أولمبياد بكّين ومثلث الرياضة والصراع السياسي وحقوق الإنسان

شبكة النبأ: من الأحداث الأكثر ضخامة وسمة للجمال، مرافقا إياها التشنج السياسي، والتعدي على حقوق الإنسان، أولمبياد بكين، هذا العام بين الأزمة السياسية، والدعوة إلى رياضة بعيدة عن السياسة، وهذا ما لايمكن تحققه في ظل أجواء يرى المحللون أن الصين باتت تهدد فيها حقوق الإنسان والحريات المدنية، ذلك من خلال قمع مظاهرات التبت مؤخراً، أو من خلال تزويد الحكومة السودانية بالمساعدات اللازمة لإبقائها في مركز قوة بوجه المجتمع الدولي.

وبين هذا وذاك، نرى في حفل الإفتتاح المدهش والأغرب بل الأجمال من نوعه، نرى الرؤساء والملوك، وصنّاع القرار، طبعا هم لم يحضروا ليمارسوا طقسا رياضيا، بل هو العمل السياسي، والسياسي وحده.

(شبكة النبأ) في سياق هذا التقرير تسلط الضوء على أهم الأحداث التي رافقت أولمبياد بكين، والوضع السياسي القائم إضافة إلى المسألة البيئية وحقوق الإنسان:

أولمبياد بكين أضخم حفل في تاريخ العالم

شهدت العاصمة الصينية بكين حفل افتتاح دورة الالعاب الاولمبية السادسة والعشرين الذي كان اسطوريا، وهو الاضخم والاغلى والاجمل حتى الآن، رغم الجدل السياسي الذي رافق استضافة بلد المليار و300 مليون نسمة لهذه الدورة التي يشارك فيها 10500 رياضي يمثلون 205 بلدان ويتنافسون في 28 لعبة على 900 ميدالية بينها 302 ميدالية ذهبية.

وحضر الحفل اكثر من 90 من زعماء الدول وافراد من الاسر المالكة يتقدمهم الرئيسان الاميركي جورج بوش والفرنسي نيكولا ساركوزي وكلهم شهدوا افتتاحا ضخما الى جانب 91 الف متفرج احتشدوا في الاستاد الوطني في بكين والمسمى (عش الطيور) اضافة الى حوالي 4 مليارات مشاهد على شاشات التلفزيون في جميع انحاء العالم. بحسب صحيفة القبس.

وجاءت فقرات الحفل رائعة جدا ومنظمة وابهرت المشاهدين، وكان الرئيس الصيني هو جينتاو قد افتتح الحفل بكلمة، في حين شهدت نهاية الحفل ايقاد الشعلة الاولمبية من قبل بطل الجمباز الصيني السابق لي نينغ.

وتخلل الحفل دخول طوابير عرض الدول المشاركة، حيث حمل علم كل منها بطل او نجم بارز فيها، واستعان الصينيون بحوالي 14 الف فرد و39 الف قذيفة من الالعاب النارية لعرض الافتتاح وسط اجراءات امن مشددة من قبل مائة الف شرطي مكلفين حماية الاولمبياد الذي تكلف 43 مليار دولار وهو رقم قياسي غير مسبوق.

الجدير بالذكر ان الوفد الصيني كان الاكبر وقد ضم 639 لاعبا، وتلاه الوفد الاميركي وضم 596 لاعبا، ثم الوفد الروسي وضم 470 لاعبا فالالماني 450 لاعبا والاسترالي 440 لاعبا.

التجذيف والقرص والحضور العراقي بدورة بكين

يبدأ زوجا التجذيف العراقي المؤلف من حيدر نوزاد وحمزة حسين، مشوارهما في دورة الالعاب الاولمبية الـ 29 التي انطلقت في العاصمة الصينية بكين، الى جانب منافسيهم من اربع دول اوربية في فعالية التجذيف.

وذكر عبد السلام خلف رئيس اتحاد التجذيف العراقي في اتصال هاتفي من العاصمة الصينية بكين، ان: 15 فريقا ستشارك في منافسات الزوجي الثقيل قسمت بين ثلاث مجاميع وسيتنافس العراق في المجموعة التي تضمه الى جانب كرواتيا وبريطانيا وروسيا واستونيا.

