شبكة النبأ: يشهد العالم حالياً
تزايداً في عدد الدول التي تمتلك أسلحة نووية أو تلك الراغبة في
امتلاكها، وتتزايد خطورة امتلاكها مع تصاعد الحديث داخل الدوائر
الأمنية – الأمريكية والغربية - عن إمكانية امتلاك بعض الجماعات
الإرهابية – لاسيما تنظيم القاعدة العالمي – لتلك الأسلحة، سواء
بسرقتها أو بشراء بعض المواد النووية وتصنيع سلاح نووي وإن كان
بسيطاً أو ضرب المنشآت النووية لاسيما غير المحصنة منها، وتهديدها
هذه المرة بهجمات إرهابية على غرار أحداث الحادي عشر من سبتمبر
ولكنها ستكون نووية، وهو ما دفع الدول الكبرى إلى العمل على إزالة
ومنع انتشار الأسلحة النووية سواء استناداً على الوسائل السلمية
والقوة الناعمة(الجزرة)، أو من خلال القوى العسكرية والصلدة (العصا)،
والحالتين الإيرانية والكورية الشمالية خير مثال على ذلك. بحسب
موقع تقرير واشنطن.
وفي هذا السياق تحدث "بروس بلير" رئيس معهد الأمن العالمي، في
حوار له، عن أهمية التعاون والعمل الدولي على إزالة الأسلحة
النووية، وأن يتبنى الرأي العام الدولي تلك الفكرة ويدافع عنها كما
هو الحال مع العديد من القضايا الدولية كقضية الاحتباس الحراري.
ويؤمن "بلير" بأنه سيأتي اليوم الذي يكون فيه العالم خال من
الأسلحة النووية، وأن تلك الفكرة ليست مثالية. وفيما يلي نص الحوار.
- ما وراء القرار الدعوة إلى إزالة
الأسلحة النووية كلية؟
تشهد الفترة الحالية توافقاً في الرأي داخل الولايات المتحدة
الأمريكية والعديد من الدول الأخرى حيال أن هناك تراجعاً في قيمة
الأسلحة النووية منذ انتهاء الحرب الباردة، وبعد أحداث الحادي عشر
من سبتمبر 2001 حدث تحول كبير في هذا الاتجاه. فقد حدث تحول في
مصادر التهديد منذ انتهاء حقبة الحرب الباردة، وقيمة الأسلحة
النووية في ردع القوي المنافسة لنا (الصين وروسيا.) اختلفت عن فترة
الحرب الباردة. فلا يُعقل أن تُستخدم الأسلحة النووية في ردع
الجماعات الإرهابية؛ لأنه من الصعب الوصول إليها. ففي حال الوصول
إلى تلك الجماعات فإننا نستطيع استخدام الأسلحة التقليدية في
مواجهتها وليس الأسلحة النووية. فضلاً عن العديد من الهواجس من
الاستخدام غير المخول أو العرضي للأسلحة النووية في العالم، فقد
نجد دولاً تتخذ قرارات غير رشيدة لاستخدام الأسلحة النووية في
مواجهة الدول الأخرى. وهناك العديد من الحجج مع أو ضد الأسلحة
النووية، وفي نهاية قائمة تلك الحجج تأتي المسئولية القانونية التي
تفوق وزناً وأهمية المنافع المتحققة من استخدام الأسلحة النووية.
وسيكون هناك اتجاه للاستمرار في استخدام الأسلحة النووية إذا لم
نعمل على إزالتها. والحل النهائي لمخاطر انتشار الأسلحة النووية
والإرهاب النووي – الذي تصاعد الحديث عنه مؤخراً – هو العمل على
إزالتها عالميا وبصورة شاملة وكاملة.
تتحدث عن الولايات المتحدة في الوقت الذي تُطور فيه دولاً أسلحة
نووية لمواجهة جيرانها، فمثلا طورت الهند أسلحة نووية لمواجهة
الصين، وباكستان هي الأخرى تتطور أسلحة للتفوق ومواجهة جاراتها
الهندية.
