
شبكة النبأ: تركت السنون بصماتها على الوثيقة القديمة الهشة
الموضوعة الآن في صندوق زجاجي لصيانتها، فبهت لون الحبر الذي دونت
به عباراتها الثورية البليغة حتى أصبحت تكاد لا تُرى في حين ظهرت
آثار حريق سطحية على صفحاتها. ولكن مبدأ الحرية الدينية الذي نادت
به وعملت في سبيله مجموعة صغيرة من المستوطنين الإنجليز في ما يعرف
باسم وثيقة "احتجاج فلاشينغ" (Flushing Remostrance) ما زال قائماً
ومعمولاً به رغم مرور القرون.
وفلاشينغ هو حي سكني في كوينز، أحد الأقسام الإدارية الخمسة
التي تتألف منها مدينة نيويورك، ويقع على مسافة حوالى 16 كيلومتراً
إلى الشرق من منهاتن.
وقد أُرخت وثيقة احتجاج فلاشينغ بتاريخ 27 كانون الأول/ديسمبر،
1657، مما يجعلها أقدم وثيقة معروفة في أميركا تحث على الحرية
الدينية. وقد استخدمت مجموعة من سكان فلاشينغ تلك العريضة لمناشدة
حاكم نيويورك، التي كانت مستعمرة نيو آمستردام الهولندية، على دعم
حرية الضمير والسماح بالتعددية الدينية. ويعتبر المؤرخون هذه
العريضة الأصل الذي بشر بضمان الحرية الدينية في الدستور الأميركي.
بحسب موقع امريكا دوت غوف.
وقد عرضت الوثيقة، وهو أمر نادر الحدوث، في مكتبة كوينز العامة
أولاً ثم في متحف كوينز للفنون من كانون الأول/ديسمبر، 2007 حتى
حزيران/يونيو 2008، بمناسبة مرور 350 سنة على صياغتها. وقد ظلت
طوال تلك السنين، مثلها في ذلك مثل 12 ألف صفحة من الوثائق
الهولندية الأصلية، في رعاية الحكومات التي تعاقبت على نيويورك،
الهولندية والإنجليزية ثم الأميركية. والوثيقة المعروضة هي في
الواقع نسخة تعود إلى العام 1657، نسخها موثق عام لضمها إلى سجل
محضر رسمي لوقائع إحدى جلسات المجلس الاستعماري لنيو آمستردام. وقد
سفع صفحاتها حريق شب في أرشيف مدينة أولباني. وقد اختفت العريضة
الأصلية تماما.
تقليد الحرية الدينية
منحت البراءة الصادرة عن شركة الهند الغربية الهولندية، في
العام 1645، بإنشاء فلاشينغ في مستعمرة نيو آمستردام، الحرية
الدينية أو "حق حيازة والتمتع بحرية الضمير، حسب العرف والعادة في
هولندا بدون أي مضايقة أو إزعاج من أي حاكم أو أي مسؤول إكليركي (كنسي)
آخر."
وعلى الرغم من ذلك، رفض حاكم المستعمرة بيتر ستايفسنت، لدى
وصوله في العام 1647، السماح بالانتماء إلى أي كنيسة غير الكنيسة
الكالفينية (طائفة بروتستانتية) التي كان ينتمي إليها. ورغم أن
ستايفسنت اضطهد أتباع الديانات الأخرى كاليهود والبروتستانت من
أتباع الكنيسة اللوثرية، إلا أن طائفة الكويكرز (البروتستانتية)
المعروفة أيضاً باسم طائفة الفريندز كانت الأشد تعرضاً لاضطهاده،
حتى أنه أصدر مرسوماً يحظر على أي مقيم في المستعمرة استقبال عضو
من أعضاء طائفة الكويكرز أو السماح للطائفة بعقد اجتماع في منزله/منزلها.
وعندما قام ستايفسنت بنفي أحد الشخصيات المحترمة في البلدة، هنري
تاونسند، لسماحه للكويكرز بعقد اجتماع في منزله، دفع ذلك سكان بلدة
فلاشينغ إلى الدفاع عن الشِرعة التي تأسست بلدتهم بناء عليها.
وقد كتب إدوارد هارت، أمين سجلات البلدة المثقف، الوثيقة التي
وقعها توبياس فيك، العمدة، و29 شخصاً آخر من سكان البلدة. ورفع فيك
العريضة إلى ستايفسنت.
