زيادة حالات اصابة العراقيين بالأمراض السرطانية.. علامات تساؤل

تحقيق/صباح جاسم

تجلس أحلام بجَلَد يبدو انه نابع من يأس، بإنتظار دورها للحصول على جرعتها من العلاج الكيميائي، في نهاية رواق يؤدي الى صالتين كبيرتين إحداهما للنساء والاخرى للرجال، يتم فيهما إعطاء مرضى السرطان الوافدين من مختلف المحافظات جرعة العلاج المخصصة لهم في مستشفى مرجان في الحلة حصراً.

اذ يعاني العراقيون منذ ثمانينات القرن الماضي من تعدد الحروب التي أنهكَت كاهلهم بشكل مأساوي وخرّبت بنى بلدهم التحتية حتى صارت الخدمات الاساسية للعيش الطبيعي حلماً من الاحلام البعيدة المنال.

وفي ظل هذه الاوضاع الكارثية ظلت الحالة الصحية للمواطنين الهاجس الذي يؤرقهم بشكل مستمر لما أفرزته تلك الحروب من بيئة ملوثة حتّمت عليهم آثارا سلبية آنية واخرى طويلة الأمد، ومنها امراض السرطان الذي أخذت حالاته بالانتشار بشكل غير طبيعي مؤخرا في جنوب ووسط العراق بإعتبارها مناطق تركزت فيها اغلب العمليات الحربية الضخمة وتلقت اراضيها ومياهها الاف الاطنان من القنابل، التي منها ما احتوى على اليورانيوم المنضب وهو المسبب الرئيسي لأمراض السرطان لما يحتويه من كميات كبيرة من الإشعاعات التي تبقى تبث سمومها لعشرات السنين. حيث ان اليورانيوم معدن مشع بالإضافة الى كونه عنصر ثقيل مادياً تمتد سلسلته الكيميائية الى عنصر الرصاص السام، وكلها مواد  تتسب في الاصابة بالسرطان.

وأصيبت أحلام بغدة سرطانية قام الاطباء برفعها، لكن البرنامج العلاجي حتم عليها الخضوع الى ستة جرعات علاج كيميائي الامر الذي أنهك قواها بشكل كبير وأوهن جسدها وأسقط شعرها بمجرد اخذها لثلاث جرع.

وأحلام، 30 سنة، أم لطفل رضيع، هي واحدة من بين العديد من العراقيين الذين يواجهون بألم مصيراً مأساوياً في ظل عدم توفر العلاجات الكافية والكوادر الطبية المتخصصة والمراكز المتطورة للكشف المبكر عن حالات السرطان والتعامل الدقيق معه. حيث انها تأتي من محافظة كربلاء الى الحلة لعدم توفر مركز علاجي في محافظتها.

وقالت أحلام متسائلة، لماذا لا يتم فتح مركز متخصص لعلاج السرطان في كربلاء..هل ان الدولة ليست لديها اموال.. هم يقولون ان هناك فائض كبير في الميزانية واسعار النفط المُصدّرترتفع كل يوم..

وتابعتْ بوهن، رحلتي الدورية لأخذ جرعة العلاج من كربلاء الى بابل تنهكني جدا.. أنا شبه يائسة حتى انني قد أوصيت أختي برعاية إبني إن فتكَ بي المرض ووافاني الأجل..

جنان عبدالله هي الاخرى مثالاً للعديد من المرضى الذين قضوا أثر إستفحال مرض السرطان لديهم دون معرفة السبب على وجه التحديد، حيث أصيبت فجأة ودون سابق إنذار بسرطان تحت الجلد أدى الى تسمم الدم ومن ثم عجز الكليتين عن العمل وتوقفهما، وأثناء ذلك كانت جنان خاضعة لمختلف انواع العلاج بالمضادات الحيوية.. وبعد فشل العلاجات حوّلها الاطباء الى العلاج الكيميائي.. ولكن دون فائدة.

يقول علي، الأخ الاكبر لِجنان، خلال فترة مرافقتي لشقيقتي في رحلتها المضنية مع المرض لم أجد الاهتمام العلمي في التشخيص والمعالجة رغم ان الطبيب المعالج كان متعاطفا ومتعاونا جدا، وأنا أعزوا ذلك الى قلة الاجهزة والمستلزمات الحديثة الخاصة بهذا المرض...

وأضاف، يجب الإلتفات جدياً لهذا الموضوع من قِبل الدولة من خلال توفير المستلزمات الطبية والكوادر المتخصصة والمراكز العلاجية التي هي قليلة جداً الان. فضلاً عن ان هناك شحة كبيرة في الاطباء الاختصاصيين خاصة في المجالات النادرة.

يُذكر ان نقابة الأطباء العراقيين قالت ان ما يتراوح بين 60 و70 في المئة من بين (2327) طبيبا متخصصاً رحلوا عن العراق بسبب العنف والارهاب الذي طال العديد منهم. فضلا عن ان 176 طبيبا قتلوا خلال الخمس سنوات الماضية.

