لغتنا العربية والدارجة بين الحداثة والتأثير

مصطلحات التكنلوجيا الحديثة آفة مستشرية تفتك بلغتنا العربية

تحقيق وتصوير/علياء الكناني

شبكة النبأ: إستَشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة دخول لغة طارئة وجديدة شكّلت محور حديث الكثير من خلال تعاملاتنا اليومية الروتينية وباتت جزءا لا يتجزأ من لغتنا الدارجة بسبب دخول مصطلحات التكنلوجيا الحديثة كالموبايل والحاسوب والانترنيت، وصار كل فرد يستخدم تقريبا ما لا يقل عن خمس أو ست كلمات أثناء حديثه اليومي مثل (كنسل، دليت، مسج، مسك لي، فرمتة) ووصلت الحالة إلى تحوير أمثالنا الشعبية لمجاراة العصر مثل "الفيروس إللي ضربك فرمتناه"...وغيرها. فيا ترى هل ستحدث هذه الكلمات طفرة على لغتنا العربية والعامية على حد سواء ليصل بها الحال إلى عامية ممزوجة بكلمات غربي!؟ وكيف سيكون شكلها وكتابتها وألفاظها وقواعدها؟

لغة الحداثة ودليل التطور

يرى البعض إن استخدام كلمات الحاسوب في لغتنا الدارجة دليل على التطور الذي شهده البلد حيث يقول المهندس وائل عثمان لـ شبكة النبأ المعلوماتية: إن استخدام لغة الحاسوب أو الانترنيت أو الموبايل دليل واضح على تطور الشخص وبرهان على معرفته وإلمامه بتكنلوجيا العصر الحديث ويشير إلى أنها أضحت من الكلمات المألوفة لدى الجميع أو بين أوساط المستخدمين لها عل اقل تقدير ...ويضيف في بعض الأحيان يكون استخدام كلمات الحاسوب أو الموبايل أسهل بكثير من المرادف الذي يقابله باللغة العربية.

أما نورهان وليد/ طالبة في قسم أنظمة وبرامجيات في المعهد الفني بكربلاء فقالت: إن استخدام الكلمات الحاسوبية يعطي انطباعا سريعا للمتلقي على علمية وكفاءة الشخص المتحدث وينظر إليه باحترام وتقدير.. واضافت نورهان، عند دخولنا للمحاضرة الأولى الخاصة بأنظمة الحاسوب أدركنا مدى جهلنا وتخلفنا بالتكنلوجيا الحديثة وخاصة أن الدول العربية سبقتنا بهذا الميدان لسنوات طويلة. لافتة إلى جميع الطلاب عمدوا إلى بذل قصارى جهدهم لإتقان كل ما يتعلق بالحاسوب وأنظمته وبرمجياته، حيث أصبحت الكلمات الحاسوبية جزءا من لغتنا الخطابية الدارجة.

 

أحمد علي مصلح أجهزة الحاسوب والستلايت قال: عند وصول أجهزة الحاسوب والموبايل والستلايت واجه الجميع مشاكل عديدة في استخدامه نتيجة لعدم معرفتنا بالكلمات والمصطلحات الخاصة بتلك الأجهزة لذا بدأنا بتطوير أنفسنا في مجال معرفة المصطلحات لتصليح الأجهزة ونصبها وتشغيلها ... ويضيف أن إتقان لغة الأجهزة الحديثة سر نجاح عملي كمصلح أجهزة وأصبحت واقعا مفروضا علينا الإلمام به لافتا إلى أن قلة الخبرات السابقة بهذا المجال لانحسار تلك الأجهزة على أناس قليلين بسبب غلاء أسعارها من جهة والحظر المفروض علينا أيام النظام السابق من جهة أخرى جعلنا نعاني من كيفية التعامل مع أية مشكلة تصادفنا في عملنا.

