تحديات لـ "إتحاد من أجل المتوسط"

د. محمد مسلم الحسيني - بروكسل

في الثالث عشر من شهر تموز(يوليو) الجاري إجتمع رؤساء غالبية الدول المحيطة في حوض البحر الأبيض المتوسط في العاصمة الفرنسية باريس من أجل التداول في صيغة إعلان ولادة جديدة لمشروع جديد إسمه" إتحاد من أجل المتوسط". يعتبر هذا الإتحاد إمتدادا حيّا لمشروع سابق سميّ بـ (مسار أو عملية برشلونة) الذي لم ينجح في تحقيق الأهداف التي رسمت له مما حتم إنشاء مسار جديد لتحقيق ما لم يتم تحقيقه في السابق.

الإتحاد الجديد له طموحات وأهداف جبارة تهتم بتطوير إقتصاد دول الإتحاد وخاصة دول جنوب الحوض وتشجع التبادل العلمي والثقافي بين دول شمال الحوض وجنوبه مما قد يفسح المجال أمام إقامة حوار بين الحضارات، كما تعمل مبادىء هذا المشروع على تنظيم الهجرة ومكافحة الإرهاب والى تأمين الطاقة والموارد المائية وتهتم بالبيئة خصوصا بيئة وسلامة مياه البحر المتوسط وتقيم شبكة مواصلات وطرق للنقل، كما تدعم الأمن الوطني والسلام والإستقرار في المنطقة وتكرس مبادىء الحرية وحقوق الإنسان وإرساء معالم الديمقراطية في دول تلك المنطقة.

المشروع الجديد هو مشروع رائد برؤاه وطموحاته وأهدافه إلاّ أن الأمل في تحقيق الأهداف المرسومة له يبقى في موضع شك وترقب، فقد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. إذ ان ثمة غيوم سوداء لا تزال تغطي سماء هذا المشروع الجديد مما تعتم الرؤيا وتربك الوضوح. أهم التحديات والعوائق التي يواجهها هذا الإتحاد والتي قد تثير شكوك المحللين السياسيين في نجاح مسار هذا المشروع وتحقيق أغلب أهدافه التي رسمت له هي :

 1- الدول التي تشكل هذا الإتحاد يمكن تصنيفها الى صنفين متباينين هما : الصنف الأول يضم دول شمال الحوض وهي دول اوربية منسجمة مع بعضها في ستراتيجياتها ورؤاها ومصالحها بشكل عام وتشكل المحور النشيط أو القوي في هذا الإتحاد. الصنف الثاني وتمثله دول جنوب الحوض وهي دول متنافرة غير متحدة أصلا فيما بينها بالرؤى والمصالح والأهداف، فلها ستراتيجيات وطموحات وخصائص مختلفة وتشكل المحور الخامل والضعيف في المعادلة. إن كتب على هذه الدول التي تحيط حوض المتوسط أن تشترك معا في صنع نسيج واحد فأن هذا النسيج سيكون نسيجا متباينا في عناصره ومكوناته يسهل شقه وتمزقه أثناء الحراك.

 وجود إسرائيل داخل هذا الإتحاد يعني وجود عنصر الإنشقاق والتشرذم. إذ كيف يتم جمع دول متناقضة الأفكار والستراتيجيات مع بعضها ؟ كيف ستحقق هذه الدول الأمن والسلام في المنطقة وهي في حالة حرب غير معلنة مع بعضها؟. كيف يتم الإتحاد بين دول ترفض التطبيع مع إسرائيل ودول تشجع التطبيع في ظل ظروف يكتنفها الغموض والتشنج؟. أسئلة معقدة والإجابة عنها ستكون معقدة وصعبة لا يمكن تجاوزها أو غض النظر عنها؟.

لم يكن الخلاف العربي الإسرائيلي هو الخلاف الوحيد بين دول الإتحاد الجديد والذي سيشكل عقبة هامة أمام مسار هذا الإتحاد، بل ثمة خلافات أخرى قائمة بين دول أخرى داخل هذا الإتحاد مثل الخلاف الجزائري المغربي حول الصحراء الغربية والخلاف المغربي الأسباني حول مدينتي سبتة ومليلة والتشنج السوري اللبناني جراء الوضع السياسي الداخلي في لبنان وغيرها من النزاعات المعلنة والمستترة قد تشكل محاور إنشقاق داخلي في جسد هذا الوليد الجديد تهدد كيانه وفرص نموّه.

2- دول جنوب الحوض ترتبط بعضوية إتحادات ومجالس أخرى كالإتحاد الأفريقي ومجلس الجامعة العربية. إنضمام هذه الدول الى إتحاد جديد ربما يؤدي الى إنسلاخها من عضوية الإتحادات الأصلية التي تضمها أو على الأقل إنشغالها عنها، أو ربما يؤدي هذا الى إقصاء وتهميش الدول الأخرى المنضوية في تلك الإتحادات والتي لم يتم دعوتها للمشاركة في عضوية الإتحاد الجديد بسبب موقعها الجغرافي خارج منطقة الحوض.

