لعنة الفتنة الطائفية تلحق بالعراقيين في المنافي

اعداد: ميثم العتابي

شبكة النبأ: لايخفى على الجميع، ما الذي حل بالمواطن العراقي بعد الغزو الامريكي وتصاعد العنف والإرهاب في العراق، وكيف كان، بل مازال، الصدع الطائفي يؤرق العراقيين، وفوق هذا وذاك، يكيل العرب التهم لهذا الشعب الذي خرج من أزمة الموت على يد النظام الفاشي السابق، وماتبعه من قتل وتهجر وتشريد، ويسوق له شتى أنواع التسويف والكذب والدعاية الباطلة، مما حدى بهذا الشعب من عزلة جاءت وفق إرادة دولية، عربية منها أو غير ذلك.

اليوم وبعد الإلتفات إلى الوراء، تأكد الشارع العربي ان لامناص من كون الحقيقة الظاهرة في تحديد العراق لمستقبله الجديد، وان العزلة التي شائت ان تمر على سماء العراق، ماهي إلا عزلة عربية عربية، إذ رغم كل ذلك أستطاع الشعب العراقي من خوض غمار اللعبة الدولية، والإثبات للعالم أجمع، ورغم الظروف القاسية، على إنه قادر من بناء دولته الجديدة.

(شبكة النبأ) في سياق هذا التقرير تسلط الضوء على آخر المستجدات، وماهية ردود الأفعال العربية حول زيارة العاهل الإردني إلى العراق مؤخرا:

الهوية الطائفية والإساءة للعراقين في الخارج  

عند الجانب الأردني في المعبر الحدودي مع العراق بدا العراقي حسين، حائرا أمام سؤال الضابط الأردني له ان كان سنيا أو شيعيا، ويستذكر حسين ذلك اليوم قائلا: معظم الزائرين العراقيين تعرضوا لنفس السؤال من دون ان نعرف السر وراءه.

هذا المشهد المتكرر يوميا في التعامل مع العراقيين صار مألوفا في المطارات أو المعابر الحدودية مع الأردن، وهو مؤشر دفع برئيس الوزراء المالكي لدى لقاءه مع أساتذة الجامعات العراقية، إلى الإشارة له بالقول انه طلب من ملك الأردن خلال زيارته الأخيرة للبلاد ان لا يسأل (الأردنيون) العراقي الزائر ان كان سنياً أو شيعياً. بحسب اصوات العراق.

وتمثل الأردن المجاورة للعراق ابرز المناطق التي لجأ إليها العراقيون خلال السنين الأخيرة بسبب الأوضاع الأمنية وتقدر اعدادهم هناك بنحو 500 ألف عراقي، فضلا عن كون الأردن تحتضن معظم النشاطات التي تقيمها المنظمات الدولية والخاصة بالشأن العراقي وهو الأمر الذي يفترض سفر الكثير من العراقيين سواء كانوا موظفين أو مسؤولين لحضور تلك النشاطات.

وتثير هذه المسالة حنق العراقي وتذمره، بحكم الشعور بان أشقاءه العرب ينظرون إليه وفق التوصيف الطائفي كما يقول الموظف الحكومي حسين الذي ذهب إلى الأردن في دورة تدريبية نظمها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة.

ويعبر حسين عن لحظات السكوت المشحونة بالغضب والتي لاذ بها مضطرا وهو يسمع ذلك الأردني يقول له: اسمك حسين وأبوك إسماعيل وجدك حداد.. جميعها أسماء لا توحي بأنك شيعي أو سني .. أما اسمك فهو مشترك بين الشيعة والسنة. 

حول هذه الظاهرة التي يعاني منها الزائرون العراقيون للأردن قال الخبير القانوني طارق حرب إن: الموظف الأردني المسؤول في المنافذ الحدودية والمطارات الأردنية إذا ارتكب مخالفة في التعامل مع المواطن العراقي فيما يخص الخلفية العرقية والمذهبية، فإن هذا سيكون منافيا للقانون الدولي الذي يحرم التمييز على أساس العرق أو اللون أو الطائفة.

