التوجه التحويلي للمنازعات

الباحث الاجتماعي/ عبد الكريم العامري

شبكة النبأ: المشكلة والوساطة، كيف يتم التعامل مع هذين العنصرين، بكونهما عنصرين تكميليين لبعضهما الآخر، ولايمكن الفصل بينهما، فتحى تضيق مساحة المشكلة، يجب ان تتوسع قاعدة الوساطة، وحتى يتم ردم الخطأ، تنشط الوساطة بإتجاه التقوييم.

تحويل النظر الى المشكلة

ومن أجل انشاء نهج مختلف لممارسة الوساطة في حل المشكلات، علينا ان نبدأ بالأساس الذي تقوم عليه الممارسة، ونعيد النظر في رؤيتنا لكل من النزاع والموقف النموذجي الذي ينبغي ان يؤخذ منه ويبدأ اعادة التفكير في نهج حل المشكلات بالتساؤل عن سلامة الفرضية القائلة:

1- بضرورة النظر الى المنازعات على انها مشكلات في المقام الاول.

2- فرضية اخرى تفترض انه يمكن النظر الى المنازعات لا كمشكلات، بل كفرص  للنمو المعنوي، والتحول.

وهذه النظرة المختلفة الاخيرة تعتبر هي التوجه (التحويلي) للمنازعات. وفي هذا التوجه الحويلي يعتبر النزاع: فرصة ممكنة للنمو ببعدين حاسمين ومترابطين في الاخلاقيات البشرية.

البعد الاول- يتعلق بتقوية الذات ويحدث من خلال ادراك وتعزيز قدرة المرء الكامنة على التعامل مع الصعوبات بمختلف اشكالها عن طريق التفكير  الواعي في الاختيار والتصرف.

البعد الثاني- يتعلق بالسعي الى تجاوز الذات والاتصال بالاخرين. ويحدث عن طريق ادراك وتعزيز القدرة البشرية الكامنة على ممارسة الاهتمام والتعبير عنه بالنسبة للاخرين، وخاصة اذا كان الاخرون في وضع (يختلف) عن وضع المرء نفسه.

يرى المفكرون الاخلاقيون ان التنمية الاخلاقية الكاملة تتطلب استكمال الكيان الفردي والاهتمام بالاخرين، واستكمال القوة والرحمة. ولذا فان اخراج كل من هاتين القدرتين الكامنتين معا هو جوهر النضج الاخلاقي البشري. وترى وجهة النظر التحويلية ان المنازعات فرصة لتنمية وممارسة كل هاتين القدرتين,وبالتالي التحرل نحو الطور الاخلاقي الكامل.

فرصة لقاء المتنازعين

كل نزاع يواجه كلا من الطرفين بنوع من التحدي او بصعوبة او مشقة لابد من التعامل معها. وهذا التحدي يتيح  للطرفين الفرصة ان يوضحا لنفسيهما احتياجاتهما وقيمها، وما يدفعهما الى السخط والرضا. ويتيح لهما ايضا فرصة اكتشاف وتقوية مواردهما وقدرتهما على مواجهة المشاغل الموضوعية وقضايا الاتصال. ان النزاع يتيح للاشخاص فرصة:

1- تنمية وممارسة كل من تقرير المصير.

2- الاعتماد على النفس.

3- مواجهة الاطراف المتنازعة وملاحظة الاختلافات والاتفاقات.

4- المواجهة تؤدي الى الاعتراف بنظرته الى الاخرين.

5- تتيح للفرد الفرصة للشعور والتعبير عن درجة التفاهم والاهتمام بالاخر، بالرغم من التنوع والاختلافات.

6- يتيح النزاع للاشخاص الفرصة لتطوير وممارسة الاحترام والاهتمام بالاخرين.

ليس الهدف حل المشكلة؟

ان المنازعات تنطوي على فرص ثمينة لكل من بعدي النمو المعنوي. وربما كان ذلك بدرجة اكبر من معظم الخبرات البشرية الاخرى. وربما كان هذا هو السبب في ان لدى الصينيين تراثا لاستخدام شخصيتين متطابقتين للتعبير عن الازمة والفرصة.

وفي التوجه التحويلي، ليس رد الفعل المثالي للنزاع هو حل (المشكلة) بل هو المساعدة على تحويل الافراد المعنيين في كل من بعدي النمو المعنوي، والاستجابة المفيدة للمنازعات تعني الاستعانة بما تطرحه من فرص لتغيير الطرفين وتحويلهما باعتبارهما كائنين بشريين وهي تعني تشجيع الطرفين ومساعدتهما على استخدام النزاع لتحقيق وتثبيت القدرة الكامنة على كل من تقوية الذات والارتباط بالاخرين. وتعني ابراز القيمة الكامنة لدى كل طرف باعتباره فردا من البشر. فاذا تحقق ذلك فان رد الفعل ازاء النزاع ذاته يساعد على تحويل الافراد من كائنات مذعورة، تتخذ موقفا دفاعيا، او موقفا يدور حول الذات الى كائنات واثقة,مستجيبة ,ومراعية للاخرين. وفي نهاية الامر احداث تحول في المجتمع ايظا0هذه هي رؤية طريقة التحول في الوساطة.

قيمة طريقة التحويل

ان التوجه الاساس نحو حل المشكلات يفسر السبب في ان معظم الوسطاء قد قبلوا (طريقة الارضاء) فان التوجه نحو التحول يبين السبب في ان الاخرين ظلو ينظرون الى (طريقة التحول) باعتبارها رؤية اسلم لسير الحركة وحتى اذا كانت هذه الرؤية لم تعرض بوضوح.

مثل الرؤية الاخرى فقد اثرت منذ امد طويل في الوسطاء، واهتدوا بها في عملهم على المستوى الحدثي. وهذا يفسر السبب في ان كثيرين من الوسطاء اثروا بقوة تلك اللحظات العابرة بالتحول التي تحدث احيانا اثناء الوساطة. لذلك يكون من المدهش احيانا ان نرى احد الاطراف يصل للحظة مؤقتة على الاقل الى موقف يجمع بين الكرامة والمراعاة للاخرين,وحينئذ يستجمع احد الطرفين قوته ثم يمد يده الى الاخر في تلك اللحظة يبدو كان (النور قداضئ) ويبدوان طيفا من طبيعة الانسان قد غطى على اهمية أي شئ اخر. والتعبير الصحيح عن التوجه التحويلي يؤكد ان لحدوث تلك الاشراقات اهميتها الكبرى، وان موقفنا الحدثي منها موقف سليم. ولكننا اذا مضينا الى ابعد من ذلك وجدنا ان هذا النوع من الاشراقات لاينبغي ان يكون امرا عابرا، بل يجب ان يكون هو هدف هذه المؤسسة، ويجب ان تكون الممارسة مصممة لاحداث تلك الاشراقات.

في الحياة البشرية، توجد القدرة الرحيمة التي تجسد طيبة كامنة لكل الكائنات البشرية. فاخراج هذه الطيبة في حد ذاته مهمة بشرية,لان هذا الطريق الضامن لانتاج مجتمع راق، ان النظرة البليغة المعتمدة على هذه الافتراضات ترى ان المنازعات هي فرصة متاحة للنمو، وان الوساطة هي طريقة للاستفادة من تلك الفرص.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء  5/تموز/2008 - 3/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م