وأشار كنث جاكسون، أستاذ التاريخ في جامعة كولومبيا، في مقال
كتبه في صحيفة النيويورك تايمز بمناسبة الذكرى السنوية الـ350
للوثيقة، إلى أن وثيقة احتجاج فلاشينغ جديرة بالملاحظة والالتفات
إليها لعدة أسباب. فقد هب موقعوها للدفاع عن آخرين؛ ولم يكن أي
منهم من أتباع طائفة الكويكرز. وقد دعموا أقوالهم بأفعالهم، برفعهم
العريضة إلى أعلى سلطة في المستعمرة.
وقال جاكسون علاوة على ذلك أن "لغة الوثيقة، مثلها في ذلك مثل
جميع الوثائق العظيمة الأخرى، لغة لا يقل جمالها عن جمال المشاعر
التي تعبر عنها."
فقد خاطب فيها سكان فلاشينغ الحاكم ستايفسنت بالقول، "نحن لا
نستطيع من جانبنا شجبهم (أي شجب الكويكرز) في هذه الحالة، كما أننا
لا نستطيع رفع أيدينا ضدهم."
وأضافوا: "ولذا فإننا لا نبغي في هذه الحالة إصدار أحكام عليهم
لئلا يتم إصدار حكم (إلهي) ضدنا (يوم الدينونة)، ولا إدانتهم لئلا
تتم إدانتنا (يوم الحساب)، بل نريد أن يكون كل شخص مسؤولاً أمام
ربه الذي يحاسبه."
في العام 1662، سمح جون باون للكويكرز أو الفريندز بالاجتماع في
بيته مما أغضب الحاكم الهولندي في فترة الاستعمار، فسُجن باون ثم
نفي من فلاشينغ.
في العام 1662، سمح جون باون للكويكرز بالاجتماع في بيته ما
أغضب الحاكم الهولندي في فترة الاستعمار، فسُجن باون ثم نفي من
فلاشينغ.وذكر سكان المستعمرة "اليهود والأتراك والمصريين... وأتباع
الكنائس المشيخية والمعمدانية والكويكرز والمستقلين،" مضيفين أنهم
يريدون "معاملة جميع الناس كما نريد أن يعاملونا، وهو ناموس
الكنيسة والدولة الحقيقي."
ومضت العريضة إلى القول: "وعليه، فإنْ قصدَنا أي من هؤلاء
الأشخاص المذكورين بمحبة، فإن ضميرنا لا يسمح لنا برفع اليد ضده،
وإنما بمنحه حرية الدخول والخروج، إلى ومن، بلدتنا وبيوتنا، كما
يملي الخالق على ضمائرنا، لأن القانون الإلهي والبشري يحتم علينا
معاملة كل شخص بالمعروف وعدم إيذاء أي شخص."
وقد رفض ستايفسنت الذي أغضبته العريضة التماسهم، وطالب الموقعين
عليها بالاعتراف بالخطأ والتخلي عن موقفهم علنا، وفرض غرامات وسجن
هارت وفيك. ورغم توسلات الكثيرين بمن فيهم شقيقته والهنود المحليون
(السكان الأصليون)، فرض ستايفسنت عقوبات قاست منها البلدة بأكملها،
واستبدل حكومتها بحكومة عين أعضاءها بنفسه.
وفي العام 1662، سمح مزارع شاب يدعى جون باون، كان قد تزوج من
فتاة من طائفة الكويكرز، للفريندز بالاجتماع في منزله. فتم القبض
عليه وفرض عليه دفع غرامة وسجن ثم تم نفيه من المستعمرة. وتوجه
باون إلى هولندا حاملاً معه عريضة "احتجاج فلاشينغ" ورفع قضيته
لشركة الهند الغربية الهولندية. وقد دعمت الشركة باون وأبلغت
ستايفسنت في العام 1663 أنه يتعين احترام الحرية الدينية. وقالت
الشركة: "يجب أن يبقى ضمير الإنسان على الأقل حراً غير مقيد."
تراث دائم
قال ر. سكوت هانسون، وهو مساعد أستاذ زائر للتاريخ في جامعة
بنغهامتون التابعة لولاية نيويورك، في مقابلة، إن عريضة الاحتجاج
كانت "وثيقة محلية جدا،" ولكنها لعبت دوراً مهماً جداً في تاريخ
المستعمرات الأميركية. وأضاف أنها، رغم أنه يتم إغفالها في الكثير
من الأحيان، "جديرة بالملاحظة، وما زالت أقدم وثيقة تنص على هذه
المبادئ في الفترة التي كانت فيها الولايات الأميركية مستعمرات."