وأضاف أن: أسلوب التفريق الذي فشا وساد بين الموظفين الأردنيين في تعاملهم مع الزوار العراقيين ولد انطباعا سيئا لدى العراقيين.

وبين: نسمع في كل مكان عن تذمر واضح لدى العائدين من الأردن من الذين دخلوا أو لم تسمح لهم السلطات الأردنية بالدخول.

وشدد حرب على ضرورة أن تتدخل الحكومة الأردنية في هذا الشأن، كأن تطلب إحصاءات حول عدد العراقيين الذين لم يسمح لهم بدخول الأراضي الأردنية.

أما فيما يتعلق بتعامل الموظف العراقي بالمثل مع الزائر الأردني فقال حرب إن: الدستور العراقي لا يسمح بهذا التفريق بين مواطن وآخر يزور العراق.

وختم حرب حديثه بالقول إن الحاجة الاقتصادية الأردنية للعراق ستروض تدريجيا من أسلوب تعامل المسؤول الأردني مع المواطن العراقي الذي يدخل الأردن.

 أما رئيس تحرير جريدة الأهالي هفال زاخويي، فيعقب على طلب المالكي من ملك الأردن بشان منع ظاهرة تعامل الأردنيين مع العراقيين على أساس المذهب بقوله إن: طلب المالكي جاء متأخرا، إذ كان من المفترض أن يتم تبليغ الأردن رسميا بهذا الشأن من خلال وزارة الخارجية أو السفارة العراقية في عمان. وشدد على أن الشعب العراقي لا يريد ان يشعر بالفروقات الطائفية والقومية.

وذكر زاخويي أن: المسؤولين في الأجهزة الأمنية الأردنية في مطار عمان والملكة عالية يوجهون أسئلة للعراقيين تتعلق بخلفيتهم المذهبية والقومية، واصفا هذا الإجراء بأنه بدوي.

ووصف معاملة سلطات العديد من الدول العربية للعراقيين الداخلين إليها بأنها سيئة، مؤكدا على إن على السلطات الأردنية والسعودية أن تخجل من نفسها بهذا الشأن.

وكان زاخويي نشر، في وقت سابق، مقالا في جريدة الأهالي حول أسئلة خاصة بالقومية والمذهب وجهها إليه ضابط في أمن مطار عمان، ما دفعه إلى رفع شكوى إلى الديوان الملكي الأردني، وقدمت له دائرة إدارة المعلومات اعتذارا رسميا بهذا الخصوص واصفة تصرفات مسؤولي أجهزة أمن المطار بأنها شخصية.

وذكر أن العراقيين الداخلين إلى الأردن يشكون من مشاكل كبيرة، حيث توفي أحد المرضى في مطار عمان نتيجة تأخير المسؤولين لدخوله إلى الأردن للعلاج.

ويقول أكاديمي عراقي، طلب عدم الكشف عن اسمه، لأسباب تتعلق بزيارة مقبلة له للأردن، إن السلطات الأردنية في المنافذ الحدودية والمطارات لا تميز بين المجرم والبريء، والجاهل والعاقل، والعادي والفنان، وتعامل الجميع بطريقة غير إنسانية.

وأضاف أن الخارجية الأردنية اعتمدت مبدأ منح الفيزا على شركة يطلق عليها اسم TNT تقوم بمنح الفيزا للعراقيين بعد 15 يوما من ملء استمارة أسباب الزيارة الأردنية.

وأردف: لكن الذي حدث أن الفيزا بدأت تتأخر أكثر من شهرين، ما عرض الكثير من العراقيين خصوصا المرضى منهم إلى مشاكل صحية وإنسانية.

