الطب في العراق: فرع التخدير بين المآزق والتطلعات

تحقيق:علي فضيلة الشمري

شبكة النبأ: يعتبر الطب مؤشرا مهما من مؤشرات صحة المجتمع وتقدمه وتطوره فلا يعقل وجود نظام صحي معتل ضمن مجتمع او امة تاخذ بناصية العلم في ميادين اخرى او تتصدى للابداع في مضامير البناء والحداثة والعكس صحيح، والطب في العراق كما سائر فروع المعرفة والعلم  يمتاز بعراقته ورصانته وقدرة وكفاءة الطبيب العراقي محل اشادة وتثمين من قبل افضل المراكز العلمية في العالم، الا ان الحروب المتتابعة وظروف الاحصار والمقاطعة الدولية التي عانى منها العراق خلال السنين العشرين المنصرمة القت بظلالها الكارثية على المسيرة العلمية للبلد وكان للطب بفروعه المختلفة حصة لاتنكر من الاهمال والتدمير.

فالبلد يعاني اليوم من شحة الكوادر ونقص الخبرات وتعثر العملية التاهيلية والاعدادية للكوادر الجديدة اما بسبب هجرة اوتهجير او ملاحقة او اغتيال الكوادر العلمية والرموز الطبية ذات الكعب الاعلى في حقل البحث والتدريب.

ومن اللافت للنظر وجود انهيار خطير في فروع بعينها  لحقها ضرر اكبر واوسع مدى من حقول اخرى للطب ربما يكون السبب في ذلك عوامل اجتماعية او اقتصادية او عومل ترتبط  بانعدام خطة عمل او برنامج واضح لوزارة الصحة او نقابة الاطباء، ومن اهم الفروع الطبية  التي نالها الاهمال او التي باتت معرضة للانقراض هي فروع الطب الغذائي والطب العدلي والتخدير، ولغرض القاء نظرة مجسمة على واقع التخدير الطبي في العراق وآفاق العمل والمعوقات التي تعترض سبيل تصويب مسيرة هذا الفرع المهم والقاء الضوء على معاناة كوادر التخدير من اطباء وكادر وسطي اجرينا هذا اللقاء مع الدكتور ميثم مرتضى الكناني اخصائي تخدير وطالب دكتوراه (بورد عراقي) في التخدير والانعاش في مركزاليرموك التعليمي بالعاصمة بغداد.

س/ في البدء هل لك ان تعطينا فكرة عن دور طبيب التخدير في العملية  الجراحية؟

- التخدير فرع مهم وتكمن اهميته في انه الفرع الطبي الوحيد الذي يتداخل مع عمل اغلب الفروع الطبية الاخرى مثل الجراحة بانواعها العامة البولية الكسور الانف والاذن والحنجرة والوجه والفكين والنسائية والنفسية والعصبية وحتى الاشعة، وتمتد مسؤلية اشراف طبيب التخدير من استقبال المريض قبل العملية في زيارة التقييم لغرض فحصه بشكل كامل وتقرير ما اذا كانت حالته تسمح له بالخضوع مباشرة للعملية او تاجيل عمليته ووضع برنامج تاهيل دوائي وغذائي وحياتي لمدة معينة من الزمن الى حين تصبح حالته مهيئة لاخضاعه لتاثير التخدير والعملية الجراحية.

س/وهل هذا يشمل جميع انواع العمليات الطارئة والباردة؟

- كلا فقط الحالات الباردة اي التي تحتمل حالة المريض الصحية معها التاجيل لمدة من الزمن من دون احتمال تدهور وضعه الصحي او وفاته اما العمليات الطارئة هي عمليات انقاذ حياة يتم فيها التغاضي عن بعض الاجراءات ونقتصر على الاجراءات الكفيلة بتثبيت حالة المريض وجعلها اكثر استعدادا لتقبل التخدير  والجراحة واثارهما.

