زوجتي لا تقرأ

حسن آل حمادة

الصدمة الكبرى التي مررت بها في حياتي الزوجية؛ أنني اكتشفت بعد أيام قليلة من عقد القِران الذي ربطني بالسيدة (عقيلة المقبل) أنها زوجة لا تقرأ، وكانت هذه معلومة قاسية تلقيتها عام 1418هـ في أيامي الأولى التي قضيتها كزوج، وأنا للتو أرسم جبالاً من الأحلام بل أُشيّد أوطاناً!

 علمت بهذه المفاجأة القاسية عندما قلت لزوجتي: ماذا تقرئين؟ وماذا تفضلين من الكتب؟ فكانت إجابتها بالنفي؛ إذ أوضحت لي أن قراءاتها لا تتعدى كتب الدراسة الجامعية! هذا الموقف صدمني كثيراً، وقلت في نفسي: لا بأس، هوِّن عليك يا حسن، فأنت مؤلف كتاب: "أمة اقرأ... لا تقرأ"، وزوجتك تعيش في أحضان هذه الأمة غير القارئة، وإن كنت صادقاً في طرحك ووصفك للمرض، فعليك أن تبدأ العلاج مع أقرب الناس إلى قلبك، ألم تدعِّ أنك تُقدِّم "خطة عمل لترويج عادة القراءة"، فهاهي الفرصة بين يديك، فماذا بوسعك أن تفعل؟

بالفعل كانت خطواتي إيجابية وعملية، فكل ما قمت به أنني قدّمت لزوجتي بعض مقالاتي وكتاباتي، ثم غمرتها بالحب، ومزيداً من الكتب التي تتناسب مع اهتمامها وتفكيرها، بطريقةٍ تدريجية، وعمدت التنويع في هذه الكتب بين الدينية والثقافية والقصصية والروائية و...إلخ، فتحولت زوجتي سريعاً لقارئة جيدة، بل شجعت أخريات على القراءة؛ لأنها تحمل في حقيبتها اليدوية بعض الكتب لتكمل قراءتها عندما تحين الفرص المناسبة لذلك، وهي جالسة تنتظر أخواتها أو صديقاتها، وبعض هذه الكتب استعيرت منها كثيراً، واهترأت أوراقها، وهذا الأمر يسعدني كثيراً، فلو تمزقت أو تشوهت صفحات الكتاب بعد أن يقرأ مراراً وتكراراً، خير من أن يوضع كديكور في مكتبة المنزل ولا يتصفحه أحد!

استحضرت تجربتي مع زوجتي هنا بعد أن قرأت مقطعاً جميلاً في رواية "بلدي"، للشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف، يقول فيه إن أحد الغُيَر على العقيدة كتب إلى لجنة المنطقة "على الرغم من كل جهودي، وحتى من وسائل الضغط الجسدية التي مارستها على زوجتي، فإنها لا تقرأ حتى الموجز في تاريخ الحزب الشيوعي الروسي (البلشفي) قراءة مناسبة، أرجو لجنة المنطقة التأثير في زوجتي والعمل على تربيتها الفكرية".

 فالقسوة والإكراه، لا يولدا قرّاءً، داخل الأسرة، بينما الترغيب والتشجيع هما خير معين.

لن أتحدث كثيراً عن تجربتي مع زوجتي؛ فزوجتي التي قلت إنها لا تقرأ بداية معرفتي بها، تجاوزت فعل القراءة، وراحت تكتب وتنشر؛ فنشرت على سبيل المثال في: جريدة الوطن السعودية، ومجلة بشرى اللبنانية، وموقع قطيفيات، كما نشرت مقالتين في كتابي سلسلة أفكار هادفة، وغير ذلك من الأماكن. 

وهنا أتوقف عند هذه المحطة لأسجل رؤية موجزة حول الكتابات النسائية، فالمرأة منذ القدم أثبتت أنها قادرة على الإبداع؛ إن هي أمسكت ناصية القلم بوعي ومحبة وطموح، وها نحن نقرأ بين الفينة والأخرى باعتزاز وافتخار؛ لأقلام نسائية. فالمرأة في كتاباتها لا تقل عن مستوى ما يقدمه الرجل، هذا من حيث الكلام الإنشائي، الذي هو بحاجة لما يثبته عبر تقديم نماذج من الكتابات النسائية وهي متوافرة بين أيدينا.

أجل، هذه رؤيتي للأقلام النسائية، ولا بد لي من تسجيل ملاحظة هنا، تتعلق بعدد الأقلام النسائية مقارنة بعدد الأقلام الرجالية؛ فالفارق الكبير الذي هو في صف الرجال لا تخطئه العين، لذا نطمح أن نرى كوكبة جديدة من الكاتبات. 

شبكة النبأ المعلوماتية- االثلاثاء  15/تموز/2008 - 11/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م