رغم اقتناعنا بألا وجه للارتباط بين ملف العلاقات بين مصر
وإيران من جهة وشارع خالد الإسلامبولي والضجة المثارة حول فيلم (إعدام
الفرعون) من جهة أخرى فلا شك أن هذا الملف يشير بوضوح إلى الطريقة
التي يمكن من خلالها للدعاية أن تقلب الحقائق بصورة مطلقة وأن تجر
بعض المتهورين لتحمل مسئولية حدث لم يكن لهم فيه ناقة ولا جمل!!.
من حق محاميِّ الجنايات الذين حملوا أخيرا لقب محاميِّ الجماعات
أن يستخدموا كل الأدلة والقرائن لتخفيف الحكم عن موكليهم أو
لانتزاع براءتهم من فم الأسد فهذه هي وظيفتهم التي منها يأكلون
وعليها يتعيشون.
أما أن يتحول كلام المحامين إلى حقائق تاريخية فهذا ما لا يقره
عقل ولا يقبله دين.
قتل السادات كما هو معلوم يوم السادس من أكتوبر 1981 وفي أعقاب
توقيعه لاتفاق السلام مع إسرائيل مما قدم للرأي العام دليلا ظرفيا
لا أكثر ولا أقل على ترابط هذا الاغتيال مع توقيعه للاتفاق الذي
كان ولا زال أمرا سيئا لكل من يعارض مبدأ التنازل للكيان الصهيوني
الغاصب للقدس.
أذكر في منتصف الثمانينات أن التقيت بأحد أعضاء جماعة الإخوان
ممن سجنوا في قضية سيد قطب وكان متأسفا لما جرى عام 1981 معتبرا أن
الأمر كان كارثة وأن أول المتضررين هم المنتمون للتيار الإسلامي.
لم أدرك معنى ما قاله الرجل من كلام يستند إلى الخبرة والتجربة
إلا بعد ذلك حيث تأكد أن الخسارة المؤلمة لم تلحق بالتيار الإسلامي
وحسب بل لحقت بالجميع بلا استثناء.
لا ارتباط إذا بين قبول أو رفض الصلح مع إسرائيل من جهة والترضي
على قتلة السادات من جهة أخرى!!.
الأمر الآخر أن قتلة الرئيس السادات كانوا قد بدأوا تنفيذ خطتهم
بعد انتهاء حرب أكتوبر 1973 حيث بدأ أول تحرك (جهادي) ضد النظام
المصري من مجموعة الفنية العسكرية التي قادها (صالح سرية) عام 1974
بعد أشهر قليلة من هذه الحرب التي أذاق فيها السادات إسرائيل المر
ويومها لم يكن هناك لا كامب ولا ديفيد ولا مبادرة سلام بل هناك
الفكرة الثابتة لدى هؤلاء وهي أن السادات كمن كان قبله ومن جاء
بعده لا يحكم بما أنزل الله وهو كافر ينبغي قتله أو قتاله عملا
بفتوى (شيخ الإسلام ابن تيميه) ثم كان التحرك الثاني لهذه الجماعة
عامي 1977 و1979 قبل توقيع ما يسمى باتفاقات السلام.
وبالتالي فحكاية (تنظيم الجهاد الذي ثار من أجل كرامة الأمة
وقتل السادات لتوقيعه اتفاقات كامب ديفيد الخيانية) هي واحدة من
إنتاج محامي الجنايات أبي لمعة الأصلي وقد ساعدت الأجواء والظروف
السياسية التي سادت في المنطقة بعد ذلك على قبول تلك الرواية التي
تفتقد إلى أي سند من دون تحقيق ولا تدقيق.
بمراجعة أوراق قضية الجهاد لم نجد فيها حرفا واحدا عن اتفاقية (الخزي
و العار) بل وجدنا هذه السطور على لسان الإسلامبولي و إخوانه الذي
قال:
(هكذا لكى يسدل الستار على الفصل الأخير من المسرحية الهزلية
المكررة مسرحية محاكمة الإسلام في أشخاص المسلمين وهنا نقف لنشهد
الله وملائكته ورسله والقائمين بالقسط من أهل العلم ثم ونشهدكم
جميعا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله
ونشهد قومنا ومن سمع أننا بريئون مما يعبدون من دون الله من أرباب
بشرا كالحكام والرؤساء الذين يأمرون بمعصية الله ورسوله وكذلك في
كل قانون أو شرع لم ينزل من عند الله في القرآن والسنة كالقوانين
الوضعية والأفكار الرأسمالية والشيوعية أو الديمقراطية والاشتراكية
والقومية وخلافه ونقول لعلماء المسلمين الحكوميين الذين باعوا
دينهم ورضوا بعرض الدنيا الرخيص نقول لهم إن لم تعلنوا الحق فحسبنا
الله وحده ونعم الوكيل ونعلنها إنذارا من الله إلى كل مسلم له قلب
أو ألقى السمع وهو شهيد إن هؤلاء الحكام قد خدعوك وجعلوا أنفسهم
آلهة عليك فأطعتهم و خشيتهم وظننت أن هناك عذرا سينفعك عند الله
تلك أسانيدهم فنقول لكل المسلمين ففروا إلى الله إني لكم منه نذير
مبين ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين) توقيع
خالد الإسلامبولي ورفاقه.