واضاف خلف: سيشارك حمزة حسين، الذي رفع العلم العراقي وزميله حيدر نوزاد في تمثيل العراق في التصفيات التأهيلية، وستتأهل الفرق الفائزة بالمراكز الثلاثة الاولى من كل مجموعة مباشرة الى الدور قبل النهائي. بحسب أصوات العراق.

وتابع، ستمنح الفرق التي تحتل المركزين الرابع والخامس فرصة اخرى للتنافس قبل التأهل الى نفس الدور، بينما تمنح لغير المتأهلين فرصة اخيرة في تصفيات الفئة C التي تنطلق في 11 من الشهر الحالي.

وزاد رئيس الاتحاد العراقي للتجذيف ان: رياضيينا المشاركين في فعالية التجذيف واصلوا تدريباتهم تحت اشراف المدرب الاسترالي راين هولف وبالتنسيق مع الاتحاد الدولي للعبة، علما ان هذا المدرب سبق ان اشرف على تدريب حمزة حسين خلال المعسكر التدريبي الذي اقيم له في استراليا.

وبين ان: منافسات فعالية التجذيف ستستمر لغاية 17 من الشهر الحالي وان حالة لاعبينا جيدة وان الجو الذي ينتظر ان تجري فيه المنافسات هو حار ورطب.

وقوبل دخول الوفد العراقي المشارك الى ارض ملعب (عش العصفور) في العاصمة الصينية بكين، بوابل من التصفيق من الجمهور الغفير.

ووافقت اللجنة الاولمبية الدولية قبل ايام من انطلاق الدورة الاولمبية الرياضية للالعاب الصيفية الـ 29 في الصين بمشاركة العراق باربعة رياضيين، عقب تعليق عضويته الاولمبية العراقية، بسبب تدخل الحكومة في شؤون عملها وقيامها بتعليق عمل المكتب التنفيذي للاولمبية العراقية في 21 ايار مايو الماضي، قبل ان يتم الاتفاق بين اللجنة الاولمبية الدولية والحكومة العراقية على حل يرضي الطرفين.

ويشارك الوفد العراقي باربعة رياضيين هم حمزة حسين (التجذيف) الذي نال شرف حمل العلم وزميله حيدر نوزاد والعداءة دانة حسين وحيدر ناصر في رمي القرص.

الألعاب الأولمبية بين الرياضة والسياسة وبرز العضلات

في تمام الساعة الثامنة وثماني دقائق من مساء الجمعة الموافق 8/8/2008، أعلن الرئيس الصيني هو جنتاو افتتاح الألعاب الأولمبية في بكين.

ولم يكن قرار تحديد موعد الافتتاح عشوائياً، وإنما حدد في هذا التاريخ المعين لأن الشعب الصيني يتفاءل بالرقم ثمانية ويعتبره جالباً للحظ والسعادة، خصوصاً أن رقم ثمانية، حسب اللغة الصينية المنطوق بها في غالبية الأقاليم (ماندرين) يمثل رقم الحظ أو البحبوحة (BA). ومن يعرف ولع الشعب الصيني بألعاب القمار، يفهم إلى أي حد يرتبط المزاج الثقافي ببعض الأرقام الخاصة كالرقم ثمانية.

وذكرت وكالة الأنباء الصينية الرسمية شينغوا، أن المستشار ماو يولين دعا إلى جعل الثامن من آب (اغسطس) اجازة رسمية في البلاد يحتفل بها المواطنون على امتداد السنوات المقبلة، وبرر اقتراحه بالقول إن تجديد هذه الذكرى يُعتبر تخليداً للأولمبياد ولهذه الدورة بالذات.

ذلك لأن اللجنة المركزية في الصين لم تخف حرصها على استغلال دورة الألعاب الأولمبية من أجل تعزيز مكانتها الدولية. وبهذا وظفت هذه المناسبة العالمية كأداة دعائية تساعد الحكومة على تحسين سمعتها في الخارج بحيث تنطبع في أذهان ملايين المشاهدين صور الاحتفالات المثيرة. أي الاحتفالات التي بدأت تكاليفها بأربعين بليون دولار، ثم انتهت بموازنة مفتوحة، والسبب أن هاجس المنافسة الرياضية والترفيهية، طغى على كل هدف آخر.

