كنت يوم فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية كتبت مقالة
عنوانها " حل السلطة هو الحل ... حاصر حصارك لا مفر ...". وقدمت
يومها رؤيتي للمستقبل، وللذي ينتظر حماس في السلطة. وتمنيت على
حماس ألا تدخل تلك الدوامة ، وأن تقوم بحل السلطة، وتسليم مقاليد
الحكم للشعب الفلسطيني عبر فصائله وقواه وممثليه الوطنيين،
المستقلين، المحترمين. للأسف الشديد فأن حماس اعتبرت نصرها خطوة
اساسية نحو استلام السلطة والحكم، ولا يمكن التفريط به، وجعلته
مناسبة للتشبث والتمسك بالحكم والبحث عن مكان أقوى يعزز هيمنتها
وسطوتها على السلطة. هذا الكلام اثبته الأيام والأشهر التي مرت منذ
انتخابها واستلامها للسلطة.
فمنذ اليوم الأول لاستلامها السلطة تم حصارها، بالرغم من أنها
حكومة شرعية ومنتخبة، وممثلة للشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع.
رغم ذلك قام العالم عرباً وأجانب وصهاينة ومتصهينين ومـتأمركين
ومتأوسلين محليين بحصارها ومقاطعتها بغية القضاء عليها. فكانت ردة
فعل حماس عكسية. بينتها بالتمسك القوي بمقاليد الحكم مما برهن على
أن هناك توجه ونزعة لدى حماس لاستلام الحكم مهما كان الثمن مكلفاً
وباهضاً.
وكأن هذا الثمن ليس على حساب سمعة وشهداء وتضحيات مقاومة حماس،
التي قدمت قادتها وكوادرها ومقاوميها شهداء على مذبح تحرير فلسطين
وهزيمة مشروع أوسلو، لا لأجل سلطة نابعة من اساسها من أسس أوسلو.
وبرهنت حماس على جديتها في ذلك يوم حسمت عسكرياً وببحر دماء الوضع
في غزة وقضت على سلطة عباس ودحلان وهيمنة فتح في القطاع. معتبرة
انها استبقت حسماً مشابهاً كانن معداً وجاهزاً ضمن خطة دايتون.
كنت في الأشهر الأولى من استلام حماس للسلطة وتأليفها أول حكومة
التقيت بأحد وزراءها ، والذي زار أوسلو بدعوة من الجالية
الفلسطينية في النرويج. وخلال احاديثنا قلت له بكل وضوح: إذا أردتم
أن تلتقوا بالاوروبيين يجب عليكم تقديم طروحات يقبلها هؤلاء... غير
ذلك فأنتم محاصرون ولن يلتقوا بكم". هذا الكلام معناه أنه كان
ولازال من غير المجدي جمع المقاومة والحكومة معاً. ومن غير
العقلاني ولا المنطقي كذلك اعادة الحكومة والسلطة لجماعة الاستسلام
والفساد. إذا ما هو الحل؟
لم أستطع لغاية اليوم فهم توجه حماس في السلطة والحكم الذي
ورثته عن مجموعة من الفاسدين والمهزومين والمستسلمين والتجار
والمستوزرين والمستفدين من عملية السلام، التي بيعت بموجبها حقوق
الشعب الفلسطيني. ولا يمكنني أن أفهم أي توجه لاستلام السلطة
والتمسك بها فقط لأجل منع الآخر من العودة لمقاليدها. ولا يمكنني
أن استوعب أي توجه عسكري وأمني لحل الخلافات كما حصل في غزة صيف
العام الماضي وكما يحصل فيها منذ أول أمس حيث تجري حماس حملة
اعتقالات واقفال مؤسسات مرفوضة ومدانة. كما هي مدانة عملية التفجير
الحقيرة والجبانة التي استهدفت خمسة من كوادر القسام. هل نسيت حماس
كيف كان الأمن الوطني الفلسطيني والأمن الوقائي والمخابرات وكل
أصناف الأجهزة التي اخترعتها مدرسة الفساد في فلسطين، كيف كانوا
يشنون حملات الاعتقال على قيادات وكوادر واعضاء الحركة؟
وهل نسيت حماس كيف كان شعبها بغالبيته يقف معها ضد الفاسدين
والمتأوسلين والوقائيين والمخابراتيين؟
وهل يمكن للمقاومين الذين استطاعوا طرد الاحتلال من غزة وتحرير
القطاع أن يتحولوا لأشباه للوقائيين والمخابراتيين من مدرسة
الفساد. يبدو أننا أمام مأساة تحول دراماتيكي اصبح فيها المقاوم
رجل شرطة والمجاهد جندي سلطة، ينفذان أوامر الاعتقال والاذلال
للناس، مع أن امهاتهم ولدتهم أحرارا.