هذا الهاجس لا يشمل دول جنوب الحوض فقط بل يشمل دول شمال الحوض أيضا. فالإتحاد الأوربي لم يكتم مخاوفه من إنسلاخ دول شمال الحوض الأوربية من الإتحاد الأوربي وإندماجها بالإتحاد الجديد، وعلى أساس هذه المخاوف فأنه حوّر تسمية الإتحاد الجديد من " الإتحاد المتوسطي " الى " إتحاد من أجل المتوسط "، كي يبعد نقاط التشابه مع الإتحاد الأوربي. هذا من جهة ومن جهة أخرى دعى الإتحاد الأوربي الى مشاركة كافة دول الإتحاد الـ (27) في عضوية الإتحاد الجديد كي لا يبقى مقتصرا على دول شمال الحوض الأوربية مما قد يؤدي الى حصول تمزق في النسيج الأوربي الواحد من خلال إندماج بعض أعضائه في الإتحاد الجديد دون الأعضاء الآخرين. هذا الهاجس الذي عالجته دول شمال الحوض لم يعالج من قبل دول جنوب الحوض مما سيبقي باب النقاش والتوجس مفتوحا!

3- رغم ان تركيا تشارك في عضوية هذا الإتحاد إلاّ إنها ممتعضة من هذه المشاركة التي تراها شرّ لا بد منه!. طموحات تركيا تتجاوز عضوية الإتحاد من أجل المتوسط فهي تطمح أن تكون عضوا فاعلا بين دول الإتحاد الأوربي وتخشى أن تصبح عضويتها في الإتحاد من أجل المتوسط بديلا مفروضا عن العضوية الحقيقية التي تطمح لها. رغم طمأنة الإتحاد الأوربي لها بأن عضويتها في الإتحاد الجديد لا تتناقض مع عضويتها المزمعة في الإتحاد الأوربي، إلاّ أنها تبقى في حالة ترقب وريبة من هذا المشروع الجديد التي ربما لا تتردد في إفشاله إن سنحت الفرصة لها.

4- المشاريع السابقة والتجارب التي سارت بنفس النهج لم يكتب لها الرقي والنجاح كفكرة الجوار الأوربي ومسار برشلونة عام 1995م. التحديات والمصاعب التي وقفت أمام نجاح هذه المشاريع لا زالت قائمة حتى الآن ولا توجد مؤشرات حاسمة تؤكد زوالها أو على الأقل إحتوائها. إعلان ولادة مشروع جديد وتحت إسم جديد لا يعني بأي شكل من الأشكال نجاح هذا المشروع ما لم ينضوي تحت برنامج حقيقي جدي وواضح وسهل التطبيق ينظر الى مواضع الخلل ويبحث عن أسباب الفشل ويعالجها.

 من أهم المصاعب التي واجهت المشاريع السابقة هي مشكلة وضع البرنامج النظري في حيز التطبيق، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قد خصصت مبالغ مادية ضخمة من أجل تمويل المشاريع الإقتصادية في دول جنوب الحوض إلاّ أن هذه المبالغ لم تر النور أبدا بل بقيت في خزاناتها نائمة! أوربا اليوم أمام مشاكل مادية معلومة بسبب الإرتفاع الحاصل في أسعار مصادر الطاقة وربما يقود هذا الى كساد إقتصادي محتمل، وهذا ما سيثير التساؤل والإستفسار حول إمكانية توفير مبالغ مادية جديدة كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد وعد بها والتي تقدر بـ ( 14) مليار يورو، من المزمع صرفها على برامج المشروع الجديد في ظل هذه الظروف الصعبة!

 5- قيادة فرنسا لمشروع كبير وبهذا الحجم، يجمع بين دول شمال حوض المتوسط وجنوبه ويعمق البعد الإستراتيجي لأوربا في المنطقة، يعني إعلان المنافسة مع مصالح أمريكا ونفوذها وسطوتها في هذه المنطقة. هذا التنافس المفروض سوف لا يؤنس السياسيين الأمركيين ولا يطيّب خواطرهم وسوف يحاولون بالسر والعلن التدخل في تفاصيل هذا المشروع من أجل شلّه وإيقافه قبل أن يتحول الى نواة جذب وإستقطاب هامة تخدم مصالح أوربا وتكسبها وزنا إضافيا في المعادلة الستراتيجية.

في ساحة هذه التحديات والمصاعب سيتم سباق طفر الموانع بين ساركوزي القصير والمحن الطويلة، فما علينا إلاّ الإنتظار لمتابعة النتيجة!

شبكة النبأ المعلوماتية- االسبت  19/تموز/2008 - 15/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م