ومضى إلى القول: "لقد ناصرت هذه الفكرة ودافعت عنها مجموعةُ من
المواطنين العاديين. ويعتبرها المؤرخون مناشدة رائدة، بليغة جداً
وتسوق الحجج بتفصيل تام."
وقد منحت كل من رود آيلاند وبنسلفانيا سكانها الحرية الدينية
بعد وثيقة الاحتجاج. وفي العام 1683، كفلت "شرعة الحريات"، التي
أقامت حكومة استعمارية في نيويورك، الحرية الدينية، كما كفلها
دستور نيويورك في العام 1777.
وقال هانسون إنه من غير الواضح ما إذا كانت عريضة الاحتجاج
نفسها قد أثرت حقاً على ولايات أخرى وعلى دستور الولايات المتحدة.
وأوضح أنه في حين يرى بعض المؤرخين أن هناك صلة بينها وبين
الدستور، إلا أنه لا يوجد أي برهان تاريخي يثبت أن جيمز ماديسون،
الذي صاغ وثيقة الحقوق، (أي التعديلات العشرة الأولى على الدستور)،
أو توماس جفرسون، الذي صاغ قانون فرجينيا للحرية الدينية (1779)
وإعلان الاستقلال، كانا قد اطلعا على وثيقة الاحتجاج أو سمعا بها.
ولكن جفرسون علق في كتاباته على الحرية الدينية في ولايتي
بنسلفانيا ونيويورك.
وقد ظلت مبادئ وثيقة الاحتجاج حية وتوسعت واستمر تطبيقها في
مستوطنة فلاشينغ وفي جميع أنحاء منطقة كوينز في نيويورك. وكانت تلك
المنطقة في فترة الاستعمار أكثر المناطق تعددية في أميركا، إذ كان
سكانها يستخدمون أكثر من 16 لغة ويمارسون عدة ديانات، واستمرت
التعددية بالازدهار فيها عبر القرون. وقال هانسون إن إحساساً
متجدداً بالاعتزاز بالوثيقة ظهر بين السكان في العقد الأول من
القرن العشرين.
وقد شيد الكويكرز مبنى خاصاً لاجتماعاتهم في العام 1694 ما
زالوا يجتمعون فيه حتى اليوم. أما منزل باون، الذي ظلت سلالته تقيم
فيه حتى تحول إلى متحف في العام 1945، فقد أُعلن "معلماً قومياً
للحرية الدينية." وأصبح بيت المزارع يتقاسم الشارع الذي يقع فيه
الآن مع 10 أماكن عبادة مختلفة أخرى.
ويقول مكتب الإحصاء السكاني الأميركي إن منطقة كوينز هي اليوم
المنطقة الأكثر تعددية إثنية في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
ويوجد في فلاشينغ نفسها أكثر من 200 مكان للعبادة، من كنائس ومساجد
وهياكل ومعابد للسيخ واليهود ومقرات اجتماعات للكويكرز وغير ذلك من
أماكن ممارسة الشعائر الدينية، مما يشكل تراثاً ملائماً يخلفه
الثلاثون شخصاً الذين وقعوا على عريضة احتجاج فلاشينغ.
حي فلاشينغ في نيويورك يمثل عالماً من التعددية الدينية
قد تبدو المسافة طويلة بين المربعات السكنية في شوارع حي
فلاشينغ في منطقة كوينز، بمدينة نيويورك، لمن يتمشى فيها في يوم
حار من أيام الصيف، ولكنها في الواقع تقصر المسافة بين ديانات
العالم المختلفة الكثيرة.
ففي مربع واحد من هذه المربعات، يقع مركز كيسينا اليهودي قبالة
معبد شري شوامينارايان مندير الهندوكي، الذي يقع بجوار كنيسة بون
التابعة للإرسالية الصينية في الخارج، التي تقع بدورها مقابل معبد
سينغ سبها للسيخ. وما هذا المربع سوى مثال لا يختلف عن بقية أنحاء
فلاشينغ، الحي الذي يقع على بعد 16 كيلومتراً إلى الشرق من منهاتان
ويضم أكثر من 200 مكان لممارسة الشعائر الدينية في مساحة لا تتعدى
6,5 كيلومتر مربع. ويقع حي فلاشينغ في منطقة كوينز، أحد الأقسام
الإدارية الخمسة التي تشكل مجتمعة مدينة نيويورك. بحسب موقع امريكا
دوت غوف.
