أمريكا.. بعد سبع سنوات من الحرب على الإرهاب

 

شبكة النبأ: أضحت قضية الحرب على الإرهاب أحد الركائز الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، فقد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية بعد تلك الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها في جعل قضية الحرب على الإرهاب في مقدمة قضايا التعاون مع كافة دول العالم بما فيها دول العالم العربي.

وبعد مرور سبع سنوات على تلك الأحداث وقرب موعد الانتخابات الأمريكية في الرابع من نوفمبر المقبل أظهرت استطلاعات الرأي العام الأمريكية أهمية تلك القضية في تحديد لمن سيصوت الناخب الأمريكي، فعلي سبيل المثال عبر 12% في استطلاع USA Today/Gallup Poll في الفترة من الخامس إلى السابع من سبتمبر الحالي أن موقف المرشح من قضية الحرب على الإرهاب، وهي تأتي بعد القضايا الاقتصادية (بنسبة 42%) وكل من الحرب الأمريكية في العراق والطاقة والرعاية الصحية بنسبة 13%، سيحدد لمن سيصوتون، وهي نسبة مرتفعة عن استطلاع سابق FOX News/Opinion Dynamics Poll في الفترة من 19 إلى 20 أغسطس الماضي، حيث أشار 9% أنهم سيصوتون على أساس الموقف من قضية الإرهاب لتأتي بعد الاقتصاد والوظائف التي احتلت 43% والحرب الأمريكية في العراق التي جاءت في المرتبة الثانية بنسبة 11%.

اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية في محاربة الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم القاعدة، على ثلاث استراتيجيات أساسية، تتمثل الأولى في مجابهة المنظمات والجماعات الإسلامية المتبنية للعنف وعلى رأسها تنظيم القاعدة، الذي تتهمه الاستخبارات الأمريكية والغربية بارتكاب العديد من الأحداث الإرهابية في الدول الغربية والعربية والإسلامية. والإستراتيجية الثانية تمثلت في استهداف الدول التي ترعى المنظمات الإرهابية بأي صورة من الصور. في حين تمثلت الإستراتيجية الثالثة في مطالبة الدول العربية بإدخال العديد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والتعليمية انطلاقًا من القناعة الأمريكية بأن مثلث الفساد العربي (الاستبداد السياسي، وغياب التنمية الاقتصادية، والتطرف الفكري) هو السبب الرئيس للهجمات الإرهابية التي تعرضت لها والعديد من الدول الغربية كمدريد ولندن. بحسب موقع تقرير واشنطن.

الجهود الأمريكية لمحاربة الإرهاب

قامت الإستراتيجية الأمريكية لمكافحة الجماعات الإرهابية على استهدافها في مواطنها الأصلية قبل سعيها إلى استهداف الولايات المتحدة والدول الغربية في عقر دارها، وعلى هذا الأساس جاءت الحرب الأمريكية على أفغانستان في أواخر عام 2001؛ لتقديم حركة طالبان الدعم والملاذ الآمن لقيادات القاعدة، والعراق في مارس 2003، حيث كان من أحد مبررات الحرب الأمريكية على العراق – بقطع النظر عن مدى صحتها أو خطئها – أن النظام العراقي يقدم الدعم لتنظيم القاعدة الإرهابي، وتركزت تلك الإستراتيجية على تحقيق أربعة أهداف رئيسة تمثلت في :

أولاً: إلحاق الهزيمة بالمنظمات الإرهابية عن طريق مجابهتها في معاقلها وضرب قياداتها ومناطق تمركزها ومراكز اتصالاتها باعتبارها العدو الأول للولايات المتحدة الأمريكية.

ثانيًا: منع المنظمات الإرهابية من الحصول على دعم سواء مالي أم تدريبات وأسلحة أم ملذات آمنة. وفي هذا الصدد جاءت الحرب الأمريكية على أفغانستان، ومناطق نشاط تلك الجماعات وفرض قيود على الدول التي تقدم الدعم لتلك الجماعات وكذلك محاصرة الأشخاص الداعمين للجماعات الإرهابية وتجميد أرصدتهم في البنوك الأمريكية والغربية.

ثالثاً: مواجهة الأحوال التي تساعد على تفريخ الإرهاب، وهو ما يبرر المبادرات الأمريكية للإصلاح السياسي والاقتصادي بمنطقة الشرق الأوسط باعتبار أن أحوالها أحد أسباب انتشار الإرهاب العالمي.

رابعاً: تعزيز القوة الأمريكية لتكون أكثر قدرة على الحفاظ على مصالحها في الداخل والخارج ومواجهة أي تهديد لتلك المصالح، فضلاً عن تعزيز التعاون مع باقي دول العالم في حربها على الإرهاب سواء في إطار المنظمات الدولية أم خارجها.

