السفراء هم لسان حال الدولة وأشعاعاتها الساطعة في الخارج، هم
من يمثل كيان الدولة وصيرورتها، هم المرآة العاكسة لحالة دولتهم
ووضع بلدهم، هم من يحرص على خدمة الجاليات المغتربة ويهتم بها، هم
رسل أمتهم والوسطاء الأمناء لمصالح بلدهم أمام دول العالم. على
السفير أن يتحصن بالكفاءة وبمميزات وأخلاق إستثنائية ومثالية لأنه
مثل للدولة ونبراسها في الخارج. السفير الخامل الخامد ذو الفكر
السطحي الجامد لا ينفع بلده ولا يصنع له الخير لا في الداخل ولا في
الخارج، لأنه لا يستطيع إيصال رسالة بلده أمام مضيفيه ولا يستطيع
أن يرسم الصورة البهية الجميلة لوطنه ويطلقها أمام أنظار الآخرين.
رسم الصور الجميلة يتطلب ريشة فنان حاذق يفهم تزاوج الألوان ويدرك
نسبية الأبعاد.
في هذه الأيام يلاحظ حراك محسوس من أجل إختيار مجاميع جديدة من
السفراء الجدد وما علينا نحن معشر العراقيين في الخارج الذين
يتزايد عددنا يوما بعد يوم، حتى أصبحنا شعبا بلا وطن، إلاّ أن ننبه
وننصح طبقا لمعرفتنا وخبرتنا الطويلة في الخارج الى أمور وقضايا
نراها هامة وضرورية وتنصب لمصلحة العراق ولمصلحة أبنائه. هذه
الأمور التي قد لا تخفى على أحد ولكن وكما يقال لعله في الإعادة
إفادة.
1- السفير العراقي في الخارج يجب أن يكون مجردا عن نزعاته
الحزبية والعرقية والطائفية. عليه أن يتعامل مع أبناء جلدته في
الخارج على أسس وطنية بحتة لا تتخللها عواطف منبثقة عن دوافع فئوية
أو مصالح ذاتية. عليه أن ينزع قبعته الحزبية أو العرقية أو
الطائفية ويرفع شعار حب الوطن والوفاء لأبنائه مهما إختلفت
إنتماءاتهم. عليه أن يدرك بأنه يمثل العراق ولا يمثل حزبا أو عرقا
أو طائفة. عليه أن يكون رمزا حيّا لجمع كلمة العراقيين ولم شملهم
بالخارج لا لتفريقهم وتشتيتهم من خلال تقربه لفئة دون فئة أو
مجموعة ضد مجموعة أخرى، فيكون مصدرا للفرقة بدل اللحمة وللتباعد
بدل التقارب وللتناحر بدل التصالح وهذا ما قد لمسناه من خلال
الخبرات السابقة ومجريات الأمور.
2- السفير هو اللسان الناطق لدولته في الخارج، فإن كان السفير
أخرسا لا يفهم لغة الغير ولا يتكلمها فلن يستطيع نقل رسالة وطنه
لمضيفيه ولا رسالة مضيفيه لوطنه. هذا العراق العظيم لا يخلو من
الكفاءات والفطاحل العلمية وأهل الخبرة الذين يتقنون اللغات
الأجنبية ويجيدون الضرب على الأوتار الحساسة ويحسنون لفت الأنظار
وإصغاء الآذان لهم في الخارج، فلماذا لا يستعان بهم من أجل مصلحة
الوطن وفائدته؟. ان كانت سياسة الرجل المناسب في المكان المناسب لا
يمكن تطبيقها في داخل مؤسسات العراق ودوائره بسبب المحاصصة
الطائفية وطبيعة النظام السياسي المعقد فليتم تطبيقها على الأقل في
مؤسسات البلد الخارجية، لأنها أمام أنظار العالم وفي حالة تلامس
دائم ومستمر معه، كي تشع صورة الوطن المحجوبة بدل أن تتشوه وتضيع .
3- عمل السفراء في الخارج هو ليس سفرة سياحية من أجل الإستجمام
والترويح عن الذات والنفس ولا من أجل المداعبة والإستئناس بإختيار
أجمل السكرتيرات وأكثرهن ميوعة...! كما أنه ليس صفقة تجارية تتراكم
فيها الدولارات كي تمتلأ بها الجيوب، بعيدا عن عيون فرق النزاهة
والتفتيش!. المحسوبية والمنسوبية والشعور بالمسؤولية وحب الوطن
والإخلاص اليه والتخلي عن حب الأنا والتجرد عن المصالح الشخصية
والذاتية هي صفات بديهية إجبارية يجب أن يتصف بها كل سفير يرفع علم
بلده في الخارج. الذي لا يجيد الإخلاص في عمله من أجل مصلحة بلده
ووطنه والذي لا ينظر الى مصلحة الوطن قبل أن ينظر الى مصالحه
الشخصية ومطامعه ونزعاته الذاتية لا يصلح لتمثيل بلده وشعبه ولا
خير فيه ولا أمل يرتجى منه، فليرجع من حيث أتى وعليه لعنة الناس
والزمن.
