للمجتمع "المدني" أو "الاهلي" مؤسسات تعمل باسمه، وتدافع عنه.
وهي إما على شكل نقابات أو اتحادات أو جمعيات مهنية، أو على شكل
مراكز ونوادي ومنتديات خاصة لفئات الشباب من الذكور والاناث، أو
على شكل هيئات اجتماعية وجمعيات خيرية، تاخذ في الغالب الطابع
الديني.
وفي نهايات القرن العشرين، وبدايات القرن الواحد والعشرين،
أحتلت المنظمات غير الحكومية مركز الصدارة في تمثيل المجتمع المدني
"الاهلي" في المحافل الدولية والوطنية، مع تراجع قليل في اداء
المؤسسات الاجتماعية الاخرى.
ويُقصد بمصطلح "منظمة غير حكومية" أي منظمة أو مؤسسة غير ربحية
تقوم بنشاطات مجتمعية، مثل: "تقديم المساعدات الإنسانية، ومشاريع
الإغاثة، مناصرة قضايا حقوق الإنسان والتوعية بها، عمليات تأهيل
المناطق السكنية وإعادة توطين المجموعات البشرية فيها، الأعمال
الخيرية؛ الأنشطة التعليمية والصحية والثقافية؛ عمليات المحافظة
والصيانة؛ عمليات حماية البيئة؛ الإعمار الاقتصادي والتنمية؛
الترويج للممارسات الديمقراطية؛ تطوير المجتمع المدني؛ الترويج
للمساواة بين الجنسين؛ أو أي نشاط آخر غير ربحي، يخدم المصلحة
العامة".
والمنظمات غير الحكومية، إما أن تكون منظمات غير حكومية دولية،
وهي: تلك المنظمات التي يتم تأسيسها باتفاق دولي، وفق مبادئ
القانون الدولي، ولها هوية قانونية دولية، وتقوم بوظائف ذات طابع
دولي. وإما أن تكون منظمات غير حكومية أجنبية، وهي تلك المنظمات
التي تؤسس في دولة أجنبية، ويكون لها مكتب أو مقر في دولة أخرى،
فهي منظمة غير حكومية وطنية، بالنسبة للدولة التي تأسست فيها، وهي
منظمة غير حكومية أجنبية، بالنسبة للدولة التي تعمل فيها.
وإما أن تكون منظمات غير حكومية وطنية أو محلية أو أهلية
"باختلاف المسميات"، وهي تلك المنظمات التي يتم تأسيسها في بلد ما،
ويكون مكتبها أو مقرها في داخل حدود ذلك البلد.
إلا أن مؤسسات المجتمع المدني، سواء بصيغتها التقليدية
"نقابات، اتحادات، جمعيات مهنية...الخ" أو بصيغها الحديثة "منظمات
غير حكومية" مازالت تراوح في مكانها؛ من حيث الانتقال من مرحلة
العمل الفردي إلى العمل الجماعي، أو من مرحلة العمل الجماعي إلى
مرحلة العمل المؤسسي. وهو ما يمثل نقطة ضعف في أدائها، وتطورها،
واستمرارها.
فإذا ما استثنينا المنظمات غير الحكومية الدولية، كمنظمة
الأمم المتحدة، ووكلاتها، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي،
وبعض المنظمات غير الحكومية الأجنبية التي تتبع الدول المتقدمة،
فانا سوف نُصاب بخيمة أمل كبيرة، ونحن نستعرض طبيعة تأسيس، وتكوين،
وأداء، ورسم السياسيات والتخطيط، والتنفيذ، والانجازات المتحققة
للمنظمات غير الحكومية، خاصة الوطنية والمحلية منها!.
ففي العالم العربي والعراق بالخصوص؛ نجد أن المنظمات غير
الحكومية، يتم تأسيسها - في أكثر الأحيان- بقرار فردي محض، حيث
يتبنى شخص ما، تحت دوافع مختلفة، تأسيس منظمة غير حكومية، ويظل هو
لوحده، بمعونة مساعدين مأجورين، يرعى المنظمة ويديرها ويتولى
شؤونها، وتستمر المنظمة غير الحكومية بأداء نشاطاتها بوجود مؤسسها
وحضوره، وقدرته على رعايتها وتمويلها، وتتوقف بمرضه أو غيابه أو
بقطع التمويل.
وفي أفضل الأحوال، يتم في البلدان العربية، تأسيس منظمة
غير حكومية من عدد من الشخصيات الاجتماعية أو السياسية، ولكن
بتوجيه وتمويل مباشر من المنظمات غير الحكومية الدولية أو
الأجنبية المانحة، بقصد انجاز برنامج اجتماعي أو تنموي.
