الصحوة الاسلامية بين الشكل والمضمون

عقيل عبدالخالق اللواتي

منذ سنوات ونحن نسمع باستمرار عما يسمى بـ " الصحوة الاسلامية "، وعن عودة الروح الى الثقافة الدينية داخل مجتمعاتنا العربية والاسلامية. رواد هذه الصحوة يستشهدون على وجودها بعدة افعال ومظاهر اسلامية برزت منذ فترة وارتبطت بالتدين بشكل عام من مثل: ارتداء المرأة للحجاب، وعودة الناس الى المساجد، وانتشار بيع الكتيبات والاشرطة والاقراص الدينية، وظهور حركات وتنظيمات اسلامية، وصعود نجم الكثير من رموز الفكر الديني، ووجود مواقع انترنت وقنوات فضائية دينية، الخ..

فهل حقا نحن في "صحوة اسلامية" ؟

كثيرون يتحدثون عن الصحوة الاسلامية باعتبارها تياراً واضح المعالم، أو مرحلة تاريخية من مراحل تطور المجتمع لها سماتها الواضحة وبرامجها وأهدافها وما إلى ذلك.. وهو ما قد يبدو ليس صحيحا فيما لو تم تناول هذا الموضوع بشكل منهجي يستند إلى الوقائع والبحوث الميدانية، خاصة وان هناك الكثير من المظاهر السلبية في واقعنا العربي والاسلامي والتي تتشكل في اطار هذه الحالة المسماة بالصحوة.

فاللافت هنا ان منظري الصحوة يتجاوزون بحث العلاقة بين دلالات مفهوم الصحوة اللغوية والمعرفية وبين تجلياتها على ارض الواقع.

ربما (الصحو) يعني لغويا الافاقة بعد نوم عميق، او الخروج من سكر او غيم كثيف. ومفهموم "الصحوة الإسلامية" مشتق اساسا من دعاوى التجديد بعد حالة الجمود التي عاشها المسلمون في العصور المتأخرة. ففي ظل تلك الظروف نشأت الأفكار التجديدية للإسلام التي تنادي وتسعى إلى إرجاع المسلمين إلى دينهم، لكي تكون استجاباتهم من خلال هذا الدين لحل مشكلاتهم أو سعيهم لتحقيق طموحاتهم وأحلامهم، او تناولهم قضايا الرقي والتطور والتنمية والحضارة بما يتوافق مع مقتضيات عصرهم لكن في إطار الدين.

فالصحوة بهذا المعنى هي التعبير العملي في صورة فكرية ثقافية وصورة سلوكية وصيغ حضارية مختلفة في جميع جوانب الحياة المختلفة.

فهل تغير شئ من واقعنا في عصر الصحوة الإسلامية المزعومة هذه؟

الحقيقة المرة هي اننا نعيش واقعا مترديا لا صحوة حقيقية فيه. فنحن امام انتشار مذهل للجهل والأمية والسحر والشعوذة، والاعتقاد المطلق بالطلاسم والغيبيات، وازدياد نسب الفقر، وانخفاض مستوى التعليم، والخطاب التسطيحي التبسيطي الغيبي، والتغرير بالشباب لارتكاب جرائم استباحة الحياة تحت مسمى العمليات الاستشهادية، والدعوة لزهق الأرواح البريئة على رؤوس الأشهاد، وسب الملل والنحل والطوائف والمذاهب، وتكفير بقية شعوب الأرض على الملأ ودون خوف، أو أية تبعات لحساب أو عقاب قانوني، وانتشار الجوامع بدل المصانع والمدارس والجامعات، وازدياد الغلو والتطرف والفتاوى التحريضية،  والتكفير دون التفكير، والنقل بدون العقل، ومصادرة رأي الاخر وحتى القضاء على صاحبه واعتبار ذلك جهادا في سبيل الله، وعودة الحياة قروناً إلى الوراء، والخروج بمذلة ونهائيا من العصر، ومن كل ميادين سباقات العقل والموهبة والشرف والإبداعات، والارتداد الى الخلف للهروب من واقع اصبحنا فيه عالة على الاخرين، ولا نستطيع مواكبة ما يجري حولنا من تطور علمي وثقافي، ولا نعرف غير ان نستهلك أو (نقاطع) ولا نفكر في ان ننتج.

 ولا يزال هناك سبعون مليون أمي في العالم العربي بنسبة تقارب 40% أي ضعف معدل الأمية في العالم وأعلى من تلك المسجل في المناطق الأقل نمواً فيه. ولا تزال محصلة الناتج القومي الإجمالي للأقطار العربية أقل من الناتج القومي الإجمالي لدولة أوروبية واحدة كإيطاليا مثلاً الذي يبلغ 1155 بليون دولار.وغير ذلك مما لا يسر الحال.

نحن امام واقع مازال ولم يتغير. ولا نلمس اي نتائج فعلية لهذه الصحوة على واقع هذه الامة. ولعل غياب اسم أية جامعة عربية وإسلامية، من قائمة الخمسمائة جامعة رائدة على مستوى العالم، لهو أكبر دليل على اننا لا نعيش هذه الصحوة بمضامينها الحقيقية .. وانما نعيش – وفقط- بعض شكليات ومظاهر هذ الصحوة.

* كاتب عماني

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس  31/تموز/2008 - 27/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م