
شبكة النبأ: بعد عام 2003 ازدادت أعداد وسائل الإعلام العراقية
المحلية أو العاملة في العراق بشكل كبير. وقد تزامن هذا الانفتاح
الإعلامي مع ظروف خطيرة دفع الصحفيون فيها ثمنا باهظا تمثل بالقتل
والاختطاف.
لكن هذا الاتساع في العمل الإعلامي ومخاطره لم يرافقه غطاء
تشريعي يضمن للصحفيين حقوقهم ويوفر لهم ولأسرهم ضمانات تخفف من
وطأة الحوادث التي يتعرضون لها ذلك أن القسم الأكبر من الصحفيين
يعملون لصالح مؤسسات القطاع الخاص، أو مراسلين لوسائل إعلام أجنبية
تنتهي علاقتهم بها عند إنهاء خدماتهم أو حين يتعرضون إلى حادث
يمنعهم من مواصلة العمل ليجدوا أنفسهم بلا عمل وبلا دخل.
وإزاء سيل المطالبات بضرورة سن قانون ينظم العمل الإعلامي
ويكفل جانبا من حقوق العاملين فيه قدمت نقابة الصحفيين العراقيين
إلى مجلس النواب في وقت سابق مشروع قانون أثار موجه من الاعتراضات
بسبب بعض فقراته التي قصرت تعريف الصحفي على أعضاء النقابة فقط
بينما هناك الكثير من الصحفيين خارج النقابة. فهل الحصول على عضوية
النقابة أمرا يسيرا؟
سيرة طويلة والنتيجة عضو مبتدئ
يقول مراسل إذاعة العهد في كربلاء خضير النصراوي في حديث
لـ"نيوزماتيك" إن" الحصول على عضوية النقابة ليس بالأمر اليسير، إذ
قدمنا طلبات عديدة للانضمام إلى النقابة ولم نتلق ردا حتى الآن".
ويوضح النصراوي أن "قبول عضوية المراسل تبدأ بانتسابه كعضو
مشارك، وهذا لا يحصل على حقوق تستحق الذكر".
المفارقة هنا أن بعض الصحفيين يعمل منذ سنوات طويلة في مجال
العمل الإعلامي، وبعضهم كان خارج العراق ولم يتسن له الانضمام إلى
النقابة، وحين يتقدم بعد هذه السنوات الطويلة من العمل الصحفي لنيل
عضوية النقابة فإنه سيحصل على عضوية مشارك، أي مبتدئ، وعليه
الانتظار لسنوات أخرى لكي يصبح عضوا فاعلا.
وتطالب الصحفية حلا عبد الهادي من مكتب فضائية العراقية في
كربلاء "بضرورة إعتماد النقابة آليات عملية في منح العضوية بحيث لا
تتجاهل التاريخ الفعلي لعمل الصحفي وسيرته الإعلامية".
لكن الصحفي سامي هاشم، مراسل فضائية الحرية في كربلاء، يرى أن "نقابة
الصحفيين لديها برنامج يتضمن العديد من الخطوات لتعزيز دور الصحفي".
وينتظر سامي والآخرون صدور قانون عن البرلمان العراقي يكفل
للصحفيين حقوقهم، وهو يعتقد أن "الصحفيين لعبوا دورا إيجابيا هاما
خلال المرحلة الماضية، ما يدعو الدولة إلى أن تعمل من أجل الاهتمام
بهم ورعايتهم".
مضايقات واعتداءات
إذ يطالب الصحفيون باعتماد تشريع خاص بهم تنتابهم الخشية من أن
يأتي التشريع الجديد بقيود تحد من حريتهم في تناول المعلومة
والحصول عليها.
وتقول الصحفية حلا عبد الهادي إن "القانون الخاص بالعمل الصحفي
لابد أن يضمن الحقوق المهنية والمادية للصحفيين، ولابد أن يمنع
الاعتداءات والمضايقات التي يتعرضون لها من أطراف عديدة أثناء
تأديتهم عملهم بينها مسؤولون في الدولة".
وكان عدد من الصحفيين تعرضوا إلى اعتداءات أثناء قيامهم بعملهم
ومنهم مراسلة قناة الحرة في كربلاء إيمان بلال، ومرت هذه الحادثة
بقليل من الاهتمام الإعلامي.
إيمان بلال تقول إن "وجود قانون ينظم العمل الصحفي ربما يحد من
تلك التجاوزات".
الهروب من التغطية
وعلى أبواب الانتخابات المحلية التي عادة ما تكون مسبوقة بحملة
دعائية للكيانات والشخصيات المرشحة لخوضها يخشى الصحفيون من تعرضهم
إلى ضغوط تمنعهم من نقل كل ما يتعلق بالمرشحين وتاريخهم وما يثار
حول بعضهم، خصوصا أن الفترة الماضية كشفت أن بعض أعضاء مجالس
المحافظة وبعض الوزراء في الحكومة يعملون بوثائق دراسية مزورة. وقد
أمتنع معظم الصحفيين في كربلاء عن تغطية تلك الأخبار تجنبا للمشاكل،
فيما تكون هذه الأخبار متاحة لوسائل الإعلام في دول عديدة.