وخلال سبع سنوات من الحرب الأمريكية على العراق، نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق فوز محدود على الجماعات الإرهابية، فيقول مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) مايكل هايدن: إن القاعدة منيت بهزيمة في العراق وفي المملكة العربية السعودية، وما زالت تواجه تراجعًا وتفقد مركزها في أماكن أخرى، وذلك بفضل تعزيز المشاركة العالمية في مكافحة الإرهاب، وازدياد أعداد العلماء المسلمين، والمتشددين السابقين الذين أصبحوا يرفضون علنًا تلك الجماعة الإرهابية، وينكرون شرعيتها.

وهذا ما أكد عليه فهرس الإرهاب لعام 2008 الذي تعده مجلة السياسة الخارجية (Foreign Policy) بالتعاون مع مركز التقدم الأمريكي ، الذي استطلع آراء خبراء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فقد رأت أغلبية الخبراء المستطلعين أن الولايات المتحدة أصبحت أقل تعرضًا لهجمات إرهابية لنجاحها في مواجهة تنظيم القاعدة على عكس فهرس العام الماضي، حيث رأى 90% أن هناك تهديدات إرهابية جمة تواجه واشنطن ولكنها هذا العام انخفضت إلى 70%، كما انخفضت نسبة من يرون تزايد الإرهاب العالمي من 83% العام الماضي إلى 55% في استطلاع هذا العام.

ويؤكد هايدن على أهمية زيادة المشاركة في تبادل المعلومات الاستخباراتية والعمليات في مختلف أنحاء العالم لاسيما في الوقت الذي ما زالت تشكل فيه القاعدة خطرًا حقيقيًّا، لاستمرار زعزعة الإرهابيين، وحالة الخلل التي تواجههم مؤخرًا خاصة في منطقة الحدود الأفغانية الباكستانية حيث يُعتقد أن زعيم القاعدة أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري يختبئان.

معارضة إسلامية للمنظمات الإرهابية

كانت معارضة الكثير من العلماء المسلمين والمتشددين السابقين من أعضاء الجماعات الإرهابية لأفكار وهجمات الجماعات الإرهابية بصفة عامة وتنظيم القاعدة العالمي الذي أصبح يضم منظمات محلية وأخرى تتبنى الجانبين الفكري والتكتيكي العملياتي، أحد الأسباب الرئيسة للنجاح الأمريكي في حربها على الإرهاب. وهذا ما أكد عليه الباحثان بيتر بيرجن Peter Bergen وبول كرويكشانك Paul Cruickshank في مقالتهما المعنونة بـ" انكشاف اللغز: الثورة الجهادية ضد بن لادن "The Unraveling: The Jihadist Revolt Against bin Laden، في عدد يونيو 2008، من مجلة ذي نيو ربابليك The New Republic.

وفي مقالتهما يقول الكاتبان إن القاعدة والجماعات المنضوية تحت لوائها قتلت آلاف المدنيين المسلمين في أماكن أخرى منذ الحادي عشر من سبتمبر، فيشيران إلى قتل حركة طالبان مئات المدنيين الأفغانيين كل سنة، والى الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية في عام 2003، وإلى عشرات الأردنيين الذين قتلوا في حفل زفاف في فندق أمريكي بعَمَّان في نوفمبر 2005.

وفي تلك المقالة يشيران إلى عدد من تصريحات العلماء المسلمين، والمتشددين السابقين الرافضين لسياسات وأفكار تنظيم القاعدة، منها تساؤل العالم السعودي الشيخ سلمان العودة الذي يتمتع بشهرة عالمية واسعة "كم قتل من الأطفال وكبار السن والنساء الأبرياء . باسم القاعدة؟"، وإلى الرسالة المفتوحة التي نشرها نعمان بن عثمان وهو ليبي متشدد من زعماء المحاربين سابقًا فقد سبق له أن حارب مع بن لادن في أفغانستان، والتي دعا فيها الجماعات الإرهابية إلى وقف هجماتها في العالم العربي وفي الغرب.

وفي نقد هام آخر وملفت للأنظار، نشر الزعيم الإرهابي السابق سيد إمام الشريف المعروف أيضا بلقب الدكتور فضل، الذي كان صديقًا حميمًا للرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، كتابًا نشر في سلسلة من المقالات في الصحف المصرية استنكر فيه استغلال الدين الإسلامي في تبرير العنف. وقد كان الدكتور فضل بكتابه هذا محور مقال للكاتب لورنس رايت في عدد يونيو، 2008، من مجلة نيويوركر The New Yorker الذي يحمل عنوان "الثورة من الداخل: عقل مخطط في القاعدة يشكك في الإرهاب".

وتجدر الإشارة إلى أن الشريف درس مع الظواهري في مصر في فترة الستينات من القرن المنصرم، ثم أسسا معًا حركة الجهاد، وهي جماعة إرهابية كانت عنصرًا هامًّا في تشكيل قاعدة المستقبل. ومع أن الشريف ما زال يكيل الانتقادات الشديدة للغرب فقد انقلب على الجماعة التي ساعد في تشكيلها. ويقول الشريف "إن الظواهري وأميره بن لادن متطرفان عديما الأخلاق. وإنني أقول هذا كي أحذر الشبان منهما، الشبان الذين يخضعون لإغرائهما وهم لا يعرفونهما."

