مستقبل الطاقة في الولايات المتحدة يدخل حلبة الصراع الإنتخابي

 

شبكة النبأ: دخل مرشحا الرئاسة الأمريكية، الديمقراطي باراك أوباما والجمهوري جون ماكين، في نقاش محتدم حول مستقبل الطاقة في الولايات المتحدة. فحاول كل منهما التقليل من شأن اقتراحات الآخر وجذب التأييد لآرائه. ففي هذا الإطار، أعلن أوباما عن "خطة طاقة شاملة"، ووعد بتقليل اعتماد الولايات المتحدة علي النفط الأجنبيِ، وتزويد المستهلكين بمساعدات على المدى القصير. في حين اقترح ماكين إلغاء تعليق الحفر والتنقيب عن النفط والغاز في السواحل البحرية الأمريكية، وأشار إلى ضرورة وضع خطط طاقة نووية مدنية جديدة، بالإضافة إلى الاستثمار في الطاقة البديلة.

ولاشك أن الولايات المتحدة تعاني من اعتمادها الخارجي في الحصول على موارد الطاقة، فحسب بيانات إدارة الطاقة الأمريكية Energy Information Administration بلغ حجم الاستهلاك الأمريكي من النفط في عام 2007 نحو 20.680.730 برميل يومياً، أنتجت الولايات المتحدة منهم نحو 8.5 "تقريبا" برميل يومياً، بينما استوردت نحو 12.185.290 برميل يومياً أي بنسبة 58.8%. بحسب موقع تقرير واشنطن.

طاقة جديدة لأمريكا

انطلاقاً من تلك البيانات أعلن المرشح الديمقراطي عن خطة جديدة شاملة لمعالجة هذه المشكلة مشيراً إلى أن هدفه تحقيق الاستقلال النفطي الذي يعد "واحداً من أكبر التحديات" التي تواجهها الولايات المتحدة. وقد عبر أوباما عن إدراكه لمدي خطورة هذا التحدي قائلاً أنه "يشكل تهديداً لأمننا القومي ولتفوقنا ولاقتصادنا". وأرجع أسباب إخفاق واشنطن في حل هذه المشكلة طيلة أكثر من ثلاثين عاماً إلي السياسات الحزبية، والتأثير المفرط للمصالح الخاصة، وخداع السياسيين لتحقيق هذه المصالح خلال الانتخابات بدلاً من وضع حلول طويلة الأمد من شأنها أن تجعل أمريكا قريبة من الاستقلال النفطي.

أشار أوباما في رؤيته لقضية الطاقة، التي نشرها موقع حملته الانتخابية، والمعنونة بـ "باراك أوباما: طاقة جديدة لأمريكا، إلى أن من شأن خطته أن:

تقديم المساعدة في المدى القصير للعائلات الأمريكية التي تواجه مشكلات صعبة مع ارتفاع أسعار الطاقة.

المساعدة في خلق خمسة ملايين وظيفة جديدة من خلال استثمار 150 بليون دولار في العشر سنوات المقبلة لحفز الجهود الخاصة لبناء طاقة نظيفة.

تأمين كمية من النفط أكبر من التي تستورد حالياً من الشرق الأوسط وفنزويلا معاً وذلك خلال عشرة أعوام.

طرح مليون سيارة هجينة تعمل بالكهرباء والبنزين Hybrid cars – سيارات تستطيع السير حتى 150 ميلاً بجالون واحد من البنزين – بحلول عام 2015.

تأمين توليد 10 % من الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة مع حلول عام 2012 ترتفع إلي 25% بحلول 2025.

تجهيز غطاء اقتصادي واسع النطاق وبرنامج تجاري لتخفيض انبعاث الغاز من البيوت الزجاجية الزراعية بنسبة 80 % بحلول الـ 2050 .

مواجهة ارتفاع الأسعار.. حل في المدى القصير

يعترف باراك أوباما أن تكاليف الطاقة المتصاعدة بشدة تثقل كاهل العائلات الأمريكية. وللتعامل مع الضغوط الواقعة نتيجة ذلك علي الأمريكيين يدعو باراك أوباما إلي: خصم "طارئ" من أرباح شركات النفط القياسية، ووضع خطة لاتخاذ إجراءات صارمة ضد المضاربين، وتخفيض المخزون الاستراتيجي النفطي للمساعدة في إمداد مساعدة سريعة مباشرة لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة.