4- العراق اليوم هو في أمسّ الحاجة الى السفراء النشطاء الذين
يتحركون في الليل والنهار من أجل ترسيخ وإبراز هوية الوطن في
الخارج وتقريب وجهات النظر وتحسين العلاقات وتجميل الصورة. العراق
في حالة نهوض ويحتاج الى دعائم قوية تسند نهوضه سواء كان ذلك في
الخارج أو في الداخل. السفراء هم الأعمدة والأوتاد الرائدة لنهضة
العراق في الخارج وهم المصدر المعوّل عليه في إبراز وطنهم بالمظهر
اللائق الجميل الذي يجذب أنظار الأجانب ويستحوذ على قلوبهم .
السفير الخامل الذي يقبع في سفارته دون نشاط أو حراك ويجعلها فندقا
رسميا له، لا يستطيع أن يفي بالدور المناط به وبالمسؤولية الملقاة
على عاتقه .
السفير النشيط يجب أن يتصف بمميزات النشاط ومتطلباته الكامنة
بالمعرفة الدبلوماسية الواسعة والخبرة السياسية الطويلة والحس
الإخلاقي والثقافي المرهف والإدراك العلمي الحضاري والفطنة
الإجتماعية المحسوسة والحنكة والذكاء وحسن التصرف. أن يدرك من أين
تؤكل الكتف من أجل كسب الفائدة لوطنه بمختلف أشكالها الإقتصادية
والسياسية والثقافية والإجتماعية. أن يبتكر الوسائل والسبل في صنع
مركبة التقدم والتطور لوطنه من خلال إكتساب مظاهر التطور والتقدم
التي يلمسها من خلال وجوده في الخارج.
أن يستعين بالخبرات العراقية المغتربة ويستأنس بأفكار الكفاءات
ورؤاها لا أن يجالس المتخلفين والسماسرة ويقتبس رؤاهم ويتقمص
شخصياتهم . من واجبات السفير في الخارج أن يكون مثالا نموذجا وقدوة
حسنة يقتدي بها المغتربون ويتأثر بها الأجانب.
5- الجالية العراقية في الخارج كبيرة والخبرات والكفاءات
الموجودة فيها كثيرة حيث أنه بين الحين والآخر تستعين السفارات
العربية في الخارج بخبرات العراقيين وتجاربهم ويتم تعيينهم في
مختلف المراكز. رغم هذه الحقيقة فأن الذي يحصل في بعض سفاراتنا في
دول أوربا الغربية هو العكس تماما لما هو مطلوب، حيث يتنكر السفير
لأبناء جلدته ويرفض تعيينهم في أماكن شاغرة ويفضل في أحيان كثيرة
الإستعانة بالأجانب للعمل في سفارته! .
ان تفضلت السفارة بإستخدام العراقيين المقيمين بالخارج فلابد
لهؤلاء من مميزات وخصائص إستثنائية لا تتوفر عند الجميع، هذه
المميزات لا تشمل القدرة والكفاءة طبعا، وإنما تعتمد على حجم
الواسطة ومصدرها، وهذا هو نفس أسلوب نظام تعيين الموظفين الآخرين
والكادر الرسمي الذين تمتلأ بأعدادهم السفارات وتنقص بقدراتهم
ونشاطاتهم وجديتهم .
6- السفارة العراقية يجب ان تصبح البيت الهادىء المريح لكل
العراقيين لا أن تكون جهنم يأبى العراقيون التقرب منها أو الدخول
لها. أن تستقبل العراقيين بكل ألوانهم وأطيافهم ومعتقداتهم
وأفكارهم ورؤاهم، لا أن تستثني أحدا على حساب أحد وتتنكر لأحد من
أجل أحد. السفير يجب أن يكون صديقا لأخوانه العراقيين جميعا، أن
يكون الأب الروحي الراعي لمصالحهم والمتابع لمشاكلهم والباحث عن
أسباب سعادتهم، أن يكون محايدا في تصرفاته لا يعزل أحد ولا يحارب
أحد ولا يصب الزيت على النار. سفارة العراق هي ملك العراق وملك
العراقيين، هي رمز العراق ورمز العراقيين هي أمانة العراق ووديعته
وما أبشع أن لا تصان الأمانة!
السفارة إن قدّرت العراقيين وأحترمتهم إنما تقدر وتحترم نفسها
وحينما تتجاهلهم وتستهين بهم إنما تتجاهل وتستهين بنفسها. كم من
مرة نرى جموع المراجعين العراقيين وهم ينتظرون خارج سياج السفارات
كالأيتام، تحرق جباههم شمس الصيف ويثلج زواياهم صقيع الشتاء،
ينتظرون صدور الأمر السفيري للدخول، حيث تتكلم السفارة معهم من خلف
حجاب، فيؤذن لمن يحالفه الحظ بالدخول ويولي الآخرون الأدبار الى
أجل غير مسمّى!
ما هذا الحديث المختصر العام الذي لا يتطرق الى الخصوصيات
الكامنة إلاّ فيض من غيض والحديث ذو شجون فعسى أن تدرك الوزارة
معنى الإشارة ! |