وتدل إحصاءات جمعها مساعد أستاذ التاريخ الزائر في جامعة
بنغهامتون التابعة لولاية نيويورك، سكوت هانسون، على أنه ما على
المرء سوى السير مسافة قصيرة في هذا الحي ليشاهد 151 كنيسة مسيحية
و30 معبداً بوذياً و7 معابد هندوكية و6 هياكل يهودية و4 مساجد
ومعبدين للسيخ وهيكلين للطاويين ومجموعة تمارس الفالون غونغ.
ويعود الفضل في هذه التعددية إلى عريضة احتجاج فلاشينغ، وهي
العريضة التي قدمها سكان فلاشينغ في عام 1657 وطلبوا فيها من حاكم
مستعمرة نيويورك الهولندي (التي كانت آنذاك مستعمرة نيو آمستردام
الهولندية) دعم البنود الخاصة بالحرية الدينية في شِرعة تأسيس
البلدة. وتعتبر هذه الوثيقة أقدم إصرار سياسي على حرية الضمير
والدين في نيويورك. (أنظر مقالة "الحرية الدينية في أميركا مدينة
لوثيقة إصلاح جذري صاغها سكان المستعمرات الأميركية"، المتعلقة
بالموضوع).
وقد تضافرت عدة عوامل أخرى بمرور الزمن، بالإضافة إلى روح
التعددية، لجعل فلاشينغ أحد أكثر المناطق تعددية دينية في الولايات
المتحدة. وقال هانسون إن بين تلك العوامل سهولة الوصول إلى فلاشينغ
من مطارين رئيسيين من مطارات نيويورك، ومحطات قطارات الأنفاق
والقطارات القريبة، ومنفذ في نص قانون توزيع وتحديد المناطق لعام
1961. فقد سمح القانون للكثير من المجموعات المهاجرة بتشييد ما
يعرف باسم "منشآت الجالية،" بما فيها بيوت العبادة، في الأحياء
السكنية. وهكذا انتشرت المتاجر والمنازل التي تم تعديلها وأصبحت
تُستخدم ككنائس ومعابد على طول الشارع بين أماكن العبادة الأكبر
حجما.
وتجتذب هذه الأوضاع أعداداً لا حصر لها من المهاجرين إلى
المنطقة لأنها تسهّل إنشاء مراكز الجاليات الدينية التي تجعل الوطن
الجديد الغريب مألوفاً إلى حد ما. وقالت صحيفة النيويورك تايمز إن
أفواجاً من الإيرلنديين والروس واليونانيين والإيطاليين
والأميركيين الأفارقة، تقاسمت هذه الفسحة على مر السنين مع موجات
أحدث من القادمين الجدد من الصين وكوريا وتايوان وفيتنام والهند
وباكستان وأفغانستان والمكسيك وأهالي أميركا الوسطى، قبل أن تنتقل
منها وتتخلى عنها لهم.
وجاء في إحصاء السكان الأميركي للعام 2000 أن أكثر من نصف سكان
فلاشينغ هم من الأميركيين الآسيويين. وقالت مجلة نيويورك إن شارع
البلدة الرئيسي "يزخر بالتنوع التجاري ويزدحم بالمشاة ويعج بالحركة
والنشاط والحيوية بشكل يجعله حلماً بعيد المنال بالنسبة لشوارع
أميركا المألوفة."
وقال هانسون إنه رغم قدرة حي فلاشينغ على احتضان هذه الفئات
الكثيرة المختلفة من الناس، فإن تعلم التعايش معاً احتاج إلى بعض
الوقت لأن "الناس يعتادون التعددية أكثر فأكثر بمرور الوقت."
وأضاف أن "فترة السبعينات كانت فترة التكيف المؤلم، وامتد ذلك
إلى عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي عندما ازدادت
التعددية كثيراً فعلا." أما الآن، "فقد أصبح الناس واعين على
الأقل. أصبح هناك تحسس للوضع."
وقد تم تكريس الهيكل في فلاشينغ في العام 1977، وقال
بادمانابهان إن أتباعه يبذلون جهدهم ليكونوا جيراناً جيدين.
