الشاعر والأديب رعد فاضل.. ضد العولمة ولكن لست مع التشرذم

شبكة النبأ: مقتبس من قوله انا ضد العولمة ولكني لست مع التشرذم، وأيضا يتابع حديثه في مكان آخر والذي يقول فيه: الحداثة ليست لعبة لغة إنما هي تقويض أنظمة، كان لـ(شبكة النبأ المعولماتية) هذه الوقفة لإلقاء الضوء على تجربة الأديب العراقي رعد فاضل، وليفتح افق تجلياته فيتحدث عن الممارسات الحقيقية لدور المثقف، وما يلقيه عليه الراهن من مسؤولية اتجاه المشهد الحالي في ساحة الاحداث سواء العراقية منها أو العربية أو الدولية.

(عندما لا نتفاعل مع الشاعر المختلف، فهماً وتواصلاً نتهمه على الفور بالطوباوية والغموض والترفع عن الواقع المعاش، متناسين ان مهمة الشاعر الحقيقية ليست توثيقية أو تدوينية، بل تدشينية وتأسيسية كونه رائياً ومعماراً من طراز يتجدد دائما لأن الشعر شكل يظل يسعي من خلال محتوياته الى جوهره).

استضافت كلية الفنون الجميلة بجامعة الموصل على قاعة المسرح الاديب العراقي الحداثوي رعد فاضل للتحدث عن تجربته الشعرية والمسرحية خلال سني حياته المملوءة بالعطاء، في جلستها الخامسة خلال هذا العام بحضور العديد من الادباء والفنانين وجمع غفير من طلبة الكلية، في خطوة من الكلية لتعريف طلبتها بمبدعي المدينة والاستفادة من تجاربهم الطويلة.

وأشار المخرج المسرحي الدكتور جلال جميل عميد كلية الفنون الجميلة في تقديمه للاديب رعد فاضل قائلا: استطاع رعد ان يتعامل مع المفردة والفكرة بشكل جميل جدا في الشعر والمسرح كما انه قدّم الكثير واختلف ولشدة اختلافه قبله الجميع، ولذلك فان هذا الاختلاف هو الذي جعلني ارتبط معه في الادب والفن وان نسير بنفس الطريق المختلف لان المختلف هو الابداع، واضاف قمت باخراج ثلاث مسرحيات لرعد كتبها شعرا هي، لاغبار..لاأحد، أناشيد الاخطاء، ومن، ممن ولماذا.

وفي معرض حديث رعد فاضل حول كونه شاعراً وكاتباً مسرحياً اشار الى ان الشعر كان محور حياته الثقافية ولا يزال، غير أنه حلّ عليه منذ أواسط ثمانيات القرن الماضي ضيف آخر أسماه المسرح وكان اول نص مسرحي له (لا غبار..لا أحد)، واضاف الى انه وقبل سبعة وعشرين عاماً كان يزعم ولا يزال حسب قوله انه لا يكتب إلا شعراً مختلفاً اتخذ الحداثة له نهجاً وحياة وتشوفاً وطريقاً، شعراً أشبه ما يكون برسائل شخصية مفتوحة على العالم، لا تشع إلا بين يدين شخصيتين، ثم أوضح رعد قائلا: انصرفت مسرحياتي الثلاث، (لا غبار.. لا أحد، ونشيد الأخطاء، ومَن.. مِمّن.. ولماذا) كلياً الى مناوئة كل دارج ومعيش ومتعود ومستأنس به من أشكال الكتابة المسرحية التي أعرف، الى جانب وقوفها الصارم ضد كل عودة الى وراء، وضد كل نكوص فكري وفني.

