استوقفني الكاتب العربي انيس منصور عندما كتب قائلا (سطر واحد
ينقل الشخص من لص الى نزيه).
اشار خلال مقاله المنشور في صحيفة الشرق الاوسط الى ضرورة
التنويه والاشارة الى اي نتاج فكري او صحفي مقتبس الى صاحب ذلك
النتاج الاصلي ولو بسطر قصير يذيّل نهاية هذا النتاج اي كان نوعه
وماهيته.
فيما بدى بين سطور مقاله مدى حنقه واستنكاره قيام احدى الصحف
بنشر مادة صحفية مأخوذه من احدى المجلات في وقت سابق دون الاشارة
الى صاحب النتاج، مشبها ما حدث بعملية سرقة في وضح النهار.
المثير للسخرية ان الاستاذ انيس منصور لو يطلع على طريقة عمل
العديد من المؤسسات الاعلامية والصحفية في العراق لترك عمله في
الصحافة وذهب ليمتهن اية مهنة اخرى تبعده الى ابعد ما يكون عن
الصحافة، فقد يحبذ العمل في السينما او التجارة او الاعمال الحرفية
حتى، لهول ما قد يراه من الإلتفافات وسرقة لحقوق النشر والملكية
بكل وقاحة وجرأة وفنطازية.
فقد كان لظاهرة الديمقراطية التي تفشت في العراق مؤخرا، انبثاق
المئات من المؤسسات الاعلامية المصدرة للصحف والمجلات والقنوات
الفضائية، صحيح ان ذلك ينم عن حالة صحية في هذا الوسط المهم
والحساس، لكن دون وجود قواعد وضوابط لتسيير هذا العمل الصحفي مع
افتقار العديد من الصحفيين الجدد للمهنية والانضباط في الاداء، مما
ادى بتلك العوامل السلبية الى القاء ظلالها القاتمة على المشهد
الاعلامي العراقي.
فمعظم افراد تلك المؤسسات من الطارئين على الوسط الاعلامي
والثقافي لا يدركون حجم الرسالة المقدسة لهذه المهنة النبيلة،
ساقتهم ضرورات الانفتاح المفاجئ والكبير على المشهد العراقي لما
تكتنف طياته من احداث حساسة تستلزم متابعة القاصي والداني، وما
تمثله تلك الشؤون من اهمية وتأثير في الشأن الدولي والاقليمي.
فضلا عن افتقار العديد من المؤسسات الاعلامية للضوابط المهنية
والحياد في تأدية مسؤوليتها امام المجتمع المحلي والدولي، كونها
مؤدلجة ومجيرة لجهات سياسية، اومحددة لمصالح فئات ضيقة، لتبقى
متشرقنة داخل فشلها وهي تراوح حول افق ضيق ومحدود، رغم حيازتها
امكانيات مادية ولوجستية هائلة.
لذا كان افتقار الحركة الاعلامية في العراق للوائح وقوانين
تنظيم قواعد العمل و ضمان حقوق النشر، السبب الفاعل في استباحة
العديد من الصحف والمجلات اخلاقيات المهنة عبر نشر المواد الصحفية
دون الرجوع الى الكاتب والتنكر له احيانا.
فنجد غياب الحافز لدى تلك المؤسسات الاعلامية في المنافسة
الشريفة لاستباق الخبر الصحفي او حتى التكلف باجراء التقارير
والتحقيقات الصحفية الخاصة، معتمدة في نتاجها اليومي على ما ينشر
في بعض وسائل الاعلام الاخرى، من خلال نسخ ونشر ما يلائمها دون
الاشارة الى اسم الكاتب او الصحيفة التي رعت هذا المنتج مسبقا.
من جانب آخر بالرغم من اقامة عدد من المؤتمرات وانبثاق العديد
من القوانين لتنظيم العمل الصحفي في العراق الا ان تلك المواثيق لم
تراعي في بنودها احياء قانون المطبوعات والنشر الذي يلزم المؤسسات
الاعلامية والصحف ببعض القوانين التي تراعي حقوق النشر والملكية
الفكرية والمعلوماتية، كحفظ حقوق المؤلف وأعماله من القرصنة الذي
قد يعود على غيره بالنفع بسبب تعدي جهة ما على حقوقه.
فقد نصت المادة الخامسة عشر من قانون حماية المؤلف رقم (3)
للعام 1971 على فقرة: لا يجوز نقل الروايات المتسلسلة أو القصص
القصيرة وغيرها من المصنفات الأدبية أو الفنية أو النشرات الدورية
أو العلمية التي ينشرها مؤلفوها في الصحف إلا بإذن منهم. ويجوز
للصحف أن تنقل ما ينشر في غيرها من المقالات الخاصـة بالمناقشات
الاقتصادية والدينية والسياسية التي تشغل الرأي العام في الصحيفة
مادام لم يصدر ما يحظر النقل صراحة، وفي حالة النقل يجب ذكر المصدر
بصفة واضحة.
حيث تم التركيز على قوانين تنظيم البث المرئي والمسموع التي
تراعي حقوق النشر بما يحفظ لتلك القنوات حقوقها المادية والمعنوية،
فيما اغفلت الاشارة الى حقوق المطبوعات كالصحف والمجلات فضلا عن
الصحافة الالكترونية .
في معرض حديثنا اجريت مؤخرا انتخابات نقابة الصحفيين العراقيين
في بغداد، التي نتمنى ان يتميز افراد الهيئة الادارية الجدد فيها
بقدرتهم على المحافظة على استقلالية ومهنية نقابتنا الموقرة
والنهوض بمسؤولياتهم الجسيمة في مناصرة وخدمة زملائمهم الصحفيين،
كما نتمنى لهذه الهيئة الادارية ان تترفع عن جميع المصالح الآنية
والشخصية في تداولها شؤون الوسط الصحفي، فيما نوجه دعوتنا الى
نقابة الصحفيين العراقيين لسن قوانين العمل الصحفي لاسيما قوانين
حقوق النشر وحرية الرأي والتعبير، بالتنسيق مع الجهات القضائية
لتشكيل مجلس اعلى لحماية حقوق النشر والفكر اسوة بدول العالم
المتقدمة.
مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام
Annabaa.org |