الاعلام العربي.. الميت الذي لا يحرك ساكنا

عقيل عبدالخالق اللواتي

اذا تعلق الامر بمجازر اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني فهي لا تعد ولا تحصى وتملأ روزنامة ومفكرة قرن من الزمن  وليس عام واحد فقط، ولكن الجديد القديم في هذا السياق هو الحال التي يعيشها بعض الإعلام العربي تجعله مفرغاً ومتحللاً من التزاماته حيال القضايا المصيرية وهي قضايا أمة وتاريخ وحضارة كانت تستوجب حالة من الهجوم الإعلامي الذي يضع في رأس أجندته حقوق الشعب العربي المسلم.. هذه الحقوق التي لاتدخل في دائرة التنازل والمراضاة.

لقد جادل البعض قبل سنوات بأن فلسطين لم تكن لتسقط في أيدي اليهود عام ثمانية وأربعين لو كان هناك وسائل إعلام مؤثرة كتلك المنتشرة في العالم هذه الأيام. أي أن الإعلام العربي كان سيقوم بدور التوعية للأمة كي تحول دون احتلال فلسطين. لكن هذه النظرية الساذجة سقطت مؤخراً سقوطاً مريعاً ومدوياً، في أكثر من مكان.

لقد رأينا كيف اقامت اسرائيل الدنيا ولم تقعدها من اجل ثلاثة من جنودها مخطوفين.  واحد في غزه، قتلت من اجله اسرائيل اكثر من 400 فلسطيني غير المنازل التي هدمتها. واثنان في لبنان اختطفهم حزب الله، فشنت اسرائيل حربها على لبنان اعادته عشر سنوات للوراء.  وكان عدوان تموز (يوليو) الإسرائيلي على لبنان منقولاً على الهواء مباشرة على معظم الشاشات العربية على حد سواء. فماذا كنا نرى من هذا الاعلام؟

لقد رأيناه كيف يضرب في عرض الحائط بأبسط قيم التضامن الانساني وليس الوطني أو القومي فحسب. ثم صمتت مدافع الحرب بعد ان بدأت علائم التعثر والانهزام في عمليات الجيش المعتدي وتلقى خسائر فادحة،  فقام بالتشكيك في مدى انتصار المقاومة والتلويح بسحب سلاحها في صورة كاشفة عن تحقق تحالف مع العدو كأمر واقع ولم يعد من الان مصدر تورية أو خجل لأحد.

وحسبك أن تنظر لما يعرض الآن في الفضائيات العربية التي تتحدث في تقاريرها عن القدس كأي خبر آخر.. ولكنها تفرد الإعلانات المطولة عن العطور والملابس في ساعات متنوعة ويتم الحديث في برامج يومية عن أنفلونزا الطيور.. بينما تذبح المقدسات وتغتصب وتهود الأرض حتى ترى هذا الفصام الحاد بينها وبين الواقع العربي.

فما زال الإعلام العربي مهزوزاً بهز راقصاته، وضعيفاً يحتضر على فراش الموت، وخاوياً إلا من أشعار شعبية ومسابقات أقرب ما تكون إلى التفاهة والسخافة. فأغلب الأعمال الدرامية تهتم بقضايا ثانوية جداً وتتجاهل القضايا المصيرية، أما الأغاني وبرامج النجوم ولقاءاتهم فهي تهيم في عالم آخر، رقص وليال ملاح وابتسامات صارخة وحوارات لا تعبر إلا عن تفاهة وسطحية، كل هذا نراه في هذه الأيام التي يتفكك فيها لبنان وتطحن فيها غزة في حصار يصل الى حد الابادة الجماعية البطيئة وقطع الكهرباء ومنع المواد الغذائية  والطبية عن  قطاع غزه الذي وصلت نسبة الفقر والعوز بينه الى 90 % بالمئة.

لقد قال جون رالي وهو أحد الأكاديميين الإعلاميين الأميركيين في مقالة له مشبهاً الإعلام العربي وخطابه بالرجل الميت الذي يمكن أن تديره كما تشاء ولن يحرك ساكناً.

فهذا الإعلام في حالته الراهنة، والذي يفترض ان يكون الواقع العربي من بديهيات رسالته وخطابه في زمن الظلم والطغيان الأميركي والصهيوني وانقلاب المفاهيم.. هذا الاعلام لايرقى إلى حدود مستوى المخاطر التي تسور الأمة، بينما الإعلام الصهيوني يحقق اختراقات على أكثر من جبهة. فتحشيد الرأي العام في الغرب، وزرع القناعة في الوعي الغربي بأهمية وجود "إسرائيل" للدفاع عن الحضارة والمصالح الغربية، وتشويه صورة العرب وقلب الحقائق وتزييفها... عناوين رئيسة للفعل الإعلامي الخاضع للسيطرة الصهيونية، والذي يلقى الدعم من جهات الغرب الرسمية، ولاسيما في الولايات المتحدة، حيث يتحول قاتل مجرم مثل شارون إلى رجل سلام، وذلك من خلال‏ أربع شبكات تلفزيونية تشكل في مجموعها أكثر من (95%) من الأخبار المحلية والعالمية التي تجمع وتصور وتبث للمواطن الأمريكي، وهي تدار من قبل اليهود.

اننا نشهد عواصف متواصلة للنيل من الإنسان العربي والمسلم وإرضاخه وتطويعه بكل ماتحمله هذه الكلمات من معاني. وانحسار الخطاب الإعلامي العربي ودوره في الصراع مع العدو الصهيوني يعكس وبلاشك حالة التمزق والترهل وغلبة السياسات القُطرية التي ترى مصالحها في اتجاه آخر ضاربة بعرض الحائط مصير الأمة المشترك.

وهنا فانا لا اقصد ان يكون الاعلام العربي مليئا بالشعارات الجوفاء وبالرسائل المباشرة، ولا ان يتحول الى خطاب قومي سياسي كما تفعل الدول الشمولية، وانما اقصد بأن يتحول الخطاب الإعلامي العربي الى خطاب محرك ومؤثر يصنع له مكاناً تحت الشمس مستنداً إلى أرضية فهم دوره والمطلوب منه.. إذا كان هناك إدراكاً وتحسساً لطبيعة المخاطر التي تحيق بالأمة العربية والإسلامية.

* كاتب عماني

شبكة النبأ المعلوماتية- االاحد  20/تموز/2008 - 16/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م