في هذا الإطار يشير أوباما إلى أنه سيطالب شركات النفط بتخصيص حصة من أرباحها القياسية المفاجئة، لاستخدامها في تقديم إغاثة مباشرة تبلغ 500 دولار للفرد الواحد و1000 دولار للمتزوجين، علي أن تصل الإغاثة بأقصى سرعة ممكنة لمساعدة العائلات علي تحمل ارتفاع أسعار البنزين، والغذاء والضروريات الأخرى. وستُدفع هذه الحصص لمدة خمس سنوات من ضرائب الأرباح القياسية المفاجئة لشركات النفط. وهذه الإغاثة سوف تكون خطوة أولية في خطة أوباما طويلة المدى لمد عائلات الطبقة الوسطي بـ 1000 دولار علي الأقل سنوياً كمساعدة ضريبية مستمرة .

كما سيقوم أوباما من خلال سن قانون بسد الثغرات الموجودة في إجراءات لجنة تجارة أسهم السلع المستقبلية التي أسهمت في الارتفاع الصارخ في سعر النفط. كما سيعمل علي زيادة الشفافية في سوق المضاربة مما يساعد في خفض أسعار البترول ومنع التجار من تحقيق مكاسب بشكل غير عادل على حساب الشعب الأمريكي.

من جهة أخرى يرى المرشح الديمقراطي إمكانية استغلال الاحتياطي الأمريكي النفطي الذي يتواجد بهدف مساعدة الأمريكيين في أوقات الأزمات. ويعتقد أوباما أن تضاعف أسعار النفط يمثل أزمة لملايين الأمريكيين وتحويل للثروة إلي الدول المنتجة للنفط حيث العديد منها معاد للمصالح الأمريكية مما يعد تهديداً للأمن القومي الأمريكي.

ومن أجل هدف خفض الأسعار يؤيد أوباما استخدام الخام الخفيف من الاحتياطي الإستراتيجي في الوقت الحاضر على أن يستبدل بعد ذلك بخام أثقل أكثر ملائمة للاحتياجات الأمريكية طويلة المدى.

طاقة جديدة لأمريكا.. حل على المدى الطويل

يرى أوباما أن الولايات المتحدة تواجه تحديين رئيسيين بشأن الطاقة هما: الاعتماد على النفط الأجنبي، وتغير المناخ الدولي، وكلاهما ينجم عن الاعتماد الحالي على الوقود الحفري. ويعتقد أوباما أن أمريكا لديها حتمية أخلاقية وبيئية واقتصادية وأمنية للتعامل مع هذين التحديين بأسلوب راسخ وجدي، يتمثل في:

1- معالجة التغير المناخي

بعد أن أوضح أوباما أسباب ظاهرة التغير المناخي، يشير إلى مجموعة من الأساليب التي يمكن أن تساعد في مواجهة هذه الظاهرة ومنها ما يلي:

تجهيز غطاء وبرنامج تجاري لتقليل انبعاث الكربون من البيوت الزجاجية الزراعية بنسبة 80 % تحت مستويات عام 1990 وذلك بحلول الـ2050. تتطلب خطة أوباما تحويل كل الأعمال التي تسبب التلوث إلي المزاد. ومن شأن هذا المزاد أن يؤكد على أن تدفع الصناعات مقابلاً مالياً لكل طن من الانبعاث الذي تطلقها. وسوف يستخدم جزء صغير( 15 بليون دولار) من هذه العائدات لدعم تنمية طاقة نظيفة، والاستثمار في تحسين كفاءة الطاقة، والمساعدة في تطوير الجيل القادم من مركبات الوقود الحيوي والطاقة النظيفة. وسوف تستخدم بقية العائدات في تقديم المساعدات اللازمة للأسر لضمان أنها لن تُصدم بشدة من التحول إلي طاقة جديدة واقتصاد أقل كربوناً.

جعل الولايات المتحدة قائداً في مواجهة التغير المناخي. إذ يتفهم أوباما أن الحل الوحيد الحقيقي لمشكلة التغير المناخي يتطلب مشاركة كل الدول التي تطلق الانبعاثات. لكنه يؤكد أيضاً علي ضرورة أن تنفذ الدول النامية مثل الصين والبرازيل التزاماتها وتعهداتها في هذا المجال. ومن أجل تطوير برنامج عالمي عادل وفعال سيعيد أوباما الانضمام إلي اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ The U.N Framework Convention on Climate Change (UNFCC). ، كما أنه سوف ينشط لجمع الدول صاحبة الانبعاثات معاً لتطوير جهود فعالة لتقليل الانبعاث.