كل دولة لها تقييماتها التي تختلف عن تقييمات الدول الأخرى،
وبالتالي هناك اختلاف في استنتاجات كل دولة. وأعتقد أن هناك العديد
من الخبراء داخل الولايات المتحدة أكثر اقتناعاً بأن إزالة الأسلحة
النووية عالمياً يُعد مصلحة قومية لنا؛ لأننا نمتلك القوة
التعويضية compensating power من القوة الاقتصادية والأشكال الأخرى
للقوة الناعمة soft power وكذلك القوة التقليدية (القوة الصلدة
Hard Power) التي قد تحل محل القوة النووية في كل الأهداف
العملياتية. فالولايات المتحدة في وضع خاص يمنحها العديد من
المزايا والذي يعطي لنا ترف تخيل العالم بدون أسلحة نووية. وهذه
ليست استنتاجات كل من الصين، روسيا، كوريا الشمالية وإيران. ويجب
أن نتناول كل دولة على حدي. ولدى روسيا هواجس وشكوك من عالم بدون
أسلحة نووية لأن القوة الروسية التقليدية أضعف من نظيرتها
الأمريكية. كما أن العامل الديمغرافي الروسي لا يُمكنها من الحفاظ
على جيش تقليدي كبير بمرور الوقت. ولهذه الأسباب تعتمد روسيا بصورة
كبيرة على الأسلحة النووية لأمنها، والأمر لا يتعلق فقط بالخلل
الروسي مقارنة بالولايات المتحدة، ولكن أيضاً بالخلل مقارنة مع
الصين، فعلى الرغم من العلاقات الجيدة بين موسكو وبكين إلا أن
القادة الروس يرون أنه على المدى الطويل سيحتاجون القوة النووية
للتفوق على التقدم الصيني في الأسلحة التقليدية المنقطع النظير.
لذا هناك اختلافات في استخلاصات كل دولة، ولكن هناك العديد من
الدول التي بدأت تركز على ضرورة إزالة الأسلحة النووية، وتلك
الفكرة لها الكثير من مؤيديها داخل كل من باكستان والهند. ويجب على
كل من بكين وواشنطن وموسكو أن تتبني هذا التغير الجوهري، وإني على
قناعة أن لو الدول الثلاثة شاركت مجتمعة واتفقت على أجندة إزالة
أسلحة الدمار الشمال، فإن الهند سوف تشارك، هذا فضلا عن مشاركة
العديد من القوي الأخرى. ولو شاركت الهند فسوف تُشارك باكستان.
ولكن هناك بعض الدول الرافضة للمشاركة في هذه الفكرة كإسرائيل
وكوريا الشمالية وإيران. سيتحدث تغير في العالم عندما تتعاون الدول
بصورة شاملة وقوية من أجل إزالة الأسلحة النووية. وأعتقد أن هناك
صعوبة بالنسبة للدول الرافضة للتعاون، حيث قد يؤدي رفضها إلى عزلها
عالمياً فيما يخص هذا الهدف.
- لكن ماذا عن انتشار التكنولوجيا
المساعدة على امتلاك الأسلحة النووية؟
هذه التكنولوجيا متاحة بصورة كبيرة للدول وللمنظمات الإرهابية
والفاعلين مادون الدولة (Non-State Actor)، ولكن العقبة في امتلاك
الأسلحة النووية هي مدي توافر المواد المستخدمة في صناعة الأسلحة
النووية سواء اليورانيوم المخصب uranium أو البلوتونيوم plutonium،
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو هل تستطيع الدول الحصول على مواد
القنبلة؟، وهذه مشكلة معقدة لأن الدول تحتاج إلى الولوج إلى مرحلة
تخصيب اليورانيوم، وهو الطريق الذي تنتهجه طهران حالياً في
مفاعلاتها المركزية، وهو مشروع كبير وليس من السهل إجرائه وليس من
الأمور التي يسهل إخفائها وأن تكون سراً، أو إعادة معالجة
البلوتونيوم من المفاعلات لتحويلها إلى قنابل نووية. وهو مشروع
كبير والذي بدأت تنتهجه كوريا الشمالية.
ومن المحتمل أن تمتلك كل من إيران وكوريا الشمالية القدرة أو
لديها القدرة لصناعة وامتلاك قنبلة نووية. فقد انتشرت تكنولوجيا
الأسلحة النووية في العديد من الدول. لذا أصبح من الممكن أن تمتلك
الدول وبعض القوي مادون الدولة قنبلة نووية. وعندما يمتلكون مواد
القنبلة النووية فإن فرص امتلاكها تزيد. فمازالت إمكانية امتلاك
القوي مادون الدولة لمواد القنبلة النووية أحد الصعوبات التي
تواجهها. فعلى سبيل المثال قد تتمكن الجماعات الإرهابية من شراء أو
سرقة هذه المواد من الدول الأخرى.
- هل يُعد حظر الأسلحة الكيميائية سابقة
لإزالة الأسلحة النووية؟
هناك حظر على الأسلحة البيولوجية والكيميائية، ولكن هناك عدم
تحقيق وتثبت على الأسلحة البيولوجية، وهذه أحد المشكلات. ومازالت
هناك أهمية لموافقة الدول على حظرها. وأعتقد أن الرئيس نيكسون
Nixon في عام 1969 أول من قاد الجهود لحظر القنبلة الجرثومية bug
bomb. فيعتقد الكثيرون أن الأسلحة البيولوجية والكيميائية لا تماثل
الأسلحة النووية في مخاطرها. ففي حال استخدام هذه الأسلحة يصعب
السيطرة عليها وعلى نتائجها، فهي عديمة الفائدة في الكثير من
الأحيان. فالمخاطر التي تُسببها ليست على نفس القدر في الأماكن
المختلفة. وجد نادر ما نجد سابقة لحظر الأسلحة الكيميائية
والبيولوجية. وإزالة الأسلحة النووية سوف يُعيد انجازاً غير عادي،
ولا أعتقد أن هناك حدث تاريخي سيوازيه.
