ولا تزكوا أنفسكم

حسن آل حمادة

عندما نبحثُ عن مصاديق لواقع الحال المرضيّة التي نعيشها في مجتمعاتنا الإسلامية، قد لا نجد عناءً كبيراً ونحن نتحدّث عن ابتعادنا عن روح القرآن الكريم وتعاليمه، ولعلّ مسألة (تزكية النفس)، هي خير مصداق لمخالفتنا للهديّ الإلهي، فمع أن القرآن الحكيم ينهانا عن ممارسة هذا العمل الذي يعكس حالة سلبية يعيشها الإنسان المسلم؛ إلا أننا نجد أنفسنا في معظم الحالات؛ نمارس فعل التزكية في كل صغيرةٍ أو كبيرةٍ، سواءً كان ذلك في قولٍ ننطقهُ أو فعلٍ نصنعهُ.. فنحسب أن مشاريعنا هي: الأفضل، والأجود، والأرقى، والأزكى، بينما جهود الآخرين هي خلاف ذلك تمامًا. وهذه فكرة شيطانية تستحوذنا لنصبح ممن {...يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}[النور:21]، بسقوطنا في فخّ العُجب الذي نصبه لنا بإحكام.

يقول سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً}[النساء:49].. هذه الآية تبدأ باستفهام تعجبي للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، كما يذهب المفسرون، وهي تتحدث عن: اليهود والنصارى، إذ كانوا يمتدحون أنفسهم بالنزاهة والتطهير، متوهمين أنهم أبناء الله وأحباؤه؛ وأنهم وحدهم من يدخل الجنة! {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}[البقرة:111]. ولكن، الصورة خلاف ما يزعمون تماماً، فالله -سبحانه وتعالى- هو الذي يغفر لمن يشاء، أو يُعذِّب من يشاء، ولا يظلمون فتيلا.

وحريٌّ بنا أن نُطبِّق آية التزكية -السالفة- على واقعنا الاجتماعي؛ لكيلا نُبتلى بما أُبتلي به بنو إسرائيل -أو النصارى على قولٍ-، وإذا كنّا قد ابتلينا عمليًّا بمسلك المزكّين أنفسهم؛ فعلينا أن نتخلص من هذه الأدران والآفات.

يقول سبحانه وتعالى في آياتٍ أخرى من سورة الشمس: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[الشمس:7-10]. فالآية التاسعة من السورة، تحثّنا على أن نمارس عمليًّا تزكية النفس، بمعنى تطهيرها وإصلاحها من الموبقات والآثام و...إلخ، وهي خلاف من قيل عنهم أنهم (يُزكون أنفسهم)، أي يمتدحونها ويدعوّن لها الامتيازات قبال الآخرين؛ وإلا لقلنا بأن القرآن تتعارض آياته وتعاليمه! وهذا الأمر خلاف الذوّق لمن يتمعّن في سياق الآيات، وهي واضحة بينّة.

يقول سبحانه وتعالى أيضاً في سورة النور: {... وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[النور:21].

فإذا كانت التزكية حقاً من حقوق الله سبحانه وتعالى، فلا يصِّح والحال هذه، أن نُزكّي أنفسنا ادعّاءً، ونتناسى ممارسة فعل التزكية عمليًّا في واقعنا الحياتي، لنقول بذلك ما لا نفعل، وفي ذلك أشدّ العجب! فأي إسلامٍ هذا الإسلام، إنّ كُنّا نعيب غيرنا والعيب فينا!!

فتعاليم القرآن الكريم تنهانا -أفرادًا وشعوبًا- عن الاقتراب من فّخ العُجب بالنفس أو الغرور بها؛ فمن يعجب بنفسه أو يغتّر، فهو يبدأ بذلك مسيرة التراجع، بل الانحدار السريع نحو الهاوية، وفي قصص الأفراد والأمم والشعوب، الذين ابتلوا بآفة التزكية السلبية المنهِّي عنها، أيما دروسٍ لمن يتعِّظ.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 10/أيلول/2008 - 9/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م