كما يحدث مع بعض المنظمات غير الحكومية العراقية التي تعنى
بشؤون الانتخابات الوطنية أو المحلية، حيث دفعت بعض المنظمات
الدولية التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الأجنبية، بعض الشخصيات
العراقية إلى تأسيس منظمات غير حكومية، تعنى بالانتخابات من حيث
إعداد المراقبين، أو الترويج للانتخابات، وكما يحدث في برامج "دعم
المرأة العراقية" حيث تم تأسيس مجموعة من المنظمات غير الحكومية،
والتحالفات النسوية، بدعم وتمويل دولي وأجنبي!.
هذه المنظمات غير الحكومية الممولة من الخارج، قد تحظى
بوجود إدارة مشتركة لها، تقوم برسم سياساتها أو تشرف على حسن
تنفيذها، ولكنها تفتقد عنصر الفعالية، والديمومة والاستمرارية، فهي
منظمات غير حكومية وقتية ومحددة في إطار زمني ما، فمتى ما انتهت
الانتخابات أو توقف الدعم الخارجي، تتوقف عن العمل؛ ويذهب مؤسسوها
في سبيل حالهم، أو يبحثوا عن تأسيس منظمة أخرى، وفر لها الداعمون
الخارجون دعما ماليا!.
وبالطبع، لا يجب أن لا نغفل، في كل الاحوال، الدور المتفرج،
إن لم نقل السلبي، للحكومات العربية في الحد من نشاطات مؤسسات
المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية؛ من خلال نقص في التشريعات،
أو تشريع قوانين"معرقلة"، ووضع إجراءات وتعقيدات من شانها أن تحول
دون تفعيل وتطوير وتنمية المؤسسات المدنية والمنظمات غير الحكومية.
فغلق الابواب امام المنظمات غير الحكومية من جهة، وفتحها من
قبل المؤسسات الدولية والاجنبية من جهة ثانية، هي الاسباب التي دعت
أكثرية المنظمات غير الحكومية، أن تلجأ إلى البحث عن ممولين خارجين،
ربما، بعض هذا التمويل يكون بشروط، قد تخل بالمصالح العامة للبلاد،
أو تمس الاداب والاخلاق العامة للشعوب.
على اية حال، فان اعتماد المجتمع المدني العربي والعراقي،
على هذه الوحدات التنظيمية، من قبيل "المؤسسة" أو " المنظمة" أو
"المنتدى" أو الجمعية" أو "التحالف"، لا يعني بالضرورة، أن
المؤسسين لها، يعملون من حيث وضع السياسيات، ومن حيث التخطيط، ومن
حيث الآليات، ومن حيث التنفيذ، وفق رؤية جماعية، وفكرِ واهداف
مشتركة، ومنهج جماعي. وبالتالي، فأن العمل في مثل هذه المؤسسات لا
يمكنه الوصول إلى اهدافه المدنية، وإن بدأ قويا وناضجا ومندفعا.
لذا، فالحل، إنما يكمن في العمل المؤسساتي، او ما يُعرف اليوم
"بماسسة العمل". وهو ذلك العمل المنظم الذي يستند إلى منظومة قيم،
ويسعى إلى إنجاز مجموعة أهداف واضحة، ويخضع لقوانين ولوائح، وهو
ذلك العمل الذي توزع فيه المسؤوليات والصلاحيات على هيئات، أو
لجان، أو فرق عمل متخصصة، بما يحقق انسيابية العمل وفعاليته.
وهو العمل الذي تكون فيه مرجعية القرار، من خلال إطارها
الجماعي المنظم. وبتعبير اخر فان "الماسسة" تعني إلغاء كل أشكال
الفردانية، والشخصنة، والاحتكارية، واللجوء إلى التخصصية،
والتنظيم، والمسؤولية، والتنافسية، والإيجابية والتكاملية.
وهذا يعني، أن صياغة الإستراتيجية، ووضع الخطط، واتخاذ
القرارات، لأي إطار تنظيمي مدني، لابد أن يخضع لاعتبارات محددة
وواضحة، لجميع الأعضاء المكونين، لذلك الإطار التنظيمي، فان توفرت
هذه الميزات في المنظمة غير الحكومية تكونت؛ ونمت؛ وتطورت؛
واستمرت. وإن افتقدتها تعثرت وتوقفت عن العمل عاجلا أم آجلا! .
* مستشار وزارة الدولة لشؤون المجتمع
المدني |