مرادفات عربية طويلة وضياع اللغة

الأكاديميون وأساتذة اللغة العربية والمختصون لهم رأي بالموضوع حيث قال الدكتور مكي محي الكلابي أستاذ اللغة العربية في جامعة كربلاء لـ شبكة النبأ" أن المشكلة في استخدام المصطلحات الحاسوبية تدفع الشخص تدريجيا لإضاعة لغته مما يخلق جيلا فاقدا لثقافته وتاريخه وحضارته ويضيف عند دخول أي غزو ثقافي يعمد إلى تغيير واقع الدولة المحتلة وينظر بالدرجة الأولى للغة على اعتبارها الوعاء الحاوي لثقافة وتراث الأمة. لافتا إلى أن لغة العصر والتكنلوجيا الحديثة آفة تستشري لخلق جيل ضائع بين لغتين العربية والانكليزية، غير متمسك بتراثه وحضارته وبذلك تضيع شخصيته.

 وأضاف أن اغلب مستخدمي المصطلحات الحديثة يدفعهم جذب انتباه الآخرين بمخالفته المشهور ليحصل على الشهرة والتميز عن أقرانه وزملائه ويتفرد عليهم . ويؤكد أن المختصين في مجال تعريب المصطلحات العربية لا يقدمون مصطلحات سهلة التداول خفيفة على اللسان مطابقة للفكرة ولها مقومات الانتشار مثلا لفظة السندويج معناها في اللغة العربية ( الشاطر والمشطور وما بينهما كامخ)وهذه ترجمة صعبة وثقيلة ممكن استخدام مصطلح (شطيرة) لتتماشى مع عصر السرعة والحداثة

أما المهندس المعماري وليد مصطفى السيد علي فقال: أن استخدام لغة الحاسوب خاصة بين مستخدميها لسهولة تداولها فضلا أن تجار الحاسبات في شارع الصناعة في بغداد يفرضون أسماء الحاسبات ومصطلحاتها على لغة التداول والخطاب وبذلك تنتقل المصطلحات للغة العامية وتعتبر سياق دارج بين كل مستخدمي الحاسوب كما يعمد تجار السيارات على أطلاق تسميات على السيارات الحديثة مثل راس الثور والبطة وغيرها. ويضيف بما أن اللغة الإنكليزية لغة دارجة وعالمية لذلك نستخدمها بشكل اعتيادي ومفرداتها قصيرة مثل (UPS) أسهل مما نقول وحدة المعالجة المركزية.

هجمات مقصودة وخمول عربي

تقول نورس إبراهيم / ماجستير لغة عربية: تعد اللغة العربية ظاهرة اجتماعية من الطراز الاو ل، والنشاط اللغوي يتوازى دائما مع النشاط الاجتماعي، ونتيجة لحركة الانفتاح الثقافي والاجتماعي الذي شهده مجتمعنا على الأمم الأخرى المجاورة لاسيما الفارسية منها، وتضيف مما أدى إلى دخول الكثير من عاداتهم وألفاظهم إلى محيطينا بشتى فئاته، فأصبح غير غريب على كثيرين من الناس التلفظ بألفاظ غير عربية كالانكليزية والفارسية وشيء غير قليل من اللغات الأخرى حتى بالنسبة للصغار منهم وهذا طبيعي في قانون أي لغة تتجاور وتتداخل مع غيرها من لغات الأمم المجاورة ليحدث التأثير والتأثر. لافتة إلى أن شيوع الألفاظ الحاسوبية يعتبر جزءا من تلك الظاهرة لان الأجهزة المستخدمة تصل إلينا من مناشئ غير عربية ، فضلا عن أن اغلب مستخدميها يفضلونها بلغتها الأجنبية كجانب من ثقافتهم الأخرى.

