قصاصة ورقية عُمرها أربعون يوماً

وجدي آل مبارك

في هذه الأيام تمضي أربعون يوماً على وفاة العالم الرباني آية الله السيد محمد رضا الشيرازي قدس الله نفسه الشريفة وهي ذكرى نستذكر فيها هذا المصاب الجلل الذي حل بفقد هذا العالم الرباني الذي مثل وجسد بسلوكه وأخلاقه وورعه وتقواه سيرة محمد وآله (ص)، ولعل وقوفنا في ذكرى الأربعين لوفاة السيد الجليل هي مع القصاصة الورقية التي وجدت في جيبه بعد وفاته، وهي قراءة بسيطة فيما احتوت عليه من دروس ومواعظ تحتاج إلى وقفة تأمل منا.

• لماذا هذه القصاصة في جيبه؟

بعد العثور على هذه القصاصة في جيب سماحته يمكن أن يتبادر للذهن تساؤل بديهي وهو: لماذا ترك هذه القصاصة في جيب ثوبه؟!! إنها قصاصة ذات مغزى ورسالة تدل على بعد النظر والحنكة الذي تمتع بها سماحة السيد رحمه الله، والأعجب كيف استطاع أن يختزل كل ما يشغل تفكيره من أموره الدنيوية والدينية والأخروية في قصاصة صغيرة خطتها يداه، فكانت كلماتها قصيرة في ألفاظها كبيرة في معانيها، ذات أبعاد إيمانية ومعرفية سعى لإيصالها إلى عقول الناس، وطلب فيها قضاء ماعليه من حقوق وواجبات افترضها الله عليه، و الصفح والمعذرة من ذوي القربى والمحيطين به.

• الحرص على علاقة العبد وواجبه مع خالقه

بدأ سماحة السيد قصاصته الورقية بتوجيه العقول إلى غاية وجود الإنسان المتجسدة في العبودية المطلقة لله جل شأنه، وحرصه الشديد على إكمال الواجبات والحقوق المفترضة عليه كعبد، فجسد بذلك مفهوم العبودية الحقيقية والخضوع المطلق لله المعترف إليه بالخطأ والتقصير -مع ما يتمتع به من إيمان وتقوى، لذلك أوصى بقضاء جميع صلواته وصيامه، لكي يصل بنفسه إلى حالة من الاطمئنان باكتمال واجباته قبل خروجه من دار الدنيا إلى عالم الآخرة، وهي رسالة توعوية لنا مفادها: أننا مهما وصلنا إلى مراكز ومناصب سنظل بشر قاصرين تسري علينا سنن الله المختلفة.

• القبول بالآراء الأخرى

أما في الوقفة الثانية من هذه القصاصة فكانت مع محاضراته بما احتوت عليه من معارف ومكتسبات معرفية وأخلاقية وتربوية كان لها الوقع القوي في نفوس الملايين من الناس، لكنه بمقابل ذلك طلب الاستماع إليها وحذف ماينبغي حذفه منها، وهي رسالة منه: أنه يقبل برأي من يخالف رأيه وطريقته ومنهجه، ورسالة لنا: بأن نسمح للآخرين بطرح آرائهم وأفكارهم والتعبير عنها ومناقشتهم فيها -حتى مع اختلافنا معهم أو بتيقننا بخطئهم.

• العلاقة مع العالم والزهد في المال

لم تكن علاقة سماحة السيد بالمرجع الديني آية الله السيد صادق الشيرازي دام ظله علاقة عالم بعالم فقط - بل علاقة التلميذ بأستاذه، وعلاقة الابن بوالده، وهذا ماجسده في تعامله الأخلاقي معه، فحرص في قصاصته على الإشارة إلى هذه العلاقة الوطيدة حينما طلب الصفح من عمه -سماحة المرجع، و براءة ذمته من الحقوق الشرعية التي كان سماحة السيد يقوم بتوزيعها نيابة عنه.

وهنا لفته مهمة تدل على زهد السيد الجليل الذي لم يمتلك أموالاً يوصي بها بعد موته، بل سلك طريقاً حرص فيه على رضى الله زاهداً بزينة الدنيا وزخرفها.

• براءة الذمة من حقوق القربى والمقربين

تعتبر حقوق وواجبات البشر من أهم الأمور المتعلقة بحساب البشر والتي تقف حائراً في مرضاة الله خاصة في يوم القيامة فحرص سماحة السيد قدس الله نفسه أن يبرئ ذمته من حقوق القربى والمقربين منه، وطلب الصفح منهم عن أي تقصير في حقوقهم وواجباتهم!! لأن التعدي على حقوق الناس ذنب لايغتفر إلا بمسامحتهم وبراءة ذمته منهم.

وفي هذه الوقفة تتجلى صفة تمتع بها سماحة السيد وهي صفة المتوكلين على الله، فالملاحظ أنه لم يوصي بأهله وأولاده بل ترك أمورهم مرتبطة بالله عز وجل، لأنه وصل إلى قمة التوكل على الله، وهي منزلة لايصل إليها إلا في مثل هؤلاء العارفين والقريبين من الله.

• الختام بولاية محمد (ص)

ختم سماحة السيد قصاصته الورقية بطلب المغفرة والإنابة من الله، والتوسل بمحمد وأهل بيته  ، لعلمه الكبير بمنزلتهم وقربهم من الله، فختم قلمه وعمله بشهادته الولاية لمحمد وآله الطاهرين، فطوبى لك سيدي هذه الخاتمة التي ختمت بها صحيفة أعمالك، فسلام عليك سيدي حين ولدت وحين تموت وحين تبعث حيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- االسبت  12/تموز/2008 - 8/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م