ويستقبل الهيكل حوالى 500 شخص يومياً خلال أيام الأسبوع في حين
يؤمه ما يصل إلى 3 آلاف نسمة في عطلة نهاية الأسبوع.
ويحاول المسؤولون عن الهيكل الحيلولة دون إزعاج هذا الإقبال
عليه سكان الحي الآخرين. وقال بادمانابهان حول ذلك: "إننا نقيم
علاقات جيدة جداً مع الجيران. ونحرص على عدم إزعاجهم."
ولا تقتصر العلاقات مع الجيران على محاولة عدم الإزعاج إذ إن
الهيكل يقيم علاقات تفاعلية مع أتباع الديانات الأخرى في الحي.
فالهيكل لا يبعد أكثر من مربع سكاني واحد عن كنيسة بون وعن معبد
سينغ سبها للسيخ ويقع على بعد حوالى أربع مربعات سكانية فقط من
أقدم مسجد في كوينز، المركز الإسلامي في نيويورك.
وأشار هانسون إلى وجود تاريخ طويل من عدم وجود أي نزاع حول
الأديان في فلاشينغ. وأوضح أن التعددية موجودة "بدون معارك وإراقة
دماء." ولا توجد أي حوادث نزاع بسبب الدين في الماضي، مما يفسح
المجال أمام ظهور روح من التعايش كل حسب طريقته أو "العيش وترك
الآخرين يعيشون" كما يشاؤون.
أما بادمانابهان فقال: "يأتي الكثير من المسلمين والمسيحيين
واليهود إلى هنا. يزور الهيكل أشخاص، وخاصة طلبة، من أتباع الأديان
الأخرى. ونحن نأخذ الزوار في جولة في الهيكل ونعرفهم على شعائرنا
الدينية."
وهناك أماكن أخرى في الولايات المتحدة أصبحت التعددية أمراً
مألوفاً فيها بينها سيلفر سبرينغ، بولاية ماريلاند، وهي ضاحية
قريبة من واشنطن العاصمة؛ وفريمونت، بولاية كاليفورنيا، قرب مدينة
سان فرانسيسكو؛ وروجرز بارك، بولاية إلينوي، قرب مدينة شيكاغو.
وتقع كل هذه المناطق، مثلها في ذلك مثل فلاشينغ، قرب مراكز حضرية.
ومع هذا، أقر هانسون أنه حتى في حي فلاشينغ الذي يتصف بهذا
القدر الكبير من التعددية يبقى التواصل بين المجموعات المختلفة "سطحياً"
في الكثير من الأحيان. وقال في محاضرة ألقاها في متحف كوينز للفنون
إن "سكان المدينة حريصون على خصوصيتهم، ولذا فإنه في حين يعيش
السكان ويعملون ويمارسون شعائر دينهم قرب بعضهم البعض، إلا أنه لا
يوجد إجمالاً تفاعل دائم ذو مغزى بين المجموعات الإثنية/العرقية/الدينية
المختلفة."
ولكنه تكهن بأن الحي سيستمر في الازدهار كمركز للتعددية الدينية،
وقد أشاد هانسون بجون ليو، عضو مجلس مدينة نيويورك عن حي فلاشينغ
وأول أميركي من منطقة آسيا-المحيط الهادئ يشغل مقعداً في مجلس
المدينة، للجهد الكبير الذي بذله في سبيل مد الجسور للتغلب على ما
يوجد من تباعد ما زال قائماً بين المجموعات المختلفة في المنطقة.
وقال حول ذلك، "أشعر بتفاؤل بشأن المستقبل."
استفتاء: الأميركيين متدينون ومتسامحون وغير متصلبين في مذاهبهم
يؤمن الأميركي النموذجي بالله (92 بالمئة)، وبمعايير مطلقة تحدد
الصواب والخطأ (78 بالمئة) ويصلي مرة في الأسبوع على الأقل (75
بالمئة)، ويؤمن بالحياة الآخرة (74 بالمئة)، ويؤمن بأن الكتب
المقدسة موحى بها من الله (63) بالمئة. ولكن ذلك الأميركي النموذجي
الذي يمثل الأميركيين الآخرين متسامح أيضاً إزاء ما يؤمن به
الآخرون وهو، بشكل ملفت للنظر، غير متصلب في مذهبه من حيث أنه لا
يعتبر دينه السبيل الوحيد إلى الخلاص ولا يعتبره الدين الوحيد
المنطوي على الحقيقة.
