القاعدة في العراق.. النساء الإنتحاريات تكتيك يائس وورقة أخيرة

اعداد/صباح جاسم

شبكة النبأ: مع سقوط ورقة التوت عن تنظيم القاعدة في العراق وخسارته المعاقل والرجال تباعاً بالإضافة الى فقدانه تأييد بعض العراقيين من العرب السنّة، لم يبق لهذا التنظيم الموغل في الجرم والتطرف سوى بعض النساء اللاتي تم غسل أدمغتهن او ممن يقبعن تحت سيطرة الرجال المطلقة، بحيث يتم إشراكهن قسرياً في عمليات إنتحارية تجري تحت عنوان مقاومة المحتل لكنها في الحقيقة لاتستهدف سوى المواطنين الأبرياء في الأماكن العامة او نقاط التفتيش العراقية..

(شبكة النبأ) تلقي الضوء في تقريرها التالي على آخر أنفاس القاعدة وهي تلفظها في العراق عن طريق النساء الجاهلات او المغرر بهن او ممن تدفعهن أسر متورطة في العمليات المسلحة الى أحضان تنظيم القاعدة.

18 قتيلا و75 جريحا في عمليتين انتحاريتين استهدفتا زواراً شيعة

لقي 18 على الاقل من الزوار الشيعة حتفهم واصيب 75 بجروح مساء الخميس الماضي في عمليتين انتحاريتين نفذتهما امرأتان جنوب بغداد كما افادت الشرطة المحلية لوكالة فرانس برس.

وقال الملازم كاظم الخفاجي من شرطة محافظة بابل ان امرأتين تحملان حزامين ناسفين فجرتا العبوات التي تحملانها بفارق خمس دقائق على بعد خمسين مترا من بعضهما في الاسكندرية على بعد ستين كيلومترا جنوب بغداد.

ونفذت العملية الانتحارية المزدوجة وسط جمع من الزوار المتجهين الى مدينة كربلاء على بعد 110 كلم جنوب بغداد لاحياء ذكرى مولد الامام المهدي وهو الإمام الثاني عشر لدى المسلمين الشيعة.

وقال الخفاجي ان الجرحى الـ75 نقلوا الى ثلاثة مستشفيات. وكانت مدينة الاسكندرية تشكل واحدة من مدن "مثلث الموت" لانها شهدت العديد من العمليات الانتحارية التي نفذها تنظيم القاعدة في العراق مستهدفا الشيعة.وغالبا ما شكل الزوار الشيعة هدفا للعمليات الانتحارية.

وفي وقت سابق الخميس اعلنت مصادر امنية عراقية مقتل شخصين احدهما ضابط شرطة واصابة نحو عشرين اخرين بانفجارين في بغداد استهدفا زوارا شيعة متوجهين سيرا الى كربلاء لاحياء ذكرى ولادة الامام المهدي.

واوضحت المصادر ان "شرطيا قتل واصيب 12 اخرون بانفجار عبوة ناسفة قرب احد حواجز الشرطة التي توفر الحماية للزوار في منطقة الزعفرانية جنوب بغداد".واضافت ان "الجرحى هم سبعة من الزوار وخمسة من رجال الشرطة".

وفي حادث منفصل آخر قتل احد الزوار واصيب سبعة اخرون بانفجار عبوة قرب ساحة التحريات في الكرادة (وسط بغداد) بحسب ما افادت مصادر امنية.

إنتحاري يستهدف مركزا للشرطة العراقية

وفي نفس السياق اقتحم مفجر انتحاري بسيارة ملغومة مركز شرطة عراقيا ليقتل 13 شخصا في حين اعد كبار السياسيين لعقد اجتماع لرأب الصدع في الحكومة الائتلافية بعد انسحاب الجماعة السنية الرئيسية. وجاء الهجوم بعد يوم من تفجيرات كبيرة في بغداد قتلت 70 شخصا. بحسب رويترز.

وقال مصدر في الشرطة ان المهاجم ضرب طابورا من المتقدمين للانضمام الى قوة الشرطة في مدينة هبهب شمالي بغداد. وبين القتلى ستة من الشرطة وسبعة مدنيين. واصيب 15 شخصا.