وتابع أن السلطات الأردنية لم تمنح وزراء متقاعدين في حكومات عراق ما بعد 2003، واصفا السياسيين العراقيين الذين تحتضنهم الأردن والأمارات والكثير من الدول العربية بأنهم مدللون لديهم.

الزيارة الملكية الإردينة وقبول العرب لشيعة العراق 

واصلت الصحافة العربية اهتمامها بالزيارة التي قام بها العاهل الأردني عبد الله الثاني إلى بغداد واصفة أياها بانها رمز لقبول العرب للشيعية العراقية. وقد عدّها كتّاب أعمدة الرأي والمحللون والمعلقون نقطة تحول في علاقة الدول العربية بالعراق.

الكاتب في جريدة النهار اللبنانية (يومية مستقلة) جهاد الزين قال: تستمد زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله إلى العراق أهمية شكلية ومضمونية.

واستطرد الكاتب في مقالته التي حملت عنوان (معادلة تشيني الصاعدة، النجف في النظام العربي) قائلا: في الشكل، الملك عبد الله بن الحسين هو رئيس الدولة العربي الآتي من المحور السعودي، المصري، الأردني الذي يمثل المحور الأكثر تصلبا سلبيا حيال صيغة الدولة العراقية الجديدة بصدارتها الشيعية والتباساتها الإيرانية. بحسب اصوات العراق. 

ووصل العاهل الأردني إلى بغداد في زيارة هي الأولى لزعيم عربي منذ الاحتلال الأمريكي في ربيع عام 2003، كما هي الأولى التي يقوم بها ملك الأردن إلى بغداد منذ اعتلى العرش عام 1999، وأجرى فور وصوله مباحثات وصفت بأنها ايجابية وصريحة مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.

وتابع الكاتب بالقول: وفي المضمون العاهل الأردني هو أول رئيس دولة عربي يدخل بغداد ما بعد صدّام في مرحلة بدأت تميل عربيا إلى تبني معادلة تشيني، الذي دعا الدول العربية المعترضة على النفوذ الإيراني في العراق إلى فتح سفارات لها في بغداد كأفضل طريقة لمواجهة هذا النفوذ.

ورأى الكاتب أن معادلة تشيني تعني دعوة النظام العربي إلى قبول وبالتالي استيعاب الشيعية العراقية التي هي أكبر وأهم كتلة مسلمة شيعية في العالم العربي دينيا وسياسيا واقتصاديا، كأفضل طريقة لإبعادها عن وحدانية النفوذ الإيراني.

ولذلك، قال: تتطور الأمور في علاقة النظام العربي بعراق ما بعد سقوط صدام تطورا بطيئا، لكن نحو قبول هذا النظام العربي بـ (الشيعية العراقية) في صدارة الحكم ضمن صيغة الدولة العراقية ذات الشخصية الفيديرالية على صعيد العلاقات بين القوميات وذات الشخصية الطائفية غير المستقرة حتى الآن، على صعيد العلاقة بين طائفتي عرب العراق، الشيعة والسنة.

وأضاف الكاتب: جاء سعد الحريري كمندوب سعودي إلى المرجع السيستاني في النجف، لينقل تطمينات سعودية إلى المرجع الشيعي الأعلى بأنه حسب تعبير هوشيار زيباري (الكردي): ليست لدى السعودية أي مواقف معارضة لطموحات الشعب العراقي.

ويعلق الكاتب على تصريحات زيباري هذه بالقول: هي صيغة للقول، حتى من مسؤول كردي عراقي؛ إنه ليست لدى السعودية مواقف معارضة لمستوى الدور الشيعي المستجد في الدولة العراقية إذا كانت الصيغة التشاركية للحكم تحفظ حقوق كل أطياف ومكونات الشعب العراقي وهو ما يفهم أيضا من القسم الآخر لتصريحات زيباري الديبلوماسية التي لا صعوبة في تفكيكها حين يقول إنه: كانت لدى السعودية ودول عربية أخرى مخاوف حيال طبيعة النظام السياسي والتدخلات الخارجية وفي شأن المسائل الطائفية.

