آمال عودة الروح لبغداد تصطدم بمعضلة الجدران الكونكريتية

اعداد/صباح جاسم

شبكة النبأ: بدأت مؤخراً بوادر عودة الروح الى العاصمة العراقية بغداد بعد ان جعلتها غيوم العنف والإرهاب أشبه بمدينة أشباح، وبدأت قوافل المغتربين والمهجرين العائدين اليها تبث الأمل والفرحة في الأجواء الكدرة، ولكن لم تلبث تلك الفرحة ان اصطدمت بالجدران الرمادية اللون التي صُنِعت من مئات من الكتل الإسمنتية التي تزن الواحدة منها ستة أطنان، ويبلغ ارتفاعها 12 قدما وعرضها خمسة أقدام، تحيط بالمجمعات السكنية وتنتشر في أحياء بغداد وتحيط بعضها بأحياء بأكملها حتى إنها تحجب رؤيتها تماماً من الخارج..

ذهل الشاب أيسر محمد، العائد توا من غربته التي تجاوزت الأربعة أعوام، بمشهد الجدران الكونكريتية التي توزعت على شوارع العاصمة بغداد، ورغم ان اللوحات الملونة غطت بعضها، الا ان ايسر ردد قائلا وهو يصف المشهد بأن "الكونكريت، اصبح سمة العصر في بغداد".

وقال محمد الذي سافر إلى المانيا منذ أربعة أعوام هربا من أعمال العنف التي حصدت روحي شقيقيه "إندهشت لما رأيت بغداد الحبيبة فقدت كل جماليتها بسبب الجدران الكونكريتية التي تملأ أغلب أحيائها، لقد صدمني ما آل إليه الوضع فيها وتبددت كل أشواقي برؤيتي هذه الجدران".

وأضاف "كنا نسمع من أهلنا في العراق عن التغييرات الحاصلة، لكنني لم أتوقع أن أرى ما رأيت من خراب وجدران فصلت بين أحياء العاصمة للقضاء على الأعمال الطائفية، لكن وضع هذه الجدران هو بحد ذاته عمل طائفي فصل بين منطقة وأخرى". بحسب تقرير أصوات العراق.

وتعد الجدران الكونكريتية قضية مثيرة للجدل في بغداد، فقد تكاثرت الحواجز الإسمنتية في أنحاء العاصمة العراقية بهدف القضاء على أعمال العنف التي شهدتها العاصمة خلال الأعوام الأربعة الأخيرة.

من جهته، قال صابر محمد سعيد وهو مهندس كان في الإمارات يعمل في إحدى الشركات وعاد إلى العراق لدى سماعه بتحسن الأوضاع الأمنية إن "الجدران الكونكريتية أغلقت أغلب الطرق المؤدية إلى منزلي الواقع في منطقة بغداد الجديدة (جنوب شرقي بغداد) لذا يضطر سائق سيارة الأجرة إلى سلوك طرق مطولة وصولا إلى الحي الذي اسكن فيه".

وأضاف محمد سعيد أن "سائقي الأجرة يطلبون بمبالغ مالية خيالية مقابل نقلي من مكان إلى آخر وأنا اعذرهم بسبب الازدحامات الشديدة التي خلقتها الجدران الكونكريتية ونقاط التفتيش الكثيرة المنتشرة في بغداد رغم أنها ساعدت في تحسن الوضع الأمني بشكل كبير".

وتابع "بدلا من أن يزرعوا ألف نخلة ونخلة، وضعوا ألف جدار وجدار حتى تشابهت الأحياء لدرجة أصبح من الصعب التمييز بين بعضها".

وتحيط الجدران الرمادية اللون التي صنع بعضها من مئات من الكتل الإسمنتية التي تزن الواحدة منها ستة أطنان، ويبلغ ارتفاعها 12 قدما وعرضها خمسة أقدام بالمجمعات السكنية وتنتشر في أحياء بغداد وتحيط بعضها بأحياء بأكملها حتى إنها تحجب رؤيتها من الخارج وتسمح بمشاهدة جزء صغير من المنازل والمباني السكنية.

وفي السياق ذاته، دعا قتيبة عزيز، وهو يسكن منطقة الشعب (شمال شرقي بغداد) الحكومة إلى "التخفيف من آثار هذه الجدران التي هي أشبه بحائط سجن كبير عبر تلوينها بألوان وروسومات تغطي لونها الرمادي الذي يشيع الضيق في النفوس".

