المثقف العربي وداء النبح بالإيجار

صالح النعامي

أبو الطيب المتنبي كان أكثر شعراء الضاد الذين انفردوا بأشعار الحكمة، حتى أن الكثيرين منا  يرددون هذه الأشعار دون أن يعوا أنها للمتنبي، ومع ذلك فان سيرة هذا الشاعر الفذ تعكس ازمة المثقف العربي في كل زمان ومكان،   وهي البون الشاسع بين النظرية والتطبيق، فهذا الشاعر الذي ردد التاريخ كما  الملايين شعره الذي يمجد الأنفة وعظائم الامور لم يجد غضاضة أن يقضي ردحاً  طويلاً من حياته متسولاً بين حكام زمانه ناشداً الامارة، ظل يمدح سيف الدولة على أمل أن يحظى بامارة بين حلب وحمص وبعدما يئس منه، رحل الى مصر لكي ينشدها لدى " العبد " كافور الاخشيدي، واخذ يخلع عليه القصائد تلو القصائد مدحاً وتعظيماً على أمل أن يحظى بامارة ولو على قرية في أقاصي صعيد مصر، وبعدما تنكر له كافور انقلب عليه وقال فيه ما يعرفه الجميع، لكن هذا الشاعر اليعربي الذي تغني بالعروبة وكان أول من اشار في ذلك العصر الى ازمة الاغتراب التي يحياها المواطن العربي في وطنه، هذا الشاعر لم يتردد في التوجه الى أعداء العرب من الديلمة وبني بنويه طالباً امارتهم ومات وهو في سعيه هذا.

المثقف العربي في أحسن حالاته هو مثل المتنبي، صحيج أن المتنبي تزلف الحكام على أمل أن يحظى بامارة لكنه عندما يئس منهم هجاهم وأقذع في هجائهم، لكن سقف تطلعات  المثقف العربي حالياً الذي يداهن الحكام ويذود عنهم طمعاً في قربهم  أقل بكثير من سقف المتنبي، فمعظم المثقفين العرب ينصبون أنفسهم أبواق للحكام حتى دون أن يشعر بهم هؤلاء الحكام. يكفي المرء ان يطلع يوميا على مقالات الراي التي تزخر بها الصحافة العربية سواء في العالم العربي أو في المهجر، يذهل الانسان  من كثرة المتزلفين من كبار الكتاب، فهؤلاء يسمحون لانفسهم بالخوض في كل امر الا في الامور التي تتعلق ببلدانهم فعندها اما أن يصمتون أو ببساطة يتحولون لاختلاق المسوغات للدفاع عن الحاكم.

 هذا الواقع جعل مقولة ابن خلدون " الكتابة اله السلطان " تسري الى يومنا هذا. من هنا جاء الدور الباهت للمثقف العربي في تغيير الواقع المزري لوطنه وأمته، فالحاكم لن يبخل بالعلف اذا وجد ان هناك قرائح تنبح بالايجار. الكثير من كبار المثقفين يلجأون في كتاباتهم  الى التمويهات المعقدة التي لا يستطيع ان يستوعبها القارئ العربي، وذلك حتى يبقوا في ابراجهم العاجية بعيدا عن الناس وعن مشاكلهم، احدهم يعدم مساحات كبيرة في صحيفة عربية للدفاع عن الرقص الشرقي ولكي يثبت ان ربات هز البطن مثلهن مثل الكتاب والادباء والعلماء يساهمن في بناء الحضارة العربية، وتصبح هذه القضية مادة للسجال بين كبار الكتاب على صفحات هذه الصحيفة،  بينما تنشر منظمة العفو الدولية ان الدولة العربية  التي ينتمي اليها هذا الكاتب لازال المعتقلون فيها يتعرضون للاغتصاب !!!!!.

 ليس هذا فحسب الذي يشكل عزاء للحكام، فحقيقة ان نصف الجمهور العربي هو جمهور أمي ولا يطلع على ما يشغل المثقفون هو أيضا موطن سلوى لهم.

www.naamy.net

شبكة النبأ المعلوماتية- االاربعاء  9/تموز/2008 - 5/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م