ويستنتج الكاتب أن: النظام العربي بدأ بتطبيق تدريجي لـ (معادلة تشيني) وهي معادلة ليست فقط واقعية وإنما أيضا صحيحة.

ويضيف: العراق الحالي ما بعد 9 نيسان 2003 دخل في وضعية لم يعد ممكنا معها قيام صيغة سياسية لا تحفظ وضعا قويا للحكم الذاتي للأكراد، وصدارة عملية في قيادة الدولة للأحزاب الممثلة للأكثرية الشيعية.

ويتابع: قد يكون النظام العراقي بعد طول ممانعة بدأ التفكير بـ (معادلة تشيني) تحت وطأة الأمر الواقع فقط، ولكن ثمة سياق من محاولة متبادلة ومعقدة وتدريجية ولربما بطيئة لاستيعاب النظام العربي للشيعية العراقية من ضمن الصيغة التشاركية للدولة العراقية الجديدة.

ورأى الكاتب أن استقرار العراق هو استقرار المنطقة بعدما بدا الأمر بين 9 نيسان 2003 وعامي 2004 و2005، وكأن الدبابات الأميركية في نظر هذا النظام العربي جاءت لتهدد الاستقرار في السعودية ومصر وسوريا، معا.

لهذا قاتلت هذه الدول، كل على طريقتها، في العراق ضد الأميركيين. وأضاف: الاثنتان الأوليان السعودية ومصر، دخلتا في تفاهم كامل منذ نهاية 2006 مع جورج بوش ضد القاعدة، وهي الآن في مرحلتها الثالثة.

وتحدث الكاتب عن مستقبل الجماعة الشيعية قائلا: القوى التي تسيطر عليها قد تتغير إلى أحزاب غير دينية في جيل لاحق لأن المرحلة الحالية مرحلة رد فعل على سياق طويل هي الطائفة الأكثر عددا في الدولة الوطنية العراقية.

الوزير الأردني السابق والكاتب في جريدة الرأي الأردنية (يومية شبه رسمية) نصوح المجالي قال: لم يتعمد العرب الابتعاد عن العراق ولكنهم ابعدوا عنها.

ورأى الكاتب في مقالته التي حملت عنوان (الزيارة الملكية لبغداد دعوة لاستعادة العراق العربي) أن: الاحتلال تعمد منذ زمن بريمر استبعاد الدور العربي في العراق، لأنه توهم أنه قادر على طمس الهوية العربية في العراق، وتشكيل عراق جديد بصيغ سياسية جديدة، تفصله عن انتمائه ومحيطه العربي، ولهذا، يقول الكاتب: فشلت الوساطة العربية واستبعدت، واتهمت دول الجوار العربي بتسريب المقاتلين والإرهابيين للعبث في شؤون العراق، كما استهدفت السفارات العربية بأعمال العنف والإرهاب لإقصائها فكانت الرسالة واضحة.

ورأى الكاتب أن القوة الثانية التي استهدفت الدور العربي هي القوى الظلامية، التي مارست أسوأ أنواع العنف والقتل والإرهاب ضد العراقيين سواء من داخل الميليشيات الطائفية التي عاثت فساداً في العراق، تحت نوازع طائفية وانفصالية وانتقامية أو قوى التكفير التي مثلها تنظيم القاعدة التي حاولت خطف العراق باتجاه آخر.

واستنتج الكاتب أنه كانت نتيجة غياب العرب من العراق وتحكم القوى التي ناصبت الانتماء والهوية العربية العداء فيه، تغلغل الإرهاب فيه، وتغلغل النفوذ الإيراني في شؤونه واستفراد الاحتلال، بمصير العراق لكن تغريب العراق عن أمته أدى إلى نتائج عكسية حتى على من حاولوا عزل جواره العربي عنه وبخاصة الاحتلال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء   19/تموز/2008 - 17/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م