وعليه فرضت مظاهر الفخامة والضخامة استحداث تجهيزات جديدة وشقّ طرق جديدة وتوسيع شبكة قطارات الأنفاق، وبناء محطة خاصة للطائرات، وتأمين فنادق إضافية تتسع لنصف مليون زائر وتسعين شخصية رسمية. بحسب صحيفة الحياة.

ويعترف مؤرخو دورات الألعاب الأولمبية أن العالم لا يتذكر أكثر من مشاهد خمس دورات مميزة من أصل 28 دورة جرت في بلدان مختلفة، وربما كانت الدورة الأولى في فرنسا على عتبة القرن الماضي، هي الأكثر حضوراً في ذاكرة التاريخ الحديث، بعدما أعلن المربي والمؤرخ الفرنسي البارون بيار دو كوبرتان عن انشاء اللجنة الأولمبية الدولية. واختار عيد الثورة الفرنسية أي يوم 14 تموز (يوليو) 1900، كي يطلق تلك التظاهرة الرياضية في باريس، ويعلن عن تأسيس أول لجنة أولمبية عالمية.

وكان من الطبيعي أن تهتم اللجنة بوضع المواصفات والمعايير المنظمة لشروط المنافسة بين الأندية. وعلى هذا نشأ مفهوم حديث عن الرياضة، مقتبس من روح العصر. وقد مهدت لقاءات الأندية إلى التقيد بقواعد اللعبة وقيمها الأخلاقية، خصوصاً بعد تطور وسائل النقل والمواصلات وتبلور وسائل الإعلام عبر الصحف والفضائيات.

واختار الكاتب البريطاني ديفيد لارج دورة 1936 في برلين ليؤلف عنها كتابه الشهير بعنوان ألعاب نازية. وركز في كتابه على الطريقة التي استغلها هتلر لإظهار عناصر التفوق التي ميزت العنصر الجرماني بحيث انقلب الاستعراض الرياضي إلى عرض عسكري. وذكر ما قاله وزير الدعاية غوبلز في حفلة الافتتاح: أن هذا اليوم العظيم يمثل صورة النصر للمسألة الألمانية.

ومثلما أثارت مسيرة الشعلة الأولمبية متاعب عدة عبر البلدان التي مرت بها قبل أن تستقر في بكين، هكذا أثارت الشعلة اضطرابات أمنية سنة 1936 قبل ايصالها إلى برلين. والمعروف أن ادولف هتلر هو الذي أحيا فكرة الشعلة الاغريقية التي حملها العداءون من اليونان ثم بلغاريا ثم يوغوسلافيا ثم هنغاريا. ولما بلغت مسيرة الشعلة فيينا، اندلعت حوادث عنف أوقعت اصابات كثيرة بين الشرطة والمشاغبين. وشن الألمان في حينه حملة إعلامية اتهمت اليهود الماركسيين بمسؤولية إثارة الاعتراض. والطريف أن الولايات المتحدة اختارت يهوديتين من اصل الماني (هيلين ماير وغريتل برغمان) كي تمثلا البلاد في برلين. وخشي هتلر من منعهما من الاشتراك خوفاً من مقاطعة الدول الأخرى.

وقبل أسبوع من إعلان افتتاح دورة بكين، أجرى الرئيس الصيني هو جنتاو لقاءات مع عشرين وسيلة إعلامية في قصر الشعب. وفي حديثه دعا الرئيس إلى عدم تسييس الألعاب الأولمبية، معتبراً أن ذلك يخالف روح الدورة الرياضية. وقال إن الشعوب الأخرى تملك وجهات نظر معارضة لمفاهيمنا وقيمنا، ولكن قواعد الألعاب تمنع التسييس لأن ذلك مخالف للروح الأولمبية وللتطلعات التي تتقاسمها شعوب العالم.