صالح مهدي 45، مسؤول مجمع ديني في كربلاء يحتوي على قاعة تعازي، قال مشيراً الى القاعة، هنا وخلال فترة اقل من شهرين أقيمت ثلاث مجالس عزاء على ارواح مرضى قضوا بسبب حالات مختلفة من السرطان.

واضاف، الحالة الاولى كانت لرجل أصيب بسرطان في الامعاء نصحه الاطباء بالسفر الى خارج العراق للعلاج لكنه فقير الحال ولم يستطع تدبر أمره وبقي تحت رحمة ما هو متوفر من امكانيات بسيطة في البلد حتى قضى تحت سطوة المرض.

وتابع، الحالتين الاخريين كانتا لفتى لم يبلغ العشرين من العمر أصيب فجأة بورم في رأسه وادى ذلك الى شلل تام ومن ثم وفاته وكذلك الحالة الثالثة قضت بالسرطان ايضاً.

الدكتور رياض الزبيدي، استاذ جامعي وطبيب اخصائي في مستشفى مرجان الذي يحوي مركزاً لعلاج السرطان قال، ان النظام الصحي في العراق يعاني من مشاكل وأزمات متعددة بسبب الحروب المتعاقبة  وكذلك سنوات الحصار منذ عام 1990 وحتى عام 2003، فضلاً عن تدهور الوضع الأمني خلال السنوات الماضية والذي تسبب في إهمال كبير للقطاع الصحي عموما.

وأضاف د. الزبيدي، في العقود الاخيرة إتسعت ظاهرة الاصابة بالسرطان لدى مختلف الفئات العمرية خاصة في وسط وجنوب العراق.

وعن سبب عدم توفر مراكز متخصصة بالسرطان وحصر العلاج الكيميائي في اماكن قليلة جداً في البلد قال الزبيدي، ان قلة مراكز السرطان التخصصية يعود الى قلة الكوادر المتخصصة بهذا المرض، وأما سبب حصر العلاج الكيميائي والإشعاعي في اماكن محدودة جدا فهو لأهمية هذه العلاجات وندرتها وللخوف من تسربها الى الاسواق..

ولفت الى ان هناك أسباب كثيرة لظهور الاصابة بهذا المرض منها نسبة التلوث العالية في ارض ومياه البلد وقلة الكوادر والاجهزة والبرامج الطبية الحديثة الخاصة بالمرض بالإضافة الى أسباب وراثية وأخرى تتعلق بسن الزواج.  

وتابع، أنا أضيف عاملا اخر وهو الحالة النفسية المنهَكة للمواطنين وما تفرزه من تداعيات سلبية على جهاز المناعة في الجسم ما يؤدي الى إضعافه وتحوله الى صيد سهل للأمراض المختلفة.

محمد علي حسين، مدير إعلام بيئة محافظة كربلاء قال عند سؤاله عن مدى صحة انباء أفادت بانتشار حالات سرطان سببها التلوث، قامت مديرية البيئة مؤخرا بإجراء كشوفات في منطقة الرشيدة بقضاء الهندية بعد ورود معلومات عن حالات سرطان ظهرت هناك، وكشفت نتائج المسح عن وجود اكثر من (20) حالة سرطان أصابت الاهالي بالاضافة الى عدة حالات وفيات سبقتها وبسبب نفس المرض.

وتابع محمد علي، لاتوجد لحد الان إستنتاجات علمية دقيقة عن الأسباب الحقيقية لتلك الإصابات ولكن واقع الامر يشير الى نسبة التلوث العالية في تلك المناطق نتيجة عوادم معامل الطابوق المنتشرة وماتفرزه من سموم على مدار الساعة وفي كل يوم.

واضاف محمد علي، هناك ايضا اسباب عمومية مخفيّة تتركز في المنتجات الاستهلاكية غير الخاضعة للسيطرة النوعية عند استيرادها، مثل بعض انواع (الجبس) الذي أُخذت منه مؤخراً، عيّنة وثبت وجود مواد مسرطِنة فيها ولكن الامر ظل في زاوية الإهمال والتغاضي لأسباب مختلفة تتراوح بين تهاون الجهات المعنية وعدم وجود جهات رقابة صحية تقوم على مراقبة المنتوج المستورد وفحصه بصورة دقيقة وكذلك أسباب تتعلق بإمكانيات حفظ المواد في ظل عدم وجود الكهرباء خاصة في فصل الصيف..

وتشير مصادر شبه رسمية الى ان ما استُعمل على العراق من قذائف وإطلاقات اليورانيوم المنضب خلال حرب الخليج الثانية عام 1991 بلغ ما يقارب الـ 300 طن. لاتزال حتى الان دون رفع او طمر او معالجة ناشرة شبح السرطان في ارض وأجواء العراق.. الى أجلٍ غير مسمى.

شبكة النبأ المعلوماتية- االثلاثاء  8/تموز/2008 - 4/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م