إنه في النهاية بيان لا يختلف في كثير أو قليل عن البيان الأول
الصادر عن جماعة إحراق محلات الفيديو وليس فيه ذكر لكامب ديفيد ولا
للشعب الفلسطيني من قريب ولا من بعيد فمن أين جاء القوم بحكاية
الكامب إياه؟!.
وهاهو أحد قيادات هذا التنظيم (أحمد يوسف) يؤكد في العام 2007
حقيقة الجهة التي حرضت وأفتت بقتل السادات حيث ذكر في حواره مع
جريدة المصري اليوم بتاريخ 26-11-2007 ردا على سؤال : هل التقيت
«محمد عبد السلام فرج»؟ ومتي؟.
التقيته أول مرة في عام ١٩٨١م بعد أن وحد الجماعة الإسلامية
والجهاد وجاء إلينا في بني سويف لتوحيد المجموعات وكان فرج يريد
جمع جميع التيارات إلا الإخوان المسلمين لأن الإخوان كان لهم
تنظيمهم ويرفضون الانفصال عنه، وكل الحلقات التي وجدت في ذلك الوقت
جمعها محمد عبد السلام فرج في مكان واحد هو منزل الشيخ فوزي عويس
أمين، وحضر الاجتماع مجموعة كبيرة من القيادات عنده، وكان علي
رأسهم الدكتور عمر عبد الرحمن، وهذا كان في بداية عام ١٩٨١ وشهد
هذا الاجتماع أيضاً قادة من الجماعات السلفية وكان عبد السلام فرج
قد اتفق معهم علي الوحدة وهو ما جاءوا من أجله ولكن القيادات
السلفية في ذلك الوقت طلبت فتوى من أحد كبار علماء الإسلام بجواز
الخروج علي الحاكم، ووضعوا هذا الأمر كشرط للانضمام للتنظيم
الجديد، واشترطوا فتوى من علماء بالخارج مثل العلامة ابن باز أو
الألباني، وبالفعل سافر محمد سعد زغلول قائد مجموعة بني سويف
للألباني شخصياً، وسأله عن الفتوى في الخروج عن الحاكم، فطلب الشيخ
الألباني منه أن يأتي بقائد كل فصيل لمناقشتهم وإعطائهم الفتوى .
غباء إعلامي
البعض في إيران ما زال يتوهم أن الشارع العربي ما زال قابعا في
نفس النقطة عندما غادره جمال عبد الناصر سنة 1970 حيث كان العدو
الوحيد للعرب والمسلمين يومها هي إسرائيل الغاصبة للقدس رافضين
التخلي عن خطابهم المحنط متجاهلين أكبر حملة دعائية في التاريخ
لتوجيه العداء من إسرائيل التي تحتل قلب العالم العربي إلى إيران
الفارسية التي (تهدد البوابة الشرقية للأمة العربية)!!.
يتصور هؤلاء المتخشبين أن إعادة إحياء خطاب الستينات بعجره
وبجره يمكن له ان يفشل هذه الحملة!!.
تدرك إسرائيل جيدا أن وجودها أصبح متوقفا على مشروع إشعال حرب
سنية شيعية تضمن محاصرة حزب الله على حدودها وسط محيط عدائي وبقاء
إيران وصواريخها على الأطراف خاصة بعد سقوط نظام صدام حسين.
ليس هذا خطابا إسلاميا متطرفا بل هو تحليل مستند إلى ما هو معلن
ومعروف من تحالفات تعمل سرا وعلنا لتأجيج هذا الصراع.
الغضبة المضرية على من هللوا لقتل السادات لم تمتد لمن أفتوا
وخططوا وحرضوا على القتل وما زالوا يواصلون إشعال الحرائق قي كل
مكان وبالتالي يصبح من حقنا أن نسأل.
كيف يحكم بالإعدام على من هلل للقتلة وتجري تبرئة من أطلقوا
الرصاصات الأربع والثلاثين على صدر السادات ومعه تلك الفترة
القصيرة التي لم تدم سوى عامين عاشتهما مصر من غير حالة طوارئ؟!.
هنا يصبح السؤال مشروعا رغم أن الجواب أصبح معروفا: إلى أين
يأخذنا هؤلاء وهؤلاء؟!.
Arasem99@yahoo.com |