2- التقليل من الاعتماد على النفط الأجنبي

يؤكد أوباما أنه سيستخدم جزءاً من العائدات التي توفرها برامجه السابقة في عمل استثمارات من شأنها تقليل الاعتماد علي النفط الأجنبي وتسريع نشر تكنولوجيا قليلة الكربون. وستتركز الاستثمارات في ثلاثة مناطق مهمة هي البحوث الأساسية، وبرامج التكنولوجيا، وخلق سوق نظيف للطاقة. وقد عرض أوباما رؤاه بخصوص هذه المناطق علي النحو التالي:

الاستثمار في اقتصاد طاقة نظيفة والمساعدة في خلق خمسة ملايين وظيفة جديدة، ويسعي أوباما إلى استثمار 150 بليون دولار خلال عشرة أعوام لتسريع تصنيع سيارات هجينة Hybrid cars اقتصادياً مما يروج لتنمية النطاق التجاري لطاقة متجددة، وتشجيع كفاءة الطاقة، والاستثمار في البيوت الزجاجية الأقل انبعاثاً، والتطور في البنية التحتية للجيل القادم من الوقود الحيوي والوقود، وبدأ التحول إلي شبكة خطوط كهربائية جديدة.

ومن شأن هذه الاستثمارات أن تساعد القطاع الخاص على توفير خمسة ملايين وظيفة خضراء جديدة. وفي هذا الصدد أعلن أوباما عن "مبادرة المحاربين القدامى الخضر" Green Vet Initiative التي تقوم علي تشغيل أكثر من 837 ألف جندي من الذين خدموا في العراق وأفغانستان من المحاربين القدامى وإدخالهم إلي اقتصاد الطاقة الجديد.

بالإضافة إلي ذلك سيعمل أوباما علي جعل المراكز التصنيعية الأمريكية رائدة للتكنولوجيا النظيفة من خلال تأسيس برنامج استثمار اتحادي للمساعدة في تحديث المراكز الصناعية، ومساعدة الأمريكيين في تعلم مهارات جديدة لإنتاج منتجات خضراء. والي جانب ذلك سيتم خلق برامج تدريبية جديدة للتكنولوجيات النظيفة، وإنشاء برنامج وظائف للطاقة خاص بالشباب للاستثمار في هذه الشريحة بهدف تحسين مقدرة هذه الفئة علي الاستخدام الكفء للطاقة في المنازل والمباني في مجتمعاتهم.

جعل السيارات والشاحنات ذات كفاءة أعلى في استخدام الوقود

يقول أوباما أنه خلال العام الماضي قدم النفط 96 % من الطاقة المستخدمة في المركبات وهو أمر يجب التخلص منه لأنه يشكل مساساً بالأمن القومي والاقتصادي والبيئي. ولتحقيق هذا الهدف سوف يجهز أوباما إستراتيجية تسمح خلال عشرة أعوام بتقليل استهلاك النفط بأكثر مما يتم استيراده حالياً من الشرق الأوسط وفنزويلا. ومن أجل ذلك سوف يقوم بما يلي:

رفع مستويات اقتصاد الوقود بنسبة 4% كل عام مع حماية المستقبل المالي لصانعي السيارات المحليين. ستوفر هذه الخطة نصف تريليون جالون من البنزين و6 بلايين طن متري من غازات البيوت الزراعية الزجاجية.

الاستثمار في تطوير مركبات متقدمة وصنع مليون سيارة تعمل بالكهرباء بحلول عام 2015. وسيستمر أوباما في جهوده الذي قادها كسيناتور والتي استهدفت استثمار اتحادي في مركبات متقدمة هجينة تستطيع أن تقطع مسافة 150 ميلاً بجالون واحد فقط من الغاز.

الشراكة مع مصنعي السيارات المحليين من خلال منحهم 4 بلايين دولار علي شكل ائتمانات ضريبية وضمانات قروض. والعمل مع الكونجرس وشركات السيارات كي تكون السيارات الجديدة مرنة الوقود وذلك بنهاية فترة ولايته الأولي.

تطوير الجيل الجديد من الوقود الحيوي وبنيته التحتية حتى يصل حجم هذا الوقود إلي 60 بليون جالون بحلول عام 2030.  وتحديد معيار منخفض للكربون لتسريع إنتاج الوقود النفطي قليل أو عديم الكربون.