ووقع هجوم يوم الخميس في محافظة ديالى وهي منطقة الى الشمال من العاصمة اصبحت مركز هجوم امريكي على مدى الشهرين الماضيين بعدما ارسلت واشنطن قوات اضافية للمساعدة في تحقيق الاستقرار في البلاد.

بطش تنظيم القاعدة أفقده دعم العراقيين السُنّة

بدءاً بذبح الاطفال وانتهاء بأحكام تحرم على النساء شراء خضروات مثل الخيار وتلزم الرجال دون غيرهم بشرائها... لعب بطش تنظيم القاعدة وفرضه أحكاماً دينية تستند الى تأويلات خاطئة للاسلام دورا أساسيا في تراجعه بالعراق.

فتطبيقه لنمط متشدد من الاسلام في المناطق التي سيطر عليها جعل الحياة اليومية بائسة مما أضعف دعم الناس لحملته ضد القوات الامريكية والعراقية.

وقال الشيخ حميد الحايس وهو زعيم عشائري ذو نفوذ من معقل القاعدة السابق في محافظة الانبار بغرب العراق انه رآهم يذبحون طفلا في التاسعة من عمره مثل الغنم لأن أسرته لم تدن بالولاء لهم. بحسب رويترز.

مثل هذه الاعمال العنيفة التي تعتبرها جماعات اسلامية أخرى متطرفة دفعت بالكثيرين ممن كانوا يقاتلون الى جانب تنظيم القاعدة في باديء الامر الى الانقلاب عليه. وأعلنت الجماعة مسؤوليتها عن تفجيرات لا تميز بين أحد في العراق سقط خلالها الاف القتلى.

ونشرت الجماعة تسجيلات فيديو مروعة على شبكة الانترنت لهجمات نفذتها وعمليات ذبح قامت بها لاجانب وجنود عراقيين.

وقال عراقيون ممن عاشوا تحت حكمهم في أنحاء البلاد ان الغناء وحلاقة الذقن وعلاج النساء على أيدي أطباء من الرجال كلها أنشطة يعتبرها تنظيم القاعدة حراما.

ويقول قيس عامر وهو حلاق من الموصل في شمال العراق "القاعدة حرمت حلق اللحية وحظرت السبلات الخدية والشعر الطويل... قتل الحلاقون لانهم لم ينصاعوا لهذا."

وقد تبدو القصص خيالية ويصعب التحقق من صحتها لكن الناس في مناطق أخرى من العراق يروون قصصا مشابهة عن حكام القاعدة. وكان العقاب على عدم الانصياع للاوامر وحشيا.

ونتيجة لاشمئزازهم من هذه التصرفات انقلب زعماء العشائر العربية السنية الذين كان رجالهم ذات يوم يمثلون الاساس للتمرد ضد القوات الامريكية والعراقية في أواخر عام 2006 على القاعدة وساعدوا بدعم من الولايات المتحدة في طرد الجماعة من معاقلها السابقة.

والى جانب ارتكابه جرائم القتل دون تمييز وتفسيره المتشدد للاسلام أصبح تنظيم القاعدة يمثل تحديا خطيرا بالنسبة لسلطة العشائر حيث سعى الى السيطرة على الانشطة الاقتصادية وطرق التهريب الى الدول المجاورة.

وتراجعت الهجمات في انحاء العراق بنسبة نحو 85 في المئة عن عام مضى وهو انخفاض قياسي لم يحدث منذ عام 2004 وتجري عمليات أمنية كبرى في شمال العراق حيث تقول القوات الامريكية والعراقية ان تنظيم القاعدة المستنزف أعاد تنظيم صفوفه.

وقال اللفتنانت كولونيل تيم البيرز ضابط المخابرات بالادارة المسؤولة عن بغداد "قتل القاعدة الوحشي للمدنيين ارتد عليه. السنة لن يقبلوا بذلك اكثر من هذا."

ومضى يقول ان "هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم حماة للمجتمع السني يقتلون الآن عراقيين من السنة اكثر من أي أحد اخر."

وكانت محافظة الانبار بغرب العراق ذات يوم معقلا لتنظيم القاعدة لكنها أصبحت فيما بعد مسقط رأس رد فعل زعماء العشائر السنية العنيف ضد الجماعة. ويتنوع زعماء العشائر من شديدي التدين الى العلمانيين.