س/لماذا ينحى باللائمة على التخدير في حالات الوفاة ولدينا مثال قريب هو حالة الفنانة الراحلة سعاد نصر التي يقال انها توفيت نتيجة جرعة زائدة من البنج؟

- هذه معضلة وتهمة مابرحنا نعاني منها في مجتمعاتنا العربية وفي العراق خصوصا حيث يعتبر التشريح من المحرمات ويبقى معرفة السبب الحقيقي للوفاة مجهولا حتى لنا، واكثر من يدفع الثمن هو طبيب التخدير حيث يتم اتهامه بسهولة وارتجالا من قبل اشخاص غير مهنيين بان السبب هو جرعة اظافية من التخدير، وللعلم فان الجرع الدوائية بالنسبة للطبيب اشبه ما تكون بالبديهية اذا لايمكن ان نتصور طبيب تخدير لايعرف جرع الادوية التي يحتاجها مريضه كما هو الحال مع طبيب الباطنية او الاطفال او باقي الاطباء.

س/ما هو السبب الحقيقي اذن في الوفيات التي تحدث اثناء العملية والغير ناشئة عن خطا جراحي وفي بعض الاحيان يموت المريض بمجرد ان تدفع له ادوية التخدير وقبل ان يلمسه الجراح؟

- طبعا المخدر يتعامل مع الادوية ولايكون مسؤلا عن مناشئها وظروف الخزن والشحن  وهذه مشكلة مختصة بوضع العراق الحالي والادوية المخدرة في مجملها ادوية مثبطة لعمل القلب وتحتاج الى استعداد جسمي متقن قبل الشروع بالعملية وهذا ما يتم انجازه في فترة التحضير للعملية التي تستغرق في بعض الاحيان الى شهور وكذلك هنالك اسباب اخرى قد لاتكون واضحة في حياة المريض العادية ولكنها تتفاقم في حالات الشد مثل التعرض للمواد  المخدرة او الجراحة ويجدر ملاحظتها والتوقي من مضاعفاتها قبل واثناء وبعد العملية او اختيار نمط اخر للتخدير لتلافي الاسوء.

س/وماهي انواع التخدير؟

- التخدير العام، وهو الشائع جدا والاقدم زمنيا، والتخدير المناطقي، والذي يقتصر اما على تخدير الاعصاب الشوكية من خلال زرق ابرة في ظهر المريض وتثبيت انبوبة للحقن المتتابع اثناء العملية واحيانا تمتد الى ما بعد العملية لغرض تسكين الالم الناتج عن العملية، وهنالك تخدير يتحدد بعصب محدد او عقدة عصبية تغذي المجال الذي يراد اجراء العملية فيه وطبعا هذين النوعين الاخيرين هما الاقل ضررا للمريض ويمكن اجرائهما لمختلف الاعمار. 

س/ وهل التخدير المناطقي متوفر في العراق؟

- مع الاسف هو محجم ومحدود جدا في العراق، رغم وجود مبررات علمية للعمل به فضلا عن تقليل الكلف السعرية للتخدير ومن هنا اناشد السيد وزير الصحة بالحاح وانبه جميع الجمعيات النسوية  الى ان اعطاء التخدير العام للعمليات القيصرية هو بمثابة جريمة ونحن معشر اطباء التخدير نتبرأ منها امام الله اولا وامام القانون ثانيا، لان العلم الحديث يؤكد وجود مخاطر لاستخدام البنج العام للحوامل اثناء الوضع لانه يزيد من احتمال تقيؤ المريضة اثناء البنج مما يؤدي الى تلف الرئة وحصول مايعرف بمتلازمة مندلسون الخطيرة جدا، وادعو الى اعتماد البنج المناطقي بدلا عنه لمصلحة المرضى بشكل عام.

