يعمد البشر إلى كسر حاجز الروتين والحياة اليومية عبر فترة
نقاهة واستجمام يقصدون فيها السفر إلى إحدى الدول التي يخططون
لزيارتها في نهاية كل عام، وتعتبر السياحة بمختلف أنواعها
وتوجهاتها مطلب مهم لدى المجتمعات الخليجية، لكن تبقى هذه السياحة
مرهونة بضوابط دينية واجتماعية واقتصادية، بالإضافة إلى ظروف أمنية
وزمنية تفرض عليهم السفر في أشهر محددة كفترة المواسم العبادية
والإجازات الرسمية والصيفية للمدارس والجامعات والتوجه إلى بلدان
بعينها دون غيرها.
وتعتبر السياحة الدينية في المجتمعات الشيعية -خصوصاً الخليجية
منها من أكثر أنواع السياحة انتشاراً فيما بينهم لكن الملاحظ أن
الشريحة الكبرى من هؤلاء المسافرين هم من طبقة متوسطي الدخل -خاصة
في دول كالسعودية والبحرين، لذلك يعمد هؤلاء إلى إدخار جزء من
رواتبهم ومدخراتهم المالية كمصروفات لسفرهم وإقامتهم في نهاية كل
عام.
فمعظم المسافرين والزوار من الطائفة الشيعية في الخليج يتوجهون
لزيارة العتبات المقدسة في عدد من الدول العربية والإسلامية
المجاورة، لما يمثله ذلك من معتقد ديني يحفزهم على زيارة تلك
الأماكن، وبما يحملونه من اعتقاد فيما يحصل عليه الزائر من الأجر
والثواب جراء عمله وزيارته، لذلك يمر السائح الشيعي وتحديداً -الخليجي
في سياحته الدينية بسيناريو لمسلسل درامي يتكرر كل عام يمكن
استعراضه في عدة نقاط.
• انعدام ثقافة السفر والمسافر
يغيب عن كثير من الزائرين والمسافرين ثقافة السفر والمسافر،
فمعظمهم يبني غاية سفره بناء على ميول نفسية أو تحقيقاً لرغبات
أفراد أسرته دون مراعاة للمتطلبات الأخرى التي يمكن أن تلعب دوراً
هاماً في تحديد آلية وطريقة سفره، وهذا ما يلحظه المتابعون عند
أرباب الأسر المسافرة التي تغلب عليهم صفة البساطة -إن صح التعبير،
فهم أكثر عرضة من غيرهم للاستغلال والتحايل ويتعرضون معها لكثير
من العراقيل والصعاب والقضايا التي لاحصر لها.
من هنا كان لابد على كل سائح ومسافر أن يتعلم شيئاً يسيراً من
ثقافة الأسفار التي تبدأ من مرحلة التخطيط قبل السفر بفترة زمنية
كافية، ثم باختيار الدولة التي سيسافر إليها -بعد جمع المعلومات
عنها والقوانين السائدة فيها وعن الأماكن والمدن التي سيتوجه إليها،
وتحديد نوعية المواصلات والسكن ومدة الإقامة وما إلى ذلك من جوانب
ومتطلبات السفر المختلفة، ثم يرصد ميزانية مالية لتحديد مصروفات
وكلفة سفره، ويقارنها بمدى ملاءمتها لظروفه المالية والأسرية، خاصة
في وقتنا الراهن المتسم بغلاء وارتفاع الأسعار في معظم دول العالم.
لذلك على الراغب في السفر أن يضع إستراتيجية واضحة لسفره يراعي
فيها ارتفاع نسبة التضخم والظروف المحيطة به، لكي يستطيع أن يوازن
بين تخطيط بعيد الأمد ( التخطيط المالي) كإنشاء مسكن وأمور حياتية
أساسية، وبين تخطيط آني يرغب فيه السفر إلى إحدى الدول، وهذا
ماجعل البعض وللأسف الشديد يسعى لتحقيق رغبته في السفر كل عام دون
تخطيط، حتى لو اضطر معها أن يثقل نفسه بالديون المتراكمة، فيكون
عرضة لملاحقة الدائنين في كل مكان !!.
• سوريا وإيران والمدينة المنورة مثالاً
وحتى ندرك أهمية ثقافة السفر للمسافر سنتحدث عن ثلاثة أمثلة من
أرض الواقع، الأول : يجهل كثير من المسافرين طبيعة ونوعية
المجتمعات التي سيسافر إليها، فبعض تلك المجتمعات لاتضع احتراماً
للمسافر ولا لإنسانيته، و لاتعير اهتمام لقدسية الأماكن المقدسة،
ولكي يكون المثال أكثر وضوحاً يكفي أن يلقي المسافر بنظرة قصيرة
أمام مرقد السيدة زينب (ع) بدمشق ليشاهد بأم عينه مسلسل الإهانة
والانتهاك لحرمة وقدسية ذلك المكان، فصوت الغناء الذي يرتفع صباحاً
ومساء أمام البوابة الرئيسية للمرقد هو الشاهد الحي على مانقوله،
والعجيب لايحلو لهؤلاء بيع أشرطتهم الغنائية إلا أمام المرقد
وخصوصاً بعد صلاة الفجر !!.
بالإضافة إلى أكوام مكومة من القاذورات والقمامات التي تحيط
بالمرقد الشريف، ناهيك عن باقي الأمور والمناظر الأخرى التي يعف
اللسان عن ذكرها، وهي مجتمعات ويا للأسف الشديد -ممن يتسمون
بالإسلام، بينما نجد صورة نقيض لها في بلاد الغرب حيث تضفي
مجتمعاتهم صفة الاحترام والقدسية لأماكن العبادة كالكنائس والمعابد
والمساجد والرموز الدينية، لذلك قال الغزالي حينما سئل عن رحلته
إلى أوروبا ": رأيت إسلاماً بلا مسلمين هناك، ورأيت هنا مسلمين بلا
إسلام " !!.