والهايس من بين الشيوخ الذين نظموا رجالهم في دوريات محلية لمكافحة عناصر القاعدة والمسلحين الآخرين. وقال الحايس ان الحياة في ظل القاعدة لم تكن عنيفة فحسب بل كانت هزلية ايضا. وأضاف أنهم قتلوا حتى اناث الماعز لان أعضاءها التناسلية غير مغطاة وذيولها موجهة الى أعلى وهو ما قالوا انه حرام.

وتابع قائلا انهم اعتبروا الخيار ذكرا والطماطم (البندورة) أنثى ولم يكن مسموحا للنساء بشراء الخيار بل الرجال فحسب.

وكان من الممكن أن تقطع أصابع الرجال لانهم يدخنون كما جرى تفجير صالونات تصفيف الشعر والمتاجر التي تبيع أدوات التجميل وقتل باعة الثلج لان الثلج لم يكن موجودا في عهد النبي محمد وكلها روايات شائعة عن "العدالة" التي كان يطبقها تنظيم القاعدة.

وقال احمد ياسين في سامراء الى الشمال من بغداد "القاعدة أرادت قتلي وتفجير متجري لانني كنت أبيع أقراصا مدمجة للموسيقى."

وهددت منشورات النساء بالخطف او الموت لعدم ارتداء ملابس كاسية. وشاع اجبار النساء والفتيات العراقيات على الزواج من عناصر القاعدة من قبل العشائر التي كانت الجماعة ترهبها.

ومما زاد من عزلة القاعدة المتنامية الهدف الذي أعلنته بالقتال من أجل اقامة دولة اسلامية سنية واعتمادها الشديد على المقاتلين الاجانب. وقاتل كثير من العراقيين الجيش الامريكي في العراق من أجل أسباب قومية وليست طائفية.

جاء كثيرون من أوائل زعماء القاعدة ومقاتليها في العراق من السعودية والاردن واليمن وباكستان وسوريا ودول أخرى. وكانوا يهربون مقاتلين ليقوموا بتنفيذ عمليات انتحارية.

وكان العراق يبدو علمانيا الى حد كبير حتى تمت الاطاحة بالرئيس السابق صدام حسين عام 2003. وكان العراقيون من طوائف وعرقيات مختلفة يتزاوجون وكانت النساء ترتدي سراويل الجينز والقمصان القطنية وزخرت بغداد بالحانات وصالات الرقص.

ومعظم العراقيين من الشيعة كما يعيش بالبلاد مسيحيون وأشخاص ينتمون لديانات أخرى واستهدف تنظيم القاعدة الاكراد على الرغم من أن الكثير منهم من السنة.

صعود الانتحاريات العراقيات بعد سقوط رجال القاعدة

في تسجيل فيديو يباع في أسواق بغداد تشرح مجموعة من النساء يرتدين أحزمة ناسفة ويحملن المسدسات والبنادق لماذا حملن السلاح ضد الجيش الامريكي في العراق.

وقالت امرأة ملثمة "نحن ندافع عن الاسلام وحرمته. ندافع عن الوطن الذي تربينا فيه. لماذا نقف مكتوفي الايدي ونرى شبابنا وكهولنا يدافعون عن الوطن.

ما الذي يوقف النساء؟

في الاونة الاخيرة لم يمنعهن شيء. حتى مع انخفاض إجمالي أعمال العنف في العراق الى مستويات لم يسبق لها مثيل منذ أوائل عام 2004 حدثت زيادة كبيرة في عدد الهجمات التي تنفذها نساء يستخدمهن مسلحون من السُنّة العرب كإنتحاريات.

ويقول الجيش الامريكي إن النساء نفذن 23 هجوما انتحاريا في العراق حتى الان هذا العام مقابل ثماني هجمات على مدار عام 2007 بأكمله.

وفي الاسبوع الماضي في 28 يوليو تموز اندست ثلاث نساء يرتدين سترات متفجرة بين زوار شيعة في بغداد وفجرن أنفسهن. كما شن مهاجم آخر يعتقد أنه كان امرأة هجوما ضد مجموعة من الأكراد كانوا يحتجون على قانون انتخابي متنازع عليه في شمال البلاد.