س/لماذا نجد نقصا حادا في اعداد اطباء التخدير في البلد؟

اسباب عديدة منها ما يتوقف على اجراء من الوزارة ومنها ماهو مادي او اجتماعي فمثلا فرع التخدير مهمل من قبل الوزارة بشكل واضح وفيما عدا الخطوة المشكورة لدولة الدكتور ابراهيم الجعفري بمضاعفة راتب اطباء التخدير، لم نجد اي مبادرة لتطوير هذا الفرع او انصافه واعطيك مثالا فان عيادات مكافحة الالم وهي عيادات متخصصة في دراسة وتشخيص ومعالجة كل انواع الالم الناشئة عن عرق النسا او الكسور او التهاب الاعصاب او داء الشقيقة او سواها من مسببات الالم، هذه العيادات لايكلف افتتاحها وتعيين اطباء تخدير لادارتها بعد تدريبهم في مركز علمية دولية او اقليمية لن تكلف اكثر من كلفة الاف المباني التي يعاد طلائها كل سنة وتهدر اموالها من دون ان تثمر عن تخفيف معاناة الناس كذلك تجربة الولادة بلا الم وهي ركن اساسي في التخدير لو تعمم ويمنح المخدرون في المستشفيات الحكومية مبلغا من المال ولو كان زهيدا لاسهم في تطوير فرعنا وتخفيف الم المرضى، اما في ما يتعلق بالجانب المالي الطبيب المخدر شريك في الخسارة فقط اي ان المجتمع لاينتبه الى دوره في العملية الا اذا توفي المريض واسال اي شخص اجرى عملية جراحية هل سال عن اسم المخدر الذي اعطاه التخدير ولكن اهله وعشيرته سيكونون دقيقين في حال حصول مشاكل لاسامح الله وقصص الفصل العشائري لا يكاد سجل خدمة  طبيب تخدير يعمل في العراق يخلو منها، اما من الناحية الاجتماعية فالمجتمع ينظر باكبار الى فروع معينة وينظر بعين اخرى الى فروع اخرى وهذا سبب كافي لاقلاع الاطباء عن اختيار فرع خطير ومجدب ومعزول اجتماعيا كالتخدير.

س/في الختام ماهي الامور حسب وجهة نظركم الكفيلة بانجاح هذا الفرع المهم وتطوير ادائه؟

- هناك امور كثيرة منها، اعتماد وتعميم تقنية الولادة بلا ألم في كل مراكز الولادة وايفاد اطباء التخدير الى مراكز تدريب اقليمية للتدريب وتخصيص نسبة معقولة من الاجور للمخدرين ومساعديهم لانجاح هذه التجربة العلمية والانسانية، وذلك حسب النقاط التالية:

1.     افتتاح مراكز ادارة الألم بإدارة طبيب تخدير وتعميمها على كل محافظات العراق مع توفير كل المستلزمات الطبية والتقنية وتدريب كوادر التخدير عليها لتطوير الواقع الصحي العراقي وترجمة حية لمفهوم ان اهم حق من حقوق الانسان هو حق التحرر من الالم.

2.     فرض هيبة الدولة ومنع اي جهة غير حكومية من مقاضاة او تهديد طبيب او كادر طبي اثناء او بعد الواجب والزام العشائر بتعهد خطي بعدم تهديد الاطباء في حالة عدم ثبوت تقصيرهم بالواجب.

3.     اصدار تشريعات من قبل نقابة الاطباء وبالتنسيق مع وزارة الصحة قسم التفتيش لالزام المستشفيات الاهلية بتشغيل اطباء التخدير بواقع طبيب لكل صالة جراحية لتوفير موارد مالية متوازنة للجميع واحتراما وتقديرا لصحة المريض، ومن جانب اخر منع الاحتكار حيث تسيطر الان زمر قليلة على اغلب المستشفيات الاهلية في البلد.

4.     الاهتمام باسكان اطباء التخدير  لانها من الاسباب المهمة لاقلاع بعضهم من الدوام في المحافظات البعيدة او حتى  الهجرة الى الخارج بسبب صعوبة الحصول على السكن.

5.     افتتاح مراكز انعاش تنفسي بادارة اطباء تخدير في كل المحافظات مع توفير المستلزمات الطبية وفرص التدريب الداخلية والخارجية للاطباء المخدرين ومساعديهم والكادر التمريضى.

6.     توئمة مراكز واقسام التخدير في مستشفياتنا مع مراكز واقسام التخدير في الدول المتقدمة لتطوير المهارات.

7.     التنسيق مع الخبرات العراقية في مجال التخدير واستقبالها في العراق وليكن في كردستان وعقد لقاءات ومؤتمرات علمية لها للاستفادة من تجاربها من قبل اطباء البلد.

8.     افتتاح قسم انعاش وطوارئ في كل الكليات الطبية.

  

الدكتور ميثم الكناني

شبكة النبأ المعلوماتية- االسبت  12/تموز/2008 - 8/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م