واقترح عزيز أن "تقوم الحكومة بتنظيم مسابقة لأجمل رسم لتشجيع الفنانين على الرسم على هذه الجدران التي لا لون لها ولا نهاية".

إلى ذلك عبرت أم حسين، وتسكن في منطقة حي أور (شمال شرقي بغداد)، عن استيائها من هذه الجدران قائلة إن "الحكومة صرفت مبالغ مالية كبيرة لإقامة الجدران الكونكريتية، ألم يكن الأفضل أن توظف هذه المبالغ في إقامة مشاريع تساعد في القضاء على البطالة؟".

وأضافت أن "أخي عاطل عن العمل الآن وهو يبحث عن وظيفة مناسبة يشغلها، لكن الفرص قليلة كونه حاصل على شهادة الدراسة الإعدادية".

ومضت قائلة "لو قامت الحكومة بتوفير هذه المبالغ لإقامة المشاريع لتم تعيين آلاف الشبان مثل أخي ولقضت على البطالة، ولربما قضت على العنف الذي إحدى أسبابه انتشار البطالة".

وأشارت إلى أن بعض العاطلين عن العمل في منطقتها "ينتمون إلى مجاميع مسلحة مهمتها زرع العبوات واغتيال الأشخاص مقابل مبالغ مالية معينة، كونهم لم يجدوا عملا يعيلوا به أسرهم".

وحثت أم حسين الحكومة على "إقامة مهرجانات للرسم على الجدران الكونكريتية بين فترة وأخرى مقابل مبالغ مالية لمساعدة الفنانين العاطلين عن العمل ومئات المتخرجين من كلية الفنون الجميلة في بغداد من اجل خلق جو من البهجة في نفوس الناس إضافة إلى تقبل عين المشاهد وتعوده على الفن".

جدار عازل لحصر التهديدات داخل مدينة الصدر

في ساعة متأخرة من الليل تنزل رافعة كتلاً من الخرسانة في مكان محدد.. تهتز الارض بينما تشيد قوات عراقية وأمريكية جداراً يطوق حي مدينة الصدر الفقير آخر ملاذ لمتشددين شيعة في بغداد.

يتجمع عراقيون بعيدا عن دائرة الضوء وينظرون من الظلام الذي يغلف المنطقة الشيعية التي كانت قبل أشهر قليلة تحت قبضة ميليشيات جيش المهدي الموالي لرجل الدين مقتدي الصدر المناويء للولايات المتحدة.

ويكمل هذا الجدار الثالث الدائرة التي تطوق مدينة الصدر حيث يعيش مليونا نسمة في شمال شرق بغداد في اطار الجهود العراقية والامريكية لتعزيز الانخفاض الحاد في أعمال العنف إثر قتال ضار جرى هناك هذا العام.

ويقول المقدم يحيى رسول عبد الله الذي يقود وحدة للجيش العراقي بجنوب مدينة الصدر انه لم يعد هناك وجود لجيش المهدي في الحي بل الجيش العراقي فقط. ويضيف "هناك لغة واحدة لغة القانون."

وقتل المئات في مارس اذار في معارك بين القوات الامريكية والعراقية من جانب وجيش المهدي الذي تحمله الولايات المتحدة مسؤولية هجمات صاروخية وبقذائف المورتر على مقار للقوات الامريكية والحكومة العراقية في المنطقة الخضراء بوسط بغداد. بحسب رويترز.

كانت معارك مدينة الصدر احدى جبهات الحملة التي شنها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ضد الميليشيات الشيعية.

وتوقف القتال في حي مدينة الصدر في العاشر من مايو ايار بموجب قرار لوقف اطلاق النار وبعد عشرة ايام توغلت القوات العراقية داخل الحي دون اي مقاومة.

كان القتال ضاريا انذاك وشيدت القوات الامريكية جدارا طوله ثلاثة أمتار ونصف المتر يمتد لمسافة تزيد عن ثلاثة كيلومترات عبر مدينة الصدر.

وأثارت مثل هذه الجدران الامنية الرامية لوقف مهاجمين انتحارين وإبطاء حركة نقل الاسلحة جدلا مريرا حيث تقام حول الاسواق والاماكن العامة واحياء كاملة في بغداد.