وقد ظهرت هذه النتائج في دراسة جديدة أجراها منتدى بيو (بيو
فورم) لشؤون الدين والحياة العامة. وكان منتدى بيو قد تعهد، لدى
إصداره دراسته المسحية "مشهد الساحة الدينية في الولايات المتحدة"
في شهر شباط/فبراير الماضي حول تركيبة المجتمع الأميركي الدينية
والتي اعتبرت حدثاً مهماً جداً، بإصدار تحليل ثان، بناء على نفس
الدراسة الاستطلاعية، يتناول المعتقدات والممارسات الدينية
الأميركية بالإضافة إلى مواقف كل من المؤمنين وغير المؤمنين
الاجتماعية والسياسية. (أنظر مقالة "مشهد الساحة الدينية في
الولايات المتحدة يتميز بالتنوع والتغيير" المتعلقة بالموضوع).
وقد اعتبر أكثر من ثلاثة أرباع الذين تم استطلاع آرائهم أنفسهم
مسيحيين، في حين صنف 5 بالمئة أنفسهم كأتباع ديانات أخرى. وهناك
عدد متزايد من الأميركيين الراشدين (16 بالمئة) الذين لا ينتمون
إلى أي جماعة دينية محددة. ويهجر أكثر من 28 بالمئة من الأميركيين
الراشدين الدين الذي كانوا ينتمون إليه في طفولتهم لاعتناق دين
آخر، أو لعدم الانتماء إلى أي دين.
وقال 70 بالمئة من الأميركيين الذين اعتبروا أنفسهم منتمين إلى
مذهب ديني محدد، بمن فيهم أغلبية كبيرة من البروتستانت والكاثوليك
والأرثوذكس والمسلمين والبوذيين والهندوكيين واليهود، إن الكثير من
الأديان يمكن أن تؤدي إلى الحياة الأبدية. ولم يكن المؤمنون بهذا
الاعتقاد أقلية إلا بين المورمون (39 بالمئة) وشهود يهوه (16
بالمئة). وأشارت مؤسسة بيو، وهي مؤسسة أبحاث غير حزبية إلى أن
أتباع هذين المذهبين يشكلون 2,4 بالمئة فقط من مجمل عدد سكان
الولايات المتحدة.
وقالت أغلبية ساحقة من الأميركيين (68 بالمئة) الذين استُطلعت
آراؤهم ممن ينتمون إلى دين معين إن هناك أكثر من طريقة واحدة صحيحة
لتفسير تعاليم دينهم، وقد قالت ذلك أغلبية كبيرة من البروتستانت
والكاثوليك والأرثوذوكس والمسلمين والبوذيين والهندوكيين واليهود.
وكان المذهبان الوحيدان اللذان لم توافق أغلبية من أتباعهما على أن
هناك أكثر من تفسير واحد للتعاليم الدينية المورمون (43 بالمئة)
وشهود يهوه (18 بالمئة).
وقد استطلعت دراسة مشهد الساحة الدينية الأميركية آ راء أكثر من
35 ألفاً و500 شخص من الراشدين البالغين الثامنة عشرة من العمر على
الأقل الذين يقطنون الولايات المتحدة، وجمعت معلومات ليس فقط عن
حجم الجماعات الدينية المختلفة، بما في ذلك أصغرها، وإنما أيضاً عن
الخصائص الديموغرافية والقيم الاجتماعية والسياسية والممارسات
الدينية وتغير الانتماء الديني في كل مجموعة. وقد تم استطلاع
الآراء هاتفياً في العام 2007 باللغتين الإنجليزية والإسبانية.
وتوصلت الدراسة إلى أن القسم الأكبر (41 بالمئة) من الأميركيين
غير المنتمين إلى أي جماعة دينية محددة يقول رغم ذلك إن للدين
أهمية إلى حد ما على الأقل في حياته وإلى أن حوالى 70 بالمئة منهم
تؤمن بالله.
كما خلصت الدراسة إلى أن الأميركيين غير المنتمين إلى مجموعة
دينية محددة هم على الأرجح علمانيون في نظرتهم إلى الأمور ولديهم
آراء سياسية ليبرالية، في حين أن أولئك الذين يمارسون الصلاة
الجماعية في أماكن عبادتهم بشكل منتظم ولديهم آراء دينية تقليدية
هم على الأرجح محافظون في آرائهم السياسية.
