الإمام المهدي (عج) مابين الحضارتين المادّية والدينية

صباح جاسم

شبكة النبأ: في بدايات القرن العشرين إنشقّت المجتمعات الانسانية بفعل عاملين أساسيين هما، عامل (الحضارة المادية) التي تصاعدت بقوة وإثارة لتصنيع مظاهر الحياة المختلفة حتى بهر بريقها الالباب واسر العقول.

وعامل (التكتلات الدينية) التي هي ايضا اخذت تتصاعد بقوة، وتجاوبَ معها قطاعات كبيرة من البشر قائلين بأن الحضارة المادية لا تعبر إلا عن وجه واحد من اوجه الحياة.

فمَن كان قريبا من قواعد الحضارة المادية تمسك بمعطياتها واعتبر الدين مرحلةً تجاوزَها الانسان، ومن كان قريبا من قواعد التكتلات الدينية تمسّك بمعطياتها واعتبر المادية وسيلة لتجاوز الحياة لا اكثر.

اما الاكثرية من الناس فأخذوا بمعطيات الحضارة المادية لتنعيم الحياة وتسهيلها، متسترين بغطاء رقيق من الايمان والاعتراف بوجود الله تعالى وصحة كتبه ورسالاته، واما التفاصيل والفروع فلا يجدون ما يلزمهم بها.

واذا عرفنا ان الذهنية العامة تؤمن بالمألوف بلامحاكمة وترفض غير المألوف بلا مناقشة، فاننا سنعرف لماذا يكوّن الناس غالبا غطاءا رقيقا من الايمان يتسترون به.

من هذه المعطيات نستطيع ايضا ان نعرف السبب في تهرّب الناس من الخوض في الحوار حول القضايا الفكرية الدينية عموما، واتهامها بأنها قضايا ايمانية مجردة لاجدوى من التعمق بها، مهما كان مردودها في حياتهم الفردية والاجتماعية. ومن هذه القضايا، قضية الروح، الروحانيات، المعجزات، حكومة الإنسان في سائر المخلوقات، وأخيراً قضية (المصلح المنتظر) التي تعبر عن معادلة الخير والشر النهائية، لأنها تتعلق بإحدى الغرائز المتأصلة والثابتة في البشر الى نهاية العالم.

ولعل غريزة التأرجح بين الاضداد او ما تسمى بغريزة التطور وُكلت بالانسان لتقليبه في المعادلات المختلفة، حتى تكشف كل مخابئه وتنمي كل ما في اعماقه من نوايا وركائزن فتحقق بذلك هدفا من اهداف الحياة الا وهو تجربة الانسان، كما هو الحال في قوله تعالى (وان لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءا غدقا لنفتنهم فيه).

واستجابة لهذه الغريزة نجد الانسان دائم الاندفاع بين اقطاب الإغراء الكثيرة المتنوعة، فهو يحب الشيئ ويتدفق نحوه بلهفة، حتى اذا شبع منه اعرض عنه واتجه نحو ضده، مثلا، قد ترى انسانا محافظا لا تذكر له هفوة واحدة، ثم تجده ينفلت بعشوائية، وبعد حين يحاول ان يعيد سيرته الاولى.

او قد يظهر جيل متشدد محارب يتتبع الخلافات المعقدة والإرتجالية وغير الواضحة المعالم- كما هو الحال في الوقت الحاضر في العراق وبعض الاماكن الاخرى من العالم- فيتمسك بها لإشعال الفتن والحروب دون ان يعي ان ما يفعله هو التدمير الذاتي بعينه، وقد يعقبه جيل مسالم يتنازل عن الكثير هروباً من المواجهة.

وهكذا الدين، فقد يظهر مصلح يحرك فطرة الناس في اتجاه الدين فيتهافتون على جوامعه ومجامعه باندفاع مخيف، ثم تتوتر الفطرة فيهم، فيتجاهلون كل شيئ منه حتى يتحير دعاته ولا يأخذ التيار مداه، ويبدا بالإنحسار، ويثوب الناس الى رشدهم في اتجاه الدين من جديد وكانه يطرح عليهم لاول مرة.

ولهذا السبب فإنه كلما ظهر نبي او إمام واستطاع ان يعلي كلمة الدين، عرف ان ثورته تستهلك من بعده، وان خلفائه سيعانون الثورة المعاكسة فيبشّرهم بأن الردة لن تكون قاضية، وان المطاف الاخير سيكون للدين وان الله تعالى سيظهر من يجدده ويقود الناس الى الصراط المستقيم. فما من نبي إلا وبشّر بمصلح لايعلى على صوته، ودعا الناس الى الصبر على المكاره وانتظار ذلك المصلح والالتفاف حوله ان هم ادركوه.

واذا ما تتبعنا هذه العقيدة نجد انها تعني العديد من المعطيات التي يجب علينا التمسك بها ومنها:

- واقعية الاديان في استيعاب المستقبل وفي استيعاب دورة البشر بالإتجاه نحو الدين والإنحراف عنه.

