أكراد العراق: عامل الموازنة والمساومة في آنٍ واحد

شبكة النبأ: رغم انه لايمكن احتواء النقيضين إلا ان السياسة لاتعرف العدو والصديق ولا تميز بين الجيد والسيئ إلا من خلال موازين تخص القائم على الموازنة فقط.. فلطالما بقيت الاقلية الكردية عاملاً إيجابياً في الوقوف على مسافة واحدة من أطراف الصراع الرئيسية في العراق التي هي السنّة والشيعة، لأجل إقرار قوانين او تحقيق مآرب سياسية يُجبر الجميع عليها ضمن مصطلح (المحاصصة) المثير للجدل.

ولكن مع إنقشاع دخان العنف والإرهاب والصراع الطائفي في العراق تبرز قضية كركوك كتهديد حيوي لجميع الطوائف العراقية بما يُنذر بقرب بداية صراع جديد يتخذ هذه المرة طابعا قوميا بين الأكراد غير المستعدين بتاتا عن التنازل عن كركوك وبين باقي العراقيين المتمسكين بوحدة العراق وعراقية هذه المدينة...

فقد رفضت القوات الكردية (البشمركة) طلب وزارة الدفاع العراقية انسحابها من عدد من المناطق المتنازع عليها في شمال محافظة ديالى.

وقال العميد ناظم كركوكي آمر اللواء 34 للبشمركة لوكالة فرانس برس "ابلغنا اللواء الركن علي غيدان قائد القوات البرية في العاشر من الشهر الجاري بسحب قواتنا من شمال ديالى (...) لكن حرس الاقليم مرتبط برئاسة الاقليم ولن ننسحب بدون قرار منها".

واضاف "لدينا لواء كامل من قوات البشمركة ينتشر في منطقة قرة تبة وجلولاء والسعدية (شمال ديالى) لكن حتى الان ليس لدينا امر بالانسحاب من رئاسة اقليم لذا نحن باقون في مواقعنا".

وكانت وزارة الدفاع العراقية التي بدأت قبل نحو اسبوعين عملية "بشائر الخير" لملاحقة تنظيم القاعدة في ديالى طلبت من اللواء 34 التابع للبشمركة الانسحاب من المحافظة والعودة الى كردستان العراق لنشر اللواء الرابع التابع للفرقة الاولى من الجيش العراقي.

واوضح كركوكي ان "قوات البشمركة انتشرت في مناطق قرتبه وجلولاء والسعدية قبل عامين بطلب من القوات الاميركية والعراقية".

واضاف "حركنا هذه اللواء (يضم اربعة آلاف مقاتل) للمشاركة في عمليات حفظ الامن شمال بعقوبة وشاركنا مع الجيش العراقي والقوات الاميركية منذ ذلك الوقت في عمليات عديدة لحفظ الامن في هذه المناطق".

من جهته قال اللواء جبار ياور الناطق باسم قيادة قوات حرس الاقليم (البشمركة) ان "هذه مناطق آمنة ولا تحتاج لمجيء القوات العراقية ولا تحتاج شن عملية عسكرية فيها".

واضاف ان "قواتنا انتشرت في هذه المناطق بطلب من القوات الاميركية والعراقية والهدف هو حماية المواطنين الاكراد من الشيعة والسنة من هجمات الارهابيين" مؤكدا ان "قواتنا قدمت تضحيات كبيرة من اجل حفظ الامن".

من جانبه قال جعفر مصطفى وزير الدولة لشؤون البشمركة في حكومة الاقليم ان "قواتنا تبقى في مواقعها حتى حسم الموضوع بين القيادة السياسية في الاقليم والحكومة المركزية في بغداد".

واكد ان "لقاءات مستمرة مع المسؤولين في الحكومة المركزية ووزارة الدفاع من أجل التوصل الى حل وتنسيق بين قوات البشمركة وقوات حرس الاقليم".واضاف ان "قوات البشمركة لن تترك هذه المناطق وستبقى تدافع عن امن المواطنين فيها حتى وصول الحكومة المركزية الى اتفاق مع رئاسة الاقليم".

ومناطق شمال بعقوبة التي تقطنها غالبية من الاكراد الشيعة من المواقع المتنازع عليها ويطالب الاكراد بضمها الى اقليم كردستان.

صراع اثني يلهب باقي مناطق العراق 

من جهة اخرى ذكرت صحيفة "يو اس توداي USToday" الاميركية أن قضية كركوك تعكس ما وصفته تحديات صراع اثني في العراق، مشيرة إلى احتمال انتشاره في البلاد بسبب تواجد معظم الجماعات الاثنية والدينية في المدينة.