لا يمكن تبرير حملات الاعتقال التي تقوم بها شرطة حكومة حماس في
غزة ، تماماً ينطبق هذا الأمر على سلطة المهزومين والمستسلمين في
رام الله. فكلاهما يقوم بالاعتقال والاذلال والتعدي على حرية
الافراد والمؤسسات والجمعيات ، كل في مناطق نفوذه. وكلاهما على ما
يبدو أدار ظهره للحوار الوطني وللوحدة الوطنية وللشعب الذي جاء
بهما الى مقاليد الحكم. وأكبر دليل على ذلك مزاجية محمود عباس
ومقاييسه الخاطئة خلال زيارته الأخيرة لدمشق ولقاءاته التي استثنى
منها حماس. مع انها أكبر فصيل فلسطيني معارض له. يا سادة من يبحث
عن الوحدة الوطنية (مع أنها مع عباس غير واردة ومع هيك فصائل غير
ممكنة) يجب أن يلتقي بالجميع ولا يفرق.
هنا ومن أجل اللانصاف التاريخي يجب ان لا نضع حماس في نفس سلة
فياض وعباس. فحماس ارتكبت ومازالت ترتكب الأخطاء، لكن الطرف الآخر
أرتكب جرائم وخيانات ومازال يفعل ذلك.غير آبه بفلسطين وقضيتها
وشعبها وتضحياته، متناسياً أن الانتفاضة الثانية، انتفاضة الأقصى
والاستقلال قامت ضده أولاً ومن ثم ضد الاحتلال. ومتجاهلاً كذلك أنه
لا يمثل سوى شريحة صغيرة من الشعب الفلسطيني، وأنه يغتصب منظمة
التحرير الفلسطينية ويجعلها شماعة لتعليق كل العوائق عليها ووضعها
في درب الحوار والوحدة والتفاهم واعادة البناء وتحديد برنامج
وتوجهات العمل الوطني الفلسطيني في المرحلتين الحالية والقادمة.
الشعب الفلسطيني عالق للأسف بين نهجين اتجها به نحو الهاوية
الاقتصادية والسياسية والأمنية. الأول نهج محمود عباس المرتهن
تماماً لأعداء القضية. وثانياً نهج حماس الذي أدار الظهر للمقاومة
وأصبح همه الأساسي الحفاظ على كرسي الحكم وايجاد موطئ قدم له في
المفاوضات هنا وهناك. لذا نقول للأخوة في حماس عليكم حل هذه السلطة
أو الدعوة لاجراء استفتاء شعبي حول حل السلطة. فلا يوجد مبرر
لوجودها لأن أضرارها على خيار ونهج المقاومة أكثر من فوائدها
بكثير. وأنتم مطالبون بتوضيح موقفكم من الحكومة والمقاومة. لأنه
يبدو أن الجمع بينهما أمر صعب وعسير.حيث لا يمكن جمع التفاوض
والمقاومة في آن واحد على الأقل في هذه المرحلة. فاستعادة سريعة
لسنتين من حكمكم وجردة حساب أسرع ستوضح للحريصين على نهج المقاومة
كم كانت المسؤولية صعبة. وكم كان مكلفاً استلامكم مقاليد السلطة
ووراثته عن مدرسة فاسدة أفسدت كل ما هو جميل ونقي في فلسطين. |