
شبكة النبأ: ينفق الأميركيون ساعات أطول في أعمالهم ويأخذون
إجازات أقل من نظرائهم في دول أخرى ذات اقتصادات متطورة. لكن هل
يعني ذلك انهم يستمتعون بالحياة أقل من غيرهم؟
هذا السؤال هو مثار جدل بالغ في الولايات المتحدة حيث يقول
البعض إن الإفراط في العمل يؤول الى مزيد من الضغوط وتفشي الأمراض،
فيما يسوق البعض الآخر حججا مناقضة تقول إن "فلسفة العمل القوي"
تعني المزيد من النجاح المادي للأفراد وهو الاساس لنجاح البلاد
الإقتصادي.
أما بالنسبة لمحبذي اعطاء العمال مزيدا من الوقت للترويح عن
النفس فإن قائمة التظلمات طويلة. فقد ذكرت لويس باكون من معهد
العائلات والعمل، أن ساعات العمل الطويلة تعتبر "وسام شجاعة" يبيّن
لربّ العمل أن العامل جدير بترقية. لكن ساعات العمل الطويلة إنما
تنال من فعالية العمال وتعزو باكون إليها جزئيا السبب في زيادة
حالات مرض القلب والإكتئاب.
اما الخبير الإقتصادي روبرت شابيرو، فيشير في مؤلفه Futurecast
قائلا إن فلسفة العمل لدى الأميركيين تفضي الى مكافآت جمّة. "فالأميركيون،
إقتصاديا، هم أفضل حالا بكثير من الأوروبيين واليابانيين."
ومن بين الإقتصادات المتقدمة فإن الإقتصاد الأميركي هو الوحيد
الذي لا يقتضي من أرباب العمل توفير حد أدنى من أيام الإجازات
المدفوعة. وفي حين تقدم غالبية الشركات الأميركية إجازات تترواح
بين 5 الى 10 أيام للموظفين الجدد و8 ايام في المتوسط من العطل
الرسمية المدفوعة، مثل عطلتي عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية
حينما تغلق مؤسسات الأعمال ابوابها، فإن بيانات حكومية تشير الى أن
الموظف يحتاج الى العمل مدة 10 سنوات كي يحصل على 3 أسابيع من
الإجازات السنوية. كما تبين المعلومات أن حوالى 10 في المئة من
الموظفين بدوام كامل لا يحصلون على اية إجازات مدفوعة. بحسب تقرير
دوت غوف امريكا.
على نقيض ذلك، فإن الموظفين والعمال في بلدان الإتحاد الأوروبي
يمكنهم أن يعولوا على ما لا يقل عن 20 يوما من الإجازات السنوية
المدفوعة وغالبيتهم يحصلون على إجازات أطول بكثير. وحينما تضاف
أيام الإجازات السنوية الى أيام العطل الرسمية يصبح بمقدور هؤلاء
في العديد من بلدان الإتحاد الأوروبي أن ينالوا لا أقل من 30 يوما
أو أكثر من الإجازات المدفوعة سنويا. وفي كثير من الأحيان ينالون
أكثر من ذلك. ففي إيطاليا احتسبت منظمة السياحة العالمية ان العامل
يحصل على 42 يوما من الإجازات و37 في فرنسا و35 في ألمانيا. اما
اليابانيون والكوريون الجنوبيون فينالون 25 يوم إجازة في العام.
والأنكى من ذلك أن ربع العمال الأميركيين، أو أكثر، لا يستهلكون
كل أيام إجازاتهم المستحقة لهم.
فنسبة 20 في المئة من الأميركيين يقومون بقسط من العمل أثناء
إجازاتهم، طبقا لمعهد العائلات والعمل. وبفضل تكاثر الهواتف
النقالة وتسهيلات البريد الإلكتروني فإن العديد من العمال وكبار
المدراء يتصلون بمكاتبهم روتينيا مستفسرين خلال أيام عطلهم. وتقول
شيريل راسيل وهي اختصاصية ديمغرافية تدرس الإتجاهات الإجتماعية إنه
"بات أصعب فأصعب التمييز بين ما هو شغل وما هو ترفيه."
يتابع بعض الأميركيين أعمالهم عبر البريد الإلكتروني خلال أيام
عطلهم.مثال على ذلك بات إنغيل وهي مديرة في مؤسسة "أمبليفاي للشؤون
العامة" بواشنطن، ومدمنة على استخدام جهاز اتصالاتها من نوع
"بلاكبيري" وهو جهاز يجمع بين الهاتف النقال والإتصال بشبكة
الإنترنت. اذ تقول: "إنني لا أفارقه البتة" مشيرة الى أن زبائنها
يتوقعون منها ان تكون رهن إشارتهم على مدار الساعة وخلال إجازاتها.