مشيرا الى أننا لا يمكن أن نقرأ الأشياء الحاضرة إلا عبر (قراءة الحاضر) نفسها، لا عبر (قراءة الماضي)، زاعماً ان هذا قطعياً لا يمكن أن يعني فيما يعنيه تأسيس أية قطيعة مع أي تراث، وإنما يعني شن قطيعة على أية معرفة تقرأ التراث قراءة تراثية وكذلك على أية معرفة تقرأ الحاضر نفسه بعقلية التراث، وذلك ما ذكر أنه رسخه شعرياً، وما حاول تأسيسه مسرحياً عبر هذا النوع من فهمه للكتابة. وشدد على انه إذا لم يتحول الناقد من كونه مفسراً وشارحاً ووصافاً للنص الأدبي، الى دارس مفكر ومكتشف للنص، فلن يكون وجوده الأدبي وحتى الثقافي إلا ذيلياً راهناً ومستقبلاً، وهذا ما أصر حسب قوله على إفهامه لمتلقي مسرحي، وبمعنى أوضح كما قال أحاول بناء متلق، أو مشاهد على هذا المستوى من الدراسة والفكر والاكتشاف، ذلك أني أحترم متلقيي ومشاهدي قدر احترامي لنصوصي المسرحية نفسها.

موضحاً على ان الشعر والمسرح في يقينه كلاهما يكتشفان العالم، ويؤسسان لحاضره ومستقبله، وحسب هذا اليقين لا بد وأن يأتي شكل الكتابة، أو طريقة التعبير المسرحية بالمستوى نفسه لهذا الفهم. ولأنه كما قال يتحدث في كلية الفنون الجميلة، فذلك لا يمكن أن يعني إلا أنه يتحدث داخل الفضاء المسرحي نفسه، أي أنه لا يجد أي حرج معرفي حتى لو كان في أعلى ذرواته، مشيرا الى انه يعني أنه إزاء فنانين حقاً، ودارسين حقاً، وطلاب مسرح حقاً، وعلى هذا الأساس يجد نفسه حراً وموغلاً في اختيار عباراته، وهذا بدوره كما قال قد يعفينه من توصيف قديم جديد، المسرح المكتوب بوصفه نصاً أدبياً غير الآخر بوصفه عَرضاً.

ونوه فاضل الى كلام دريدا في التفكيكية على أنها: (تهاجم الصرح الداخلي سواء الشكلي أو المعنوي للوحدات الأساسية للتفكير، بل تهاجم ظروف الممارسة الخارجية، أي الأشكال التاريخية للنسق التربوي لهذا الصرح). موضحاً ان الهجوم هنا ليس بمعنى التقويض تمهيداً للتجريف والإلغاء، وإنما هو بحث وتقص لكل ماهو مسكوت عنه في النص، انه هجوم لا يقول بقوة ظاهر النص، ولكن بالقوة الفاعلة اللابثة والكامنة في داخل النص، هجوم من النوع الذي لا يدفع إلا باتجاه تعرية زعم الظاهر من أنه هو المتكلم الوحيد في النص، هجوم يشنه كل مسكوت عنه، وكل مغطى ومخبأ في الداخل، ذلك أيضاً كما قال ما حاولت مسرحياته الهجوم عليه. واردف قائلاً ان كل كتابة أدبية(مختلفة) هي لأشبه ما تكون بشكل صوفي، كونها مفتوحة دائماً من داخل مختلف على خارج مختلف، من هنا حسبما قال الاديب تظل تتطلب هذه الكتابة قارئاً متفوقاً، قارئاً صوفياً يكمن تفوقه في الجمع ما بين إقصائه لمدركاته المتعودة لصالح بحثه عن مكتشفات جديدة أخرى، وذلك ما يجعله قارئا تأويلياً حقاً لا تفسيرياً، وذلك أيضاً ما حاولت مسرحياتي الثلاث كما قال إلى جانب شعري التأسيس له والاشتغال عليه، واعترف بأن للمسرح لغةً تختلف عن لغة الشعر، متسائلاً عن معنى أن (الكلام يحقق اللغة بتدميرها) كما يوصف ميرلو بونتي، واجاب انه لا بد من أن المعنى المقصود هنا هو(معنى تفجير اللغة) ذلك المعنى القديم الجديد، مضيفاً وبمعنى آخر ان التدمير هنا لا يمكن أن يعني إلا التفجير، كمثل تفجير (شكل) جبل لاستخراج مكامنه، من معادن وأحجار كريمة كأشكال أخرى. مؤكداً على ان ذلك مرة أخرى ما حاول تشغيله عبر المسرح، من جهة أن الشعر كلام في إمكانه أن يحقق لغة أخرى للمسرح عبر تدمير لغة المسرح المتداولة نفسها، ولم يفوته كما اردف أن (أكون أكثر جرأة فأثبت أن علينا أيضاً تدمير لغة المشاهد نفسه).