رفع عرض الطاقة المحلي وتنويع مصادر الطاقة

يرى أوباما أن هناك العديد من الفرص لرفع الإنتاج الأمريكي من النفط والغاز بما لا يتطلب فتح المناطق المحمية حالياً. ومن هذه الطرق مطالبة شركات النفط بتطوير المناطق التي تستأجرها للتنقيب فيها أو تركها لشركات أخري. ومعالجة بعض أوجه النقص أو العراقيل التي تؤخر التنقيب في بعض المناطق كما في مونتانا Montana ونورث داكوتا North Dakota (حيث من المقدر وجود 4 بلايين برميل من النفط).

بالإضافة إلى إعطاء الأولوية لتشييد خط أنابيب ألاسكا للغاز الطبيعي. الذي خصص له 18 بليون دولار كضمانات قروض، وتصل قدرته إلي 4 بليون مقدم كعب من الغاز الطبيعي يومياً أي نحو 7% من الاستهلاك الأمريكي الحالي. وإنتاج المزيد من حقول النفط الموجودة حيث يعتقد الخبراء أن هناك نحو 85 بليون برميل نفط يمكن الاستفادة بها من الحقول الأمريكية.

ويؤكد أوباما أيضاً على ضرورة تنويع مصادر الطاقة من خلال توليد 10% من الكهرباء من مصادر متجددة مثل السولار والرياح بحلول 2012. وتطوير ونشر تكنولوجيا الفحم النظيف من خلال تقديم حوافز لتسريع استثمارات القطاع الخاص في هذا المجال. وتأمين الطاقة النووية التي توفر 70% من الكهرباء التي تأتي من مصادر غير كربونية.

تقليل استخدام الطاقة وتخفيض التكاليف

ينفق الأمريكيون، طبقاً للأمم المتحدة، علي الطاقة أكثر مما يحتاجون حتى أنه منذ عام 1973، تضاعف استخدام الفرد للكهرباء بمعدل ثلاثة أضعاف. وستحاول إدارة أوباما جعل أمريكا أكثر الدول كفاءة في استخدام الطاقة من خلال ما يلي:

نشر مصدر الطاقة الأرخص والأنظف والأسرع، ووضع هدف لجعل كل المباني الجديدة محايدة كربونياً أو لا تنتج أن انبعاثات وذلك بحلول 2030 ، مع تحسين كفاءة المباني الجديدة في استخدام الطاقة بنسبة 50% وكفاءة المباني الموجودة بنسبة 25% خلال العقد القادم.

إعادة النظر معايير الكفاءة الفيدرالية حيث تكلف المعايير الحالية مستهلكي الطاقة ملايين الدولارات ومن ثم سيدخل أوباما تحديثات مستمرة علي هذه المعايير لجعلها أكثر كفاءة.

تقليل الاستهلاك الاتحادي للطاقة إذ تعد الحكومة الاتحادية أكبر مستهلك للطاقة في العالم وتنفق عليها 14.5 بليون دولار تقريباً.

توجيه حوافز إلى مؤسسات الطاقة العامة وذلك من خلال مطالبة الولايات باتخاذ الإجراءات لتطبيق تغييرات محفزة وعرض مساعدة تكنولوجية. وفك الارتباط بين الأرباح والاستخدام الكبير للطاقة، بما يحفز مؤسسات الطاقة العامة علي مشاركة المستهلكين والحكومة الاتحادية وحكومات الولايات للعمل من أجل تقليل فواتير الطاقة الشهرية للعائلات والأعمال.

الاستثمار في شبكة نقل ذكية للطاقة، إذ أن تحقيق هذه الأهداف الجريئة الخاصة بكفاءة الطاقة سوف يتطلب تجديد مهم في الطريقة التي يتم من خلالها نقل الطاقة الكهربائية ومراقبتها.

تهيئة الطقس الدافئ في مليون بيت سنوياً خلال العقد القادم. فعلي المدى القصير ولمواجهة التحدي هذا الشتاء يجب أن يقدم تمويلاً كاملاً لضمان أن يحصل كل فرد علي مساعدات التدفئة. أما علي المدى الطويل فإن الحل يكمن في تهيئة الطقس المناسب داخل البيوت Home Weatherization من خلال تحديث دفايات البيوت وسد مواضع التسرب وإصلاح الشبابيك وإضافة المواد العازلة بما يخفض فواتير الطاقة بنسبة تتراوح بين 20-40 %.

بناء مجتمعات أكثر صلاحية للمعيشة حيث يؤمن باراك أوباما بضرورة تخصيص مصادر حقيقية لإصلاح الطرق والكباري. كما يعتقد بضرورة تخصيص مزيد من الاهتمام للاستثمارات التي من شأنها أن تسهل السير وركوب الدراجات ووسائل النقل البديلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 10/أيلول/2008 - 9/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م