وينفر بعض العراقيين من مثل هذه الحواجز التي تسبب ازدحاما مروريا وقد تضر بمتاجر قريبة ويقولون أنها تكاد تكون سجونا ضخمة.

ويصفها آخرون بأنها شر لابد منه ساهم في تحسن ملحوظ في شتى أنحاء العراق حيث تراجعت أعمال العنف لاقل مستوياتها منذ عام 2004 .

وتراجع عدد الهجمات الى حد كبير في الجزء الجنوبي من الحي الذي تجوبه دوريات القوات الامريكية واختلف الحال كثيرا عما كان عليه قبل أشهر مضت.

وتعج الشوارع بالسيارات والباعة ويزدحم سوق بوسط الحي بباعة العصائر والملابس حتى في أيام الجمع ويلوذ الاطفال بنافورات في حدائق تم تجديدها هربا من حرارة الصيف.

وتقول القوات الامريكية ان المعارك الاخيرة وجهت ضربة عنيفة لجيش المهدي في مدينةالصدر ولكن الجيش الامريكي يعترف بان عددا كبيرا من المقاتلين فروا بكل ببساطة الى الاجزاء الشمالية من العاصمة التي تسيطر عليها القوات العراقية.

ويقول الكابتن اندرو سلاك قائد وحدة امريكية تجوب دورياتها الجزء الجنوبي من مدينة الصدر "هذه فترة اعادة تشكيل. يرون من المتواجد.. ومن بقي.. ونوع الامكانات المتاحة لديهم."

وصرح متحدث باسم الصدر هذا الاسبوع بأن الزعيم الشيعي سيحل جيش المهدي اذا ما انسحبت الولايات المتحدة من العراق وفق جدول زمني.

ويرفض الرئيس الامريكي جورج بوش وضع جدول زمني ثابت لسحب 144 ألف جندي امريكي من العراق ولكنه تحدث عن "افق زمني" قد يكون جزءا من اتفاق امني يتفاوض البلدان بشأنه.

ومن غير الواضح مدى السلطة التي يتمتع بها الصدر على عناصر متمردة داخل ميليشياته والتي قد تتجاهل اوامره. وطالما حملت الولايات المتحدة ميليشيات شيعية تدعمها ايران تصفها بانها " جماعات خاصة" مسؤولية عدد من أعنف الهجمات على قواتها.

ويقول مسؤولون أمريكيون إن المعركة تتركز الان في اعادة بناء مدينة الصدر التي عانت البنية التحتية والخدمات بها من عقود من الاهمال اضافة الى اثار اعمال العنف الاخيرة.

ويقول خادم الهاشمي الذي يبيع سيارات مستعملة بجنوب حي مدينة الصدر ان هناك حاجة ماسة للوظائف والخدمات الاساسية. ويحصل بعض السكان على كهرباء لمدة ساعة او ساعتين فقط كل يوم.وأضاف " تحتاج المدينة الكثير".

وبدأت الولايات المتحدة والحكومة العراقية توجيه الاموال نحو مشروعات اعادة البناء املا باقناع السكان بالامتناع عن مساندة مقاتلي جيش المهدي مرة أخرى.

وبدأ جنود عراقيون في بناء الجدار الاخير تحت حماية امريكية في وقت سابق من هذا الاسبوع ولم تعترض اعمال البناء الليلية اي أعمال عنف.

والى جانب جدار على الجانب الشرقي من مدينة الصدر وقناة عند الحافة الشمالية تحيط الجدران بحي الصدر بالكامل وتفتش السيارات التي تدخل الحي او تخرج منه عند نقاط تفتيش.

ويتفقد جنود امريكيون المباني المظلمة بمعدات رؤية ليلية اثناء انزال كتل الخرسانة في اماكنها ويعتقد الكابتن سلاك ان السكان هنا سيقبلون الجدار.ويضيف "انه يبعد العناصر التي لا يريدها الناس هنا."

ويقول المقدم عبد الله انه ليس هناك من يرغب في العيش داخل سجن ولكن الجدران مفيدة في الوقت الحالي. غير ان زينب كريم عضوة البرلمان عن كتلة الصدر ومن سكان حي مدينة الصدر ترى ان من الافضل انفاق المال الذي يوجه لبناء الجدار على الخدمات الاساسية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين   18/تموز/2008 - 16/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م