وقالت الصحيفة إن "مثل هذه التحذيرات شائعة في كركوك هذه الأيام ومتمثلة بالتظاهرات العنيفة في الشوارع وكلام السياسيين الغاضب، بل حتى في أماكن كانت سابقا منسجمة. وصار وضع المدينة احد أكثر قضايا العراق الملحة التي تهدد بإشعال صراع جديد في وقت تحققت فيه انجازات في مناطق أخرى من البلاد، ويتسع الجدال في موعد أعادة المزيد من القوات الأميركية إلى ديارها".

ونقلت الصحيفة عن هيوا اسعد، الذي ينتمي إلى البيشمركة قوله "اذا حاول التركمان اخذ المدينة منا، سنحمل السلاح وسنقاتل. فاننا لن نفقد ما ربحناه"، ويضيف أن "قتالا سيندلع في كركوك والامور تصير أسوا يوما بعد يوم".

وترى الصحيفة أن "المواجهات في كركوك تدور حول من الذي سيسيطر على المدينة وحقول النفط المحيطة بها، التي تحتوي على 40% من احتياطيات البلاد النفطية"

وتابعت الصحيفة أن "الجماعات الاثنية والدينية العراقية كلها تقريبا موجودة في هذه المدينة ـ التي دعيت بـ "أورشليم العراق" ـ ما يعني ان اندلاع العنف الطائفي من الممكن ان ينتشر سريعا في أماكن أخرى من البلاد".

وذكرت أن "الجدال في شان كركوك منع البرلمان العراقي من التوصل إلى اتفاق في كبرى القضايا الوطنية، بخاصة تحديد موعد للانتخابات المحلية، التي يقول عنها الرئيس الأميركي جورج بوش انها حاسمة في ارساء سلام في العراق على المدة البعيد".

وكان مجلس النواب العراقي أقر في الثاني والعشرين من شهر تموز يوليو الماضي قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي الذي يتضمن مادة تتأجل بمقتضاها انتخابات مدينة كركوك إلى أجل غير مسمى بموافقة 127نائبا من أصل 140 حضروا الجلسة.

وانسحب من الجلسة نواب التحالف الكردستاني، وهي الكتلة الثانية في البرلمان وله 53 من إجمالي مقاعده البالغة 275 مقعدا، محتجين على قرار رئيس مجلس النواب محمود المشهداني بجعل التصويت "سريا" على المادة 24من القانون، والخاصة بالوضع في كركوك، رغم أنه تم التصويت "علنيا" على كافة فقرات القانون الأخرى.

وقرر مجلس رئاسة الجمهورية نقض قانون انتخابات مجالس المحافظات، في رد فعل سريع يأتي بعد يوم واحد من إقرار البرلمان للقانون في جلسة أثارت الكثير من الجدل حول دستوريتها. وقرر مجلس الرئاسة إعادة القانون إلى البرلمان للتصويت عليه من جديد.

وكان صدور القانون أثار ردود أفعال غاضبة لدى الأكراد الذين اعتبروا الطريقة التي تم بها تمرير القانون في البرلمان بمثابة "انقلاب على الدستور" وهددوا باستخدام "الفيتو" الذي يتيحه الدستور العراقي لمجلس الرئاسة الذي يترأسه الطالباني (كردي) لنقض القانون وإعادته إلى مجلس النواب.

ومن المقرر أن تجرى انتخابات مجالس المحافظات قبل نهاية العام الجاري، إذا تم التوافق بين الكتل السياسية على قانون جديد للإنتخابات، والتي تعول عليها الحكومة العراقية وأطراف سياسية أخرى للحد من وتيرة عمليات العنف في البلاد عبر استيعاب عدد من المجموعات المسلحة في العملية السياسية الجارية حاليا.

وتكتسب تلك الانتخابات أهميتها من أنها يمكن أن تسفر، بحسب نتائجها، عن إقامة أقاليم جديدة في البلاد تمهيداً لتطبيق مشروع (الفيدرالية) الذي تنادي به بعض الكتل السياسية، فيما تعارضه أخرى تقول إنه قد يؤدي إلى تقسيم البلاد بشكل فعلي إلى ثلاثة أقاليم أحدها في الشمال يضم الأكراد والثاني يشمل محافظات الجنوب والوسط ذات الغالبية الشيعية والثالث يكون للمحافظات التي يسكنها أغلبية من العرب السنة مثل الأنبار وصلاح الدين وديالى وبعض مناطق الموصل.