أما الدكتور عبد الجواد البيضاني رئيس قسم الخطابة في جامعة الحسين قال لـ شبكة النبأ " أن استخدام المصطلحات الغربية في لغة التداول اليومية ليست وليدة اللحظة بل أن اللغة العربية تعرضت لهجمات عديدة واتهمت بأنها لغة عقيمة ولغة القرآن أي تستخدم فقط في التكليف الديني والمناسبات الدينية كما هو حال اللغة السريانية أو العبرية.

 وأضاف أن هذه الهجمات مقصودة للانتقاص من اللغة العربية أولا ثم الفصل بينها وبين القرآن باعتباره الوعاء الحاوي والذي له الفضل في حماية اللغة العربية من الضياع والاندثار طيلة الغزوات والهجمات المتوالية على اللغة ويتابع البيضاني أن أقوى استهداف للغة العربية جاء بعد الحرب العالمية الأولى والغاية منه فصل المجتمع العربي والإسلامي عن القرآن الكريم لإضاعة قوة ورصانة العرب والمسلمين على اعتبار أن ثلث العالم تقريبا مسلم من جهة ومن جهة أخرى توجيه المسلمين بالاتجاه الذي يريده المحتل .لافتا إلى أن مصر مثلا في بداية القرن الماضي ولوجود بقايا الاستشراق والحملات العسكرية على مصر ظهرت دور نشر وطباعة تعمل لصالح منظمات معادية للإسلام تطبع الكتب وباللهجة العامية فقط لان هؤلاء المغرضين يدركون تماما أن المسلمين لو اجتمعوا على اللغة سيكون لهم نفس التوجه ويحملون نفس الأفكار وحتى يسلكون نفس السلوك فكان أول إسفين يدق للتفرقة وإشاعة اللهجات العامية بين العرب.

وأستدرك البيضاني قوله لـ شبكة النبأ، أن الطامة الكبرى أن نجاح عملية وصول لغتنا إلى المستوى الحالي تم على أيدي علماء لغويين ومناصرين للتوجه المعادي مبريين فعلتهم بأن اللغة العامية أكثر شيوعا وانتشارا ويزيد البيضاني لم يكن علماء المصريين الوحيدين بل اقتفت أثرهم مدارس في لبنان ثم تطورت الحالة للمسح والتلفزيون وجميع الوسائل العلمية والإعلامية الأخرى.ويضيف أن المناهج الدراسية المعربة غير معترف بها نهائيا في منظمة اليونسكو مما يضطر بالعرب البحث عن المصادر الانكليزية.مشددا على ضرورة التصدي من علماء العرب الواقفون موقف الاستسلام كما تصدى الاستاذ مصطفى جواد لحملة مسخ اللغة كما يطلب البيضاني من المجمع اللغوي العربي ومجمع اللغوي العراقي بتفعيل دورهم للتصدي لهذه الهجمة الشرسة.

بينما المهندس حيدر الصائغ يعزو استخدام المصطلحات الحاسوبية جاء اعتمادا على استخدام اللغة الانكليزية كلغة عالمية متداولة بين جميع سكان العالم ويتفق مع نورس في إنها تأتي من مناشئ غير عربية  حيث يقول" أن استخدام المصطلحات الحاسوبية من الأمور البديهية لان اللغة الانكليزية لغة يتكلم بها اغلب سكان العالم . ويضيف الصائغ أن العرب الآن يعيشون في مرحلة خمول وركود في مجال التطور والتكنلوجيا والاختراعات لذا وضع العرب في خانة المستهلكين لا المنتجين. ويؤكد متى ماتكون تلك الأجهزة عربية يمكن أن  نفكر لماذا لا نستخدم المصطلحات العربية. لافتا إلى أن العالم العربي الخوارزمي المخترع للحاسبة إلا أن الغرب قاموا بتطويرها وإيصاليها بالشكل الذي نراه اليوم وفي كل يوم تصلنا اختراعات جديدة في هذا المجال.

 

شبكة النبأ المعلوماتية- االسبت  26/تموز/2008 - 22/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م