وتقول إنغيل: "الزبائن يتصلون بي بالبريد الإلكتروني في الساعة
العاشرة مساء وأنا أرد عليهم بريديا – في منتصف الليل. وهم يردون
بعد ذلك بالشكر. وأحيانا أغلق الجهاز خلال الإقامة الدينية لكنه
يعود للعمل مباشرة بعد القداس."
أما جون دي غراف مؤسس منظمة: "استعد وقتك" أو Take Back Your
Time وهي منظمة تطالب الكونغرس بإلزام أرباب العمل بمنح الموظفين
والعمال إجازات مدفوعة لمدة 3 اسابيع في العام، فإنه يقول إن
الأميركيين يعانون من "شحّ الوقت". ويضيف: "الأميركيون يشعرون بضغط
هائل للعمل كي لا ينظر اليهم كمتهربين من الشغل." وأضاف ان
الأميركيين سيكونون أفضل حالا لو أنهم قايضوا بعضا من إنتاجيتهم
بأوقات من الفراغ وقللوا من استهلاكهم للماديّات.
كما أن العمال الأميركيين يصرفون وقتا في العمل أطول بمعدل
ساعات أو اسابيع خلال العام من نظرائهم في العديد من الدول ذات
الإقتصادات المتقدمة. فحوالي 80 في المئة يعملون 40 ساعة او أكثر
في الأسبوع بينما أقل من نصف مواطني الدانمرك وفنلندا وفرنسا
والمانيا يشتغلون هذا العدد من الساعات طبقا لمنظمة العمل الدولية.
وعلى أساس سنوي يصرف الأميركيون حوالي 1800 ساعة، مقابل 1600 ساعة
او أقل، في العمل ببلجيكيا والدنمرك وفرنسا وألمانيا وهولندا
والسويد. ويعمل الأميركيون ساعات أقل بكثير من الكوريين الجنوبيين
الذين يعملون 2400 ساعة في العام.
مزايا حقيقية
يشير الخبراء الإقتصاديون الى ان الإقتصادات الأوروبية قياسا
بالإقتصاد الأميركي توجد فرص عمل أقل وتعاني من معدلات بطالة أعلى
تدوم فترات أطول وتنتج ثروات أقل.
مثلا، معدلات البطالة في فرنسا والمانيا قاربت 10 في المئة في
السنوات الأخيرة وكانت هذه المعدلات ضعف المعدل الأميركي أحيانا.
وفي تقرير صدر في 2007 قالت منظمة العمل الدولية إن الولايات
المتحدة تتصدر بلدان العالم من ناحية إنتاجية العمل للشخص الموظف
وان "الفجوة في الإنتاجية بين الولايات المتحدة وغالبية البلدان
المتطورة واصلت اتساعها."
وحذر روبرت شابيرو في كتابه الأخير عن العولمة من الأخطار
المحدقة التي تنتظر بلدان الإتحاد الأوروبي واليابان ما لم تعمد
هذه الى جعل اقتصاداتها أكثر إنتاجية. ويقول ان اتجاهات العمالة
الراهنة في البلدان الأوروبية ستجعل في منتهى الصعوبة على هذه
الدول ان تواصل تمويل برامجها للخدمات الإجتماعية.
وقال شابيرو إنه "بين العامين 1990 و2005 تنامى الناتج القومي
لفرنسا وألمانيا وبريطانيا، مجتمعة بحوالى 34 في المئة، بعد احتساب
نسب التضخم، اي بالكاد 2 في المئة سنويا، فيما كان معدّل النمو في
اليابان أقل من نصف ذلك. لكن في نفس فترة الـ15 سنة ذاتها تنامى
الإقتصاد الأميركي بنسبة 58 في المئة."
ثم خلص المحلل الاقتصادي الأميركي إلى القول: يبدو أن أوروبا
واليابان عازمتان على إعاقة ازدهارهما المستقبلي من خلال إجراءات
ظاهرها التراحم الإجتماعي. لكن هذه الإجراءات تعمل على استنزاف
تنافسية الآلاف من مؤسسات الأعمال الأوروبية استنزافا أكيدا وإن
يكن بطيئا." |