وترى الصحيفة أن "حرب التصريحات اشتدت ضراوتها، بخاصة مع تهديد احد السياسيين البارزين في المدينة بقطع رؤوس خصومه".

وتنقل الصحيفة عن رضا تقي، الذي تصفه بأحد القادة السياسيين الشيعة، قوله إن "كركوك حقل ألغام، فاذا لمسناها وحاولنا حل المشكل ستنفجر، ولو واصلنا تجاهلنا لها وتأجيلها من المحتمل أيضا انها ستنفجر في وقت معين".

ويعتقد الأكراد، كما تذكر الصحيفة، بوجوب ضم المدينة إلى كردستان، المنطقة التي يديرها الأكراد وتبعد بضعة أميال إلى شمال شرق المدينة، وتتصرف تماما كدولة منفصلة عن باقي العراق. ويريد العرب والتركمان، الذين يخشون من التمييز اذا ما حدث ذلك ان تبقى المدينة تحت سلطة الحكومة المركزية في بغداد.

وتعتقد الصحيفة ان التوترات ظاهرة حاليا في شوارع المدينة. فقبل أسبوعين، كما تروي، فجر انتحاري نفسه في تظاهرة للأكراد، فهجم المتظاهرون في أعقابها على مقرات حزب تركماني محلي وتبادلوا أطلاق النار مع حراس البناية وأضرموا النيران فيها. وخلفت تلك المواجهات 22 قتيلا.

وتنقل الصحيفة عن الميجر جنرال مارك هيرلنغ قائد القوات الأميركية في شمال العراق، قوله ان كركوك "آمنة نسبيا؛ الا انه اعترف بان الجيش الأميركي يراقب عن كثب علامات الخطر فيها.

وتشير الصحيفة إلى تعرض احد المواطنين للضرب على يد متظاهرين اتهموه بانه "عميل" تركماني، وأرادوا قتله، في حين انه من عائلة كردية.

باحث يحذر من تحول الصراع الطائفي الى قومي

وحمل باحث ومحلل سياسي عراقي الأكراد مسؤولية الشلل الذي يكتنف العملية السياسية حاليا، من جراء محاولتهم استثمار الأوضاع التي تسود الساحة السياسية حاليا لتمرير القوانين التي تخدم مصالحهم، باعتبارهم "بيضة القبان" في هذه الساحة، معربا عن خشيته من تنامي بوادر (صراع قومي سياسي) بدلا من (الصراع السياسي الطائفي) الذي تراجعت حدته في الآونة الأخيرة.

ورأى إبراهيم الصميدعي، في حديثه لوكالة (أصوات العراق)، إن "الشلل الذي يعتري العملية السياسية الان، يعود بالدرجة الاساس الى محاولات الاكراد استثمار الأوضاع السائدة بين القوى السياسية من اجل تعطيل القوانين المهمة وعدم تمرير ايا منها الا اذا كانت في صالحهم تماما". معللا ذلك بأنهم (الأكراد) "ما زالوا يعتقدون انهم (بيضة القبان) في الساحة السياسية العراقية، وهذا ما اثبتت التحولات التي شهدناها خلال الفترة الماضية،انه لم يعد صائبا تماما".

وحذر الباحث من مغبة "تنامي بوادر صراع قومي سياسي (عربي- كردي)، بعد أن تراجعت حدة الصراع الطائفي (الشيعي- السني) في الآونة الأخيرة". مضيفا أن تداعيات "قضية كركوك"، كشفت عن "تنامي بوادر الصراع العربي- الكردي، والجدل الذي دار بشأن المادة 24 من قانون انتخابات مجالس المحافظات، هو أول محاولة حقيقية تبذلها القوى السياسية للتصدي للمشاكل التي تشهدها البلاد".

 وبين، أن "بعض الأطراف المتنازعة في كركوك، تتغافل عن نتائج إحصاء عام 1957 (ملمحا إلى الأكراد) رغم انه إنه لم تكن هناك وقتئذ جمهوريات انقلابية تحاول أن تغير من ديموغرافية الأرض"، وأردف "لكن قوى أخرى تعد أن ما حدث بعد عام 2003، يشكل محاولة أخرى مكملة للمحاولات التي جرت سابقا، وخصوصا في عهد النظام السابق، لتغيير ديموغرافية كركوك (ملمحا هذه المرة إلى اتهامات العرب والتركمان للأكراد بمحاولة تكريد كركوك)".