ويضيفان أنه في غمرة هذا النقاش المتجدد تدل الدراسات على استمرار تراجع التأييد الشعبي للقاعدة وأساليبها، ويدللان على ذلك بالإشارة إلى تزايد المعارضة للتفجيرات الانتحارية في إندونيسيا ولبنان وبنغلادش فضلاً عن انخفاض نسبة الذين يعبّرون عن وجهات نظر إيجابية عن القاعدة في السعودية وباكستان وغيرهما من البلدان.

الإرهاب النووي.. تحدٍ جديد

رغم الانتصارات التي حققتها الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، مازال الإرهاب يشكل تحديات كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، لاسيما الإرهاب النووي في وقت تزايدت فيه عدد الدول المالكة للأسلحة النووية والأخرى الراغبة في امتلاكها والتي تربطها علاقات قوية بمنظمات إرهابية بصورة أو بأخرى.

وفي ظل إغفال كثيرين لهذا النوع الجديد من الإرهاب أسس آدم شيف Adam Schiff، أحد ممثلي ولاية كاليفورنيا بمجلس النواب الأمريكي، كتلة الكونجرس الخاصة بالأمن النووي التي تضم في عضويتها مشرعين جمهوريين وديمقراطيين.

ويدعم شيف الجهود التي يبذلها زعماء العالم حاليًا لحشد الطاقات لتخيل أسوأ الاحتمالات. وما يبغيه هؤلاء الزعماء بالطبع هو الحيلولة دون وقوع أي هجوم نووي. ولكنهم يريدون، في حال فشلوا في تحقيق ذلك الهدف، أن يكونوا مستعدين لمواجهة أي هجمات إرهابية.

حصاد سبع سنوات من الحرب على الإرهاب

وفي إطار التعاون الدولي لمواجهة هذا النوع الجديد من الإرهاب أطلقا الرئيس الأمريكي جورج بوش والرئيس الروسي الأسبق فلاديمير بوتن المبادرة العالمية لمكافحة الإرهاب النووي في عام 2006 في مدينة سانت بيترسبيرج St. Petersburg بروسيا، لتطوير وتوسيع التعاون الدولي لمنع وصول الإرهابيين إلى التكنولوجيا النووية، والأطر القانونية لضمان محاكمة الإرهابيين النوويين ومعاقبتهم.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك حالياً 71 دولة ملتزمة علنًا بمبادئ المبادرة، التي تقوم على:

وضع وتحسين الأنظمة لتحديد مكان وجود ومصير المواد النووية والسيطرة عليها وحمايتها.

تعزيز أمن المنشآت النووية المدنية.

إجراء الأبحاث وتطوير القدرات القومية لاكتشاف المواد النووية.

تحسين القدرات على البحث عن المواد النووية ومصادرتها والسيطرة عليها في أماكن مأمونة.

حرمان أولئك الذين يسهلون عمليات الإرهاب النووي من الملاذ الآمن والموارد المالية.

ضمان وجود قوانين مدنية وجنائية ملائمة لردع الإرهابيين النوويين.

تحسين تبادل المعلومات بين المشاركين مع القيام في الوقت ذاته بحماية المصادر السرية وعدم الكشف عنها.

تحسين القدرات على التحقيق في أمر أي حادث نووي ومواجهته في حال حدوثه.

وعلى الرغم من تصاعد الحديث مع الذكرى السابعة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 عن النجاح الأمريكي في الحرب على الإرهاب في العديد من مناطق نشاط الجماعات الإرهابية، تتزايد العديد من الكتابات والتحليلات على الجانب الآخر حول إخفاق الولايات المتحدة الأمريكية في حربها على الإرهاب، فيذهب كثيرون إلى أن عالم ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أصبح أكثر خطورة من عالم ما قبل تلك الأحداث بخلاف ما يردده أعضاء الإدارة الجمهورية الحالية والباحثون والمحللون القريبون منها، فبإحصاء بسيط زادت عدد العمليات الإرهابية والمصابين فيها والتكلفة المادية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عن مثيلاتها قبل أحداث سبتمبر.

ويضيف بعضٌ آخر مظاهر أخرى لهذا الإخفاق تتمثل في تزايد عدد الجماعات الإرهابية المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة بصورة مباشرة مثل "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي"، أو تلك التي تتبنى الجانب الفكري والعملياتي والتكتيكي للتنظيم بدون الانضواء المباشر له أو العمل باسمه. فضلاً عن إخفاق الاستخبارات الأمريكية والغربية في القبض على قيادات تنظيم القاعدة مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16/أيلول/2008 - 15/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م