ووجدت الدراسة أيضاً أن أقل من أغلبية المنتمين إلى جماعة دينية
محددة (44 بالمئة) تعتقد أنه ينبغي على دينهم المحافظة على
المعتقدات والممارسات والشعائر التقليدية، في حين يعتقد ثلثهم (35
بالمئة) بأنه ينبغي على دينهم التكيف مع الظروف الجديدة، ويعتقد
ثمنهم (12 بالمئة) بأنه ينبغي على دينهم تبني المعتقدات والممارسات
الحديثة.
ولكن الدراسة وجدت أن أغلبية البروتستانت من أتباع الطوائف
الرئيسية والكاثوليك واليهود والمسلمين والهندوسيين والبوذيين
تعتقد بأن على ديانتها التكيف مع الظروف الجديدة أو تبني المعتقدات
والممارسات الحديثة.
ومما توصلت إليه الدراسة أن الأميركيين لا يؤمنون فقط بالحياة
بعد الموت؛ وإنما يؤمنون أيضاً بالجنة (74 بالمئة) وبالجحيم أو
جهنم (59 بالمئة) وبالقوى والظواهر فوق الطبيعية (79 بالمئة).
واعتبرت أقلية كبيرة لا يستهان بها (42 بالمئة)، خاصة من
المورمون وشهود يهوه والبروتستانت الإنجيليين الثقافة الشعبية
تهديداً لقيمها.
طالبة أمريكية مسلمة تكرس وقتها لمساعدة الفقراء والمشردين
ظلت رؤوفة تويل لفترة طويلة من حياتها مسيحية ورعة جداً لا سيدة
يشير حاضرها إلى أن مستقبلها هو الانضمام إلى برنامج إرشاد روحي
إسلامي كطالبة تعتزم خدمة الفقراء والمشردين ومن تعرضوا للضرب.
ولكن رؤوفة تويل قالت في مقابلة أجريت معها أخيراً إنها وجدت
نفسها قبل 15 سنة تهجر الكنيسة التي تنتمي إليها بحثاً عن شيء لم
تستطع إدراك كنهه. ووصفت تلك المرحلة من حياتها بأنها "كانت فترة
نمو جيدة ولكنها صعبة جدا. وقد وصلت إلى قرارة نفسي، أو لنقل وصلت
إلى نهاية البحث، ووجدت نفسي أبتهل إلى الله، وبعد ذلك بفترة قصيرة
وجدت نفسي في أمسية عرفتني على الصوفية."بحسب موقع دوت غوف امريكا.
ووجدت رؤوفة نفسها منجذبة إلى الصوفية أو التصوف الإسلامي.
وأوضحت أن "الصوفية تشبه النحلة التي تلقح الأزهار. والخطوة الأولى
في تلك السلسلة المتصلة اللانهائية للاقتراب من الله هي الاهتداء
والتوصل إلى إدراك كوننا كائنا مخلوقاً وأن هناك خالقا وأن عملية
النضوج هي الطاعة واتباع الصراط المستقيم. ثم يبدأ التقدم، كما
يحدث في أي عملية نضوج، روحياً- وينمو كل شيء. وكل ما أبغيه
كمتصوفة هو الاقتراب من الله عز وجل."وقادت الصوفية رؤوفة إلى
الالتحاق ببرنامج الإرشاد الروحي الإسلامي في معهد اللاهوت في
هارتفورد بولاية كونتيكت.
وفي حين أن المرشدين الروحيين في الولايات المتحدة هم في كثير
من الأحيان من رجال الدين، إلا أنه يمكن أيضاً للعلمانيين (غير
الإكليريكيين) تقديم الإرشاد الروحي والرعاية في أماكن متباينة
جداً كالجامعات والسجون والمستشفيات والقوات المسلحة.
ومعهد اللاهوت في هارتفورد هو المكان الوحيد الذي يقدم مساقاً
دراسياً لتعليم الإرشاد الروحي الإسلامي في الولايات المتحدة.
ويتألف البرنامج من جزئين أساسيين، الغرض من الجزء الأول منهما،
وهو الدراسة للحصول على شهادة ماجستير آداب مع التركيز على
الدراسات الإسلامية والعلاقات بين المسيحية والإسلام، هو تزويد
الطلبة بالمعرفة حول الفكر الديني الإسلامي وممارسة الشعائر
الإسلامية وتعريفهم بالآراء ووجهات النظر التاريخية والمعاصرة عن
المجتمعات الإسلامية، والتفاعل الديني والاجتماعي بين الإسلام
والمسيحية. أما الجزء الثاني، الذي يؤدي إلى الحصول على شهادة
التخرج، فيسعى إلى تطوير المهارات الضرورية لتقديم الرعاية الروحية
وإقامة العلاقات بين الأديان.