وكان الرئيس الصيني بهذه التلميحات يشير الى المتاعب التي واجهتها مسيرة الشعلة الأولمبية وهي في طريقها الى بكين. فقد تعرضت لحملات قاسية في الإعلام الغربي، ركزت على حقوق الاقليات واقليم التيبت ومشكلة التلوث وحقوق الانسان. وانضم الى هذه الجوقة المخرج الأميركي ستيفن سبيلبرغ الذي اختارته لجنة التنظيم مستشاراً فنياً، فقدم استقالته بحجة أن الصين شريكة في مجازر دارفور. كيف؟

لأن الصين قدمت عشرة بلايين دولاراً كمساعدة لإعانة السودان على تخطي أزمته الاقتصادية، لذلك اعتبرها سبيلبرغ شريكة في احداث اقليم دارفور. وبحسب المطالب التي سجلتها لجنة التنظيم، فإن نصف عدد الصحافيين الذين وصلوا الى الصين تسللوا الى مواقع يحظر الدخول اليها لأسباب غير معلنة. ومعنى هذا أن هناك 15 ألف مراسل ومصور تلفزيوني توزعوا على الشوارع والمصانع، متجاهلين الألعاب واللاعبين الذين يزيد عددهم على 16 ألف رياضي ومدرب.

من جانبها الحكومة الصينية تتهم الاستخبارات المركزية الأميركية بالتخطيط لافتعال التظاهرات التي جرت خارج حدود التيبت. كما تتهم الزعيم الروحي الدالاي لاما، بتمويل جماعته في حركة تحرير التيبت. وتدعي ايضاً أن هذه الاستخبارات تمول الاذاعة المشبوهة المعروفة بـ: راديو آسيا الحرة. وحجتها أن المستفيد الأكبر من اندلاع العنف وانتشار الفوضى هو واشنطن. ذلك أن الاستخبارات المركزية الأميركية شنت سنة 1965 حملة واسعة ضد الشيوعيين الصينيين في التيبت، انتهت بسقوط مئات الضحايا وهرب الدالاي لاما مع مئة ألف مواطن.

وعبر هؤلاء جبال الهمالايا الى الهند ونيبال. وأنشأت الاستخبارات معسكر تدريب لأنصار الزعيم الروحي في ولاية كولورادو الأميركية، وبقي هذا المعسكر ناشطاً الى حين إعلان وقف العمليات رسمياً سنة 1974. وترى واشنطن أن الصين تهدد نفوذها الاقتصادي والعسكري والسياسي في آسيا وافريقيا ودول اميركا اللاتينية. وهي تتهمها بالاحجام عن التعاون في الحرب ضد الإرهاب، وفي تمرير الأسلحة من غرب البلاد الى افغانستان ودول آسيا الوسطى. واستناداً الى هذه الخلفية، ترى بكين أن الحملات الإعلامية التي تتعرض لها عبر تغطية الألعاب الأولمبية، ليست أكثر من فرصة سانحة لتشويه سمعة أكبر دولة في العالم.

وقبل شهر تقريباً، أعلنت السلطات الصينية ضبط خليتين إرهابيتين من تركستان الشرقية، واحتجاز 45 مشبوهاً، ادعت أنهم كانوا يخططون لشن هجمات على فنادق السياح في بكين وشنغهاي. وذكرت ايضاً أن رجال الأمن احبطوا محاولة لتفجير طائرة ركاب وهي في طريقها الى بكين. كذلك اعتقلوا بضعة انفصاليين كانوا يخططون لشن هجوم على الألعاب الأولمبية، تماماً مثلما فعل الفلسطينيون في ميونيخ.

حقوق الإنسان بين السياسة الدولية وخداع الرؤساء

تحت حكم الحكومات الشمولية، فإن كل شيء داخل البلاد يعتبر سياسيا، بداية من الرياضة والثقافة ووصولاً إلى الأعمال. ويتعين على الرئيس بوش والعديد من زعماء العالم الذين سيحضرون مراسم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في بكين التوقف عن التظاهر بغير ذلك، خاصة بالنسبة للشعب الصيني.

وطبقًا لما أوردته صحيفة بيبولز ديلي، الصادرة في بكين، فقد صرح الرئيس بوش إلى الصحافيين الآسيويين قائلاً: لقد اتخذت قرارا بعدم تسييس الألعاب، فهي للرياضيين.

وسيحضر بوش والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء الأسترالي كيفين رود بصفتهم ساسة حاكمين، وليس بصفتهم رياضيين يلعبون الرماية أو دفع الجلة أو رياضيين يمارسون رياضة الوثب. إن احتجاجاتهم بشأن رفض الخلط بين السياسة والرياضة في هذه المناسبة ما هي إلا ممارسات لإخفاء هوياتهم. بحسب واشنطن بوست.