- تطمين المبشّرين والمؤمنين بأن لهم المطاف الاخير حتى لا ييأسوا مهما اشتدت الفتن ومهما استبدت الثورة المعاكسة.

- تيئيس العاملين ضد الدين وضد المبشّرين به، فاذا استطاعوا ان يهرجوا أياماً، فلا يعني ذلك انهم أضحوا سادة الموقف، فالدين هو الخط الصحي العام اما الإنفلات فهو فوضى لن تدوم مهما طالت.

- تهيئة المؤمنين لإستقبال المصلح المنتظر، حتى يظلوا متأهبين له، حيث تأهبهم يعني ابقاءهم موفوري القوى، وهذا يخدمهم حياتياً في مجمل فترات انتظارهم للمصلح المنتظر مهما طالت.

- تمهيد الارضية الصالحة للمصلح المنتظر، حتى اذا حان الوقت للنهوض لا يجد نفسه غريبا يبني ابتداء من حجر الاساس، وانما يجد نفسه يرفع البناء على أساس من سبقه.

وهذه الظاهرة أوجدت اخوة الانبياء والصالحين فكل واحد منهم كان مبشَرَا به من قبل السابقين، فيصدق السابقين عليه ويبشر اللاحقين به، ويقوم بدور الحلقة الواحدة ضمن السلسلة البعيدة الطرفين.

وليس الامام المهدي المنتظر إلا حلقة في هذه السلسلة الالهية، ولكنه يتميز بأنه الحلقة الاخيرة التي ترتبط مع الطرف الاول البعيد، حيث ولايته ستكون نهاية المطاف، ليملأ الارض قسطا وعدلا بعد ما تكون قد مُلأت ظلماً وجورا.

ولادة المهدي ونسبه الشريف 

وُلد الامام المهدي المنتظر عليه السلام في سامراء بالعراق في اليوم الخامس عشر من شعبان عام 255 هجري. وهو الامام الثاني عشر لدى المسلمين الشيعة، وابوه الامام الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي السجاد بن الحسين السبط  بن علي بن ابي طالب (عليهم افضل الصلاة والسلام).

المهدي في القرآن

لقد وعد القرآن الكريم الامة بيوم يستلم فيه رجال الحق والمؤمنون اللائقون ازمّة القيادة في الارض، و ينتصر فيه الدين الاسلامي ويعم الارض، بالإضافة الى ورود آيات فيه تفسر بالإمام المهدي، ومنها: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون)، و(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم امناً يعبدونني لا يشركون بي شيئا) و( ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين)...

وهكذا يتوضح من هذه الآيات ان العالم سيصل حتماً الى اليوم الذي تستلم فيه القيادة المؤمنة اللائقه ازمّة الامور فيه ، فيكون أولياء الله قادة الارض.

الرسول (ص) يبشّر بالمهدي

في مناسبات عديدة ذكر رسول الله (ص) حفيده الإمام المهدي (ع) مؤكداً على حقيقة ظهوره في آخر الزمان وأنه مسدد من الله تعالى، حتى يملأ الأرض بالعدل والإنصاف، ومن هذه  الأحاديث الشريفة:

- قال رسول (ص): والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعد معهود له مني، حتى يقول اكثر الناس: ما لله في آل محمد حاجة ويشك آخرون في ولادته، فمن ادرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان عليه سبيلاً بشكه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني فقد اخرج ابويكم من الجنة من قبل وان الله عز وجل جعل الشياطين اولياء للذين لا يؤمنون.

- ويذكر مؤلف كتاب ينابيع المودة، ان النبي (ص) قال: المهدي من ولدي تكون له غيبة اذا ظهر يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً.

- وجاء في ذات الكتاب ان الصحابي سلمان المحمدي قال: دخلت على رسول الله (ص) وإذا الحسين بن علي على فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه ويقول انت سيد ابن سيد أخو سيد، انت امام ابن امام أخو امام، انت حجة ابن حجة أخو حجة، وانت ابو حجج تسعة تاسعهم قائمهم.

- وقال الامام علي بن ابي طالب (ع): للقائم منا غيبة امدها طويل كاني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه، ولم يقس قلبه بطول غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة، ثم قال: ان القائم منا اذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه.

- وقال ابن ابي دلف، سمعت علي بن محمد بن علي الرضا يقول: الإمام بعدي الحسن ابني وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

- وروى حذيفة ان النبي (ص) قال: المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدرّي.

- ونقل مسعدة عن الامام الصادق(ع) انه قال: ان قائمنا يخرج من صلب الحسن العسكري والحسن يخرج من صلب علي الهادي وعلي يخرج من صلب محمد الجواد ومحمد يخرج من صلب علي الرضا وعلي يخرج من صلب ابني هذا (يعني الكاظم) - وأشار إلى موسى- وهذا خرج من صلبي، ونحن اثنا عشر إماما، كلنا معصومون مطهرون، والله لو لم يبق إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس   14/تموز/2008 - 12/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م