الديمقراطية حلم وردي ولكن؟!...

صباح سعيد الزبيدي

داعب خيال الكثير من العراقيين وبكافة اطيافهم خلال العهود السوداء التي مرت على العراق تحت الحكم التعسفي الصدامي والتي تميزت بالحروب والتشريد وسياسة الحديد والنار والظلم والحصار الاقتصادي والاجتماعي والنفسي للمجتمع العراقي حلم الديمقراطية وإقامة نظام ديمقراطي تعددي يكون بديلاً عن النظام الدكتاتوري الفردي، ولكن عن طريق وأسلوب سلميين خاليين من العنف والقتل والدم والعيش في مجتمع تعم أركانه العدالة والمساواة والحب والإخاء وتزال فيه الحواجز النفسية والفكرية والطائفية والعرقية.. مجتمع  لا حرب فيه ولا ظلم ولا استغلال ولاعدوان.

ولان الديمقراطية عبارة عن نظام سياسي اجتماعي غربي النشأة، عرفه الغرب من الحقبة اليونانية، ودخل عليه تطوير في الحضارة المعاصرة.

 كما انها تنظم العلاقة بين الفرد والمجتمع والدولة من منطلق مبدأ المساواة بين المواطنين، ومنح حق المشاركة في صنع التشريعات، وسن القوانين التي تنظم الحياة العامة وفق مبدأ ان: ( الشعب مصدر السلطات )، فالسلطة في النظام الديمقراطي، هي للشعب بواسطة الشعب.

وفي ضوء المعطيات حتى الان يتوضح لنا بأن امريكا صاحبة المشروع في نشر الديمقراطية تبدو غير جادة في انهاء التهتك الساري في النسيج الاجتماعي العراقي والتدمير الجاري للموارد الاقتصادية لان سياسية امريكا الراسمالية المتوحشة لا يهمها تراث العراق ولا افاقه التنموية لانها تريد ضمان مصالحها البترولية والامنية فقط.

ولكننا لابد أن نواجه أنفسنا بسؤال ألا وهو هل هذه هي الديمقراطية التي كان يحلم بها الشعب العراقي والتي  تسعى إليها النخب الحاكمة في العراق والقابعة في جنان المنطقة الخضراء وتحت سيطرة الاحتلال و بعد خمس سنوات من الدمار والتمزق والظلم والفساد والاحتلال ولكن المؤكد ان هدف هذه النخب فى الترويج لتلك الديمقراطية هو تثبيت مزيد من سلطاتها على كراسى الحكم التي لا يرغب أحد فى تركها وتركيز اهتماماتهم للحصول على المناصب الإدارية والكسب المادي المشروع وربما غير المشروع , وقد تجلى ذلك واضحا من خلال الاختلاسات المالية والاستئثار بالمناصب التي هم غير أكفاء بإدارتها فأصبح الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب. وكان هذا واضحا من خلال حجز المراكز الهامة في دوائر الدولة ومؤسساتها من قبل المتحزبين وذوي الباع السياسي والقريبين منهم , وأقصاء ذوي الكفاءات العلمية والمتخصصين والقادة الفنيين عن هذه المواقع..

اذا العيب ليس فى الديمقراطية نفسها ولكن في من يسعون إلى الديمقراطية من خلال شعارات دينية وسياسية تحيزية، وسط شعب يؤمن بالخرافات أكثر مما يؤمن بالواقع والحلول العملية، وسط شعب يجهل مصيره ومصالحه بعد ان هجره حتى الان مايزيد على 4 ملايين عراقي وخصوصا من العلماء والمثقفين وأصحاب الخبرات والمهارات، وسط شعب دمرت البنى التحتية لاقتصاده عبر سياسة التخبط، ومنها قانون النفط، الذي القى بظلال قاتمة على مستقبل العراق واستقلاله الاقتصادي، وسط شعب يعاني من عدم وجود الماء و الكهرباء والنفط ومشتقاته في عِراق يصب فيه النهرين الخالدين، دجلة والفرات، ويغفو على بحر من النفط والغاز، وسط شعب تسوده الأمية والفقر والانقسامات الطائفية والعشائرية التي تعمل ضد التصرف العقلاني للمواطن وتحرمه من ممارسة حريته الفردية وتقف عقبة في وجه نمو القيم والمثل الديمقراطية والانسانية.

ان الشعب العراقي اليوم مستلب بعربه وأكراده وتركمانه واشورييه وكلدانه، سنته وشيعته، مسلميه ومسيحييه وصابئته وحتى يهوده المخلصين، ويتعرض لحوادث وفواجع ليل نهار وهو الخاسر الوحيد بوجوده وثرواته...

وآن الآوان لانهاء الاحتلال.. والقضاء على الارهاب الاسود الطاغي في العراق  لبناء العراق على اسس ديمقراطية حقيقية، وفقا لنظام تكافؤ الفرص ونبذ الطروحات الطائفية والمراهنة على قوى خارجية، وانهاء فوضى الميليشيات والعسكرة الطائفية.. وبناء ثقافة انسانية متسامحة لكي نضمن للأجيال القادمة مستقبلها الانساني الزاهر.

* بلغراد – صربيا

sabah@sezampro.yu

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس  28/تموز/2008 - 25/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م