فبدلاً من ذلك، يتعين عليهم أن يقوموا بتسليط دائرة الضوء على سجل حقوق الإنسان الخاص بالصين ووعودها الدائمة بإتاحة المزيد من الحريات الشخصية خلال فترة الألعاب الأولمبية، وهي الوعود التي سرعان ما تلاشت بعد أن استغلت قوات الأمن الألعاب الأولمبية للزج بالمنشقين داخل السجون وإبعادهم عن وسائل الإعلام العالمية.

ولكن كما كتبت الأسبوع الماضي من العاصمة الصينية بكين، فإن هذه الألعاب كلها من أجل السياسة ـ أو السياسة الصينية. فالحكومة الصينية تريد جلب العالم كله أمام المضمار الصيني، وليس أن تظهر هي نفسها إلى العالم. فاللجنة المركزية الحاكمة تريد أن تظهر للشعب كفاءتها على إدارة حدث ذائع الصيت مثل هذه الدورة، فضلاً عن القبول العالمي الذي نالته على مدار 19 عاما منذ مظاهرات ساحة تيانانمن عندما حولت الصين إلى دولة منبوذة.

ولقد تسلم كل من الرئيسين بوش وساركوزي قائمة بأسماء السجناء السياسيين البارزين الذين يطلبون منهما إثارة هذه القضية مباشرة مع الرئيس الصيني، هو جنتاو، في بكين بالإضافة إلى الإعلام الصيني. وفي حقيقة الأمر، فإن قيامهما بهذا سيبرر قرارهما بالذهاب إلى بكين.

وقد اتخذ الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي خطوة مبدئية بشأن هذا الهدف، وذلك لدى استقباله وترحيبه بمجموعة ـ رغم أنها صغيرة إلا أنها ذات أهمية رمزية ـ من المنشقين السياسيين بالبيت الأبيض. وتضم هذه المجموعة وي جنغ شنغ، أحد رواد الحركة المؤيدة للديمقراطية، وهاري ووه، الذي نشر عن نظام السجون بالصين، بالإضافة إلى ممثلين من الحركة المسيحية السرية المحظورة في البلاد، وأقلية اليوغور، والمجتمع المناصر لقضية التيبت في المنفى.

ومن وجهة النظر الصينية فإن مثل هذا الأمر يعتبر مثيرا للدهشة، شأنه شأن تلويحه باستقبال بن لادن والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ورئيس الوزراء الفلسطيني لحماس إسماعيل هنية في مجمع زهونجنانهاي بالعاصمة بكين قبل زيارته إلى واشنطن. وفي الوقت الذي لقي فيه اجتماع بوش مع المنشقين الصينيين في البيت الأبيض القليل من الملاحظة داخليا، قدحت هذه الزيارة زناد الانتقادات والهجوم الإعلامي المكثف من الجانب الصيني.

ولم يثن البيت الأبيض ضيوف الرئيس بوش عن تبادل وتداول الوقائع الكاملة لزياراتهم له عبر البريد الإلكتروني، والتي تضمنت نصوص مقتطفات كاملة من تصريحات الرئيس التي يعد فيها بإثارة قضية حقوق الإنسان مع الرئيس الصيني خلال زيارته له وجها لوجه.

لقد كانت هذه الخطوة محسوبة تماما من قبل واشنطن ولم تصدر عن غير قصد، ولا تتعارض مع تلك الزيارة المشابهة التي قام بها مجموعة من النشطاء المسيحيين منذ عامين ماضيين، وحينها قدموا لي ملاحظاتهم حول إحدى مقالاتي الصحافية عن هذه الزيارة بعد انتهاء مقابلتهم على الفور.

وقد دعا النشطاء في ذلك الوقت الرئيس بوش للصلاة مع الجماعة المسيحية «السرية» ـ والذين التقاهم بصورة خاصة ـ دون تصريح رسمي ـ خلال رحلته إلى الصين، وبدا أن الرئيس قد وافق على الفكرة. ويتعين عليه أن يفي بهذا الأمر، كجزء من جهد دولي موسع للتأثير على مضيفيه الرسميين بشأن أهمية حرية الدين والتعبير وإمكانية الوصول إلى المعلومات.