- هل تعقد أنه سيأتي اليوم الذي سيكون
فيه العالم خال من الأسلحة النووية؟
نعم أعتقد أنه سيأتي اليوم الذي يكون فيه العالم خال من الأسلحة
النووية، أنا لم أعتقد في هذا لسنوات مضت. وهذا لن يحدث إلا إذا
كانت تلك الفكرة ذات دعم شعبي ومقبولة على جميع المستويات. والذي
يعني أن هذا لن يحدث إلا في حال توافر الوعي والالتزام الشعبي بتلك
الفكرة على غرار الاهتمام بقضية الاحتباس الحراري. ما نحتاجه هو
حملة عامة دولية فعالة تُلهم عشرات أو مئات الملايين لدعم هذه
الفكرة، وما عدا ذلك لن تكون هناك قيادة في الولايات المتحدة أو
حول العالم تُدعم تلك الفكرة، لأنه سينظر إليها على أنها حظر سياسي
كبير.
والشيء المهم أن هذه الفكرة خلال السنوات الأخيرة تؤيدها
الغالبية العظمي داخل الولايات المتحدة وفي العديد من الدول الأخرى
من النرويج إلى بريطانيا والهند وباكستان. ولم تعد فكرة حزبية
يؤيدها أحزاب اليمين أو اليسار، أو جزء من الصراع السياسي فقد
أصبحت جزءاً من أفكار المنتمين إلى الوسط والمحافظين. وهذا ما يجعل
من الممكن تخيل حدوث هذا التوافق في حال توافق جميع الاتجاهات داخل
الولايات المتحدة الأمريكية والذي يزيد من انتشار تلك الفكرة في
كافة أنحاء العالم وتزايد الدعم الشعبي إزائها. وأري أن تلك الفكرة
حالياً مثل حال قضية الاحتباس الحراري منذ خمس أو ثماني سنوات مضت.
فقد كان يعتقد أنها غير ممكنة سياسياً داخل الولايات المتحدة
الأمريكية لوضعها على أجندة القضايا المهمة عالمياً، ولكن حاليا
نري أن هناك اهتماماً أمريكياً لفعل شيء فيما يخص تلك القضية داخل
النظام السياسي الأمريكي، فحاليا نجد اهتمام المرشحين الديمقراطي "أوباما"
والجمهوري "ماكين" بقضية الاحتباس الحراري، وهذا بسبب التغير
والتحول الكبير في اتجاهات الرأي العام. لذا فعلينا العمل على
إيجاد هذا التغير والتحول في الرأي العام تجاه الأسلحة النووية من
أجل الاعتقاد بأن إزالة الأسلحة النووية عالمياً هدف يمكن تحقيقه.
ويمكننا تحقيقه.
تعريف بـ "بروس بلير"
بروس بلير هو رئيس معهد الأمن العالمي، وهي منظمة غير ربحية
أنشأت عام 2000، ويصدر عنها تقرير واشنطن ودورية "رؤى عربية Arab
Insight" (أراب إنسايت). والدكتور بلير متخصص في السياسات الأمنية
الأمريكية والروسية، وهو متخصص في القوة النووية، ولخبرته العسكرية
استدعاه الكونجرس الأمريكي كثيراً في عدة جلسات استماع لاستفادة من
خبراته في الكثير من الأمور العسكرية والأمنية. وقد كان أستاذ زائر
يُدرس الدراسات الأمنية بجامعتي يل Yale وبرنستون Princeton، وفي
عام 1999 مُنح جائز MacArthur Fellowship Prize لإنجازاته أثناء
عمله بالقوة النووية الأمريكية.
وقد كان باحث ببرنامج دراسات السياسة الخارجية بمعهد بروكينجز
من عام 1987 إلى 2000. وفي الفترة من 1982 إلى 1985 خدم كرئيس
مشروع تابع لمكتب الكونجرس للتقديرات التكنولوجية، وفي العديد من
المؤسسات العسكرية الأمريكية من عام 1970 إلى 1974.
ولبلير العديد من الكتابات في الشأن الأمني منها ما نشر في
أمريكان سينتفك وناشونال انتريست نيويورك تايمز والواشنطن بوست.
وله العديد من الكتب في الشأن الأمني، وهو حالياً بصدد نشر كتاب
جديد عن السياسة الإستراتيجية للولايات المتحدة. وفي عام 1970 تخرج
من جامعة الينوى. وقد حصل على درجة الدكتوراه من جامعة يل في عام
1984. |