وفي المجمل قتلن نحو 60 شخصا في أكبر هجوم من حيث عدد القتلى في يوم واحد يشهده العراق منذ أشهر. وأصيب نحو 250 شخصا.

ويقول محللون إن الكثير من النساء يتحركن بدافع الثأر لافراد أسرهن الذين قتلوا او اعتقلوا. وهناك أخريات عقدن العزم على إظهار التزامهن بالقضية مثل أي رجل.

وتزخر مناطق في العراق بنساء يائسات يحملن ضغينة ضد القوات الامريكية والعراقية.

أمام مركز للشرطة في مدينة بعقوبة عاصمة محافظة ديالى التي شهدت معظم الهجمات الانتحارية التي نفذتها نساء في الاشهر الاخيرة كانت مجموعة من النساء تنتظر سماع أخبار عن رجالهن المعتقلين.

وقالت امرأة غاضبة طلبت عدم نشر اسمها "الامريكان أخذوا زوجي. دمروا بيتنا. ما عندنا شي بس رحمة الله. سوف لن نبقى صامتين. وكل شيء حتى تفجيرات انسوّي."

وهزمت القوات الامريكية والعراقية تنظيم القاعدة في بغداد وغرب العراق ومنذ ذلك الحين أعادت الجماعة تنظيم نفسها في شمال العراق بما في ذلك ديالى حيث تجري عملية أمنية كبرى لسحق المقاتلين.

ومع مقتل أو اعتقال عدد متزايد من الاعضاء الذكور في الجماعات المسلحة يرغب عدد متزايد من النساء في القصاص.

وتقول هناء إدوار السكرتيرة العامة لمنظمة الامل النسائية العراقية "استخدام العنف المفرط من قبل القوات الامريكية والعراقية يؤدي في كثير من الاحيان الى الحقد والرغبة في الانتقام خصوصا عندما يقتل أزواجهن. أنا أعتقد أنها واحدة من الاسباب الرئيسية للانتحاريات."

وقالت سجى عزيز عضو اللجنة الامنية في المجلس المحلي لديالى إن بعض النساء والفتيات تدفعهن أسر متورطة في العمليات المسلحة الى أحضان تنظيم القاعدة.

ويشير الجيش الامريكي الى أن الكثير من النساء الانتحاريات ضحايا للاغتصاب وهو زعم يصعب التحقق من صحته.

ويصف الجيش استخدام المفجرات بأنه تكتيك يائس من قبل أعداء متقهقرين ويقول أنه يظهر الصعوبة التي يواجهها المسلحون الان في تجنيد الشبان العرب الاجانب الذين كانوا يهربونهم الى العراق ذات يوم بأعداد كبيرة لتنفيذ عمليات انتحارية.

وزاد تشديد الاجراءات الامنية على الحدود من صعوبة تهريب مقاتلين أجانب الى العراق فيما ساعد قرار اتخذه شيوخ العشائر العربية السنية بالانقلاب على تنظيم القاعدة في حرمان الجماعة من الملاذ والمتطوعين العراقيين.

وتوفر الانتحاريات مزايا تكتيكية للمسلحين. اذ يسهل اخفاء المتفجرات أسفل ملابسهن السوداء الفضفاضة التي يرتديها الكثير من العراقيات كما تمنع الاعراف العربية الحراس الرجال من تفتيش النساء تفتيشا دقيقا.

وقال الميجر جون هول المتحدث باسم الجيش الامريكي " الانتحاريات تكلفتهن ضئيلة ويوفرن سهولة في التخطيط ولا تنطوي الاستعانة بهن على مخاطرة بالنسبة للمنظمات الارهابية. واحتمال أن تحصل قوات الامن على معلومات حساسة منهن ضئيل للغاية."

ليس المسلحون فقط هم الوحيدون الذين يسعون للاستفادة من عزم النساء على الانضمام الى الرجال في القتال. فقد أطلقت قوات الامن العراقية برنامج "بنات العراق" لتدريب حارسات الامن على تفتيش النساء عند نقاط التفتيش.

وقالت رنا عبد وهي حارسة عند نقطة تفتيش في محافظة ديالى " نتمنى من كل النساء التطوع الى هذا العمل. نحن نساعد اخواننا المتطوعين في حماية العراق الجديد."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد   17/تموز/2008 - 15/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م