وقد أصدرت منظمة العفو الدولية ـ التي كانت قد قدرت أن هناك نصف مليون شخص محتجزين في السجون الصينية من دون توجيه اتهامات ـ الأسبوع الماضي تقريرا تتهم فيه الحكومة الصينية باستخدام دورة الألعاب الأولمبية كذريعة لـ «تكثيف» ممارسات القمع السياسي.

بكين بين الرياضة الجميلة والتساؤلات الصعبة

أعطى حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في بكين الانطلاقة الرسمية لهذه التظاهرة الرياضية الصيفية الضخمة. وفي خلفية الحدث يتواصل النقاش حول قضايا حقوق الإنسان والأمن والتلوث والمُنشطات.

وتزامن يوم الافتتاح مع تنظيم تظاهرات عديدة في سويسرا من قبل جمعيات مُدافعة عن حقوق الإنسان، خاصة أمام المتحف الأولمبي في لوزان حيث ستُنظم أمسية من قبل نشطاء مناصرين للتـّبت وميانمار.

منذ أن منحت اللجنة الأولمبية الدولية لبكين يوم 13 يوليو 2001 في موسكو تنظيم الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2008 والعاصمة الصينية تعيش أجواء محمومة وتبذل كل ما في وسعها للظهور للعالم بوجه حسن، أو حتى إبهاره بعظمة الصين.. ليس فقط من خلال الفوز بالميداليات. بحسب موقع سويس انفو.

ولئن كانت الألعاب الأولمبية تعني بوضوح: الرياضة والأداء والإنجازات، فإنها تكتسي أهمية سياسية في المقام الأول بالنسبة للصين. ومنذ وصول الشـُّعلة الأولمبية إلى شوارع العاصمة بكين في رحلة أخيرة تتواصل ثلاثة أيام، ازدادت حـِدّة التعبير عن حُب الوطن بين أبناء إمبراطورية الوسط.

وتُعتبر الأولمبياد فرصة فريدة بالنسبة للصين كي تظهر للعالم في ألمع صورة وأبهى حُلـّة بإتقانها لدور المُضيف وبإسكات الانتقادات وإقناع الجميع بالحداثة والقوة اللتين تتمتع بهما اليوم.

وقد خضعت مدينة بكين، من أجل استقبال الألعاب الأولمبية، لـ"عملية تجميل" واسعة النطاق، وكثيرا ما أجرِيت التغييرات على حساب التراث العتيق. ورغبة منها في عرض قوتها الجديدة وفي إظهار عاصمة خالية من العيوب، استفادت السلطات من تنظيم الألعاب، ليس فقط لتشييد ملاعب رياضية، بل لتسريع إعادة هيكلة المدينة بأكلمها. فبالإضافة إلى البنايات والطرق والجسور الجديدة، تم تدشين شبكة جديدة لقطارات الأنفاق.

كما قامت بـكين بإجلاء مُتسوليها ومُعوقيها ومُهمَّشيها بعيدا عن الأنظار خلال فترة انعقاد الألعاب.

ومن بين الإجراءات الأخرى التي اتخذتها بكين بهذه المناسبة: تناوب حركة المرور ووقفُ تشغيل المصانع، بما أن العاصمة الصينية هي إحدى أكثر المدن تلوثا في العالم، وتضم ما لا يقل عن 3,3 مليون وسيلة نقل و1000 وحدة جديدة كل يوم (لساكنة يناهز عددها 15 مليون نسمة).

وتهدف هذه التدابير إلى تنقية الهواء شيئا ما وجعله قابلا للتنفس من جديد رغم الحرارة الخانقة. لكن بكين كانت لا تزال عشية حفل افتتاح الألعاب الأولمبية غارقة في ضباب كثيف.

وعلى الصعيد الأمني، تم نشر عشرات الآلاف من الجنود ورجال الشرطة و"المتطوعين" في شوارع العاصمة، في تحرُّك يعكس نية السلطات في السّيطرة التامة على الوضع، وأيضا مخاوفها إثر الهجوم الذي قّتل 16 شرطيا في مقاطعة شينجيانغ قبل بضعة أيام، والذي نُسب إلى انفصاليين إسلاميين في منطقة الأويغور.