وأعرب الصميدعي، عن اعتقاده بأن الأكراد كان "يمكن أن يضعوا اليد على كركوك، ويضعون الآخرين أمام الأمر الواقع، بعد عام 2003"، مستدركا أن "الأكراد عولوا بدلا من ذلك على مجموعة من الصفقات السياسية، لاسيما مع الأطراف الشيعية، كي يأخذوا كركوك كهبة من (عرب العراق)".

واستبعد الصميدعي، أن "يلجأ الأكراد إلى القوة لضم كركوك لإقليم كردستان"، منوها إلى أن ذلك من شأنه أن يثير الكثير من المشاكل، خصوصا في ظل التدخلات الدولية (أمريكا)، والإقليمية (تركيا) في القضية، إضافة إلى ضغوط القوى الداخلية".

وتابع تحليله قائلا، أن "الأكراد ربما كانوا يمتلكون في بداية العملية السياسية، وتشكيل الائتلاف الحاكم، هامشا قويا إزاء بغداد"، موضحا أن ذلك ناجم عن "غياب العرب السنة عن المشهد السياسي، فضلا عن موقف الأكراد الإيجابي من واشنطن والحرب الذي شنتها على العراق".

واستطرد الصميدعي، أن جبهة التوافق العراقية "لم تستطع أن توفق في محيطها (العرب السنة)، بين من يؤمن بحمل السلاح، وبين احتياجات أو تطورات العملية السياسية"، مضيفا أن الجبهة بعامة والحزب الإسلامي بخاصة، عمدا إلى إخضاع الشارع السني أو تجيره لصالحهما بالكامل، والانخراط في اتفاقيات حزبية، مع الأكراد من جهة، والائتلاف العراقي الموحد من جهة أخرى، في محاولة لتقاسم النفوذ، والحصول على جزء من (حصاد البيدر العراقي) في المرحلة المقبلة على الأقل".

والحزب الإسلامي العراقي الذي يتزعمه نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، هو الحزب الرئيسي في جبهة التوافق العراقية التي تحوز على 38 مقعدا في مجلس النواب العراقي من أصل 275 مقعدا.

على صعيد متصل قال الصميدعي، إن "هناك أطرافا شيعية قوية تحاول أن تعرقل التحالف (الشيعي-  الكردي)، وتقديم كركوك إلى الاكراد، كهدية من العرب الشيعة"، مبينا أن هذه الأطراف "تسعى من خلال ذلك إلى رسم صورة معتدلة لهم إزاء واشنطن".

ولفت الصميدعي، إلى أن تصويت مجلس النواب على المادة 24 من قانون انتخابات مجالس المحافظات، "عزز مثل هذا الاحتمال"، متسائلا عما يعنيه "تصويت منظمة بدر، الجناح العسكري للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي، بالكامل مع زعيمها هادي العامري، لصالح المادة 24، بينما ينسحب باقي أعضاء المجلس الأعلى، ويبقى 15 عضوا منهم فقط في الجلسة".

وكان مجلس النواب العراقي أقر في 22 من شهر تموز يوليو الماضي، قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي، الذي يتضمن مادة تتأجل بمقتضاها انتخابات محافظة كركوك إلى أجل غير مسمى بموافقة 127نائبا من أصل 140 حضروا الجلسة التي قاطعتها كتلة التحالف الكردستاني وأطراف أخرى أهمها نائبا رئيس مجلس النواب (أحدهما خالد العطية القيادي في المجلس الأعلى) احتجاجا على التصويت السري على المادة 24 الخاصة بكركوك دونا عن باقي مواد القانون التي تم التصويت عليها علنا، وجرى بعد يوم واحد فقط نقض القانون من قبل رئاسة الجمهورية وإعادته إلى البرلمان للتصويت عليه من جديد.

وبين أن ذلك يدلل على أن "المجلس الأعلى يحاول وضع رجل مع الأكراد، وأخرى مع العرب، كي لا يخسر (الشارع العربي الشيعي)"، لافتا إلى أن ذلك يدلل أيضا على بدء تحول هذا (الشارع)، باتجاهات الانتقال من الصراع الطائفي (الشيعي- السني)، إلى الصراع السياسي القومي أي (العربي- الكردي)، المتحالف مع الموقف التركماني".

وخلص الباحث والمحلل السياسي إبراهيم الصميدعي، إلى أن هنالك "دلائل متزايدة ترجح تنامي ما وصفه بـ(صراع اليوم القومي السياسي)، ليحل محل (صراع الأمس الطائفي)، محذرا من أن مثل هذا الصراع "قد لا ينتهي بسهولة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين   18/تموز/2008 - 16/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م