ومركز معهد مكدونالد اللاهوتي لدارسة الإسلام والعلاقات
المسيحية الإسلامية في هارتفورد هو أقدم مركز من نوعه في الولايات
المتحدة. ولا يعتبر المعهد نفسه مدرسة لاهوت تقليدية محلية بل
"مركزاً لاهوتياً لأديان متعددة."
وقالت رئيسة معهد اللاهوت في هارتفورد، هايدي هادسيل، على موقع
المعهد على الشبكة العنكبوتية " إن هدفنا هو توفير التعليم الذي
يمكن الخريجين من فهم أنفسهم وتقاليد دينهم بشكل أفضل ويمكنهم في
نفس الوقت من المساهمة بشكل أكبر في ثقافة الحوار والقيادة الخلاقة
في مجتمعاتنا المدنية والدينية."
رؤوفة تويل، إلى اليمين في أسفل الصورة، مع طلبة مساق تعليمي
حول مفهوم الآخرة في القرآن الكريم والحديث الشريف.ويشكل المسلمون
ثاني أضخم مجموعة في المعهد (12,4 بالمئة) ولا تتفوق عليهم من حيث
الحجم سوى مجموعة الطلبة من أتباع كنيسة المسيح المتحدة، وهي من
الطوائف البروتستانتية السائدة في الولايات المتحدة. كما أن هناك
طلبة ينتمون إلى طوائف بروتستانتية أخرى كثيرة مختلفة علاوة على
الطلبة الكاثوليك واليهود.
ولم تكن تويل قد التقت إطلاقاً بشخص نشأ وترعرع في مجتمع يشكل
المسلمون غالبيته قبل الالتحاق بمعهد اللاهوت في هارتفورد لتبدأ
الدراسة في برنامج الإرشاد الروحي الذي يتضمن دراسة اللغة العربية
نظراً لضرورة تمكنها من تلاوة القرآن الكريم باللغة العربية كي
تتخرج.
وقالت: "يوفر معهد اللاهوت هذا فرصة فريدة للتعرف على الدين
الإسلامي بشكل مباشر من خلال التفاعل مع الطلبة المسلمين. وقد عشت،
على سبيل المثال، أشهراً كثيرة بعد وصولي هنا إلى هارتفورد في
الخريف الماضي مع ست سيدات مسلمات من سوريا وواحدة من المملكة
العربية السعودية، وكان النزل يعج دوماً بأخريات، بسيدات أخريات من
ثقافات إسلامية أخرى، من إندونيسيا و(بورما)."وأردفت: "كان الوجود
في حضرتهن جميلاً جداً كالاستمتاع بدفء أشعة الشمس. وكان الأمر
انغماساً ثقافياً تاماً بالنسبة لي."
واعتبرت تويل دراسة الإسلام والثقافة الإسلامية والتعرف على
المسلمين أهم ما حصلت عليه من التحاقها بمعهد اللاهوت.
وتجدر الإشارة إلى أن تويل كانت قد قامت في السابق بتعليم
الصوفية وتقديم الإرشاد الروحي كسيدة علمانية في السجون. وهي
تتوقع، كجزء من دراستها في هارتفورد، قضاء عام كمرشدة روحية متدربة
في أحد المستشفيات. أما بعد ذلك فقالت، "أشعر بدافع قوي يحفزني على
العمل مع الفقراء والمشردين وضحايا الضرب، أولئك الذين أغفلهم
المجتمع وليس هناك من يريدهم أو يعتني بهم."
ومضت إلى القول: "أعتبر نفسي ابنة أديان مختلفة. فأنا أومن
بأننا جميعاً عباد الله، وبأن هناك خالقاً واحداً لا غير، وبأن لله
طرقاً مختلفة جداً في إبداء الخلق، وأنا أجد الكثير من الجمال
والعمق والغنى في السبل المختلفة المؤدية إلى علاقة مع الخالق."
وخلصت إلى القول: "بالنسبة لي، الإسلام الحقيقي هو المحبة وخدمة
الآخرين المحتاجين. إنه إغداق أنفسنا على الآخرين في سبيل خدمة
الله عز وجل." |