وتم أيضا إشعار سكان بكين والسياح على حد سواء بدوريات المراقبة المُكثفة التي سيخضعون لها خلال الفترة الأولمبية.

وتريد السلطات الصينية تجنب أي إزعاج أو هجوم إرهابي أو دعاية سيئة. ويُذكر أن المراحل الدولية التي قطعتها الشعلة الأولمبية قد اتسمت بالعديد من المظاهرات التي نظمها نشطاء مُنتقدون "للسياسة الصينية في التبت، وكذا موقفها من أزمة إقليم دارفور (غرب السودان) المُتفهم لسياسة حكومة الخرطوم، والذي يُراعي مصالح بكين النفطية في السودان.

وعلى المُستوى الرسمي، يبدو أن الأمور تسير على ما يُرام بما أن معظم زعماء العالم يتواجدون بعد في العاصمة الصينية. وقد أوضح رئيس الكنفدرالية السويسري باسكال كوشبان في تصريحات لسويس انفو لدى زيارته إلى فيتنام (قبل التوجه إلى بكين) بأنه: لا يجب وضع الصين على كرسي الاتهام ولا مُحاولة وضعها تحت الوصاية لأن ذلك سيؤدي إلى حوار الطرشان.

من جهة أخرى، نظم مؤخرا بعض أبناء بكين الغاضبين مظاهرة بالقرب من ساحة تيانانمين الشهيرة (التي سحقت فيها قوات الأمن احتجاجات الطلبة الصينيين عام 1989)، مما دفع سلطات بكين إلى تقنين الوصول إلى الساحة بالنسبة لوسائل الإعلام الأجنبية. كما لا تزال العديد من المواقع الإلكترونية على الإنترنت محجوبة.

فهل ستنجح بداية المنافسات الرياضية، من جانبها، في حجب مناطق الظل المختلفة هاته؟ ربما هذا أمر ممكن ... لكنه غير أكيد، لا سيّما وأن شبح المنشطات قد يحوم حول أداء بعض الرياضيين.

فحتى قبل انطلاق الألعاب، شهدت الفدرالية الروسية سلسلة من فضائح تناول المُنشطات مرتبطة بلاعبين يتوفرون على حظوظ حقيقية للحصول على ميداليات في بكين. كما تم توقيف سبع رياضيات من قبل الفدرالية الدولية لألعاب القوى، في حين سُحب الدراج الروسي فلاديمير غوسيف من مُنتخبه من قبل فدراليته.

أما في البرازيل، فقد حُرم لاعب كرة اليد جاكسون كوجوروسكي من التحول إلى بكين على إثر خضوعه لتحليل المُنشطات.

وتزامن حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في بكين مع تنظيم تظاهرات عديدة في سويسرا من قبل جمعيات مُدافعة عن حقوق الإنسان.

ففي لوزان، أقام مناضلون مناصرون للتـّبت وميانمار أمسية أمام المتحف الأولمبي. ووقف في يوم الإفتتاح متعاطفون مع أهل التبت وميانمار دقيقة صمت تكريما لذاكرة ضحايا القمع. وفي برنامج الأمسية أيضا: خطاب لنائب حزب الخضر السويسري في مجلس الشيوخ الفدرالي لوك روكوردون، وشهادات لرعايا من التبت وميانمار، وحفلات موسيقية سيشارك فيها المُغني كا (K).

ويهدف هذا التحرك، من وجهة نظر المُنظمين، إلى إدانة الحكومة الصينية التي يعتبرونها مسؤولة عن أو متواطئة مع انتهاكات حقوق الإنسان في التبت وميانمار. ويكتسي تاريخ 8 أغسطس 2008 أهمية خاصة بالنسبة لأبناء ميانمار (برمانيا سابقا) بما أنه يخلد الذكرى العشرين للثورة التي تم قمعها في حمام دم، مثلما تذكر لورانس فيلمان ريِيّيل، رئيسة جمعية سويسرا، برمانيا.

وعلى بُعد بضعة أمتار من مكان هذه التظاهرة، بـثّ المتحف الأولمبي حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في العاصمة بكين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد   10/تموز/2008 - 8/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م