأفراد المجلس البلدي قائلا: أين دور المجلس
البلدي (..) لم نسـمع له عن دور حول معاناتنا منذ إنشائه.
يقول المواطن انه حاول نشر الشكوى في الجرائد الرسمية ولكنها لم
تتجاوب، فأرسلها إلى أكثر من موقع من المواقع الالكترونية الشهيرة
لكي تنشر الشكوى، ولكنه تفاجأ أن احد المواقع رحب بشرط، وموقع اخر
اعتذر، والبعض لم يرد بنعم أو لا ـ ولو من باب الاحترام ـ، ويواصل
صاحب الرسالة بتساؤل: هل هذه المواقع أنشئت لتكون منبرا إعلاميا
حرا لنشر معاناة ومطالب وأفكار جميع المواطنين كبديل للإعلام
الرسمي، أم أنها تعمل حسب سياسات ضيقة (المحسوبية والتيارية) خاصة
بها!
إعلامنا حلم تحقق ولكن
هل وسائلنا الإعلامية "الالكترونية والفضائية" المتعددة ـ التي
أدخلت الفرح والسرور والبهجة عندما انطلقت في رحاب العالم الواسع
ـ، بمستوى طموح وأهداف أبناء المنطقة، وهل تمثل منبرا لجميع
المواطنين وبالتحديد أبناء المنطقة، وتحمل على عاتقها هموم وتطلعات
المجتمع، وهل هي تساهم في بناء سلطة رابعة قوية في بلادنا، قادرة
على أن تكون بديلا للصحف الرسمية، ووسيلة لكشف الفساد الحكومي
والأهلي والاجتماعي، ونقد الحالات السلبية السائدة في المجتمع،
وقوة ضاغطة على الحكومة تجبرها على أصلاح سياستها، ومنبرا لتوعية
المجتمع؟
وهنا، سؤال يطرح نفسه، ماذا قدمنا نحن أبناء المنطقة لتلك
الوسائل الإعلامية "الالكترونية والفضائية" ـ التي قامت بدور كبير
جدا على الصعيد الداخلي لأبناء مجتمعنا، وعلى صعيد تعريف العالم
بحراكنا وطاقتنا ومطالبنا وحقوقنا، لاسيما في ظل تجاهل الإعلام
الرسمي ـ من دعم مادي أو معنوي أو مشاركات أو نقد هادف وبناء؛ أم
نحن أفراد أمة تجيد فن الانتقاد السلبي وكسر المجاديف، وتنظر إلى
الأشياء نظرة رمادية أو سوداوية وتشاؤمية؟
يا جماعة، إن المنطقة بحاجة لإنشاء مؤسسات إعلامية حرة منفتحة
وشفافة ذات مهنية عالية، تحمل افاق وتطلعات المواطنين من جميع
التيارات والمدارس. |