وفي مقابل ذلك هناك من يخشى من تحول الإعلامي إلى "أداة لتصفية
الحسابات" بين الكتل السياسية كما يقول الصحفي من مكتب فضائية
العراقية في كربلاء ماجد الخياط، مضيفا أن "على الصحفي أن يكون
حذرا في التعامل مع المعلومة والخبر المتعلق بهذا الطرف أو ذاك
خشية أن يجد نفسه بوقا ضد طرف ما في العملية الانتخابية".
حفارو القبور
قبل أيام، وفي لقاء صحفي شبه أحد السياسيين الصحفيين مازحا
بأنهم مثل حفاري القبور فهم ينتظرون موت الناس كي يدفنوهم مقابل
أجر. فمن وجهة نظره تعتبر المشاكل جانبا مهما من عمل الصحفي، ولو
أخذنا هذا التشبيه من زاوية أخرى لأمكننا القول إن بعض ذوي الموتى
يستاءون من" الدفان" لأنه يهيل التراب على عزيز لهم، وبعض ذوي
المشكلة التي يرصدها الصحفي يستاءون منه لأنه يزيح التراب عنها
فيكشفها. فهو إما أن "يلفت نظر الناس لها ويحرج المتسبب بها، وإما
أن يواجه الناس بها فيعتقدون أنه جزء منها ويسمعونه كلمات قاسية"
كما تقول مراسلة فضائية الحرة إيمان بلال. وتضيف أن "المواطنين في
الشارع يشكلون جزءا من متاعب الصحفي لأنهم يحملونه جانبا من
المسؤولية بينما هو لا يملك إلا تسليط الضوء على المشكلة".
ساعة وراجع!!
ولا تتوقف متاعب الصحفي عند حدود المهنة وتغطية النشاطات
والأخبار والبحث عن المشاكل، بل تدخل المتاعب منزله أيضا، وتطبع
علاقته بأسرته لأن جل وقته يكون ملكا لمهنة ليس فيها وقت محدد
للعمل.
يقول مراسل فضائية العراقية فرات حسين الشمري في حديث
لـ"نيوزماتيك" انه "قد يتصل بك رئيس التحرير أو المسؤول عن
المراسلين عند الظهيرة أو في ساعة متقدمة من الليل للاستفهام عن
أمر ما، أو للتوجيه في موضوع معين"، مشيرا إلى أن مهنة الصحافة
تتطلب جهدا كبيرا وتتحمل أسرة الصحافي جزءا من هذا الجهد، خصوصا
حين يضطر الصحافي إلى التغيب عن المنزل حتى الليل، وأحيانا لعدة
أيام خصوصا في المناسبات الدينية والأحداث الهامة". ويعرب الشمري
عن أمله في أن "تعذره أسرته نتيجة ما تلاقيه من إهمال غير متعمد من
قبله".
صحفي آخر قال إنه لا يتمكن من تبادل الحديث مع زوجته أو ممازحة
أطفاله لأنه مشغول على الدوام بمتابعة الأخبار وإجراء اللقاءات
والتحقيقات وتحريرها، فهو يقضي ساعات عديدة خارج المنزل، وحين يعود
عليه أن يحرر ما أجراه من لقاءات، وبين مشاكل الكهرباء وحرارة الجو
والمولدة والكمبيوتر ينتهي النصف الثاني من النهار ليجد نفسه "جثة
هامدة لكنها تتنفس بانتظار يوم جديد من العمل" وهو أمر "يستنزف جهد
ووقت الصحفي ويشغله عن لحظات جميلة يمكن أن يقضيها مع أسرته" كما
يقول المدير الفني لإذاعة كربلاء علي النواب.
ويضيف النواب إن "متاعب الصحفيين كثيرة فهم يواجهون الكثير من
المخاطر والضغوطات وقد ينشغلون حتى عن أداء التزامات اجتماعية
وأسرية".
وتؤيد هذا الرأي الصحفية دعاء باسم، مراسلة فضائية السلام،
وتضيف إنها "تعتبر عمل المرأة في المجال الإعلامي ربما أصعب من
الرجل، فهي لا تجد الحرية الكافية لإجراء اللقاءات في الشارع، وقد
يثير حضورها في الأماكن العامة مع عدتها الصحفية تعليقات وفضول
أشخاص غير مسؤولين".
وها أنا مع الأسطر الأخيرة من هذا التحقيق تلقيت رسالة عبر
الهاتف تفيد بأن مؤتمرا صحفيا سيعقد بعد نصف ساعة من الآن، إذن علي
أن أحمل عدتي وأذهب ولتسامحني زوجتي لأنني لن أتمكن من تناول
الإفطار معها. |