أما المثال الثاني : الذي يدل على ضحالة الثقافة لدى المسافرين
أن كثيراً منهم كان – وإلى عهد قريب يحمل صورة ملائكية عن المجتمع
الإيراني، لكنهم يفاجأون بواقع مغاير -بعد سفرهم لما رسموه في
مخيلتهم عن تلك المجتمعات، لأن المجتمع الإيراني مجتمع مثله مثل أي
مجتمع آخر فيه من الخير والشر والجيد والرديء.
أما المثال الثالث والأخير هو : عند السفر لزيارة النبي محمد
(ص) في المدينة المنورة حيث يغلب عليها الجو الديني السلفي المتشدد
الذي لايسمح بممارسات دينية معينة -لأنها من وجهة نظرهم من الأمور
الموجبة للشرك والغلو في مكانة النبي (ص) وأهل البيت (ع)، ولكننا
نجد أن بعض الزوار يصر على ممارستها والإتيان بها دون مراعاة
للظروف المحيطة به.
وكم من المواقف التي يستغلها مايعرف برجال الهيئة لكي يضيقوا
على زوار المصطفى (ص) -وخصوصاً من الطائفة الشيعية، بسبب ممارسة
معتقد ديني يخالف معتقداتهم السلفية ويكون حجة لإيقافهم ومساءلتهم،
لذلك كان من الواجب على الزوار – قدر إمكانهم أن يؤدوا مراسم
عبادتهم وزيارتهم بقدر ماتسمح به الظروف، وأن لايعطوا لهؤلاء فرصة
لمناقشتهم أو الدخول معهم في جدال ديني عقيم لاجدوى منه.
لذلك تبقى ثقافة السائح والمسافر هي المحك والمعضلة الحقيقية
التي تواجه أغلب الزائرين والسائحين الخليجيين لكي لا يقعوا فريسة
سهلة للمستغلين والمتصيدين.
• استغلال الحملات والمكاتب السياحية
الفصل الأول من سيناريو هذا المسلسل -كما قلنا إن ثقافة السفر
والمسافر غائبة عن أذهان شريحة من المسافرين الخليجيين لدرجة يجهل
معها كيفية التهيئة والتخطيط وتوفير أبسط المتطلبات الأساسية لسفره،
خاصة عند سفرهم إلى بلدان تختلف تقاليدها وأعرافها ولغاتها عن ماهو
سائد في مجتمعاتنا وبلداننا.
ومع كثرة الحملات والمكاتب السياحية التي أطلقت بدورها حملات
دعائية تنافسية مزركشة بعروض موسمية تأخذ المسافر في برنامج سياحي
خيالي من شقق فخمة ( فايف ستار ) وما إلى ذلك من المواصفات الراقية
التي يقرؤوها في كثير من الإعلانات، لذلك التحقت شريحة كبيرة من
هؤلاء الزائرين والمسافرين بهذه المكاتب والحملات.
لكن كثير منهم وقع ضحية جشع واستغلال المكاتب والحملات السياحية
-خاصة تلك المكاتب التي أخذت سجلاً سياحياً لتجمع المال وتتاجر
باسم الزيارة والسياحة، ومع ذلك لاننكر وجود مكاتب لديها مصداقية
فيما تطرح من عروض سياحية.
فبعض السائحين والزوار تفاجئوا ببرنامج مغاير عن البرنامج الذي
اتفق عليه مسبقاً، أو بإلغاء برنامج معين من الرحلة، أو تعطيل في
المطارات والجمارك، أو تغيير لسير الرحلة........ والبقية تأتي،
وهذا ليس كلام مصفف، بل واقع ملموس عاشه كثير من الزائرين
والسائحين، ولعل آلاف القصص والحوادث التي يتناقلها الناس عن
استغلال وتلاعب أصحاب الحملات والمكاتب السياحية لهي أكبر دليل على
صحة كلامنا.
ولكي نرسم الابتسامة على وجه قارئنا الكريم ينقل لنا أحد
المسافرين، كيف أن صاحب حملة من الحملات من إحدى الدول الخليجية
استغل مسافرين من عدة دول بعد أن أخذ أموالهم قصد الزيارة، لكنه
المسافر الوحيد الذي لم يعطه كامل المبلغ قبل السفر، ليتفاجأ
الجميع بتعطلهم في المطارات لعدة أيام وبسوء المعاملة ورداءة
المسكن والمأكل، وكانت المفاجأة الكبرى تنتظر ذلك المسافر حينما
فوجئ بضيف ( فأر ) يدخل عليه غرفته ليوقظه من نومه !!، عندها قرر
الانفصال عن الحملة وإعطاء صاحبها مصاريف مدة إقامته معه، إلا أن
صاحب الحملة أصر على دفع كامل المبلغ دون نقصان - بالرغم من عدم
استحقاقه له، وبعد نقاش واحتدام طويل، قال المسافر لصاحب الحملة :
أتق الله، فأنت محاسب أمام الله عز وجل، والإمام الذي استغليت اسمه
لكي تجمع المال من هؤلاء الزائرين، فما كان جواب صاحب الحملة إلا
أن قال : ادفع المبلغ كاملاً، ودع الله يحاسبني، وأنا والإمام
نتفاهم.!!.
نكمل سيناريو مسلسل سائح شيعي في المقال القادم بمشيئة الله
* كاتب وباحث سعودي
والمسئول الإعلامي لمركز الأسرة للتدريب
في القطيف |