مشدداً على انه لا يمكن أن يكون كاتباً مسرحياً إلاّ عبر كونه شاعراً لا ينتج إلا وعياً مضافاً وعالماً آخر مضافاً الى الوعي والعالم، وهنا بالضبط كما قال يكمن واحد من أسرار عزوف الكثيرين من المهتمين والمشاهدين والمثقفين عن مسرحه. وتجرأ على القول الى انه غالباً ما يكون منقطعاً عن العالم شعرياً ومسرحياً، معزياً الاسباب في ظنه بالاضافة الى ما أسلف، الى أن المثقف بعامة عندنا لا يزال يمارس استرخاءه مع كل مسترخ مكتوب، ومشاهد ومعروض، ويعزف عن كل متحرك لا يزال ينكتب، ويشاهد وينعرض، وهذا ما يجعل مثقفنا كما أورد يمارس نوعاً من النظر البياني التفسيري، والفرجوي المِتعوي، لا نوعاً من النظر الفكري المِتعوي، والموقف الفلسفي والثقافي من الشعر والمسرح، مشيرا الى ان مثقفنا يطالب بأنواع الحرية كلها وفي الوقت نفسه يقاتل ضد حرية الأشكال إذا ما ابتكرت طرق تعبير جديدة له ولها، كما طمع أديبنا في الذهاب الى أبعد من ذلك، غير أنه كما قال لا يرغب قطعياً في أن يؤول كلامه هذا على أنه مرافعة مبطنة دفاعاً عن تجربته.  

وختم كلامه بالقول: ذلك ما كنت عليه شعرياً ومسرحياً ونظرياً، ولا أزال غير أني لا أضمن لما كنتُهُ، وما أنا عليه الآن، وما سأكونه غدا.

وقرأ الاديب بعضاً من قصائده القصيرة امام الحضور، وقبل نهاية الجلسة أجاب على بعض الاسئلة التي طرحت عليه من قبل الحضور.

ولا بد من الاشارة الى ان الاديب رعد فاضل شاعر سبعيني من مواليد 1957 عمل رئيسا للاتحاد العام للادباء والكتاب في نينوى لمدة ثلاث سنوات من 1992 الى1995، كما كان رئيساً لهيئة تحرير مجلة نون وسلسلتها الابداعية 1992 – 1995.

ومن مؤلفاته في الشعر:

الموجة الجديدة، مجموعة شعرية مشتركة، دار الشؤون الثقافية بغداد 1982.

أناشيد المحارب، مجموعة شعرية مشتركة، دار الشؤون الثقافية بغداد 1984.

فليتقدّم الدّهاء إلى المكيدة،مطولة شعرية، منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين بغداد 1993.

شانقبا امورو، مجموعة شعرية، منشورات دار الشهد للطباعة نينوى 2000.

عندما اشتبك الضوء بالياقوت، مجموعة شعرية، منشورات دار الشؤون الثقافية بغداد 2003.

مخطوطة المحنة، مجموعة شعرية.

ام في المسرح فله :

لاغبار..لا أحد، مونودراما شعرية، عرضت في يوم الفن العربي بغداد 1989.

أناشيد الأخطاء، مسرحية شعرية، عرضت في يوم المسرح العالمي بغداد 1992.

مَن .. ممن .. ولماذا، مونودراما قدمتها كلية الفنون الجميلة جامعة الموصل2007،

والمسرحيات الثلاث، من اخراج المسرحي الدكتور جلال جميل.

وله في الجهد النظري:

كتاب الاجتثاث والمغادرة، سلسلة مجلة نون 1992.

وقيعة وثلاث عواصف، مجموعة حوارات، سلسلة مجلة نون 1994.

الآخر من الكلام، وهو آراء في الشعر والشعرية والثقافة.  

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء  29/تموز/2008 - 25/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م