تحالفات جديدة وعدو عدوي صديقي!

بقلم رياض الحسيني

بعد جلسة التصويت على قانون انتخابات مجالس المحافظات والذي صادق عليه مجلس النواب وبالاغلبية وارسل الى هيئة الرئاسة للمصادقة عليه والتي رفضته الاخيرة في سابقة تعد خطيرة بكل المقاييس نظرا لتعارضها مع ابسط معايير الديمقراطية فقد اتضح بما لايقبل الشك اننا مقبلون على تحالفات جديدة واصطفافات اوضح من السابق.

 ربما ينظر البعض منا الى هذا الحدث على انه بداية صراع جديد ولكن الحقيقة وللمتابع الحفيص والقارئ الجيد يجد ان الاصطفافات الجديدة او لنقل التحالفات قد تجاوزت القومية الواحدة والطائفة الواحدة والحزب الواحد وهو مايبشر بنقلة نوعية وبادرة طيبة لبناء العراق الجديد وفق اساس المواطنة العراقية. 

كنا في السابق لانسمع الا صوتا واحدا ولانشهد الا موقفا واحدا سواء من تلك الطائفة او من ذاك الحزب. واذا كنا ننظر الى قائمة الائتلاف العراقي صاحبة الاصوات الـ 128 على انها اضخم كتلة برلمانية فهي اليوم لاتتجاوز فصيلين رئيسيين هما المجلس الاعلى والدعوة جناج رئيس الوزراء نوري المالكي وذلك بعد خروج الدعوة تنظيم العراق والتيار الصدري وحزب الفضيلة منها وجناح الدكتور ابراهيم الجعفري وبعض المستقلين.

كذلك الحال في جبهة التوافق العراقية فبعد خروج شخصيات مؤثرة وفاعلة لم تنتهي عند خروج عز الدين الدولة او حسين الفلوجي او ملاحظات وتصريحات الشيخ خلف العليان رئيس مجلس الحوار الوطني فهي لاتتعدى اليوم الحزب الاسلامي وجماعة الدكتور عدنان الدليمي المرشحة للتفكك هي الاخرى. الكتلة الوحيدة التي حافظت على تماسكها هي القائمة الكردية وطبعا لظروف لاداعي لتكرارها هي السبب في بقاؤها بهذا الشكل خصوصا وان الحزبين الكرديين الوحيدين هما الحكومة في اقليم كردستان وهما الاحزاب وهما البرلمان وكل شئ تابع لهما فليس بتلك السهولة بمكان انفراط عقد قائمتهما واذا ماحصل وحاول احد اعضائهما الخروج فيمكن استبداله بلمح البصر من دون ان يؤثر ذلك على الطريقة او الكيفية او المسار وهو مايعلمه الجميع!

حدث الثلاثاء كان التظاهرة البرلمانية الاضخم منذ تشكيل البرلمان العراقي بتشكيلته الحالية في كانون الاول 2005 وهو حدث اكبر من تصويت على قانون او اختلاف في وجهات نظر فهو حتما اكبر من ذلك بكثير وللمتابع ان يقرأ مابين السطور! الحدث يترجم التحالفات الجديدة التي جرى الترويج لها حتى من قبل جلسة التصويت هذه بزمن واذا كان للخلافات الادارية والسياسية اساسا بين تشتت مكونات الائتلاف العراقي فان مايشبهها كان بين مكونات جبهة التوافق وكذلك الامر بين افراد الحزب الواحد مثلما حصل بين جناحي الدكتور ابراهيم الجعفري ورئيس الوزراء نوري المالكي في حزب الدعوة الاسلامية. وللحدث الاضخم قراءتان:

الاولى، الديمقراطية التوافقية التي بنيت على اساسها الكثير من القرارات والتشريعات باتت لاتلبي طموح بل ولاتاخذ بعين الاعتبار مشاريع وتطلعات وبرامج من هم خارج السلطة واذا ما استمر الوضع على هذه الشاكلة فذلك يعني خسارة طرف باستمرار وربح الطرف الاخر باستمرار ونتيجة لذلك فلابد ان يتحرك الخاسر باتجاه انتزاع مايمكن انتزاعه خصوصا وان الرابح لم يعد يشكل الاغلبية لا في الحكومة ولا في البرلمان ولا حتى على المستوى الشعبي! لذلك تجمع كل الخاسرون من تفرقهم وتشتتهم تحت مظلة واحدة تعيد لهم وزنا وثقلا وبالتالي سحب البساط من تحت اقدام الاقلية لصالح الاغلبية المشتتة.

البعض صار يتندّر مثلا على كيفية استمرار السيد نوري المالكي في منصب رئيس الوزراء وهو اليوم لايملك اكثر من عشرة مقاع! د في احسن الظروف وذلك على اثر خروج الدكتور ابراهيم الجعفري وتشكيله التيار الوطني للاصلاح وهو الحدث الذي شطر حزب الدعوة الاسلامية للمرة السادسة؟! لذلك رأى هؤلاء ان استمرار لغة التوافق تعني ترسيخ الهيمنة والتسلط لطرف والعجز والتشتت والحرمان للطرف الاخر فكان لابد من التحرك.

اما القراءة الثانية فهي ان التحالفات على الخارطة السياسية العراقية قد تغيرت وهو مايجعل من تغيير القراءات حتما وضرورة ويمكن ان نقول ان السياسيين العراقيين اليوم قد نضجوا اكثر من ذي قبل وان كان البعض الاخر لايرى في التحالفات الجديدة الا انها لاتخرج عن قاعدة "عدو عدوي صديقي" وهو ما لانميل اليه مطلقا لاسباب موضوعية وتداعيات كان سببها الاساس هو هيمنة الاحزاب الحاكمة على كل مقدرات الدولة حتى ضاعت هوية الدولة وأنشأت بدلا عنها الهوية الحزبية والهوية الطائفية والهوية القومية! بيد ان دعوات نبذ الطائفية والحد من هيمنة الاحزاب على كل مفاصل الدولة والحكومة والبرلمان واختزال الدولة والحكم في حفنة من الاحزاب له مضار وكوارث تنبّه لها كل العراقيين من مختلف الاطياف والمستويات.! لذلك صار مطلب الرأي العام الشعبي والنقابي ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية من مختلف الطوائف هو الاحتكام الى العقل والرجوع الى منطق المواطنة العراقية الصالحة والابتعاد عن الشعارات الطائفية والقومية خصوصا وان الوضع العام بعد مضي اكثر من خمس سنوات يتدهور وحال الخدمات من سئ الى اسوأ.  

التحالفات الجديدة والتي استهلها البرلمانيون المتحالفون باعداد فاقت النصف مؤشّر على صحوة السياسيين ونضوجهم وعودتهم الى الصف الوطني خصوصا وانها لاتختص بطائفة بعينها او حزب بذاته او قومية واحدة. التحالفات الجديدة وقف فيها الاسلامي مع العلماني والشيعي مع السني والعربي مع التركماني والكردي وهو ماكنا نتمنى ان نراه منذ اليوم الاول من التغيير وان جاء متأخرا فهو لازال في عين الشعب العراقي عودة حميدة تستحق الثناء والمديح. لكن هذا التفاؤل يشوبه بعض الحذر والخوف وذلك لان اصرار كل طرف على مطالبه يعني حل البرلمان واسقاط الحكومة والعودة الى المربع الاول وهو ما لانتمناه خصوصا وان الطرف المهاجم يملك اليوم اكثر من نصف مقاعد البرلمان وهو مافاجأ وأثار حفيظة الاحزاب الحاكمة!!

* كاتب وناشط سياسي عراقي مستقل

www.alhusaini.bravehost.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء  5/تموز/2008 - 3/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م