الافلام والاعمال الوثائقية التي نشاهدها على شاشات التلفزيون
خلال دقائق يستغرق انتاجها وقتا طويلا وجهدا مضنيا اضافة الى الصبر
والمهارة والحرفية التي يتحلى بها كوادر انتاج الافلام الوثائقية
التي تصور وتجسد حياة وتصرفات او ربما افكار كائن او مجموعة كائنات
او اشخاص، حيث لا يتحكم المصور او المخرج بفعاليات وتصرفات شخصيات
العمل الوثائقي الذين يتم نقل حركاتهم وافكارهم الى الشاشة بعكس
الافلام السينمائية والمسلسلات والتمثيليات التي يكون كل شيء فيها
تحت سيطرة المخرج ووفق ما رسم وكتب المؤلف والسينارست.
فالفلم الوثائقي هو تجسيد حي للواقع.
وتكمن صعوبة تصوير واخراج العمل الوثائقي في انك لا تستطيع ان
تخطط وترسم خط انتاج العمل بل انت تتبع تصرفات ونشاط اشخاص او
ابطال الفلم وهم يقومون بممارسة حياتهم الطبيعية، اي ان الشخصية
هنا حرة التصرف فيما المصور منقاد كلية الى تتبع تلك النشاطات
والتصرفات ولكن بحرفية لابراز مايشد المشاهد اليها وابراز ما
لايمكن لعين الشخص العادي رؤيتها بسهولة ومن زوايا معينة
والاستفادة من الاضاءات والمؤثرات الطبيعية، وبعدها يتم ربط تلك
اللقطات والمشاهد مع بعضها وتقديمها بشكل يتم معه توصيل الفكرة الى
المتلقي او المشاهد .
فميزة الاعمال الوثائقية انها صادقة أكثر ومخلصة للواقع وتعالج
مواضيع حقيقية تنطلق من الإنسان وتتفاعل معه.
وهنا لابد لنا من لفتة الى ان تاريخ الفن والعمل الوثائقي يرجع
الى ماقبل القرن الماضي حيث كان الفرنسيون يستخدمون مصطلح الفلم
الوثائقي للتعبير عن الاعمال التي كانت تنقل الوقائع او الاحداث
الواقعية غير المصطنعة وكذلك الافلام والعروض الخاصة بالتربية
والتعليم والافلام القصيرة التي اطلقت عليها تسمية الافلام
الواقعية، ولكن التعريف الحقيقي بهذا الفن يرجع الى السينمائي
الاسكتلندي (جون طريسون ) الذي عرف الفلم الوثائقي في مقال له عام
1926 بـ(معالجة النشاطات الواقعية) وكانت تنقل الواقع بجميع
مستوياته السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي وكل ماله علاقة
بالواقع الانساني.
اليوم لا يزال الغرب هو الرائد وبامتياز في هذا المجال.
فبالمقارنة بين الوثائقي في الغرب والوثائقي عندنا العرب، نجد
الفرق شاسعا وكبيرا، لأنهم يقدرون هذه النوعية ويهتمون بها، في حين
ان هناك عدم احترام للفيلم الوثائقي في العالم العربي، وعدم تعويد
للمشاهد العربي على هذه النوعية من الأفلام، رغم اهتمامه عن قرب
بواقع الإنسان وهمومه.
ويتفق أغلب المهتمين بالأفلام الوثائقية تقريبا على ان من أهم
الاسباب التي جعلت هذه الصناعة دون تطلعات المواطن العربي هو
التهميش من قبل دور الإنتاج العربية مقابل اهتمام مفرط بالفيلم
الروائي الذي ظل دون منازع المهيمن على المشهد السمعي البصري
العربي. فالقنوات التلفزية العربية العامة والخاصة عملت على تهميش
الفيلم الوثائقي وعدم برمجته على حساب أفلام روائية تفسد ذوقه ولا
تفيده في شيء.
فليس هناك سوق حقيقي للأفلام الوثائقية العربية، ولا زلنا نعيش
فترة التعويل على الآخر، والدبلجة عن القنوات الأجنبية، التي لها
الجرأة والخبرة الكافيان حتى تمرر وجهة نظرها الخاصة التي قد لا
تنطبق مع الواقع والعقلية العربية.
ومن بين الاسباب ان الافلام التسجيلية (الوثائقية) لا تعرض في
قاعات السينما على غرار الأفلام الروائية، وبالتالي لا تحظى
باهتمام المنتجين والممولين. فغياب القنوات التلفزيونية الخاصة
بالوثائقيات، وصالات السينما المختصة عائق أمام إنتاج أكثر كما
والاحسن جودة. ففي الغرب أنشئوا قنوات تلفزيونية تركز كليا على
الأفلام الوثائقية بجميع أنواعها مثل: (أرتي) الفرنسية الألمانية
و(الخامسة) الفرنسية و(بي بي سي) الإنجليزية و(ديسكوفري)
الأميركية و (زاد دي أف) الألمانية، وقنوات أخرى وهي بالمئات، في
حين لا توجد لدى العرب سوى قناة واحدة أو قناتين مختصة حتى الآن.
سبب اخر لا يقل أهمية عن الاسباب المذكورة وهو هذا التضييق
الرسمي الذي يلقاه الفيلم الوثائقي في الوطن العربي بصفته ينقل
الواقع بجميع مستوياته السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
فوجود هذه القوائم الرسمية الطويلة من المحظورات على الفلم
الوثائقي العربي، وعلى رأسها التعبير الحر عن مجمل القضايا
والشؤون الانسانية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية،
بلا شك تعتبروصفة لانعدام الانتاج الوثائقي نهائيا، او لانتاج ما
هو دون تطلعات المواطن العربي.
* كاتب عماني |